إسلام ويب

شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [5]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الصلاة هي عمود الإسلام وركن من أركانه الخمسة، ولابد لهذه الصلاة من طهارة، وطهورها الوضوء وهو مفتاحها، فلا يقبل الله من عبد صلاة بغير وضوء.

    شرح حديث: (لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور)

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب فرض الوضوء.

    حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور) ].

    هذا الحديث رواه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وفيه أن المتصدق من غلول لا تقبل صدقته، والغلول: هو الخيانة في الغنيمة، ومثله أيضاً الأخذ من بيت المال خفية، أو من صدقات تجمع أو أموال، فإذا أخذ من الغنيمة وتصدق من ذلك فإنها لا تقبل صدقته.

    قوله: (ولا صلاة بغير طهور). لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة فلا تصح الصلاة إلا بطهارة.

    إذاً: من أخذ المال من غير حله من الغنيمة أو من بيت المال أو من صدقات تجمع فهذا يسمى خيانة وغلولاً، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161]، وفي الحديث: (من غل أتى به يحمله يوم القيامة) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يأتين أحدكم يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر) فالأمر صعب وشديد، (فيقول: يا رسول الله! أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاًً؛ قد أبلغتك) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فمن غل شيئاً جاء به يوم القيامة يحمله ويعذب به والعياذ بالله.

    شرح حديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله تعالى جل ذكره صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) ].

    وهذا رواه الشيخان البخاري ومسلم . وقوله: (جل ذكره) هذه زيادة في الحديث من بعض النساخ وهي تنزيه لله عز وجل، لكنها ليست في الحديث ولفظ الحديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ). وهذا حديث مشهور معروف، وفيه: أن الطهارة شرط في صحة الصلاة، وأن الصلاة لا تقبل إلا بطهارة إما بالماء أو بالتراب عند العجز أو فقد الماء.

    شرح حديث: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) ].

    قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجة ، وقال الترمذي : هذا الحديث أصح شيء في الباب وأحسنه. والعلماء والفقهاء يحتجون به.

    وفي سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو لين الحديث وفيه كلام، وهذا الحديث اشتمل على ثلاث جمل: الجملة الأولى: (مفتاح الصلاة الطهور) أي: الدخول فيها لا يصح إلا بالطهور، وهذا دلت عليه الأحاديث السابقة، مثل: حديث: (لا تقبل صلاة بغير طهور) وحديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ).

    الجملة الثانية: (تحريمها التكبير). يعني: أنه إذا كبر ودخل في الصلاة حرم عليه ما كان منافياً للصلاة فيحرم عليه الكلام والأكل والشرب والحركات المنافية للصلاة.

    ولا يجزئ غير التكبير فيقول: الله أكبر، هذا هو الصواب الذي عليه الجماهير ودلت عليه النصوص. وروي عن الشافعي أنه أجاز (الله الأكبر) ومذهب الأحناف أنه يذكر ما يدل على التعظيم لله، سواء قال: الله الأجل أو الله الأعظم صحت ودخل في الصلاة وهذا ليس بصحيح، بل هذا باطل.

    الجملة الثالثة: (وتحليلها التسليم) . يعني: الذي يخرج به من الصلاة ويتحلل منها ويباح له ما كان محرماً هو التسليم، بأن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وهذا هو الذي عليه الجماهير، وروي عن الأحناف: أنه إذا قضى التشهد انتهت الصلاة، ويخرج من الصلاة بأي شيء ينافيها ولو بالحدث، فإنه يخرج من الصلاة، وهذا باطل.

    قوله: (تحليلها التسليم) اختلف العلماء هل لا بد من تسليمتين أو تكفي إحداهما؟ فمن العلماء من أوجبهما وهو الصواب ومنهم الإمام أحمد وجماعة، والجمهور على أن التسليمة الأولى فرض والثانية سنة.

    كلام ابن القيم في معنى قوله: ( مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم)

    قال الإمام ابن القيم : (قوله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) . اشتمل هذا الحديث على ثلاثة أحكام:

    الحكم الأول: أن مفتاح الصلاة الطهور، والمفتاح: ما يفتح به الشيء المغلق فيكون فاتحاً له، ومنه مفتاح الجنة: لا إله إلا الله.

    وقوله: (مفتاح الصلاة الطهور) يفيد الحصر، وأنه لا مفتاح لها سواه من طريقين: أحدهما: حصر المبتدأ في الخبر إذا كانا معرفتين؛ فإن الخبر لا بد وأن يكون مساوياً لمبتدأ أو أعم منه، ولا يجوز أن يكون أخص منه، فإذا كان المبتدأ معرفاً بما يقتضي عموماً كاللام وكل ونحوهما ثم أخبر عنه بخبر اقتضى صحة الإخبار أن يكون إخباراً عن جميع أفراد المبتدأ؛ فإنه لا فرد من أفراده إلا والخبر حاصل له، وإذا عرف هذا لزم الحصر، وأنه لا فرد من أفراد ما يفتتح به الصلاة إلا وهو الطهور، فهذا أحد الطريقين.

    والثاني: أن المبتدأ مضاف إلى الصلاة، والإضافة تعم، فكأنه قيل: جميع مفتاح الصلاة هو الطهور، وإذا كان الطهور هو جميع ما يفتح به لم يكن لها مفتاح غيره، ولهذا فهم جمهور الصحابة والأمة أن قوله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4] أنه على الحصر، أي: مجموع أجلهن الذي لا أجل لهن سواه وضع الحمل، وجاءت السنة مفسرة لهذا الفهم مقررة له.

    الحكم الثاني: قوله: (وتحريمها التكبير)، وفي هذا حصر التحريم في التكبير مضي ما تقدم في حصر مفتاح الصلاة في الطهور من وجهين: وهو دليل بين أنه لا تحريم لها إلا التكبير وهذا قول الجمهور وعامة أهل العلم قديماً وحديثاً، وقال أبو حنيفة : ينعقد بكل لفظ يدل على التعظيم، فاحتج الجمهور عليه بهذا الحديث ثم اختلفوا، فقال أحمد ومالك وأكثر السلف: يتعين لفظ: (الله أكبر) وحدها. وقال الشافعي : يتعين أحد اللفظين (الله أكبر) و(الله الأكبر). وقال أبو يوسف : يتعين التكبير وما تعرف منه نحو: (الله الكبير) ونحوه).

    والصواب أنه لا يجزئ إلا التكبير (الله أكبر).

    قال: (الحكم الثالث: قوله: (تحليلها التسليم)، والكلام في إفادته الحصر كالكلام في الجملتين قبله، والكلام في التسليم على قسمين:

    أحدهما: أنه لا ينصرف من الصلاة إلا بالتسليم، وهذا قول جمهور العلماء. وقال أبو حنيفة : لا يتعين التسليم بل يخرج منها بالمنافي لها من حدث أو عمل مبطل ونحوه، واستدل له بحديث ابن مسعود الذي رواه أحمد وأبو داود في تعليمه التشهد، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته ولو كان فرضاً لعلمه إياه، وبأنه ليس من الصلاة؛ فإنه ينافيها ويخرج به منها، ولهذا لو أتي به في أثنائها لأبطلها، وإذا لم يكن منها علم أنه شرع منافياً لها والمنافي لا يتعين، هذا غاية ما يحتج له به.

    والجمهور أجابوا عن هذه الحجج: أما حديث ابن مسعود فقال الدارقطني والخطيب والبيهقي وأكثر الحفاظ: الصحيح أن قوله: (إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك) من كلام ابن مسعود وصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود.

    وقوله: أشبه بالصواب ممن أدرجه، وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود رضي الله عنه على وقفه.

    وأما قولكم: إنه ليس من الصلاة؛ فإنه ينافيها ويخرج به منها فجوابه: أن السلام من تمامها وهو نهايتها ونهاية الشيء منه ليس خارجاً عن حقيقته، ولهذا أضيف إليها إضافة الجزء بخلاف مفتاحها؛ فإن إضافته إضافة مغاير بخلاف تحليلها فإنه يقتضي أنه لا يتحلل منها إلا به.

    وأما بطلان الصلاة إذا فعله في أثنائها؛ فلأنه قطع لها قبل إتمامها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087776597

    عدد مرات الحفظ

    773965455