حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان قال: (رأيت
وهذا فيه: بيان كيفية الوضوء، وأن الغسل يكون ثلاثاً، وإذا كان قام من نوم الليل يغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً، سواء كان من الإناء أو من الصنبور أو من غيره، سواء استيقظ من نوم الليل أو لم يستيقظ السنة أن يغسلهما ثلاثاً، وأكمل الوضوء غسل كل عضو ثلاثاً، أولاً: غسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، واليسرى ثلاثاً، ومسح برأسه وغسل رجله اليمنى ثلاثاً، وغسل رجله اليسرى ثلاثاً. هذا أكمل الوضوء، وهو التثليث في كل عضو ما عدا الرأس.
ويجوز أن يغسلهما مرتين مرتين: الوجه مرتين، واليد مرتين، وأذنه مرتين، ورجله مرتين.
ويجوز أن يغسلهما مرة: الوجه مرة، واليد مرة، والرجل مرة.
ويجوز أن يكون مخالفاً، فيغسل بعض الأعضاء ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، كل هذا جاءت به السنة.
وفيه: أن المسلم إذا توضأ وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء فإن هذا من أسباب المغفرة، وفي اللفظ الآخر: (إذا توضأ فأسبغ الوضوء، وصلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه على الله، ولا يحدث نفسه بشيء -من الوساوس- غفر الله له ما تقدم من ذنبه)، والمراد: الصغائر إذا اجتنب الكبائر، أما إذا لم يجتنب الكبائر فإنها تبقى عليه الصغائر والكبائر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم : (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).
وفي لفظ: (ما لم تغش الكبائر)، وفي لفظ: (ما لم تغش كبيرة) ، وفي لفظ: (ما لم تصب المقتلة).
هذه الركعتان سنة الوضوء، وسنة الوضوء تكون بعد كل وضوء، فإذا صلى مثلاً سنة الضحى دخلت سنة الوضوء فيه، وإذا دخل المسجد وصلى السنة الراتبة أو الظهر أو الفجر دخلت فيها سنة الوضوء.
وإذا صلى صارت سنة الوضوء، ولو ما نوى، فإذا توضأ وصلى وإن نواها سنة راتبة أو الضحى أو استفتاح صلاة الليل دخلت سنة الوضوء فيها.
كذلك الفريضة إذا جاء ودخل في الفريضة دخلت سنة الوضوء في الفريضة.
وهذه الركعتان يستحب صلاتهما حتى ولو كان وقت النهي؛ لأنها سبب، والجمهور يرون أنها لا تفعل صلاة ذوات الأسباب في وقت النهي، ويقولون: إن أحاديث النهي أصح وأكثر، لكن الأرجح أنها تفعل ولو في وقت النهي.
وهذه السنة تعد من إقراره صلى الله عليه وسلم ومن قوله، فإنه أقر بلالاً حين قال: (ما توضأت وضوءاً في ليل أو نهارٍ إلا وصليت به ركعتين).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا عبد الرحمن بن وردان حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني حمران قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ.. فذكر نحوه، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، وقال فيه: ومسح رأسه ثلاثاً، ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال: من توضأ دون هذا كفاه) ولم يذكر أمر الصلاة ].
وهذا الحديث ضعيف؛ في سنده عبد الرحمن بن وردان ضعيف، ولا حجة في زيادته: (ومسح الرأس ثلاثاً)، فإن الرأس لا يثلث، ورواية عبد الرحمن هذه ضعيفة مخالفة لرواية الثقات، والحديث السابق ليس فيه مسح الرأس ثلاثاً، وإنما فيه مرة، وكذلك أيضاً أسقط المضمضة والاستنشاق وهو ثابت في الأحاديث.
و عبد الرحمن بن وردان هذا ضعيف، ولا سيما إذا خالف الثقات، فلا يعمل بروايته في تثليث مسح الرأس؛ فإن الرأس لا يثلث؛ وإنما يمسح مرة واحدة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن داود الإسكندراني حدثنا زياد بن يونس قال: حدثني سعيد بن زياد المؤذن عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: سئل ابن أبي مليكة عن الوضوء فقال: (رأيت
فهذا الحديث أكمل ما ورد في الوضوء، وذلك أن فيه التثليث في جميع الأعضاء ما عدا الرأس؛ لأنه تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده اليسرى ثلاثاً، وغسل رجليه ثلاثاً، هذا أكمل ما ورد في الوضوء.
وفيه: أن الرأس لم يثلث، وإنما يمسح مرة واحدة.
وفيه: أن مسح الأذنين تابع للرأس، ولا يحتاج أن يأخذ لهما ماءً جديداً، بل يأخذ ماءً للرأس، ولا يصب الماء على الرأس وإنما يمسح به مسحاً، ثم يمسح أذنيه بالرطوبة الباقية من يديه، يمسح باطنهما وظاهرهما، باطنهما بالسباحتين وظاهرهما مما يلي الرأس بالإبهامين.
وقوله: (فغسل بطونهما وظاهرهما) المراد: المبالغة في المسح، وليس المراد الغسل، وإنما المراد المسح، والغسل يطلق على المسح، والمسح يطلق على الغسل.
وفيه أن الرأس لم يثلث، خلافاً لمن استحب من العلماء تثليث المسح، وهو مروي عن الشافعي رحمه الله؛ استدلالاً بالحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً) لكن هذا مجمل بينته الأحاديث الصحيحة الأخرى.
وفيه: مشروعية غسل اليدين ثلاثاً قبل الوضوء إلى الكوعين، والكوع: هو العظم المقابل للإبهام، والكرسوع: هو العظم المقابل للخنصر، والرسغ: ما بين الكف والساعد، والساعد: من نهاية الكف إلى المرفق، والمرفق: هو العضد في آخر الساق.
فاليدان تغسلان من رءوس الأصابع حتى يتجاوز المرفقين ويشرع في العضد.
وغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً هذا مستحب وليس بواجب، إلا إذا استيقظ من نوم الليل؛ فإنه يتأكد، والجمهور على الاستحباب.
والقول الثاني: الوجوب، وهو قول قوي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) .
والواجب تعميم كل عضو بالغسل مرة واحدة، والمراد بالغسل ما يعمم به الإنسان العضو، فإذا عمم أصل العضو مرة واحدة فهذا يعتبر غسلاً سواء كان بغرفة أو بغرفتين، فيعمم بغرفة وتعتبر مرة، ويجزئ هذا، فإذا تمضمض مرة واستنشق مرة، وغسل وجهه مرة، وغسل يده اليمنى مرة، وغسل يده اليسرى مرة، ومسح برأسه وأذنيه، وغسل رجله اليمنى مرة، وغسل رجله اليسرى مرة فإن هذا الوضوء يجزئ، وإن غسلهما مرتين مرتين فهذا أفضل، وإن غسلهما ثلاثاً ثلاثاً فهذا هو الأفضل والأكمل، وإن غسلهما مخالفاً: فغسل بعض أعضائه ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة فلا حرج، كل هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال في تخريجه: حديث صحيح تفرد به أبو داود.
كل الأحاديث في الوضوء ثابتة: حديث حمران عن عثمان ، وحديث زيد بن عبد ربه وغيره، كلها صحيحة وثابتة في الصحيحين وفي غيرهما.
فمرة واحدة هذا هو الغسل الواجب، وهو يجزئ، والمرة الثانية مستحبة، والثالثة مستحبة، والأكمل ثلاثاً ثلاثاً، ولا يزيد على ثلاث.
وكون المسح مرة ثابت في الأحاديث الصحيحة، وستأتي الأحاديث التي تنص على أنه واحدة.
[ قال أبو داود : أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً، وقالوا فيها: (ومسح رأسه) ولم يذكروا عدداً كما ذكروا في غيره ].
وهذا كما قال أبو داود رحمه الله: الأحاديث الصحيحة كلها ليس فيها: أن الرأس يثلث، وإنما فيها أن الرأس يمسح مرة، وهذا يدل على ضعف رواية عبد الرحمن بن وردان في الحديث السابق الذي فيه ذكر تثليث المسح، وعبد الرحمن بن وردان تكلموا فيه وقالوا: خالف الحفاظ، وفيه ضعف ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله من تثليث المسح وغيره؛ استدلالاً بالحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً) وهذا مجمل في كل الأعضاء ما عدا الرأس، أما الرأس فلا يثلث، كما في الأحاديث الصحيحة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى حدثنا عبيد الله -يعني: ابن أبي زياد - عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي علقمة : (أن
وهذا الحديث فيه عبيد الله بن زياد ، وقد تكلموا فيه، لكن حديث عثمان ثابت من غير هذه الطريق.
قال في تخريجه: عبيد الله بن أبي زياد القداح بفتح القاف وتشديد المهملة، قال علي بن المديني ويحيى القطان كان وسطاً لم يكن بذاك، وقال الزهري ومعاوية وصالح عن ابن معين ضعيف، وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ولا المتين هو صالح الحديث، يكتب حديثه، وقال: الآجري عن أبي داود : أحاديثه مناكير، وقال النسائي : ليس به بأس، وقال في موضع آخر: ليس بالقوي، وقال في موضع آخر: ليس بثقة وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بقوي عندهم، وقال أبو حاتم : لا يحتج به إذا انفرد، وقال العجلي : ثقة، وقال الحاكم في المستدرك: كان من الثقات.
والمقصود: أن هذا مختلف فيه، ولكن الحديث ثابت، وهذا مما ضبطه، وهو في الصحيحين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن عامر بن شقيق بن جمرة عن شقيق بن سلمة قال: (رأيت
وهذا ضعيف؛ لأن عامر بن شقيق بن جمرة هذا ضعيف؛ وقوله: (ومسح رأسه ثلاثاً) لا يثبت هذا، هذا من أغلاط عامر بن شقيق بن جمرة وأوهامه، والثابت في الأحاديث الصحيحة ليس فيها تثليث المسح.
[ قال أبو داود : ورواه وكيع عن إسرائيل قال: (توضأ ثلاثاً) فقط ].
يعني: ولم يزد، والمقصود: أن قوله: (ومسح رأسه ثلاثاً) لا يحتج به؛ لأن هذا من أغلاط وأوهام عامر بن شقيق بن جمرة .
وجاء في نسخة: (توضأ ثلاثاً) قط.
قوله: (قط) بفتح القاف وسكون الطاء بمعنى: حسب، ثم قال: أي: أن وكيعاً اقتصر في روايته على لفظ: (توضأ ثلاثاً) فقط عن إسرائيل ، ولم يفصل، ولم يبين في روايته كما بين يحيى بن آدم عن إسرائيل .
قال: وأكثر ما يستعمل بالفاء، أي: فقط، وهذه الرواية دليل على حذف الفاء.
والظاهر أن (فقط) بمعنى (قط)، لكن هذه بدون زيادة.
وهذا فيه عن عبد خير وهو من أصحاب علي ، وفيه النص على أنه مسح رأسه مرة واحدة؛ لأنه قيدها بقوله: (مرة واحدة).
وفيه: المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، فإنه مضمض واستنشق واستنثر من كف واحدة، وهذا هو الأفضل، فالأفضل أن يأخذ كفاً من ماء، ثم يتمضمض ويستنشق، فبعض الكف يتمضمضه، وبعضه يستنشقه، ويستنثر بيده الأخرى، يفعل هذا ثلاثاً.
وإن تمضمض بكف واستنشق بكف فلا بأس، لكن الثابت في الأحاديث في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: أنه تمضمض واستنشق من كف واحدة.
قال في تخريجه: عبد خير بن يزيد الهمداني أبو عمارة الكوفي مخضرم أدرك الجاهلية. قال عثمان الدارمي عن يحيى بن معين : ثقة، وقال ابن أبي شيبة عن يحيى جاهلي. وقال العجلي : كوفي تابعي ثقة. قلت: وقال أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي : سألت أحمد بن حنبل عن الثبت في علي رضي الله عنه فذكر عبد خير فيهم. وقال الخطيب : يقال: اسم عبد خير عبد الرحمن وذكره مسلم في الطبقة الأولى طويلاً، قال عبد الملك بن سلع : قلت لـعبد خير : كم أتى عليك؟ قال: عشرون ومائة سنة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة حدثنا خالد بن علقمة الهمداني عن عبد خير قال: (صلى
وهذا كما سبق فيه: أنه تمضمض ثلاثاً، وغسل كفيه ثلاثاً، ومسح رأسه مقدمه ومؤخره، ويصح مسحه كيفما فعل، لكن الأفضل جاء في حديث حمران وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه).
فيأخذ كفاً للمضمضة والاستنشاق، ثم يأخذ ماءً ويغسل وجهه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت مالك بن عرفطة قال: سمعت عبد خير قال: (رأيت
وفيه: أنه لا بأس بالوضوء للتعليم، فيتوضأ للتعليم وينوي الوضوء ورفع الحدث.
فإذا توضأ للتعليم ونوى به الوضوء ورفع الحدث فإنه يكون وضوءاً، كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر وركع، ثم لما أراد السجود نزل القهقرى وسجد في الأرض، ثم لما قام صعد على المنبر وركع، ولما أراد السجود نزل القهقرى وسجد في الأرض وقال: (إنما فعلت هذا لتعلموا صلاتي) فالصلاة للتعليم أو الوضوء للتعليم ما عليه بأس، وهو عبادة.
وقول المؤلف: ( مالك بن عرفطة )، بعضهم قال: إنه خالد بن علقمة .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا ربيعة الكناني عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش أنه سمع علياً وسئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقال: (ومسح رأسه حتى لما يقطر، وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسل) ].
المنهال بن عمرو بعضهم تكلم فيه، فقد تكلم فيه ابن حزم رحمه الله، لكنه لا بأس به، وفيه زر بن حبيش وهو من أصحاب علي وابن مسعود .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: حديث زر عن علي هذا: فيه المنهال بن عمرو كان ابن حزم يقول: لا يقبل في باقة بقل، ومن روايته حديث البراء الطويل في عذاب القبر، والمنهال قد وثقه يحيى بن معين وغيره، والذي غر ابن حزم شيئان:
أحدهما: قول عبد الله بن أحمد عن أبيه، تركه شعبة على عمد.
والثاني: أنه سمع من داره صوت طنبور، وقد صرح شعبة بهذه العلة، فقال العقيلي عن وهيب : قال: سمعت شعبة يقول: أتيت المنهال بن عمرو فسمعت عنده صوت طنبور، فرجعت ولم أسأله، قيل: فهلا سألته فعسى كان لا يعلم به؟
والمنهال بكسر الميم وسكون النون ابن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي، قال ابن معين والنسائي : ثقة، وقال العجلي : كوفي ثقة، وتركه شعبة ؛ لأنه سمع في منزله صوت طنبور.
وشذ شعبة رحمه الله في هذا.
تركه هذا يعني: طعن فيه، وهذا يحتاج إلى سؤال، فإن كان عالماً وأقره فهو طعن فيه، وإن كان لم يعلم، أو غلب على أمره فيكون معذوراً في هذا.
والمقصود: أن الجرح لا بد أن يكون مفسراً، وأن يكون عن علم بهذا، وإلا فالأصل أنه ثقة.
قوله: (حتى لما يقطر) هذه زيادة تشير إلى أن المسح كان مرة واحدة؛ لأنه لو كان ثلاثاً لقطر الماء عن رأسه بعد المسح.
قال صاحب عون المعبود: [ لما: بفتح اللام وتشديد الميم بمعنى: لم، وهي على ثلاثة أوجه:
أحدهما: أن يختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضياً مثل لم، إلا أنها تفارقه في أمور.
وثانيها: أنها تختص بالماضي، فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما.
وثالثها: أن تكون حرف استثناء، فتدخل على الجملة الإسمية، وهاهنا للوجه الأول ].
والمراد الوجه الأول (حتى لم يقطر)، يعني: أنه مرة واحدة.
هذا الحديث فيه النص على أن مسح الرأس مرة واحدة.
قوله: ( أبو حية ).
هو أبو حية بن قيس الوادعي الخارفي نسبة إلى خارف، وهي بطن من همدان، نزل الكوفة، واختلف في اسمه، وقال أبو أحمد الحاكم وغيره: لا يعرف اسمه.
وقال أبو زرعة : لا يسمى. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو الوليد بن الفرضي : مجهول، وقال ابن المديني، وقال ابن القطان: وثقه بعضهم، وصحح حديثه ابن السكن وغيره.
يقول في التقريب: قال: مقبول، والحديث له متابعات وشواهد.
هذا الحديث ضعيف، ضعفه البخاري والشافعي وفيه نكارة من وجهين:
الوجه الأول: أنه صب الماء على ناصيته بعد غسل يديه ثلاثاً.
الوجه الثاني: أنه غسل رجليه وفيهم النعلان، وهذا فيه إفساد لهما، وقد جاءت النصوص بعدم إضاعة المال، إلا أن يقال: إنهما نعلان لا يضرهما الماء، فلا يؤثر فيهما الماء، لكن المعروف أن النعلين كانتا من جلد؛ فيؤثر عليهما الماء.
قوله:( محمد بن إسحاق ) صاحب المغازي، وهو ثقة لكنه مدلس رحمه الله.
قوله: ( ابن ركانة ): بضم الراء، محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة القرشي المطلبي ، وثقه ابن معين وأبو داود وذكره ابن حبان في الثقات، مات في أول خلافة هشام بن عبد الملك بالمدينة.
قال الخطابي : وأما هذا الحديث فقد تكلم الناس فيه. قال أبو عيسى : سألت محمد بن إسماعيل عنه فضعفه. وقال: ما أدري ما هذا، وقد يحتمل - إن ثبت الحديث - أن تكون تلك الحفنة من الماء قد وصلت إلى ظاهر القدم وباطنه، وإن كان في النعل، ويدل على ذلك قوله: ففتلها بها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال أبو داود : وحديث ابن جريج عن شيبة يشبه حديث علي لأنه قال فيه حجاج بن محمد عن ابن جريج : ومسح برأسه مرة واحدة. وقال ابن وهب فيه عن ابن جريج : ومسح برأسه ثلاثاً ].
حديث (غسل قدميه في نعله) ثبت عن علي وقال: هذا وضوء من لم يحدث.
قال ابن القيم : [ فإن البخاري روى في صحيحه حديث ابن عباس رضي الله عنهما كما سيأتي، وقال في آخره: (ثم أخذ غرفة من ماء فرش بها على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها -يعني: رجله اليسرى- ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ) ] وقد حسنه الألباني.
حديث عبد الله بن زيد ثابت في الصحيحين وغيرهما، وفيه: أنه غسل وجهه ثلاثاً وغسل يديه مرتين مخالفة.
فيه المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، وأنه كررها ثلاثاً.
فيه: أنه يأخذ ماءً جديداً للرأس غير ماء اليدين، لكن لا يصب الماء على الرأس وإنما يمسح.
وَضوء بفتح الواو أفصح، ويعني: بالماء، والفعل يقال بضم الواو، فهو أفصح، وإلا يجوز أن يطلق هذا على هذا، وهذا على هذا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوَء فتوضأ فغسل كفيه ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما) ].
هذا الحديث في سنده حريز وهو متهم برأي الخوارج، وهو من رجال البخاري ، أما عبد الرحمن الحضرمي فهو ضعيف، قال فيه الحافظ: مقبول، وقد خالف الثقات هنا، فقوله: (ثم تمضمض واستنشق) بعد غسل اليدين منكر؛ لأنه أتى بكلمة (ثم) التي تفيد الترتيب، وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة؛ فيكون شاذاً، فلا حجة فيما رواه عبد الرحمن الحضرمي ؛ لأنه مقبول، وقد خالف الثقات، والصواب: أن المضمضة والاستنشاق تكون مع غسل الوجه وقبل غسل اليدين، وهو الذي دل عليه حديث عبد الله بن زيد ، وحديث حمران ، كلها تذكر المضمضة والاستنشاق مع غسل الوجه، وليس فيها أن المضمضة تكون بعد غسل اليدين، وإنما هذا في رواية أبي داود عن الإمام أحمد بن حنبل من شيوخه.
قال محمود : قال: أخبرني حريز ].
هذا فيه كيفية مسح الرأس، وهي على هذه الكيفية إذا عمم أجزأه، لكن الأفضل ما جاء في الأحاديث الصحيحة في أنه يبدأ من مقدم رأسه إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، وهنا فيه أن وضعه هنا كان على قصة رأسه، ثم أمرها، وهذا لا بأس به، لكن الأفضل أن يبدأ بمقدم رأسه، ثم يذهب بهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه.
الوليد بن مسلم مدلس، لكنه صرح هنا بالسماع، وفيه: أن مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، باطنهما: بالسبابتين في صماخ الأذنين، وظاهرهما: بإبهامه مما يلي الرأس.
وهذا في رواية عبد الرحمن الحضرمي لكنه وافق الأحاديث الصحيحة، ووافق الثقات.
هذا الحديث صحيح أخرجه أحمد من طريق الوليد بن مسلم.
وفيه: أنه صب الماء على رأسه، حيث أخذ غرفة بيده اليمنى ثم جعلها وسط رأسه حتى قطر الماء، وهذا فيه نكارة؛ لأنه ورد في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه، وليس فيه أنه أخذ الماء وصبه حتى قطر الماء، ثم مسح رأسه، فالرأس لا يغسل وإنما يمسح، فالمغسولات وهي: الوجه، واليدين، والرجلين، والعضو الرابع يمسح.
و الوليد بن مسلم مدلس، لكنه صرح بالسماع هنا.
المغيرة بن فروة الثقفي أبو الأزهر الدمشقي ، ومنهم من قلبه، وهو مشهور بكنيته، مقبول.
ويزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الهمداني بالسكون الدمشقي القاضي، صدوق ربما وهم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد بهذا الإسناد قال: (فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، وغسل رجليه بغير عدد) ].
لكن العدد ثابت في الأحاديث الأخرى.
هذا الحديث ضعيف؛ لأن في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو سيئ الحفظ، وفيه نكارة، حيث يقول: مسح برأسه مرتين، فإن كان مقصوده بمرتين أنه بدأ بمقدم رأسه واعتبرها مرة، ثم ردهما المكان الذي بدأ منه مرة فهذا لا يعتبر، وإن كان مقصوده أنه كرر المسح فهذا مخالف للأحاديث الصحيحة، والصواب: أن الرأس لا يمسح إلا مرة واحدة، وليبدأ بمقدم رأسه ثم يردهما إلى المكان الذي رجع منه وتعتبر مرة؛ لأنه حين يرده المرة الأخرى يمسح أطراف الشعر الذي ما أصابه في المسحة الأولى، والمرأة مثل الرجل في هذا، ولا يجب عليها مسح الظفائر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن ابن عقيل بهذا الحديث، يغير بعض معاني بشر قال فيه: (وتمضمض واستنثر ثلاثاً) ].
يعني: غير معنى حديث بشر بن المفضل .
يقول الألباني : الحديث السابق، حديث الربيع أخرجه ابن ماجة في الطهارة، والترمذي وقال: حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسناداً.
قال الشيخ شاكر في تعليقه على هذا الحديث: وحديث الربيع صحيح، وإنما اقتصر الترمذي على تحسينه ذهاباً منه إلى أنه يعارض حديث عبد الله بن زيد ، ولكنهما عن حادثتين مختلفتين، فلا تعارض بينهما حتى يحتاج إلى ترجيح، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ بمقدم الرأس، وكان يبدأ بمؤخره، وكل جائز.
هذا الحديث في المسح على أي كيفية، لكن الأفضل أن يبدأ بمقدم رأسه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه كما جاء في الأحاديث، وهذا الحديث فيه عبد الله بن محمد بن عقيل ، أما الليث : فهو الليث بن سعد ثقة إمام معروف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر - يعني: ابن مضر - عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن ربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها أخبرته قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ قالت: فمسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه، وأذنيه، مرة واحدة) ].
هذا الحديث ضعيف، في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف في الحفظ وفيه نكارة مسح الصدغين، والصدغان لا يمسحان.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن سفيان بن سعيد عن ابن عقيل عن الربيع رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يده) ].
هذا الحديث ضعيف، ففيه: عبد الله بن محمد بن عقيل قال البخاري : شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، أي: الأحاديث الصحيحة في أنه يمسح رأسه بماء جديد، لا من فضل يده، بل يأخذ ماء ويغسل وجهه، ثم يأخذ ماءً ويغسل يده اليمنى، ثم يأخذ ماءً ويمسح رأسه، وإنما الأذنان يمسحان تبعاً للرأس؛ لأنهما من الرأس.
أما الرأس واليدان فعضوان مستقلان، فيأخذ ماءً جديداً لهما.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا وكيع حدثنا الحسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأدخل إصبعيه في حجري أذنيه) ].
قوله: (في حجري أذنيه) يعني: في صماخ الأذنين، المسبحة في الصماخ، والإبهامين يمسح بهما ظاهر أذنيه مما يلي الرأس.
وقال مسدد: مسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره، حتى أخرج يديه من تحت أذنيه ].
هذا الحديث ضعيف أيضاً؛ لأن في إسناده ليث بن أبي سليم ، وكذلك مصرف والد طلحة مجهول، وجده عمرو كذلك، وليس له صحبة، وفيه نكارة، وهو قوله: مسح الرقبة إلى القذال، وقوله: أخرج يديه من تحت أذنيه، فكل هذا فيه نكارة؛ لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال أبو داود : قال مسدد: فحدثت به يحيى فأنكره.
وقال أبو داود : وسمعت أحمد يقول: إن ابن عيينة زعموا أنه كان ينكره ويقول: إيش هذا طلحة عن أبيه عن جده؟ ].
قوله: (إيش) كلمة استفهام كـأي شيء هذا، يعني: مختصرة منحوتة من أي شيء، وهي مثل: الحوقلة، والبسملة، والحمدلة. وهي استفهام إنكار، فقوله: (إيش هذا طلحة بن مصرف ) يدل على أن هذا فيه نكارة؛ يعني: استنكر ما رواه طلحة بن مصرف من مسح الرقبة.
وهذا الحديث فيه أن أبا داود كان شيخه أحمد بن حنبل. وقوله: (زعموا) يعني: قالوا، (فزعم) تطلق على مجرد القول، وتطلق على الادعاء الكاذب، فقوله: إيش طلحة ؟ يعني: غير معروف طلحة هذا، ومصرف والده غير معروف، فـطلحة ضعيف، وما رواه فيه نكارة.
هذه هي السنة، حيث إن الرأس والأذنين تمسحان مسحة واحدة.
قال سليمان بن حرب : يقولها أبو أمامة قال قتيبة : قال حماد : لا أدري هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من أبي أمامة رضي الله عنه - يعني: قصة الأذنين -.
قال قتيبة عن سنان أبي ربيعة. قال أبو داود: وابن ربيعة كنيته أبو ربيعة ].
لا شك أن الأذنين من الرأس، وسواء كان هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو من كلام أبي أمامة . والمأقين: ما تحت العينين .
وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد في مسنده.
أما شهر بن حوشب فهذا تكلم فيه وله أوهام، منهم من ضعفه، ومنهم من وثقه، وإذا خالف الثقات فلا عبرة حينئذٍ.
وقال صاحب عون المعبود: المأقين تثنية مأق بالفتح وسكون الهمزة، أي: يدلكهما، في القاموس: موق العين: مجرى الدمع منها أو مقدمها أو مؤخرها.
قوله: (يمسح المأقين) إن كان مقصوده يمسح تبعاً للرأس فلا يكون إشكال، وإن كان المقصود أن الدلك يكون للوجه والمسح يكون للمأقين، فتخصيص المأقين بالمسح ليس له وجه.
وأما قوله: (الأذنان من الرأس)، فهذا حق، وسواء كان هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو قول أبي أمامة فالأذنان من الرأس تابعان له؛ فلا يؤخذ لهما ماء جديد على الصحيح، بل يمسحان بما بقي في اليد.
قال الخطابي : وقوله: الأذنان من الرأس، فيه بيان أنهما ليستا من الوجه كما ذهب إليه الزهري ، وأنه ليس باطنهما من الوجه، وظاهرهما من الرأس، كما ذهب إليه الشعبي ، وممن ذهب إلى أنهما من الرأس المسيب وعطاء والحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير والنخعي وهو قول الثوري وأصحاب الرأي، ومالك وأحمد بن حنبل وقال الشافعي : هما سنة على حيالهما، ليستا من الوجه ولا من الرأس، وتأول أصحابه الحديث على وجهين:
أحدهما: أنهما يمسحان مع الرأس تبعاً له.
والآخر: أنهما يمسحان كما يمسح الرأس، ولا يغسلان كالوجه، وإضافتهما إلى الرأس إضافة تشبيه وتقريب لا إضافة تحقيق، وإنما هو في معنى دون معنى، كقوله: مولى القوم منهم، أي: في حكم النصرة والموالاة دون حكم النسب واستحقاق الإرث، ولو أوصى رجل لبني هاشم لم يعط مواليهم، ومولى اليهودي لا يؤخذ بالجزية، وفائدة الكلام ومعناه عندهم: إبانة الأذن عن الوجه في حكم الغسل، وقطع الشبهة فيهما، لما بينهما من الشبه في الصورة، وذلك أنهما وجدتا في أصل الخلقة بلا شعر، وجعلتا محلاً لحاسة من الحواس، ومعظم الحواس محل الوجه، فقيل: (الأذنان من الرأس) ليعلم أنهما ليستا من الوجه.
والصواب: أنهما من الرأس. والقول بأنهما مستقلتان، أو أن ظاهرهما أي: ما ظهر من الوجه، وما كان من جهة الرأس من الرأس قول ضعيف، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسحهما بعد مسح الرأس؛ مما يدل على أنهما من الرأس باطنهما وظاهرهما.
وقال الحافظ: حديث (الأذنان من الرأس) رواه ثمانية أنفس من الصحابة.
فالحديث إذا كان ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا إشكال فيه، لكن شهر بن حوشب الذي روى هذا الحديث فيه كلام، وإذا خالف الثقات فلا حجة فيما رواه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر