حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أنه سمع المغيرة رضي الله عنه يقول: (عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في غزوة تبوك قبل الفجر فعدلت معه، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم فتبرز، ثم جاء فسكبت على يده من الإداوة فغسل كفيه، ثم غسل وجهه، ثم حسر عن ذراعيه فضاق كُمَّا جبته فأدخل يديه فأخرجهما من تحت الجبة، فغسلهما إلى المرفق، ومسح برأسه، ثم توضأ على خفيه ثم ركب) ].
يعني: توضأ وعليه خفان ولم يخلعهما، قال صاحب عون المعبود: أي: مسح على خفيه كما في عامة الروايات.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ (فأقبلنا نسير حتى نجد الناس في الصلاة قد قدموا
هذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، والترمذي والنسائي . وفيه: أنه مسح على خفيه، ولم يقل: توضأ على خفيه، وليس فيه أنه سبح الناس.
والحديث فيه فوائد كثيرة أهمها: مشروعية المسح على الخفين، وأن المسح على الخفين سنة، وفيه: الرد على الرافضة الذين يمنعون المسح على الخفين، فإن الرافضة لا يرون المسح على الخفين، بل يجب عندهم خلع الخفين ومسح ظهور القدمين، وإذا كانت الرجلان مكشوفتين فإنه يمسح ظاهر القدمين كما يمسح الرأس، فيبل يده ويمسح القدمين، وهذا من أبطل الباطل؛ لأن الأحاديث متواترة، والصحابة الذين رووا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وغسله ومسحه أكثر عدداً من الذين نقلوا نص الآية وهي آية المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ [المائدة:6]، فالأحاديث متواترة في ذلك.
قال الإمام أحمد: رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعون صحابياً.
ومع ذلك أنكرت الرافضة هذه السنة المتواترة، ولهذا يذكرها العلماء في كتب العقائد، فيقولون: ونرى المسح على الخفين، ويقصدون من هذا الرد على الرافضة الذين أصبحت مسألة منع المسح على الخفين عقيدة عندهم، وإلا فإن المسح على الخفين مسألة فرعية تذكر في كتب الفروع، لكن يذكرها العلماء في كتب العقائد من أجل الرد على الرافضة الذين صارت لهم عقيدة، فهم يعتقدون أنه لا يجوز المسح على الخفين، وأنه يجب خلعهما ومسح ظهور القدمين، يعني: يجب مسح ظهور القدمين على كل حال، فإن كانت الرجلان مكشوفتين مسحوا ظهور القدمين، وإن كانت الرجلان فيهما خفان وجب خلع الخفين ومسح ظهور القدمين، هكذا عند الرافضة، والرافضة فرقة ضالة، نسأل الله السلامة والعافية.
والحديث فيه من الفوائد أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر ليس رباً ولا إلهاً، فيصيبه ما يصيب البشر، ويأكل ويشرب، ويبول ويتغوط، ولهذا ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته يتبرز، وليس هو نوراً كما يقول بعض الناس، بل هو لحم ودم، مخلوق من ذكر وأنثى، فاسم أبيه عبد الله ، واسم أمه آمنة بنت وهب، خلافاً للغلاة الذين غالوا فيه وعبدوه وجعلوه إلهاً، حتى قال بعضهم: إنه خلق من نور!
وفيه جواز الإعانة في الوضوء، فلا بأس أن يعينك أحد في الوضوء فيصب عليك وأنت تتوضأ.
والإعانة في الوضوء على حالتين:
الحالة الأولى: أن يأتي غيرك ويصب عليك الماء، وهذا لا بأس به.
الحالة الثانية: أن يأتي غيرك فيغسل الأعضاء، وهذا سائغ في حالة ما إذا كان الإنسان مريضاً، فلا بأس بأن ينوي هو ويأتي إنسان صحيح ويغسل وجهه.. إلخ، فالنية من المريض، والغسل من الصحيح، فيغسل يده ووجهه ورجليه.
وفي الحديث من الفوائد أن الإمام إذا تأخر فإن الناس يقدمون أحدهم يصلي بهم ولا يعطلون الجماعة، ولهذا لما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته قدم الصحابة عبد الرحمن بن عوف، فصلى بهم صلاة الفجر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة وقد صلى عبد الرحمن ركعة، فصف هو والمغيرة خلف عبد الرحمن بن عوف ولم ينكر عليهم.
وفيه أن الإمام إذا تأخر لا ينبغي أن يشق على الناس أو أن يشدد على الناس بأن يأمرهم بإعادة الصلاة ونحو ذلك، وجاء في قصة أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب يصلح بين بني عوف، فجاء بلال إلى أبي بكر ليصلي بالناس وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حبس، أي: تأخر في بني عوف، فقال: نعم إن شئت. فتقدم، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يشق الصفوف، فتأخر أبو بكر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قصة عبد الرحمن لم يتقدم؛ لأن أبا بكر لم يصل ركعة، وعبد الرحمن كان قد صلى ركعة، فدل ذلك على أن الإمام بالخيار، فإن شاء تقدم إلى المحراب، وإن شاء صلى مع الناس، لكن الأولى إذا كان الإمام في أول صلاته أن يتقدم، وإن فاته شيء من الصلاة فالأولى ألا يتقدم؛ حتى لا يشوش على الناس، وإن تقدم فلا حرج، وحينئذٍ يصلي بهم، ثم ينتظرونه حتى يأتي بالركعة التي فاتته، ثم يسلم بهم.
وفيه -أيضاً- من الفوائد أن الاثنين إذا جاءا فصليا مع الإمام وقد فاتهما شيء من الصلاة فإن كل واحد منهما يقضي لنفسه ولا يقتدي أحدهما بالآخر، ولهذا قام النبي صلى الله عليه وسلم يقضي الركعة التي فاتته هو والمغيرة ، ولم يقتد المغيرة بالنبي عليه الصلاة والسلام، وإن اقتدى به فلا حرج، لكن الأولى ألا يقتدي أحدهما بالآخر.
وفيه -أيضاً- من الفوائد جواز لبس الضيق من الثياب كالضيقة الكمين، ولهذا لما أراد أن يغسل يديه ضاق عليه كم الجبة، فأخذها من تحتها، فدل على أنه لا بأس بأن يلبس الضيق، وفيه دليل على جواز لبس الثياب التي أتت من الكفار؛ لأن هذه جبة شامية من بلاد الروم، فلا بأس أن يلبس الإنسان الثياب التي جاءت من الكفار، فالأصل فيها الحل والطهارة.
وفيه دليل على اشتراط الطهارة في لبس الخفين؛ إذ جاء في اللفظ الآخر أن المغيرة : قال (فأهويت لأنزع الخفين، فقال: دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين، ثم مسح عليهما) ففيه دليل على اشتراط الطهارة للمسح على الخفين، وأنه لابد من الطهارة، فإن لبسهما على غير طهارة فلابد من نزعهما.
قال عن المعتمر : سمعت أبي يحدث عن بكر بن عبد الله عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين، وعلى ناصيته، وعلى عمامته)، قال بكر : وقد سمعته من ابن المغيرة ].
هذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي ، وفيه مشروعية المسح على الخفين، ومشروعية المسح على العمامة، وأنه إذا كانت العمامة غير ساترة للرأس فيمسح على الناصية وعلى العمامة، وإن كانت ساترة فيكتفى بالمسح على العمامة، وإن بدا شيء من الرأس مسحه مع العمامة.
قال أبي: قال الشعبي : شهد لي عروة عن أبيه، وشهد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
هذا الحديث فيه اشتراط الطهارة قبل لبس الخفين للمسح عليهما بعد ذلك، وفيه جواز لبس الصوف أو القطن أو الكتان، وأن جميع أنواع اللباس جائز، إلا الحرير والمغصوب والنجس في وقت الصلاة، وما عدا ذلك فهو حلال اللبس، سواء أكان من الصوف، أم من القطن أم من غيرهما.
قال أبو داود : أبو سعيد الخدري وابن الزبير وابن عمر يقولون: من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو ].
أي أن من أدرك وتراً من صلاة إمامه فعليه أن يسجد للسهو؛ لأنه يجلس للتشهد مع الإمام في غير موضع الجلوس، ففيه مخالفة للإمام، وبه قال جماعة من أهل العلم، منهم: عطاء وطاوس ومجاهد وإسحاق ، وهذا قول مرجوح، والصواب أنه لا يسجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جلس خلف عبد الرحمن ولم يسجد، ولا أمر به المغيرة ، وأيضاً: ليس السجود إلا للسهو، ولا سهو هاهنا، ثم إن متابعة الإمام واجبة، فلا يسجد لفعلها كسائر الواجبات والله أعلم، وهذا إن صح عن الصحابة فهو اجتهاد منهم رضي الله عنهم.
قال أبو داود : هو أبو عبد الله مولى بني تميم بن مرة ].
الموق هو الخف أو الجورب، وفي الحديث مشروعية المسح على الخفين، وعلى الجوربين، وعلى العمامة.
جريراً
رضي الله عنه بال، ثم توضأ فمسح على الخفين، وقال: ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح، قالوا: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة، قال: ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة) ].الحديث دليل على مشروعية المسح على الخفين، وكان العلماء يعجبهم هذا الحديث؛ لما فيه من الرد على من يقول: إن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، ولما قيل لـجرير بن عبد الله : إن المسح كان قبل نزول المائدة قال: ما أسلمت إلا بعد المائدة.
قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث همام بن الحارث النخعي عن جرير ، -وهو ابن عبد الله البجلي - رضي الله عنه.
وعلي بن الحسين الدرهمي هو علي بن الحسين بن مطر الدرهمي نسبة إلى درهم، وهو البصري، قال الحافظ : قال أبو حاتم : صدوق، وقال النسائي : ثقة، وقال في موضع آخر: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال مسلمة بن قاسم : ثقة، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
وقال في موضع آخر: لا بأس به، مات سنة مائتين وثلاث وخمسين.
وأما بكير بن عامر فقد قال عنه في التقريب: إنه ضعيف، لكن الحديث ثابت في الصحيحين.
قال مسدد : عن دلهم بن صالح ، قال أبو داود : هذا مما تفرد به أهل البصرة ].
قوله: (ساذجين) أي: ليس فيهما نقوش.
ودلهم بن صالح قال عنه في التقريب: ضعيف، وحجير قال عنه: مقبول.
وعلى كل فالحديث ضعيف، لكن المسح على الخفين ثابت بالأحاديث المتواترة.
عبد الرحمن بن أبي نعم -بسكون المهملة- البجلي هو أبو الحكم الكوفي ، ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من عباد الكوفة ممن يصبر على الجوع الدائم.
وثقه ابن سعد والنسائي ، وقال ابن أبي حيثمة عن ابن معين : ضعيف.
وبكير تقدم أنه ضعيف.
فالحديث ضعيف، ولكن المسح ثابت بأحاديث متواترة.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم وحماد عن إبراهيم عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة) ].
عقد المؤلف رحمه الله هذا الباب لبيان هذا الحكم، وهو التوقيت في المسح على الخفين، وذكر هذا الحديث، وفيه أن المسح للمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وللمقيم يوم وليلة، وهذا الحديث ضعيف تكلم فيه ابن حزم في سنده، ورد عليه العلامة ابن القيم رحمه الله وقال: سنده لا بأس به، وكلام ابن حزم في عبد الله الجدلي لا وجه له، ثم إن التوقيت قد ثبت في صحيح مسلم من حديث علي رضي الله عنه، وفيه أن المسافر يمسح ثلاثة أيام بلياليها، والمقيم يوماً وليلة، وعلى هذا أكثر أهل العلم، وذهب الإمام مالك رحمه الله وجماعة إلى أنه لا توقيت في المسح، وأن من لبس الخفين فإنه يمسح متى شاء حتى يخلع خفيه، وهذا قول مرجوح ضعيف، والقائلون به محجوجون بالأحاديث الصحيحة، فالصواب ما عليه جمهور العلماء، وهو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من توقيت المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وللمقيم يوماً وليلة، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم .
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي بإسناده، قال فيه: ولو استزدناه لزادنا ].
هذه رواية ضعيفة، وليست بصحيحة، فالراوي ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لو استزاده الصحابة عن التوقيت لزادهم، وهذا وهم منه لا وجه له، فالأحاديث صريحة في التوقيت.
وهذا الحديث ضعيف عند أهل العلم، فرواته مجهولون، فلا حجة فيما دل عليه من عدم التوقيت؛ إذ فيه عدة مجاهيل لا يعرفون كما بين ذلك النقاد.
ومحمد بن يزيد متروك، وكذلك أيوب بن قطب تكلم عليه ابن حجر في التهذيب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ رواه ابن أبي مريم المصري عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن عبادة بن نسي عن أبي بن عمارة رضي الله عنه قال فيه: (حتى بلغ سبعاً، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، ما بدا لك).
هذا الحديث جاء مضطرباً سنداً ومتناً، وفي إسناده عبادة بن نسي ، وفي متنه روايات، فبعضها إلى ثلاث، وبعضها إلى سبع، فهو مضطرب سنداً ومتناً مع جهالة بعض الرواة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد اختلف في إسناده، وليس هو بالقوي، ورواه ابن أبي مريم ، ويحيى بن إسحاق -السيلحيني - عن يحيى بن أيوب ، وقد اختلف في إسناده ].
حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي قيس الأودي -هو عبد الرحمن بن ثروان - عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين).
قال أبو داود : كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين) ].
هذا الحديث في المسح على الجوربين، ومن العلماء من تكلم في هذا الحديث وقال: إن الأودي وهزيلاً تفردا بها، وإن كان الأودي من رجال الصحيح لكنه تفرد، والمعروف عن المغيرة أنه روى المسح على الخفين لا على الجوربين، وفي هذه الرواية روى المسح على الجوربين، قالوا: فهذا يدل على أنهما تفردا بهذا الرواية، وإنما هي المسح على الخفين؛ لأن هذا هو المعروف من حديث المغيرة .
واختلف في الجوربين ما هما، فقيل: إنهما من جلد، وقيل: من قطن، وقيل: من صوف.
ولما ذكر من تفرد الأودي وهزيل ذهب العلماء إلى تضعيف هذا الحديث، وممن ذهب إلى تضعيفه الإمام أحمد رحمه الله، ولكنه قال بالمسح على الجوربين، وقال به أكثر أهل العلم، مستدلين برواية ذلك عن المغيرة بن شعبة ، وقالوا: إن الأودي وهزيلاً رويا عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه المسح على الخفين فقد يرويان عنه المسح على الجوربين، ثم إن الجوربين من ناحية المعنى كالخفين، فيدخل كل منهما الرجل فيمنع البرد والحر والأذى، ويدل على جواز المسح عليهما فعل الصحابة رضوان الله عليهم، ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى القول بالمسح على الجوربين غير مستدل بهذا الحديث، وإنما اعتمد في ذلك على القياس وفتاوى الصحابة.
ومن العلماء من منع المسح على الجوربين، وقال: إن الثابت إنما هو المسح على الخفين دون الجوربين.
قال ابن قيم الجوزية : وقال النسائي : ما نعلم أن أحداً تابع هزيلاً على هذه الرواية، فالصحيح عن المغيرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين).
وقال البيهقي : قال أبو محمد -يعني يحيى بن منصور -: رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الحديث.
فالإمام مسلم ضعف هذا الخبر من أجل التفرد، ورأى أنه شاذ، وهزيل والأودي وإن كانا ثقتين إلا أنهما تفردا بهذه الرواية، والقاعدة عند أهل العلم أن الثقة إذا خالف من هو أوثق منه يكون حديثه شاذاً، ومن العلماء من قال: إن هذه الزيادة من الثقة مقبولة وحسن هذا الحديث الإمام الألباني ، وعلى كل حال فإنه إذا لم يصح الحديث فالعمدة على القياس وفتاوى الصحابة.
قال رحمه الله تعالى: [ وروي هذا -أيضاً- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه مسح على الجوربين)، وليس بالمتصل ولا بالقوي ].
أي: أن هذه الزيادة عن أبي موسى منقطعة.
أي أن تسعة من الصحابة ثبت عنهم المسح على الجوربين، ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى المسح على الجوربين، والعمدة فيه على فتاوى الصحابة، وقياس الجوربين على الخفين؛ لأن المعنى واحد، إذ شرع المسح على الخفين لأن الخف يستر الرجل من الحر والبرد ويقيها الأذى، والجورب كذلك، فالمعنى واحد.
حدثنا مسدد وعباد بن موسى قالا: أخبرنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه، قال عباد بن موسى: قال أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه وقال
هذا الحديث ضعيف عند أهل العلم؛ لأن هشيماً مدلس وقد عنعن، ووالد يعلى ضعيف، فلا حجة فيما دل عليه من المسح على القدمين والنعلين، ولو صح فهو محمول على أن المراد بالمسح الغسل الخفيف، أو أن المراد المسح على القدمين اللتين عليهما الجوربان، ليوافق الأحاديث الكثيرة التي دلت على أنه لابد من غسل الرجلين مكشوفتين.
أما أن يكون المراد المسح على القدمين مكشوفتين فهذا باطل؛ لأن الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم دلت على أنه غسل رجليه، والصحابة نقلوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم غسلاً ومسحاً، فلم يذكروا مسحه رجليه مكشوفتين، بل ذكروا غسلهما والمسح على الخفين.
حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: ذكره أبي عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين)، وقال غير محمد : مسح على ظهر الخفين ].
هذا هو المعروف في الأحاديث، وهو أن يكون المسح على ظهر الخفين.
قال الألباني عن هذا الحديث: حسن صحيح.
الحديث لا بأس بسنده، وفيه أن علياً رضي الله عنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه)؛ لأن أسفل الخف هو الذي يباشر المشي على الأرض، لكن عند التأمل يجد الإنسان أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم موافق للعقل؛ لأن العقل الصحيح يوافق النقل الصريح؛ لأنه إذا مسح أسفل الخف اتسخت يده واحتاج إلى غسلها.
هذا فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يمسح على ظاهر خفيه، وهذه هي كيفية المسح الذي بوب له أبو داود بقوله: [ باب كيفية المسح ]، وهي أن يمسح على الخف من الأصابع إلى أول الساق.
ورواه وكيع عن الأعمش بإسناده، قال: (كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهرهما).
قال وكيع: يعني: الخفين.
ورواه عيسى بن يونس عن الأعمش كما رواه وكيع ، ورواه أبو السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال: (رأيت علياً
عبد خير المذكور مخضرم، وهو تابعي.
قال أبو داود : وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء بن حيوة ].
هذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه عدة علل:
الأولى: تدليس الوليد بن مسلم .
الثانية: أن ثور بن يزيد لم يسمع من رجاء .
الثالثة: أن الحديث مرسل.
الرابعة: أن كاتب المغيرة مجهول.
فلا عبرة بما دل عليه هذا الحديث من مسح أسفل الخف وأعلاه؛ لمخالفته الأحاديث الصحيحة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر