حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (إن
وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة . وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي). قالت عائشة : فكانت تغتسل في حجرة أختها زينب وكانت بنات جحش كلهن مستحاضات - أم حبيبة وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، وحمنة وكانت تحت طلحة بن عبيد الله ، وزينب أم المؤمنين- فكانت تجلس في مركن. والمركن: يشبه الإناء الذي يغسل فيها الثياب، ويشبه الطست. والحكمة من كونها تجلس فيه: أنها إذا علت حمرة الدم الماء عرفت أنه دم استحاضة، فتخرج منه وتغتسل. وليس معناه: أنها تغتسل في هذا المكان الذي فيه الماء. وأما إذا لم تعلو حمرة الدم الماء فتعرف أنه دم حيض ولم يذكر هنا أنها تغتسل لكل صلاة، وسيأتي في الحديث الذي بعده.
قال المؤلف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن عن أم حبيبة رضي الله عنها بهذا الحديث، قالت عائشة رضي الله عنها: فكانت تغتسل لكل صلاة ].
وهذا هو الشاهد للترجمة بقوله: باب: ما روي أنها تغتسل لكل صلاة. ففي الحديث: أنها كانت تغتسل لكل صلاة. ولكن هذا اجتهاد منها. ولم يأمرها به النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الواجب عليها أن تغتسل مرة واحدة عند انقطاع دم الحيض، فإذا انقطع دم الحيض اغتسلت. أو إذا كان لها تمييز أو انتهت العادة فإنها تغتسل مرة واحدة. هذا هو الواجب عليها. وأما اغتسالها لكل صلاة فقد فعلته هي تطوعاً، ولم يأمرها به النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أمرها به هو أنها تغتسل عند انقطاع دم الحيض. وأما كونها تغتسل لكل صلاة فهذا اجتهاد منها، وليس بواجب. وعنبسة هذا الأقرب أنه عنبسة بن خالد .
وما جاء في بعض الروايات من الأمر بالغسل لكل صلاة فهو محمول على الاستحباب كما سيأتي.
قال المؤلف رحمه الله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني حدثني الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث. قال فيه: فكانت تغتسل لكل صلاة ].
وهذا الإسناد لا بأس به. وفيه: أنها هي التي كانت تغتسل لكل صلاة. ففيه دليل على: أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة، وهذا من باب الاستحباب. فإن أحبت هي من نفسها فعلته، وإلا فليس بواجب عليها أن تغتسل لكل صلاة؛ لأن فيه مشقة عليها.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : رواه القاسم بن مبرور عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها عن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها ]
يعني: جعل يزيد عروة مكان مكان عمرة ، والقاسم بن مبرور جعل عمرة مكان عروة ، فقال: عن عمرة عن عائشة ، فقد اختلفا في عروة وعمرة وكلاهما ثقة، وعنبسة جعله عن الزهري . والقاسم جعله من مسند أم حبيبة لا من مسند عائشة ، فهذا هو وجه كون المؤلف ذكر الاختلاف في هذا وبينه.
قال المؤلف رحمه الله: [ وكذلك رواه معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، وربما قال معمر : عن عمرة عن أم حبيبة رضي الله عنها، بمعناه].
يعني: أن معمراً ربما حذف عائشة رضي الله عنها.
قال المؤلف رحمه الله: [ وكذلك رواه إبراهيم بن سعد وابن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها ].
يعني: جعله من مسند الزهري عن عمرة عن عائشة . وروايته الأولى عن عروة عن عائشة .
قال المؤلف رحمه الله: [ وقال ابن عيينة في حديثه: ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة ].
أي: قال سفيان بن عيينة في حديثه: ولم يقل -أي: الزهري - إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل.
و عنبسة بن خالد هو أبو عثمان مولى بني أمية عن عمه يونس وابن جريج ، وعنه: ابن وهب وأحمد بن صالح .
وقال: صدوق. قال أبو داود : هو أحب إلينا من الليث . وقال أبو حاتم : كان على خراج مصر، وكان يعلق النساء بثديهن.
قال ابن القطان : كفى هذا في تجريحه. قال النسوي سمعت يحيى بن بكير يقول: إنما يحدث عن عنبسة مجنون أحمق، لم يكن موضعاً للكتابة عنه. كذا في الميزان والتهذيب. قال ابن يونس : توفي سنة ثمان وتسعين ومائة، قاله البخاري .
وعلى كل حال يحتاج هذا الكلام إلى توثيق. يعني: هذا اختلاف في توثيقه، ويحتاج إلى مراجعة خلاف النقاد.
قال المؤلف رحمه الله: [ وذكر أبو داود رحمه الله قال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر عن عراك عن عروة عن عائشة أنها قالت: (إن
قال أبو داود : ورواه قتيبة بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في آخرها. رواه علي بن عياش ويونس بن محمد عن الليث فقالا: جعفر بن ربيعة ].
قال المؤلف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي حدثنى أبي عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة : (أن
وهذا هو الصواب، أنها هي التي كانت تغتسل، ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
قال المؤلف رحمه الله: [ حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة : (أن
وهذا ضعيف؛ لأن في إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلس، وقد عنعن ولم يصرح بالتحديث.
وفيه: أن النبي هو الذي أمرها بالغسل لكل صلاة. وهذا ضعيف. والصواب: ما سبق من أنها هي التي كانت تغتسل. وأما هذا الحديث الذي فيه: أن النبي هو الذي أمرها بالغسل لكل صلاة فمن رواية محمد بن إسحاق ، وهو ثقة، ولكنه مدلس. فلهذا لا حجة في ما دل عليه: من أن النبي هو الذي أمرها بالغسل. وإنما هي التي كانت تغتسل كما دلت عليه الروايات السابقة الكثيرة.
وهذا منقطع، كما قال: إن بينه وبين أبي الوليد واسطة. وفيه: أن النبي أمرها بالاغتسال. وهذا غير صحيح؛ لأنه لم يصح الأمر بالغسل، وإنما هي التي كانت تغتسل.
ولم يسمع المؤلف هذا الحديث من أبي الوليد الطيالسي مع كونه من تلامذته. وقد قال المؤلف: إن بينهما واسطة، ولم يذكرها. فالحديث منقطع ضعيف. والثابت أنها هي التي كانت تغتسل، كما في الأحاديث الصحيحة.
قال المحقق في الحاشية: [ وليست كل امرأة مستحاضة يجب عليها الاغتسال لكل صلاة، وإنما هي فيمن تبتلى وهي لا تميز دمها، أو كانت لها أيام فنسيتها، فهي لا تعرف موضعها ولا عادتها ولا وقت انقطاع الدم عنها ].
وهذه هي المتحيرة، ولكن لا يجب عليها الغسل. وأما الغسل لكل صلاة فمستحب، إذا فعلته من نفسها. ولم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت الأمر منه فهو محمول على الاستحباب؛ لأن النبي لم يأمر المستحاضات بالغسل لكل صلاة؛ لأن فيه مشقة.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : ورواه عبد الصمد عن سليمان بن كثير قال: (توضئي لكل صلاة).
قال أبو داود : وهذا وهم من عبد الصمد ، والقول فيه قول أبي الوليد ].
وهذا هو الصواب. ولكن أبو داود وجماعة يجعلون رواية عبد الصمد عن سليمان بن كثير : (توضئي لكل صلاة)، وهماً؛ لأنه انفرد بها. وأما رواية أبي الوليد الطيالسي عن سليمان بن كثير التي فيها الغسل لكل صلاة المنقطعة فيصححها أبو داود ؛ لأنه يوثق الواسطة بينه وبين أبي الوليد ، ويرجح قول أبي الوليد على قول عبد الصمد ؛ لأنه أقوى في الحفظ. والصواب: أن عبد الصمد لم يهم؛ لموافقته النصوص التي فيها الأمر بالوضوء فقط. وإن كان أبو الوليد أقوى حفظاً.
وحديث أبي سلمة هذا إسناده: حسن، وليس فيه علة. وقال ابن القيم رحمه الله: أعل ابن القطان هذا الحديث بأنه مرسل؛ لأن زينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم معدودة في التابعيات. فيكون الحديث مرسلاً، والمرسل ضعيف. قال ابن القيم : وهذا التعليل تعليل فاسد، فإنها معروفة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أمها وعن أم حبيبة ، فلا يكون مرسلاً، وإنما هو حسن. وقد اعتمد هذا الشارح، وعلى هذا فيكون النبي هو الذي أمرها أن تغتسل، فيكون الأمر محمولاً على الاستحباب، جمعاً بين الروايتين.
قال المؤلف رحمه الله: [ وأخبرني أن أم بكر أخبرته أن عائشة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر إنما هي أو قال: إنما هو عرق، أو قال: عروق) ].
يعني: دم استحاضة. فلا تترك له الصلاة، لأنه دم عرق، يعني: دم يخرج من انفجار العروق، ولا يخرج من الرحم. وعلى هذا فإذا رأت المستحاضة هذا الدم بعد الطهر، فإنها تغتسل وتتلجم وتتحفظ وتصلي.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : في حديث ابن عقيل : الأمران جميعاً. وقال: (إن قويت فاغتسلي لكل صلاة، وإلا فاجمعي) ].
أي: بين الصلاتين. يعني: بغسل واحد.
قال: [ كما قال القاسم في حديثه ].
وهذا الغسل من باب الاستحباب ..
وحديث القاسم سيأتي في الباب الذي بعده.
قال: [ وقد روي هذا القول عن سعيد بن جبير عن علي وابن عباس رضي الله عنهم ].
أي: أنها تغتسل لكل صلاة، أو تجمع بين الصلاتين بغسل واحد.
قال المؤلف رحمه الله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثني أبي عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: (استحيضت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت أن تعجل العصر وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلاً، وأن تؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا، وتغتسل لصلاة الصبح غسلاً) فقلت لـعبد الرحمن : عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: لا أحدثك بشيء إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم].
وهذا الأمر على سبيل الاستحباب لا الوجوب، بدليل قوله في حديث حمنة لما ذكر الغسل والوضوء في كل صلاة: (وهو أعجب الأمرين إلي) فهذا القول منه يدل على: أنه ليس للوجوب. فيكون الغسل هذا من باب الاستحباب، وأما كونها تجمع بين الصلاتين فلأن الاستحاضة نوع من المرض، فتجمع إذا كان يشق عليها أن تصلي كل صلاة في وقتها. وأما الغسل فهو مستحب. وإذا اغتسلت فهو أفضل وأقوى، وهو يزيد النشاط والقوة، وإلا فالوضوء يكفيها، وتغتسل إذا انتهى دم الحيض أو انقطع دم الحيض، أو انتهت أيام عادتها أو التمييز. والحديث أخرجه النسائي .
وقوله: يقول -أي: شعبة - لـعبد الرحمن : عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ يعني: هذا الحديث. قال: لا أحدثك بشيء إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقوله: بشيء متعلقة بأحدثك. ففيها تقديم وتأخير، يعني: أن الحديث مرفوع. وأن الآمر لها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه محمول على الاستحباب.
وفي بعض النسخ: (لا أحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء). والأقرب الاستثناء، وأنه لابد منه.
وهذا السند فيه محمد بن إسحاق ، وهو مدلس، وقد عنعن، ولو صح فإن الأمر بالغسل محمول على الاستحباب.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : ورواه ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: أن امرأة استحيضت فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها بمعناه ].
وهذا فيه متابعة من ابن عيينة لـمحمد بن إسحاق ، فـمحمد بن إسحاق مدلس فيشده متابعة ابن عيينة له، ويكون الأمر ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون الأمر للاستحباب ليس للوجوب.
وهذا الحديث قال المنذري : إسناده حسن، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل، ولكنه محمول على الاستحباب.
وقوله: (لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء)، يعني: إذا رأت صفرة فوق الماء الذي تقعد فيه فلتغتسل، وفائدة القعود لتميز دم الاستحاضة من غيره، فإنه إذا علا الدم الأصفر فوق الماء فهي مستحاضة، وإن لم يعلو على الماء فهو حيض، وأما الغسل فيكون خارج المركن، والمركن هو: الإناء الواسع الذي يغسل فيه الثياب، ويسمى عندنا الآن الطست، واللجان.
[ قال أبو داود : رواه مجاهد عن ابن عباس : (لما اشتد عليها الغسل، أمرها أن تجمع بين الصلاتين) ].
يعني: لما اشتد عليها الغسل لكل الصلاة، وقد سبق أنها هي التي فعلت هذا بنفسها، ولم يأمرها به النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: (لما اشتد عليها الغسل أمرها أن تجمع بين الصلاتين)، هذه رواية ابن عباس .
[ قال: أبو داود : ورواه إبراهيم عن ابن عباس وهو قول إبراهيم النخعي وعبد الله بن شداد ].
لأن الاستحاضة نوع من المرض فتجمع بن الصلاتين، وهذا هو الصواب: أنها تجمع.
وإذا لم تصل المرأة وهي في دم الاستحاضة، فإنها تقضي الصلاة، فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر فاطمة هنا بالإعادة؛ وهو دم استحاضة، قيل: هذا مسكوت.
حدثنا محمد بن جعفر بن زياد وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: (في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي، والوضوء عند كل صلاة) ].
والاغتسال من طهر إلى طهر هو الواجب، وهو الذي عليه الجمهور، وهو الصواب: أنها لا يجب عليها أن تغتسل إلا من طهر إلى طهر، والغسل عند كل صلاة محمول على الاستحباب، وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة ، وهو ضعيف؛ لأن في سنده شريك القاضي ، وهو سيئ الحفظ، وفي سنده أيضاً أبو اليقظان لا يحتج بحديثه، وجد عدي بن ثابت مجهول، ففيه ثلاث علل: شريك القاضي فإنه لما تولى القضاء ساء حفظه، وأبو اليقظان لا يحتج بحديثه، وجد عدي بن ثابت مجهول عن أبيه عن جده، ولكن الحديث له شواهد كثيرة، تدل على أن: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة، وما دل عليه الحديث ثابت في أنها تدع الصلاة أيام أقرائها، يعني: الحيض، ثم تغتسل، يعني: بعد الطهر وتصلي.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : زاد عثمان : (وتصوم وتصلي) ].
الشيخ: يعني: الرواية الأولى: ( تغتسل وتصلي)، وهنا زاد عثمان : (وتصوم وتصلي) وعثمان هو ابن أبي شيبة .
قال المؤلف رحمه الله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر خبرها وقال: (ثم اغتسلي، ثم توضئي لكل صلاة وصلي) ].
وهذا الحديث فيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت وعنعنة الأعمش أيضاً، والأعمش وحبيب بن ثابت كلاهما مدلسان -كما سيبين المؤلف رحمه الله- وفي هذا قال: (ثم اغتسلي، ثم توضئي لكل صلاة)، فالوضوء لكل صلاة هو الذي ذهب إليه كثير من العلماء، وبعض العلماء يرى: أنها لا تتوضأ؛ لأن هذا دم مستمر.
قال المؤلف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي حدثنا يزيد عن أيوب بن أبي مسكين عن الحجاج عن أم كلثوم عن عائشة في المستحاضة: تغتسل -تعني: مرة واحدة- ثم توضأ إلى أيام أقرائها ].
وهذا هو الواجب عليها، أنها تغتسل مرة واحدة عند انتهاء مدة الحيض، ثم تتوضأ حتى يأتيها الحيض مرة أخرى.
قال المؤلف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي حدثنا يزيد عن أيوب أبي العلاء عن ابن شبرمة عن امرأة مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ].
يعني: أنها تغتسل مرة واحدة، ثم تتوضأ إلى أيام أقرائها.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : وحديث عدي بن ثابت والأعمش عن حبيب وأيوب أبي العلاء كلها ضعيفة لا تصح ].
يعني: الأحاديث التي سبقت، فالحديث الأول: حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، والثاني: حديث الأعمش ، وهو حديث عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت كذلك، والثالث: حديث أيوب بن أبي مسكين عن الحجاج وهذه الأحاديث الثلاثة التي سبقت كلها ضعيفة، فأما الأول: فكما سبق أن فيه ثلاث علل، وأما الثاني: ففيه عنعنة الأعمش وعنعنة حبيب ، وأما الثالث: ففيه الحجاج ، وكأنه الحجاج بن أرطأة .
فأما الحديث الأول فقد قصد المؤلف رحمه الله أن يضعف القول بالوضوء لكل صلاة، وأنها لا يجب عليها الوضوء لكل صلاة وحديث عدي له شواهد.
و أيوب بن أبي مسكين صدوق له أوهام.
قال المؤلف رحمه الله: [ ودل على ضعف حديث الأعمش عن حبيب هذا الحديث ].
وحديث الأعمش هو الثاني من أحاديث الباب، وهو عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت .
قال: [ أوقفه حفص بن غياث عن الأعمش ].
يعني: أن حفص بن غياث رواه عن الأعمش وأوقفه على عائشة ، وأنكر أن يكون مرفوعاً.
قال: [ وأنكر حفص بن غياث أن يكون حديث حبيب مرفوعاً ].
بل جعله موقوفاً على عائشة .
قال: [ وأوقفه أيضاً أسباط عن الأعمش موقوفاً عن عائشة ].
و أيوب بن أبي المسكين هو التميمي أبو العلاء الواسطي ، روى عن: قتادة وسعيد المقبري ، وروى عنه: هشيم وإسحاق بن يوسف الأزرق ويزيد بن حرام ، ووثقه أحمد والنسائي ، وقال أبو حاتم : لا بأس به، ولا يحتج به، وقد ضعفه المؤلف.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : ورواه ابن داود عن الأعمش مرفوعاً أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كل صلاة ].
أي: رواه ابن داود عن الأعمش مرفوعاً أوله وآخره ليس بمرفوع، وهو قوله: (والوضوء لكل صلاة).
قال: [ ودل على ضعف حديث حبيب هذا أن رواية الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة، في حديث المستحاضة ].
وهذا هو الحديث الثاني، حديث الأعمش وحبيب بن أبي ثابت وقد خالفته رواية الزهري ، ففي رواية حبيب بن أبي ثابت أمرها النبي أن تغتسل، فقال: (ثم اغتسلي لكل صلاة)، وفي رواية الزهري : أن الغسل من فعلها هي، وأنها هي التي كانت تغتسل لكل صلاة، وهذا يدل على ضعفه، والمؤلف قصده من هذا أن يضعف رواية: (والوضوء لكل صلاة) وجعلها شاذة وغير ثابتة.
قال المؤلف رحمه الله: [ وروى أبو اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن علي وعمار مولى بني هاشم عن ابن عباس ].
وفي الأول أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ وروى عبد الملك بن ميسرة وبيان والمغيرة وفراس ومجالد عن الشعبي حديث قمير عن عائشة : (توضئي لكل صلاة) ].
و مجالد هذا ضعيف وقمير هي امرأة مسروق ، وهي مقبولة عن عائشة ، وهذا موقوف على عائشة ، وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ ورواية داود وعاصم عن الشعبي عن قمير عن عائشة : (تغتسل كل يوم مرة).
وروى هشام بن عروة عن أبيه: (المستحاضة تتوضأ لكل صلاة)، وهذه الأحاديث كلها ضعيفة ].
وقد قصد المؤلف رحمه الله: أن يضعف الوضوء لكل صلاة.
قال المؤلف رحمه الله: [ وهذه الأحاديث كلها ضعيفة إلا حديث قمير ، وحديث عمار مولى بني هاشم ، وحديث هشام بن عروة عن أبيه، والمعروف عن ابن عباس الغسل ].
وهكذا المؤلف رحمه الله ضعف هذه الآثار، وقال: كلها ضعيفة، إلا حديث قمير فمقبول، وحديث عمار مولى بني هاشم ، الذي قال فيه: وروى أبو اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن علي وعمار مولى بني هاشم عن ابن عباس ، وكذلك حديث هشام بن عروة ، قال: والمعروف عن ابن عباس الغسل.
والمؤلف رحمه الله يريد بهذا أن يضعف رواية الوضوء، وأن كل ما في الباب من الروايات ضعيفة إلا ثلاثة آثار، أثر قمير وأثر عمار وأثر هشام بن عروة ، وقمير امرأة مسروق مقبولة.
فالمؤلف رحمه الله يرى أن رواية الوضوء لكل صلاة غير ثابتة، وعلى هذا يجوز للمرأة المستحاضة أن تصلي الصلاتين بوضوء واحد، ولو كان الدم ينزل عليها، إلا إذا أحدثت بغير الدم، مثل الريح أو بشيء آخر؛ لأن هذا حدث مستقل، ومثلها أيضاً من به سلس البول، أو حدث دائم، فهذا لا يوجب الوضوء، وإنما يوجب الوضوء حدث آخر، وأما هذا فلا لأنه مستديم ولا حيلة فيه، وفيه مشقة، والوضوء لكل صلاة ليس ثابتاً.
والقول المشهور عن جمهور العلماء: أنه يجب عليها الوضوء لكل صلاة، عملاً بهذا الحديث، وقد قال النسائي في حديث: (تتوضأ لكل صلاة)، أن هذا انفرد به حماد بن زيد ، وهو ثقة، والذي عليه الفتوى الآن وعليه الجماهير: أنها تتوضأ لكل صلاة؛ لأن الاستحاضة حدث دائم، وكذلك من به جروح سيالة، ومن به سلس البول، فالغسل غير ثابت، ولكن الوضوء لابد منه؛ لحديث مسلم .
ولو جمعت الصلاة
فتصلي مرة واحد، وتغتسل لهما، ولكن إذا توضأت فتتوضأ لكل صلاة، وكذلك من به سلس البول، وأما في صلاة الجمعة فإنه يذهب إذا جاء الإمام، أو صعد ويتوضأ، وهذا هو الذي عليه الفتوى، وهو المذهب، وهو الذي يفتي به مشايخنا، ونفتي به الآن، وكان يفتي به فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ثم رجع عنه أخيراً، فقد أفتى أخيراً بأنه لا يجب الوضوء على المستحاضة ومن به سلس البول إلا أن يحدث حدثاً آخر، هذا هو الذي أفتى به في آخر حياته رحمه الله، وهو الذي ذهب إليه أبو داود من أنها لا تتوضأ لكل صلاة، وإنما تتوضأ مرة واحدة، ولا ينتقض وضوءها إلا إذا أحدثت حدثاً آخر غير دم الاستحاضة، وأما إذا توضأت وهي مستحاضة فإنها تتلجم وتتحفظ وتتوضأ وتصلي حتى يأتي حدث آخر، ولا شك أن القول الأول هو الأحوط، وهو الذي عليه الجمهور.
من ظهر بالظاء المعجمة، والفرق بينها وبين الترجمة السابقة: أن الترجمة السابقة: من طهر إلى طهر، وهذه من ظهر إلى ظهر، وفيها خلاف أيضاً في الترجمة: هل هي بالطهر؟ بعضهم رواها بالطهر، وبعضهم رواها بالظهر.
قال المؤلف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن سمي مولى أبي بكر أن القعقاع وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله: كيف تغتسل المستحاضة؟ فقال: تغتسل من ظهر إلى ظهر، وتتوضأ لكل صلاة، فإن غلبها الدم استثفرت بثوب ].
وهذا من مراسيل سعيد بن المسيب ، وفيه: أنها تغتسل من ظهر إلى ظهر، يعني: كل يوم مرة، وتتوضأ لكل صلاة، ولكن هذه الترجمة فيها كلام للشراح ولغيرهم، فبعضهم قال: إن قوله: من ظهر إلى ظهر خطأ، والصواب: أنها من طهر إلى طهر.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : وروي عن ابن عمر وأنس بن مالك : تغتسل من ظهر إلى ظهر. وكذلك روى داود وعاصم عن الشعبي عن امرأته عن قمير عن عائشة إلا أن داود قال: كل يوم، وفي حديث عاصم : عند الظهر، وهو قول سالم بن عبد الله والحسن وعطاء ].
يعني: كلهم يرون أنها تغتسل مرة واحدة، من ظهر إلى ظهر.
قال: [ قال أبو داود : قال مالك : إني لأظن حديث ابن المسيب من ظهر إلى ظهر قال فيه: إنما هو من طهر إلى طهر، ولكن الوهم دخل فيه، فقلبها الناس فقالوا: من ظهر إلى ظهر، ورواه مسور بن عبد الملك بن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع قال فيه: من طهر إلى طهر، فقلبها الناس: من ظهر إلى ظهر ].
وهذا هو الأقرب، فالأقرب أنه لا يجب إلا من طهر إلى طهر، وأنه لا يجب عليها أن تغتسل كل يوم، وهذا هو الذي تدل عليه الأحاديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند الطهر، وأما هذا فمن مراسيل سعيد بن المسيب ، وقد دخل فيه الوهم.
حدثنا أحمد بن حنبل أخبرنا عبد الله بن نمير عن محمد بن أبي إسماعيل - وهو محمد بن راشد - عن معقل الخثعمي عن علي رضي الله عنه قال: المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم واتخذت صوفة فيها سمن أو زيت ] .
وهذا الحديث ضعيف لأنَّ فيه معقل الخثعمي ، وهو أيضاً موقوف على علي ، ولهذا قال المنذري : غريب.
والفرق بين هذه الترجمة والترجمة السابقة تحديد الوقت، فالترجمة السابقة أنها تغتسل من الظهر إلى الظهر، أي: تغتسل كل يوم قبل الظهر، وهذا الترجمة فيها أن الوقت غير محدد، فتغتسل كل يوم مرة، سواءً كان الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر.
وقوله: واتخذت صوفة يعني: تتخذ المستحاضة صوفة مدهونة بالسمن أو الزيت تتلجم به في فرجها؛ لتقطع جريان الدم، وتسترخي تشنج العروق الذي هو سبب لسيلان الدم، لكن هذا ضعيف، والصواب كما سبق أنها لا تغتسل إلا مرة واحدة عند الطهر، أيْ: إذا طهرت من الحيضة.
و محمد بن أبي إسماعيل وثقه ابن حبان ، وعلى كل حال ابن حبان متساهل رحمه الله.
حدثنا القعنبي أخبرنا عبد العزيز - يعني ابن محمد - عن محمد بن عثمان : أنه سأل القاسم بن محمد عن المستحاضة قال: تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل فتصلي ثم تغتسل في الأيام ].
وهذا موقوف على القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وهو قول له، ولا يظهر توجيهه، أيْ: هذا القول ليس له وجه أنها تغتسل في الأيام، وإنما الواجب كما سبق أن تغتسل مرة واحدة عند الطهر.
حدثنا محمد بن المثنى أخبرنا ابن أبي عدي عن محمد - يعني ابن عمرو - قال: حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي) ] .
قال أبو داود : قال ابن المثنى : وحدثنا به ابن أبي عدي حفظاً، فقال: عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، أن فاطمة .. ].
وهذا الحديث ليس فيه إنها تتوضأ لكل صلاة.
وفي السند الأول حدث ابن أبي عدي من كتابه فقال عن محمد حدثني ابن شهاب عن عروة عن فاطمة .
وفي السند الثاني قال: عن عروة عن عائشة .
فالحديث الأول جعله من مسند فاطمة لما حدث به من كتابه، ولما حدث من حفظه قال عن عروة عن عائشة .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال أبو داود : وروي عن العلاء بن المسيب وشعبة عن الحكم عن أبي جعفر قال العلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأوقفه شعبة على أبي جعفر: توضأ لكل صلاة ] .
هذا الحديث قال فيه أبو داود : وروي عن العلاء - بالبناء للمجهول - وشعبة فكلاهما رويا هذا الحديث عن الحكم عن أبي جعفر ، فهو مرفوع في رواية العلاء ، وأما في رواية شعبة فهو موقوف على أبي جعفر.
والأقرب أنها مرفوعة وأنها ثابتة، وأنه يجب على المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة.
حدثنا زياد بن أيوب أخبرنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن عكرمة قال (إن
والحديث ضعيف لأنه مرسل ومنقطع؛ لأن عكرمة لم يسمع من أم حبيبة ، وعلى هذا فالمراد بقوله: (فإن رأت شيئاً من ذلك توضأت وصلت) أيْ: رأت غير الدم؛ لأنه لا يجب الوضوء من الدم الخارج؛ لأن الدم لا يفارقها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب حدثني عبد الله بن وهب حدثني الليث عن ربيعة أنه كان لا يرى على المستحاضة وضوءاً عند كل صلاة إلا أن يصيبها حدث غير الدم فتوضأ ] .
قول ربيعة يوافقه بعض العلماء من أنها ليس عليها وضوء إلا أن يصيبها حدث غير الدم؛ لأن الدم مستمر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال أبو داود : هذا قول مالك - يعني ابن أنس ].
أي: هذا قول مالك بن أنس ، وقول الخطابي وقول ربيعة شاذان، وليس عليه العمل، وبعض العلماء تكلم فيما قاله الخطابي فقال: فيه نظر؛ لأن ، مالك بن أنس وافق على هذا.
فهذه الأحاديث وهذه الأبواب مرتبط بعضها ببعض، ولا ينفصل بعضها عن بعض.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد عن قتادة عن أم الهذيل عن أم عطية رضي الله عنها - وكانت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم - قالت: كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً ].
وهذا الحديث أخرجه البخاري والنسائي ، لكن بدون قولها: (بعد الطهر)، وهذا الحديث صحيح وهو المعتمد، وفيه دليل على أن المرأة إذا رأت الطهر، ثم رأت بعده الكدرة أو الصفرة فإنها لا تعدها شيئاً، بل تتلجم وتتحفظ وتصوم وتصلي، فإذا رأت القصة البيضاء أو الجفاف، ثم بعد ذلك جاءها الكدرة والصفرة فلا بأس، لكن الكدرة والصفرة في زمن العادة تعتبر من الحيض، ولهذا يقول العلماء:والصفرة والكدرة في زمن العادة حيض، لكن بعد العادة وانتهائها فلا تعتبر حيضاً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أخبرنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية بمثله ].
وروي عن سعيد بن المسيب أنها إذا رأت ذلك اغتسلت وصلت.
وعن أبي حنيفة إذا رأت بعد الحيض وبعد انقطاع الدم صفرة أو كدرة يوماً أو يومين ما لم يجاوز العشر فهو من حيضها.
وكذلك أيضاً المشهور عن الشافعي أنها إذا رأت الصفرة أو الكدرة بعد انقطاع دم العادة ما لم تجاوز خمسة عشر يوماً، فإنها حيض، وهذا هو الصواب لدلالة الحديث عليه.
وهذا هو الباب الأخير الذي يتعلق بأحكام المستحاضة.
ومعنى يغشاها أي: يجامعها، وذلك لأن الاستحاضة دم فساد كالبول والغائط، والحديث مرسل منقطع لأنَّ عكرمة لم يسمع من أم حبيبة كما قال المنذري .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال أبو داود : قال يحيى بن معين : معلى ثقة، وكان أحمد بن حنبل لا يروي عنه؛ لأنه كان ينظر في الرأي ].
أيْ: أنَّه كان يعمل بالاجتهاد والنظر ويترك النصوص فاعتبره أحمد قدحاً ، ولم يعتبره غيره قادحاً، ويقال لأهل الكوفة والأحناف بأنهم أهل الرأي، ومن كبار أهل الرأي سفيان الثوري وهو إمام جليل حافظ، وهو يعادل شعبة ، لكن الإمام أحمد رحمه الله لا يروي عنه؛ لأنه لا يعمل بالنصوص وإنما يعمل بالرأي.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي أخبرنا عبد الله بن الجهم أخبرنا عمرو بن أبي قيس عن عاصم عن عكرمة عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها: أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها ].
وهذا الحديث منقطع أيضاً، لأن عكرمة لم يسمع من حمنة كما قال المنذري ، وكون زوجها يجامعها؛ لأنها كانت تصلي، وكما قال بعضهم لما سئل: هل يغشاها زوجها، قال: نعم؛ لأنَّ الصلاة أعظم، لكن هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف كلها منقطعة، لكن الحكم هذا معروف، لأن النبي أمرها بالغسل للصلاة، فإذا كانت تصلي فلا مانع من جماعها، والله تعالى يقول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] ، ودم المستحاضة ليس بمحيض.
و أبو داود رحمه الله له عناية بأحاديث الاستحاضة وبيانها والآثار المنقطعة وغيرها، وهو يشبه البخاري في هذا؛ لأن البخاري يذكر الأحاديث المعلقة في الترجمة وأبو داود يذكرها بعد الحديث.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر