حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان -هو ابن عيينة - عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ، وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحدثنا عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الذي لا يجري ثم يغتسل منه).
وقال المخزومي : (في الماء الدائم ثم يغتسل منه) ].
هذا الحديث فيه المنع من البول في الماء الدائم، والمراد بالماء الدائم: الراكد، وقوله: (ثم يغتسل منه) يعني: لا يجمع بينهما بأن يبول فيه ثم يغتسل منه.
وقد جاء في الرواية الأخرى النهي عن كل واحد منهما على حدة ولفظها: (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ولا يغتسل منه) فهو ممنوع من الأمرين، ولا يدل هذا على نجاسته، أما إذا بال في الماء الراكد ثم بال الثاني والثالث فإن هذا يؤدي إلى تنجيسه، والماء هذا قد يكون نجساً وقد لا يكون نجساً؛ فإنه لا ينجس إلا بتغير أحد أوصافه، ولكن المنهي عنه: بول الإنسان في الماء الراكد؛ لأنه يحتاج إلى الاغتسال، وقد قيل لـأبي هريرة : كيف يفعل؟ قال: (يغترف منه اغترافاً).
أما البول في الماء الجاري فلا بأس؛ لأن البول يذهب مع الماء.
وهذا الحديث أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم .
فإن قيل لنا: قد يكون الماء الراكد كثيراً؟
فنقول: ولو كان كثيراً، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى ولم يفصل؛ لأن البول فيه مدعاة إلى تنجيسه وتقذيره، فلو كان كثيراً فلا يبول فيه الإنسان ما دام راكداً.
والنهي هنا للتحريم، فيحرم عليه أن يبول في الماء الراكد؛ لأن البول فيه وسيلة إلى تنجيسه، وتقذيره على نفسه وعلى غيره.
حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (اتقوا اللعنتين -أو اللعانين- قيل: وما هما؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم) ].
هذا الحديث فيه تحريم التخلي في طريق الناس وفي ظلهم، وقوله: (اتقوا اللاعنين) يعني: الذي يجلب اللعن ويتسبب فيه؛ فإن الناس عادة يلعنون من يتخلى في طريقهم أو في ظلهم، فلا يجوز لإنسان أن يتخلى في طريق الناس الذي تطؤه الأقدام، وكذلك في الظل الذي يستظلون به، ومثله المشمس في الشتاء الذي يتشمس فيه الناس، وقد ورد كذلك النهي عن البول وعن التخلي في موارد الماء.
[ قال أبو بكر : وإنما استدللت على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بقوله : (أو ظلهم) الظل الذي يستظلون به إذا جلسوا مجالسهم بخبر عبد الله بن جعفر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب ما استتر به في حاجته هدفاً أو حائش نخل) والهدف هو: الحائط، والحائش من النخل: النخلات المجتمعات، وإنما سمي البستان حائشاً لكثرة أشجاره ولا يكاد الهدف يكون إلا وله ظل إلا وقت استواء الشمس، فأما الحائش من النخل فلا يكون وقت من الأوقات بالنهار إلا ولها ظل، والنبي صلى الله عليه وسلم قد كان يستحب أن يستتر الإنسان في الغائط بالهدف، والحائش، وإن كان لهما ظل ].
بين المصنف أن المراد بالظل: الذي يستظل به الناس، أما الظل الذي لا يستظل به الناس فلا حرج من التخلي عنده.
وهذا الحديث أخرجه مسلم .
حدثنا علي بن خشرم حدثنا عيسى -هو ابن يونس - عن معمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه) ].
هذا النهي للتحريم، فيحرم مس الذكر باليمين حال البول؛ لأنه ربما أصابها شيء من البول فإن اليد اليمنى مكرمة، فلا يمسك ذكره إلا بيده اليسرى حال البول.
وقد ورد النهي عن الاستنجاء باليمين، وهذا الحديث هنا فيه النهي عن مس الذكر باليمين حال البول، أما في غير حال البول فلا يتناوله الحديث، وقال بعضهم: إنه عام أيضاً حتى في غير وقت البول، لكن الحديث مقيد بوقت البول؛ لأنه قد يصيبه شيء من البول.
فإذا أراد المرء أن يستنجي فيأخذ الماء بيده اليمين ويمسح باليسار.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة وحدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني حدثنا خالد -يعني ابن الحارث - حدثنا شعبة وحدثنا يحيى بن حكيم حدثني ابن أبي عدي حدثنا شعبة وحدثنا يحيى بن حكيم أيضاً قال: حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت النضر بن أنس يحدث عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه الحشوش محتضرة فإذا دخلها أحدكم فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) هذا حديث بندار غير أنه قال عن النضر بن أنس وكذا قال يحيى بن حكيم في حديث ابن أبي عدي عن النضر بن أنس ].
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما، والخبث: ذكران الشياطين، والخبائث: إناثهم.
قوله: (هذه الحشوش) يعني: مكان قضاء الحاجة (محتضرة)، يعني: تحضرها الشياطين، فيستعيذ داخلها بالله من ذكران الشياطين وإناثهم، ويقول أيضاً: باسم الله قبل الدخول؛ عملاً بالأحاديث العامة، وجاء أيضاً في حديث عند الترمذي بلفظ: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث).
ومن نسي التسمية في الوضوء فلا بأس أن يأتي بالتسمية في أثنائه، ولو في الحمام؛ لأن التسمية واجبة عند الوضوء، وتزول الكراهة لأجل الإتيان بالشيء الواجب.
وقد ذكر في حاشية تلخيص الحبير عن ابن حجر أنه قال: لم يثبت في هذا الباب شيء، أي: في التسمية، وعلى كل حال فإن التسمية تؤخذ مشروعيتها عند الوضوء من الأدلة العامة.
وحديث: (إذا دخلتم الخلاء فقولوا: أعوذ بالله من الخبث والخبائث) قال الحافظ عنه في الفتح: إسناده على شرط مسلم .
حدثنا أبو عبد الله سعيد الأشج حدثنا زياد بن الحسن بن فرات عن أبيه عن جده عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله قال: (أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرز فقال : ائتني بثلاثة أحجار، فوجدت له حجرين وروثة حمار؛ فأمسك الحجرين وطرح الروثة وقال: هي رجس) ].
هذا الحديث يدل على أنه لا بأس بالاستجمار بالأحجار، ويدل على أنه لا يجوز الاستنجاء بالروث ولا بالعظم، وفي الحديث الآخر: (إن العظم زاد إخوانكم من الجن، والروث علف لدوابهم).
ومن أراد أن يقتصر على الاستجمار فلابد أن يستجمر بثلاث أحجار فأكثر، أما إذا أراد أن يستنجي بالماء بعد ذلك فالأمر واسع، فلك أن تستجمر بحجرين ثم تتبع ذلك بالماء فلا حرج، لكن إذا أردت أن تقتصر على الأحجار فلابد أن تكون ثلاث، وأن تكون منقية، فإن لم تنق زاد حتى تنقي المحل، والمناديل إذا كانت خشنة فلا بأس باستعمالها.
حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض قال: حدثني أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان؛ فإن الله عز وجل يمقت على ذلك) ].
هذا الحديث أخرجه ابن ماجة وأبو داود والحاكم ووافقه الذهبي على تصحيحه، ولكنه ضعيف؛ لأنه من رواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير، وعكرمة بن عمار تكلم فيه.
وعلى كل لا يجوز للإنسان أن يكشف عورته، ولا يتحدث حال قضاء الحاجة.
وهذا الحديث قد رواه أحمد وصححه ابن حبان وابن القطان .
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا به محمد بن يحيى حدثنا سلم بن إبراهيم -يعني الوراق - قال: حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن عياض بن هلال بهذا الإسناد نحوه.
قال أبو بكر : وهذا هو الصحيح، هذا هو عياض بن هلال روى عنه يحيى بن أبي كثير غير حديث، وأحسب الوهم من عكرمة بن عمار حين قال: عن هلال بن عياض ].
حدثنا محمد بن رافع حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك أخبرنا الضحاك بن عثمان عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفض الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا تفض المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد) ].
وهذا الحديث فيه النهي عن نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، بل يجب على الرجل أن يستر عورته، ولا يجوز له أن يكشف عورته، ولا أن يجعل أحداً ينظر إلى عورته، وكذلك المرأة.
وفيه النهي عن إفضاء الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، بمعنى: أن يمس جسده جسد غيره بدون ثوب أو حائل، كأن يضطجعا ولا يكون بينهما حائل.
قوله: (لا يفض الرجل إلى الرجل) يعني: أنه يمس اللحم اللحم من دون ثوب أو حائل؛ فيكون مدعاة إلى تحرك الشهوة، وكذلك كون المرأة تضطجع بجانب المرأة ويمس لحمها لحمها بدون حائل أو ثوب.
والنهي هنا يفيد التحريم، فلا يجوز للرجل أن ينظر إلى عورة الرجل، ولا المرأة أن تنظر إلى عورة المرأة؛ لأن هذا من أسباب الشر وتحرك الشهوة.
حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان ، وحدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد - يعني: الزبيري - حدثنا سفيان الثوري عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام) ].
قال في الحاشية: إسناده صحيح.
هذا الحديث فيه أنه لا يسلم أحد على من يقضي حاجته؛ لأن السلام فيه ذكر لله عز وجل، ومن يقضي الحاجة ليس له أن يذكر الله في حال قضاء حاجته فلا يسلم عليه، وإذا سلم عليه فلا يرد عليه السلام.
باب الأمر بالاستطابة بالأحجار، والدليل على أن الاستطابة بالأحجار يجزي دون الماء.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ويوسف بن موسى قالا: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال: (قال له بعض المشركين -وكانوا يستهزءون به- : إني أرى صاحبكم يعلمكم حتى الخراءة، قال
غير أن الدورقي قال: قال بعض المشركين لـسلمان ].
هذا الحديث فيه تحريم استقبال القبلة في حال قضاء الحاجة، وهذا إذا كان في غير البنيان، أما في البنيان فإنه يجوز جمعاً بين الأحاديث في أصح الأقوال.
وفيه تحريم الاستنجاء باليمين، بل يستنجي بيده اليسار؛ لأن اليمين تكون للتكريم للإعطاء والأخذ، وقد (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله)، وكذلك فيه أنه لا يقتصر على أقل من ثلاثة أحجار إذا استنجى بالأحجار، واكتفى بها عن الماء، فلا بد أن تكون ثلاثة أحجار فأكثر، ولا يكتفي بالحجرين، أما إذا أراد أن يستنجي بالماء بعد ذلك فله أن يستجمر بالحجر أو الحجرين ثم يستنجي بالماء، ولا بد أن تكون الأحجار منقية، فإن لم ينق بثلاث زاد رابعاً، فإن أنقى بالرابع فإنه يستحب أن يزيد الخامسة حتى يقطع الشك وتكون وتراً.
ويشترط أيضاً: ألا يتعدى الخارج موضع العادة بألا ينتشر الغائط إلى الصفحتين، والبول لا يتجاوز الحشفة التي هي رأس الذكر.
ولابد أن يكون المستجمر به ليس روثاً ولا عظماً؛ لأنه قد جاء النهي عنهما في السنة، والعظم يعود أوفر ما كان لحماً ويكون زاداً لإخواننا من الجن، وكذلك رجيع الدابة يكون علفاً لدوابهم فيعود إليه حبه الذي أكل منه.
حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد وحدثنا يونس أيضاً حدثنا ابن وهب أن مالكاً حدثه، حدثنا عتبة بن عبد الله أخبرنا ابن المبارك أخبرنا يونس وحدثنا يحيى بن حكيم حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا يونس ومالك عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر) ].
استدل المؤلف بهذا على مشروعية الإيتار في الاستجمار، وهو مستحب.
وقوله: (من توضأ فليستنثر) الاستنثار معناه أن يخرج الماء الذي استنشقه بأنفه، إذ الاستنشاق جذب الماء بطرف الأنف، والاستنثار إخراجه، وهو واجب، فإذا توضأ فلابد من الاستنشاق والاستنثار.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وفي حديث ابن المبارك : أخبرني أبو إدريس الخولاني أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت يونس يقول: سئل ابن عيينة عن معنى قوله: (ومن استجمر فليوتر) قال : فسكت ابن عيينة ، فقيل له: أترضى بما قال مالك ؟ قال: وما قال مالك ؟ قيل: قال مالك : الاستجمار: الاستطابة بالأحجار، فقال ابن عيينة : إنما مثلي ومثل مالك كما قال الأول:
وابن اللبون إذ ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس ].
وهذا من تواضع ابن عيينة .
حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن الأعمش ، وحدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش ، وحدثنا أبو موسى حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - عن سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثاً) ].
هذا الحديث فيه أن الاستجمار لا بد أن يكون ثلاثاً، وأنه لا يكفي الحجر ولا الحجرين.
حدثنا أبو غسان مالك بن سعد القيسي حدثنا روح -يعني: ابن عبادة - حدثنا أبو عامر الخزاز عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استجمر أحدكم فليوتر، فإن الله وتر يحب الوتر، أما ترى السماوات سبعاً والأرض سبعاً والطواف سبعاً وذكر أشياء) ].
هذا الحديث فيه دليل على أن الإيتار فضيلة مستحبة وليس بواجب. فإذا أنقى بأربع فله أن يكتفي بأربعة أحجار، وإن زاد الخامسة فهو أفضل، وإن اكتفى بأربع فلا حرج ويكون تاركاً لفضيلة لا تاركاً لواجب.
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني أخبرنا بشر بن المفضل أخبرنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا تمسح فلا يتمسح بيمينه) ].
هذا الحديث فيه تحريم هذه الأمور الثلاثة: التنفس في الإناء، ومس الذكر باليمين، والاستنجاء باليمين؛ لأن النهي للتحريم؛ فهو إذا تنفس في الإناء قد يخرج شيء من فمه فيقذره على غيره، وكذلك أيضاً لا يمسح ذكره بيمينه وهو يبول؛ لأنه قد يصيبه شيء من البول، وكذلك لا يستنجي بيمينه، فكل هذه الأمور الثلاثة محرمة.
والنفخ غير التنفس، وكلاهما منهي عنه، وإذا كان الطعام حاراً فلا ينفخ فيه بل ينتظر حتى يبرد.
أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد أخبرنا ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا لكم مثل الوالد لولده، فلا يستقبل أحدكم القبلة ولا يستدبرها -يعني في الغائط-، ولا يستنج بدون ثلاثة أحجار ليس فيها روث ولا رمة) ].
وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم أيضاً، وفيه النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة، وهذا في غير البنيان، أما في البنيان فيجوز لحديث ابن عمر : (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة)، وأما النهي عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار فهذا إذا أراد الاقتصار عليها دون الماء، أما إذا أراد أن يستعمل الماء فلا بأس أن يستجمر بحجرين، ويشترط أن تكون منقية.
وأما العظم والروث فلا يجوز الاستجمار بهما؛ لأن العظم زاد إخواننا من الجن، ويعود عليه لحمه الذي أكل، والروث علف لدوابهم ويعود إليه حبه الذي كان فيه.
ويجوز لقاضي الحاجة أن يستدبر أو يستقبل القبلة إذا وضع حائلاً بينه وبينهما، فإن المحذور يزول بذلك، هكذا كان يرى ابن عمر ، ولكن المراد بالبنيان المحاط من جميع الجهات، أما هذا فهو من جهة واحدة، لكن ابن عمر ، تأول هذا، فكان يجعل راحلته ويستقبل أو يستدبر.
هذا فيه نظر؛ لأنه جعل من استنجى بدون ثلاثة أحجار وإن استنجى بعده بالماء عاصياً، لكنه قد يؤخذ ذلك من عموم الحديث: (وألا يستنجي بأقل من ثلاثة أحجار).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن سعيد بن الأشج قال: أخبرنا ابن نمير عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال: (قال المشركون: لقد علمكم صاحبكم حتى يوشك أن يعلمكم الخراءة قال: أجل نهانا أن نستقبل القبلة أو نستنجي بأيماننا أو بالعظم أو بالرجيع، وقال: لا يكتف أحدكم دون ثلاثة أحجار) ].
هذا الحديث يدل على التحريم، فلا يستنج بأقل من ثلاثة أحجار إذا أراد أن يقتصر على الحجر، أما إذا أراد أن يستنجي بالماء مع الاقتصار على حجر أو حجرين فله ذلك، والأمر واسع، وقد استدل به المؤلف على أنه لا يجوز الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار وإن استنجى بالماء، وهذا الاستدلال فيه نظر.
أخبرنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن داود ، وحدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب أخبرنا يحيى - يعني: ابن أبي زائدة - قال: أخبرني داود بن أبي هند عن عامر قال: سألت علقمة : (هل كان قال: فقلنا: يا رسول الله! فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، قال: أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن، قال: فانطلق بنا فأرانا نيرانهم قال: وسألوه الزاد، فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعر علفاً لدوابكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما فإنها طعام إخوانكم
هذا حديث عبد الأعلى .
وفي حديث ابن أبي زائدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستنجوا بالعظم ولا بالبعر؛ فإنه زاد إخوانكم من الجن) ].
في هذا الحديث ذكر علة النهي عن الاستنجاء بالعظم والروث، وهو أنه زاد إخواننا من الجن، فالعظم يعود عليه اللحم الذي أكل منه، والروث يعود إليه الحب الذي كان فيه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر