بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله الخلاف في مسمى الإيمان، عمل بقول الله عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، وهذه هي طريقة أهل العلم، أنهم يردون ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عملاً بقول الله عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، وقوله: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].
فالواجب على المسلم أن يرد ما تنازع فيه الناس، وأن يعرض خلاف الناس وخلاف العلماء على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما وافق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو الحق، وما خالفهما فهو مردود.
فالمؤلف الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله من الراسخين في العلم، ومن أهل العلم والبصيرة، ومن أهل الفقه في الدين، ولذلك رد نزاع هاتين الفرقتين إلى الكتاب والسنة، فوجد أن الكتاب والسنة يوافقان قول جمهور أهل السنة، وأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، فتبين بهذا أنه الحق، وأن قول مرجئة الفقهاء في إخراج الأعمال عن مسمى الإيمان قول ليس بصحيح، يخالف النصوص في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف: [ والأصل الذي هو حجتنا في ذلك اتباع ما نطق به القرآن، فإن الله تعالى ذكره علواً كبيراً قال في محكم كتابه: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]. وإنا رددنا الأمر إلى ما ابتعث الله عليه رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل به كتابه، فوجدناه قد جعل بدأ الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم ].
المؤلف رحمه الله يقول: إن هذه المسألة من مسائل النزاع، والأصل الذي هو حجتنا اتباع ما جاء في القرآن، وقوله: (اتباع ما نطق به القرآن) أخذ من قول الله تعالى: هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ [الجاثية:29].
وبين المؤلف رحمه الله أن أصل الدين وأساس الملة أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، وأن تشهد لنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وأن توحد الله وتخلص له العبادة، وهذا هو الأمر الذي أنزل الله به الكتب، وأرسل به الرسل، قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
وكل نبي ابتعثه الله يدعو قومه ابتداء إلى توحيد الله وإخلاص الدين له، ويأمرهم بعبادة الله، ويقول: اعبدوا الله، كما قال سبحانه: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، وقال: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65]، وقال: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:73]، وقال: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85].
هذا هو الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب، والنبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله بين قوم مشركين، فدعاهم إلى التوحيد، وقال لهم: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) ومكث على هذا بضع عشرة سنة، يدعو إلى هذه الشهادة الخاصة، ولم يأمرهم بالصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج؛ لأن أصل الدين وأساس الملة هو التوحيد، فلا تصح الأعمال إلا بالتوحيد، إلا الصلاة فإنها فرضت أول البعثة لسنة أو لسنتين أو ثلاث على خلاف، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة شرع الله الشرائع ففرضت الزكاة في المدينة، وفرض الصوم وفرض الحج، وشرع الأذان، وشرعت الحدود، أما في مكة فإن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على دعوتهم إلى التوحيد؛ لأن التوحيد هو أصل الدين وأساس الملة وهو الذي تبنى عليه الأعمال، ولا تصح الأعمال إلا به، فإذا ثبت التوحيد استقر في القلوب، وعند ذلك تبنى عليه الأعمال وتصح.
أما إذا عمل الإنسان عملاً وهو لم يوحد، كأن يصلي ويصوم ويزكي ويحج وهو مشرك فإن ذلك لا ينفعه، إلا بعد ثبات التوحيد والإيمان في القلب.
هذا في مكة أول الأمر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإنما كان هذا التخفيف عن الناس يومئذ فيما يرويه العلماء رحمة من الله لعباده، ورفقاً بهم؛ لأنهم كانوا حديث عهد بجاهلية وجفائها، ولو حملهم الفرائض كلها معاً نفرت منه قلوبهم، وثقلت على أبدانهم ].
ولأنها لا تصح إلا بعد استقرار التوحيد والثبات في القلب؛ لأن هذه الصلاة والزكاة والصوم والحج لا تصح ولا تقبل ولا تكون نافعة عند الله إلا بعد التوحيد، ولهذا بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، وكل نبي يدعو قومه إلى التوحيد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فجعل ذلك الإقرار بالألسن وحدها هو الإيمان المفترض على الناس يومئذ، فكانوا على ذلك إقامتهم بمكة كلها وبضعة عشر شهراً بالمدينة وبعد الهجرة ].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فلما أثاب الناس إلى الإسلام وحسنت فيه رغبتهم، زادهم الله في إيمانهم أن صرف الصلاة إلى الكعبة، بعد أن كانت إلى بيت المقدس، فقال: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144].
ثم خاطبهم وهم بالمدينة باسم الإيمان المتقدم لهم في كل ما أمرهم به، أو نهاهم عنه، فقال في الأمر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، ويَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] ].
أثاب: يعني اجتمع أي: لما اجتمع الناس على الإسلام في المدينة واستقر التوحيد وثبت في القلوب، وحسنت رغبتهم فيه؛ شرع الله الشرائع، فحددت الأوقات والصلوات، وشرع الأذان، وشرعت الجماعة، وفرضت الزكاة، وفرض الصوم، وفرض الحج، وشرعت الحدود.
والمعنى: أنه لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى المدينة، شرعت الشرائع، فناداهم الله باسم الإيمان، أمراً ونهياً، وطلب منهم سبحانه وتعالى امتثال الأوامر واجتناب النواهي؛ لأنهم موحدون فقال في الأمر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، فقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:77] يعني: وحدوا الله، وعندما ثبت التوحيد أوجب الله عليهم الصلاة ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77], وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، فأمرهم بالوضوء، وفي النهي نهاهم عن الربا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95]، فشرعت الشرائع، وفرضت الواجبات، وحرمت المحرمات، فامتثلوا أمر الله واجتنبوا نهيه.
الجواب: نعم، سبق أن خلافهم ليس خلافاً لفظياً، ولكنه خلاف له آثار تترتب عليه، أما أهل السنة فقد تأدبوا مع النصوص فقالوا: إن العمل داخل في مسمى الإيمان، ومرجئة الفقهاء خالفوا النصوص في اللفظ وإن وافقوها في المعنى، ومنها فتح الباب للفسقة، وفتح الباب للمرجئة.
أما حكم أهل الكبائر فمرجئة الفقهاء من أهل السنة يرون أن صاحب الكبيرة يستحق الوعيد، ويقام عليه الحد في الدنيا، إذا كانت الكبيرة عليها حد، أما المرجئة المحضة الجهمية، فهم الذين يرون أن صاحب الكبيرة ليس عليه شيء.
وهم يرون أنه مؤمن كامل الإيمان؛ لأن التفاضل بين الناس بالأعمال ليس التفاضل بينهم بالإيمان، فالإيمان عندهم واحد وأهله في أصله سواء.
أما عدم تكفيرهم لبعض من تلبس بالكفر العملي، فهم يفصلون في هذا؛ لأنهم يرون أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والكفر إنما يكون بالجحود، والجحود يكون بالقلب، فهم يرون أن الأعمال الكفرية دليل على الجحود، ودليل على ما في القلب، والصواب أن الأعمال الكفرية هي كفر، فمن سجد للصنم كفر على الصحيح، ومن سب الله أو سب الرسول أو سب دين الإسلام فهذا كفر، وليس هو دليل على الكفر، فهم يقولون: إن هذا دليل على الكفر ودليل على ما في قلبه.
والصواب أن الكفر يكون بالجحود، كأن يجحد فرضية الصلاة وفرضية الزكاة أو فرضية الحج، أو ينكر البعث، أو الجنة أو النار، أو يجحد صفة وصف الله بها نفسه، أو خبراً أخبر الله به، بعد قيام الحجة، ويكون أيضاً بالقول كما لو سب الله، أو سب الرسول أو سب دين الإسلام، أو استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله أو بدينه، كما قال الله تعالى في الذين استهزءوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالقراء من أصحابة في غزوة تبوك، فأنزل الله فيهم هذه الآية: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].
فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان، ويكون الكفر في العمل أيضاً، كما لو سجد للصنم، فالسجود للصنم كفر عمل، ويكون الكفر أيضاً بالإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعبد الله.
فالكفر يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالعمل، ويكون بالرفض والترك والإعراض عن دين الله، أما المرجئة فإنهم يرون أن الكفر لا يكون إلا بالقلب، وأن السجود للصنم أو السب إنما هو دليل على ما في القلب، والصواب أنه كفر مستقل بنفسه، فالسجود للصنم كفر بنفسه، والسب والاستهزاء لله ولكتابه ولرسول دينه كفر بنفسه، وكذلك أيضاً الإعراض عن دين الله، فمن لا يتعلم الدين ولا يعبد الله كفر، قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3]، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [السجدة:22].
كذلك يرى مرجئة الفقهاء أن الناس قسمان:
ولي لله، وعدو لله، فالمؤمن سواء كان عاصياً أو مطيعاً فهو ولي لله، والكافر عدو لله، وأما جمهور أهل السنة فيرون الناس ثلاثة أقسام:
ولي لله كامل الولاية وهو المؤمن التقي، الذي أدى الواجبات، وانتهى عن المحرمات، وعدو شر العداوة وهو الكافر، وهناك قسم ثالث، ولي لله من وجه وعدو لله من وجه، وهو المؤمن العاصي، فهو ولي لله في إيمانه وطاعته، وعدو لله في معصيته وفسقه، فيوالى من وجه، ويعادى من وجه، ويحب من وجه، ويبغض من وجه، أما مرجئة الفقهاء فهم فتحوا باباً للفسقة أن يقولوا: نفعل ما نشاء، وإيماننا كامل لا يتأثر، فهم يرون أن المفاضلة بين الناس في أعمال البر وأن الإيمان ليس فيه تفاضل.
الجواب: هؤلاء هم المرجئة المحضة على مذهب الجهمية، الذين يقولون: إن من ادعى النبوة لا يكفر. فهم يرون أن الإيمان هو التصديق بالقلب، فيكفي معرفة الرب بالقلب فقط، وأنه لو فعل جميع الكبائر والمنكرات وأعمال الردة فلا يكفر، فهذا مذهب الجهمية وهم المرجئة المحضة، وليس من مرجئة الفقهاء الذين هم طائفة من أهل السنة، وإن كان خلافهم له آثار، لكنهم يرون أن الواجبات واجبات، وأن المحرمات محرمات، ويكفرون من كفره الله ورسوله، لكن هؤلاء جهمية وهم المرجئة المحضة.
فإذا كان هناك أحد يرى هذا الرأي فهو على مذهب الجهمية، وهؤلاء يحذر منهم، ويبين أن مذهبهم مذهب باطل فاسد.
الجواب: لا يتحقق الإيمان إلا بالعمل، فالإنسان لابد له من التصديق، وهذا التصديق والإيمان لابد له من عمل يتحقق به، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون، إبليس مصدق، وفرعون مصدق، ليس عندهما انقياد بالعمل، إبليس لما أمره الله بالسجود لآدم رفض وعارض أمر الله، وقال: أنا خير منه، أنا أفضل منه، ولا يمكن أن يسجد الفاضل للمفضول: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، وفرعون كذلك رفض أمر الله وأمر رسوله، ولم يؤمن بنبيه، فمن يدعي الإيمان والتصديق ويرفض العمل فيكون كفره بالاستكبار، ولابد لهذا الإيمان والتصديق الذي في القلب من عمل يتحقق به، أما إذا رفض العمل فقد استكبر عن عبادة الله، ويكون كفره بالاستكبار والعياذ بالله، ويقال له: أي فرق بين إيمانك وإيمان إبليس وفرعون؟! كما أن الذي يعمل، يصلي ويصوم ويتصدق ويحج، لابد لهذا العمل من إيمان يصححه، وإلا صار كإسلام المنافقين، فالمنافقون كانوا يصلون ويجاهدون مع النبي صلى الله عليه وسلم لكن أعمالهم ليس لها إيمان يصححها، قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8].
وقال: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1].
فلابد للإيمان بالتصديق في القلب من عمل يتحقق به، وانقياد لأمر الله وأمر رسوله، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون، ولابد للعمل من صلاة وصيام وزكاة وحج، لا بد من إيمان يصححها، وإلا صار كإسلام المنافقين.
الجواب: الذي يترك الأعمال ليس عنده حياء، وكونه يدعي الحياء كذب، فالذي يستحي من الله ورسوله هو المؤمن المصدق الذي يعمل، فيمتثل أمر الله وليس منافقاً، أما من كان يرفض أمر الله وأمر رسوله فليس عنده حياء، وفي الحديث الصحيح: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) معنى هذا ليس عنده حياء.
الجواب: لأن الإمام أبا حنيفة وأصحابه، والعباد من أهل الكوفة، يسمون مرجئة الفقهاء وهم من أهل السنة.
الجواب: مذهب أهل السنة والجماعة عدم إطلاق الإيمان نفياً أو إثباتاً للعاصي والفاسق ومرتكب الكبيرة، بل لابد من التقييد في النفي وفي الإثبات، فلا يقال عن الفاسق والعاصي ومرتكب الكبيرة: مؤمن بإطلاق، ولا يقال: ليس بمؤمن بإطلاق، لابد من التقييد في النفي، ولابد من التقييد في الإثبات، ففي الإثبات تقول: مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته؛ لأنك إذا قلت: (مؤمن) وسكت، وافقت المرجئة، والمرجئة يقولون عن العاصي: إنه مؤمن، وفي الإثبات لابد أن تقيد، وفي النفي لابد أن تقيد، فتقول: ليس بصادق الإيمان، ليس بمؤمن حقاً؛ لأنك إذا قلت: (ليس بمؤمن) وسكت، وافقت الخوارج والمعتزلة، وفي الحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربه وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن)، هذا نفي الإيمان الكامل، لكن الزاني والسارق عنده أصل الإيمان، والشارب والمنتهب عنده أصل الإيمان، والنصوص في هذا كثيرة: (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه)، هذا من ينافي كمال الإيمان.
الجواب: كتاب الإيمان لـابن أبي شيبة نصوص وآثار، فهو أوسع في التفصيل، وأما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد نقل نقولاً عن العلماء بأن مرجئة الفقهاء وإن كان خلافهم لفظياً في كون مرتكب الكبيرة لا ينفى عنه الإيمان وأن مرتكب الكبيرة عليه الوعيد، نقل نقولاً عن بعض العلماء بأنهم أشد من فتنة الأزارقة الخوارج، نظراً لما يترتب عليه معتقدهم من الآثار التي سبق الكلام عليها.
الجواب: قول القلب التصديق والإقرار، وعمل القلب النية والإخلاص، والصدق والمحبة، وقول اللسان النطق، وقد يسمى قول اللسان عملاً.
الجواب: قد يقال: يستقيم الإنسان على طاعة الله، هنا يقول: يكمل إيمانه، من كمل إيمانه صار مستقيماً، يعني: كأن الاستقامة نتيجة لكمال الإيمان، من كمل إيمانه استقام على طاعة الله، واستقام دينه، ومن استقام دينه فقد كمل إيمانه، يعني: قد يقال: إن إحداهما نتيجة للأخرى.
الجواب: هذا صحيح، فالنبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة يدعو إلى التوحيد؛ لأن التوحيد هو أصل الدين، وأساس الملة؛ ولأن الأعمال لا تصح حتى تبنى على التوحيد، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة شرعت الشرائع، أما إن كان يقصد أنه فقط دعا للتوحيد في مكة دون المدينة، فهذا خطأ، فالدعوة إلى التوحيد كانت من أول حياته إلى آخرها كما في حديث معاذ : (تدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟)، وحديث أبي هريرة : (من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ..).
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر