يقول المؤلف رحمه الله: تأويل هذه النصوص عندنا التي فيها نفي الإيمان عن العصاة: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) أو وصفه بالبراءة: (برئ النبي من الصالقة والحالقة والشاقة)، أو وصفه بالكفر: (اثنتان في الناس هما بهم كفر)، أو وصفه بالشرك: (من حلف بغير الله فقد أشرك)، يقول: معناها عندنا: أن هذه معاصٍ وذنوب وكبائر، فالزنا والسرقة والطعن في النسب والنياحة والحلف بغير الله معاص وذنوب لا تزيل الإيمان بالمرة عن صاحبها، ولا توجب الكفر الأكبر الذي يخرج من الملة، ولكنها تنفي كمال الإيمان وإخلاصه وحقيقته، فيكون صاحبها ضعيف الإيمان، فهو معه أصل الإيمان وليس معه كماله.
قوله: (واشترطه عليهم في مواضع من كتابه) فالله اشترط في المؤمن الكامل أنه يؤدي الواجبات، وينتهي عن المحرمات، فالذي يقصر في الواجبات ويفعل المحرمات ما أتى بالشرط، فيكون ضعيف الإيمان، وناقص الإيمان.
إذاً: الصواب في تأويل هذه النصوص: أن المراد بالنفي في هذه النصوص نفي كمال الإيمان وحقيقته فيقال في العاصي: ليس بمؤمن حقاً، أو مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فينفى عنه كمال الإيمان، وإخلاصه الذي نعت الله به أهله.
هذه الآيات فيها بيان أوصاف المؤمنين الكمل، فالذي لا يحفظ حدود الله يكون ناقص الإيمان، ضعيف الإيمان، والعصاة يكون إيمانهم ضعيفاً إذا ما أتوا بهذه الصفات.
قال: [ وقال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] إلى قوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:9-11] ].
صفه المؤمنين الكمل يعني: الذين كمل إيمانهم بهذه الصفات، أما الذي لا يحفظ فرجه أو يخون في الأمانة فإنه يكون ضعيف الإيمان، فهذه أوصاف المؤمنين الكمل.
قال: [ وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4] ].
هذه أيضاً أوصاف المؤمنين الكمل، (إنما المؤمنون) يعني: كمل الإيمان هذه أوصافهم الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2]، توجل القلوب عند ذكر الله وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2]، زيادة الإيمان عند ذكر الله وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]، أي: يتوكلون على الله ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:4]، أما من لم يتصف بهذه الصفات فليس بمؤمن حقاً، بل هو ضعيف الإيمان، ولهذا وعدهم الله بالثواب العظيم قال: لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:4]، لكن هذا الوعد ليس لضعيف الإيمان، بل ضعيف الإيمان متوعد بالنار كالزاني والسارق وشارب الخمر، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279].
فالمرابي وآكل مال اليتيم هذا موعود بالنار، وهذا موعود بالحرب، والمؤمن كامل الإيمان موعود بالجنة، ففرق بينهما، هذا كامل الإيمان موعود بالجنة، وهذا ضعيف الإيمان موعود بالنار، لكن العاصي إذا دخل النار لا يخلد بل يعذب على قدر معاصيه ثم يخرجه الله برحمته أو بشفاعة الشافعين على حسب جرائمه مادام مات على التوحيد والإيمان، أما من مات على الشرك والكفر فهذا لا حيلة فيه فهو مخلد.
أي: أن هذه الآيات التي سبقت قد شرحت وأبانت شرائعه المفروضة على أهله، ونفت عنه المعاصي كلها، ثم جاءت السنة ففسرته بالأحاديث التي فيها خلال الإيمان، يعني: أوصاف أهل الإيمان في الباب الذي في صدر هذا الكتاب، حيث ذكرت أوصاف المؤمنين وأنهم يقومون بما أوجب الله عليهم، ويؤدون حق الجار، ويبرون والديهم، وينتهون عن المعاصي، ولا يغشون ولا يرابون ولا يخادعون، فلما خالطت هذه المعاصي أصل الإيمان، أضعفت هذا الإيمان وصار ضعيفاً، فاختلت الشروط التي أخذها الله على المؤمنين ونقصت العلامات التي يربو بها أهل الإيمان، فالله تعالى اشترط: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8]، فهو خان الأمانة وما أدى الشرط، وقال أيضاً: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون:5]، فهو ما حفظ فرجه بل زنى، فلما خالطت هذه المعاصي هذا الإيمان قيل: ليس هذا من الشرائط التي أخذها الله على المؤمنين، فلما اختلت الشروط التي أخذها الله على المؤمنين، صار هذا نقصاً في العلامات التي يعرف بها المؤمنون الكمل الإيمان، فلذلك انتفت عنهم حقيقة الإيمان وكماله، ولم يزل عنهم اسمه، فالاسم باق.
هنا المؤلف ذكر اعتراضاً يقول: إنك تأولت النصوص التي هي نفي الإيمان عن العصاة فكيف تقول: إنه ليس بمؤمن واسم الإيمان باق عليه؟
أجاب المؤلف رحمه الله: ليس هناك تناقض؛ لأن شرط التناقض: أن تكون الجهة واحدة، وأن يرد النفي والإثبات على شيء واحد، أما إذا كانت الجهة منفكة فلا تناقض، مثال ذلك: الله تعالى أثبت الإيمان للمنافقين ونفاه عنهم فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، فمعاذ الله أن يكون هذا تناقضاً؛ لأن شرط التناقض: أن تكون الجهة واحدة، وهنا الجهة منفكة، فإثبات الإيمان يرجع إلى الإنسان، ونفي الإيمان يرجع إلى القلب، وهنا الجهة منفكة، ولو كان الإثبات والنفي يرد على اللسان لقيل: هذا تناقض، أو كان الإيمان والنفي يرد على القلب كان تناقضاً، أما إذا كان إثبات الإيمان من جهة ونفيه من جهة صارت الجهة منفكة.
وهو هنا أثبت الإيمان باللسان ونفى الإيمان عن القلب، فصارت الجهة منفكة فلا يكون تناقضاً، وكذلك هنا فيقال للعاصي: ليس بمؤمن وهو مؤمن، لأن النفي يرد على كمال الإيمان، والإثبات يرد على أصل الإيمان، فهو إذا قال: ليس بمؤمن فذلك يعني: أن جهة كمال الإيمان النفي، وقوله: هو مؤمن، هذا يرجع إلى أصل الإيمان.
قال المؤلف رحمه الله: الجهة منفكة، فاسم الإيمان يرجع إلى الكمال، وإثباته يرجع إلى الأصل.
قوله: (قيل: هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا كان عمله على غير حقيقته) أي: أن لغة العرب تدل على هذا، وهو واسع، وذلك أنه ينفى العمل عن الشخص إذا كان لا يعمل عملاً حقيقياً، وإن كان يعمل عملاً ولا ينصح فيه بل يخون في هذا العمل فإنه ينفى عنه العمل فيقال: فلان ما عمل، يعني: ما عمل عملاً متقناً، وإن كان عمل عملاً ناقصاً وضعيفاً.
قوله: (ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله: ما صنعت شيئاً ولا عملت عملاً) فإذا كان العامل لا يتقن الصنعة يقال: ما صنعت شيئاً ولا عملت عملاً، فالمراد منه: ما عمل شيئاً جيداً، ولهذا قال: (إنما وقع معناهم هاهنا على نفي التجويد) أي: ما عملت عملاً جيداً، فقد يعمل الصانع كالنجار باباً من خشب لكنه ليس على المطلوب، بل باب ضعيف من خشب رديء مخلخل وغير مثبت.
فهو قد صنع لكن صنعه غير جيد فيقال: ما صنعت شيئاً جيداً، وإن كان صنع صنعاً رديئاً، فأصل الصنعة ثابتة، والتجويد منفي عنه، فكذلك المؤمن ينفى عنه كمال الإيمان، ويثبت له أصل الإيمان، ولهذا قال المؤلف: (وإنما وقع معناهم هاهنا على نفي التجويد لا على الصنعة نفسها، فهو عندهم عامل بالاسم، وغير عامل في الإتقان).
فالصانع الذي لا يتقن صنعته يكون اسمه عاملاً، وغير عامل بالإتقان والجودة، فينفى عنه العمل من جهة الإتقان والجودة، ويثبت له العمل من جهة أصل الصنعة وأصل العمل، فكذلك المؤمن العاصي يثبت له أصل الإيمان واسمه، وينفى عنه كماله وحقيقته.
قوله: (حتى تكلموا به فيما هو أكثر من هذا، وذلك كرجل يعق أباه ويبلغ منه الأذى فيقال: ما هو بولد، وهم يعلمون أنه ابنه من صلبه) فالعاق الذي يؤذي أباه ليس بولد بار وإنما ولد عاق، فهو ابن؛ لأنه ابنه من صلبه، لكنه ليس بابن بار، فيقال: ليس بولد بار ولكنه ولد عاق.
وقوله: (مثله في الأخ والزوجة والمملوك) كذلك الأخ إذا كان جاف ولا يحسن إلى أخيه، فهو ليس بأخ بار، وكذلك الزوجة ليست بزوجة إذا كانت غير مطيعة لزوجها، والعبد ليس بمملوك.
قوله: (وإنما مذهبهم في هذا المزايلة من الأعمال الواجبة عليهم من الطاعة والبر) يعني: أن مقصودهم بالنفي: أنه زال عنه العمل الواجب من الطاعة والبر.
قوله: (وأما النكاح والرق والأنساب فعلى ما كانت عليه أماكنها وأسماؤها) فالزوجة يقال: ليست بزوجة مطيعة، لكن واقع النكاح باق، ولو كانت ناشزاً ولو كانت غير مطيعة، فالنكاح باق ولكن نفى عنها الطاعة، وكذلك العبد يقال: ليس بمملوك، وليس بعبد جيد؛ لأنه يعصي سيده ويؤذيه، لكن الرق باق.
وكذلك الأنساب يقال: هذا الولد عاق لكن النسب باق.
قوله: (فكذلك هذه الذنوب التي ينفى بها الإيمان) فهذه الذنوب ينفى بها كمال الإيمان، أما اسم الإيمان فهو باقٍ.
ولهذا قال: (إنما أحبطت الحقائق منه الشرائع التي هي من صفاته) فالذنوب والمعاصي أحبطت حقيقة الإيمان وكماله للشرائع التي هي من صفاته.
قوله: (أما الأسماء فعلى ما كانت قبل ذلك) فالاسم باق، ولكن الذي نفي هو الحقيقة.
قوله: (ولا يقال لهم إلا مؤمنون) فالعصاة لا يقال لهم إلا مؤمنون.
قوله: (وبه الحكم عليهم) أي: يحكم عليهم بأنهم مؤمنون، لكن النفي إنما هو للكمال.
فالمؤلف يقول: إننا وجدنا أدلة تدل على هذا التأويل الذي تأولنا به النصوص من القرآن العزيز ومن السنة المطهرة تدل على أنه ينفى عن الشيء حقيقته وكماله وإن كان الاسم باق، فمن ذلك قول الله جل ثناؤه في أهل الكتاب اليهود والنصارى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ [آل عمران:187]، فالله تعالى أخذ على أهل الكتاب الميثاق أن يبينوا ولا يكتموا، لكن كتموه ونبذوه، ومع ذلك فإن اسم الكتاب باق معهم، والأحكام باقية في أهل الكتاب تؤكل ذبائحهم وتنكح نساءهم ولو أنهم لم يقوموا بالعمل فالاسم باق، لكن نفى عنهم الكمال.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو عبيد : حدثنا الأشجعي عن مالك بن مغول عن الشعبي في هذه الآية قال: أما إنه كان بين أيديهم ولكن نبذوا العمل به، ثم أحل الله لنا ذبائحهم، ونكاح نسائهم، فحكم لهم بحكم الكتاب إذا كانوا به مقرين، وله منتحلين، فهم بالأحكام والأسماء في الكتاب داخلون، وهم لها بالحقائق مفارقون، فهذا ما في القرآن ].
يقول المؤلف: إن أهل الكتاب سماهم الله أهل الكتاب وهم لم يعملوا بالكتاب بل نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً، ومع ذلك ما زال عنهم اسم أهل الكتاب وقد نبذوا العمل به وهو بين أيديهم، ولم تزل الأحكام عليهم، فأحل الله لنا ذبائحهم إذا ذبحت باسم الله، أما إذا ذبحت باسم المسيح فلا تأكل، قال الله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5]، وكذلك جواز الزواج بالمرأة الكتابية اليهودية والنصرانية إذا كانت محصنة ولو كانوا لا يعملون بكتابهم.
فكما أن المؤمن العاصي يسمى مؤمناً وهو عاصٍ، فأهل الكتاب من اليهود والنصارى العصاة يسمون أهل الكتاب، فهذه الأسماء باقية والأحكام باقية، ولهذا قال المؤلف: (أما إنه كان بين أيديهم ونبذوا العمل به) ثم بقيت الأحكام (ثم أحل الله لنا ذبائحهم ونكاح نسائهم، فحكم لهم بحكم الكتاب إذا كانوا به مقرين) أي: مقرين بكتابه ولهم التحريف فينتسبون إلى اليهودية والنصرانية.
فهم داخلون بأحكامهم وأسمائهم في مسمى أهل الكتاب، وهم لها بالحقائق مفارقون لأنهم ما عملوا بكتابه، وكذلك المؤمن العاصي حقيقة الإيمان منفية عنه، واسم الإيمان والأحكام كلها ثابتة له.
قال المؤلف رحمه الله: [ وأما السنة: فحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يحدث به رفاعة في الأعرابي الذي صلى صلاة فخففها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، حتى فعلها مراراً كل ذلك يقول: (فصل)، وهو قد رآه يصليها، أفلست ترى أنه مصل بالاسم، وغير مصل بالحقيقة ].
الشيخ: حديث رفاعة يسمى عند العلماء بحديث الأعرابي المسيء، وهو حديث رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً في المسجد فدخل رجل فصلى ركعتين، ثم جاء وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: (عليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل)، فرجع الرجل فصلى مثل صلاته الأولى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل) ثم رجع الرجل فصلى مثل صلاته الأولى، لا يتم الركوع ولا السجود، ينقرها نقر الغراب، حتى فعل هذا ثلاث مرات، وفي كل مرة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل) فقال الرجل في المرة الثالثة: والذي بعثك بالحق نبياً لا أحسن غيرها، فعلمني، فعلمه وقال: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تعتدل جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) فأرشده إلى الطمأنينة.
والشاهد من الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، فوجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإنك لم تصل)، فنفى عنه الصلاة ولكنه مصل، في الحديث: جاء رجل أعرابي فصلى فقال له النبي: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنك لم تصل)؟
فهو أثبت الصلاة ونفاها عنه، وهذا ليس بتناقض؛ لأن الجهة منفكة، فهذا الرجل أثبت له الصلاة الصورية، صورة قام وصلى ركعة أو ركعتين بركوع وسجود، والذي نفي عنه الصلاة الحقيقية الشرعية؛ لأن ما فيها طمأنينة، فهذا الرجل بقي له الاسم، ونفيت عنه الحقيقة، فهو مثل المؤمن العاصي له الاسم والأصل، وينفى عنه الحقيقة والكمال.
قال المؤلف رحمه الله: [ وكذلك في المرأة العاصية لزوجها، والعبد الآبق، والمصلي بالقوم الكارهين له إنها غير مقبولة ].
فقد جاء في الحديث: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: منهم إمام أمَّ قوماً وهم له كارهون) ، وكذلك العبد الآبق لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، وكذلك المرأة العاصية لزوجها لا تقبل صلاتها.
فهل معنى ذلك أن صلاتهم باطلة، وأنهم كفار؟ لا، فالنفي إنما هو للكمال والحقيقة لعصيانه، ولكن الصلاة صحيحة، والمنفي إنما هو الكمال لأجل عصيانه، فكذلك المؤمن العاصي ينفى عنه الكمال ويثبت له الأصل والاسم.
قال المؤلف رحمه الله: [ ومنه حديث عبد الله بن عمر في شارب الخمر: أنه لا تقبل له صلاة أربعين ليلة ].
فشارب الخمر لا تقبل له صلاة كاملة وإن كانت صلاته صحيحة، لكن نفي عنه الكمال، وليس ثوابها مثل ثواب المؤمن المطيع، فكذلك المؤمن العاصي ينفى عنه كمال الإيمان، ويثبت له أصله واسمه.
قال المؤلف رحمه الله: [ وقول علي رضي الله عنه: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ].
هذا موقوف على علي ليس مرفوعاً، ومعناه: لا صلاة كاملة، ولو صلى في غير المسجد صحت صلاته إلا أنه عاص، وثوابها ليس كثواب من صلى في المسجد وهو في ذلك يكون آثماً؛ لأن النصوص دلت على أنه لا بد للرجل أن يصلي في الجماعة إلا من عذر، فهذا الرجل صلاته صحيحة وثابتة، لكن المنفي عنه الكمال وعليه الإثم إذا كان يستطيع الجماعة.
قال المؤلف رحمه الله: [ وحديث عمر رضي الله عنه في المقدم ثقله ليلة النفر أنه لا حج له ].
هذا الحديث الذي ذكره المؤلف يحتاج إلى تخريج، وعلى فرض ثبوته يكون معناه: لا حج له كاملاً؛ لأن من يتقدم ليلة النفر - يعني: ليلة العيد - ولا يبيت بمزدلفة فقد ترك واجباً من واجبات الحج، فهذا حجه صحيح لكن عليه دم شاة يذبحها.
قال المؤلف رحمه الله: [ وقال حذيفة : من تأمل خلق امرأة من وراء الثياب وهو صائم أبطل صومه ].
هذا الأثر جاء مرفوعاً لكنه موضوع، والمؤلف هنا ما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل نسبه إلى حذيفة، لكن لو صح فمعناه: أبطلت كمال الصوم، وإلا فصومه صحيح ومجزي.
هنا يقول أبو عبيد : إن هذه الآثار كلها وما كان مضاهياً لها فهو على ما فسرته لك مسبقاً بأن النفي إنما هو نفي كمال الإيمان وحقيقته وإثبات الأصل والاسم.
أما الأحاديث التي فيها البراءة مثل حديث: (برئ من الحالقة والصالقة)، وحديث: (من حمل علينا السلاح فليس منا)، وحديث: (من غشنا فليس منا)، وحديث: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين)، وحديث: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب) فمعناها: أننا لا نرى شيئاً منها يكون معناه التبرؤ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من ملته، وإنما المراد: أنه ليس من المطيعين لنا، ولا من المقتدين بنا، ولا من المحافظين على شرائعنا، فهذه لا توجب الكفر؛ لأنها معاصي، وليس معناها أن النبي تبرأ من دينه؛ لأنه مازال باقياً على اسم الإسلام.
قوله: (وقد كان سفيان بن عيينة يتأول فيقول: ليس منا أي: ليس مثلنا) ويروى هذا التأويل عن غيره من العلماء، والمؤلف يرد على سفيان تأويله فيقول: (فهذا التأويل وإن كان الذي قاله إمام من أئمة العلم فإني لا أراه) لماذا لا تراه صحيحاً يا أبا عبيد ؟ قال: لأنه إذا قال: (ليس مثلنا) فهل معنى ذلك أنه إذا فعل هذه المعصية يكون مثل الرسول؟ لا، فلا يمكن أن يكون مثل الرسول، ولا يمكن أن يصل إلى ما وصل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من التقوى والصلاح، فلذلك هذا التأويل غير صحيح.
كذلك المطيع هل هو مثل الرسول؟ لا يمكن أن يكون مثل الرسول، فلذلك أرى أن هذا التأويل أيضاً ليس بصحيح.
وإنما التأويل ليس من المطيعين لنا، ولذلك قال أبو عبيد : (فإني لا أراه من أجل أنه إذا جعل من فعل ذلك ليس مثل النبي صلى الله عليه وسلم لزمه - في المقابل - أن يصير من يفعله مثل النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فلا فرق بين الفاعل والتارك، وليس للنبي صلى الله عليه وسلم عديلاً ولا مثل من فاعل ذلك ولا تاركه) أي: لا يمكن أن يكون أحد عديل للنبي ولا مثله سواء كان مطيعاً أو غير مطيع.
قوله: (فهذا ما في نفي الإيمان وفي البراءة من النبي صلى الله عليه وسلم إنما أحدهما من الآخر وإليه يئول) هذا تأويل نفي الإيمان وبراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الحالقة والصالقة والشاقة.
قوله: (أما الآثار المرويات بذكر الكفر والشرك ووجوبهما بالمعاصي فإن معناها عندنا ليس تثبت على أهلها كفراً ولا شركاً يزيلان الإيمان عن صاحبه) يقول: الأحاديث التي فيها (من حلف بغير الله فقد أشرك)، (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب...)، ليس معناها أن صاحبه كافر كفراً يخرج من الملة، ولا مشرك شركاً في العبادة، إنما معناها: أنها من الأخلاق والسنن التي عليها الكفار والمشركون.
قوله: (وقد وجدنا لهذين النوعين من الدلائل في الكتاب والسنة نحواً مما وجدنا في النوعين الأولين) وجدنا لهذين النوعين أي: تأويل المؤلف، لكن الآن أنا أقول تعقيباً على المؤلف رحمه الله: الأحسن والأصوب في تأويل هذه النصوص أن يقال: هذه النصوص تفيد الوعيد والزجر، وأنها من الكبائر، وما سمي منها شركاً أو كفراً فهو أصغر لا يخرج من الملة ما لم يكن شركاً في العبادة أو ناقضاً من نواقض الإسلام.
وقول المؤلف رحمه الله هنا: (إنها ليس من شرائعنا، ولا من أخلاقنا، ولا من المطيعين لنا) نجد أن النووي رحمه الله أحياناً يتأول النصوص في شرح صحيح الإمام مسلم ، وأئمة الدعوة وغيرهم من أهل العلم بينوا أن هذا ليس بجيد؛ لأن قوله: ليس من المطيعين لنا، ولا من المقتدين بنا، ولا من المحافظين على شرائعنا يعتبر تأويلاً، والأصوب أن يقال: إن هذه الأحاديث وهذه النصوص تفيد الوعيد والزجر وأنها من الكبائر، ولا تفسر بل تبقى هذه النصوص على حالها حتى تفيد الوعيد والزجر عن هذه الكبائر؛ لأنك إذا قلت: (ليس من المطيعين لنا، ليس من المحافظين على شرائعنا) سهلت الأمر، فلا تفسرها بهذه التفسير؛ لأنك إذا فسرتها بهذا التفسير تساهل العاصي.
مثلاً حديث: (ليس منا من ضرب الخدود) فقولنا: ليس من المطيعين لنا، هذا أمر سهل، لكن تقول: هذا وعيد شديد يدل على أن هذه المعصية من الكبائر يفيد الوعيد والزجر، كذلك حديث: (اثنتان في الناس هما بهم كفر) كفر أصغر لا يخرج من الملة، وحديث: (من حلف بغير الله فقد أشرك) يعتبر شركاً أصغر إلا إذا كان شركاً في العبادة أو ناقضاً من نواقض الإسلام فإنه كفر أكبر، فالأصوب والأحسن أن يقال في تأويل هذه النصوص أنها تفيد الوعد والزجر وأنها من الكبائر، وما سمي منها شركاً أو كفراً فهو كفر أصغر أو شرك أصغر لا يخرج من الملة، ما لم يكن شركاً في العبادة أو ناقضاً من نواقض الإسلام.
الجواب: الخوارج المعاصرون كالخوارج القدامى، الحكم واحد، والمذهب واحد، والخوارج فيهم كلام لأهل العلم، والجمهور على أنهم عصاة، والصحابة رضوان الله عليهم عاملوهم معاملة العصاة ولم يكفروهم، واستدلوا بقول الخليفة الراشد علي رضي الله عنه عندما سئل: هل هم كفار؟ قال: (من الكفر فرو) ولأنهم متأولون.
ومن العلماء من كفرهم وهي رواية عن الإمام أحمد ، واستدلوا بالنصوص التي فيها ما يدل على كفرهم كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، وفي لفظ: (يمرقون من الدين ثم لا يعودون إليه)، وفي لفظ: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد)، فشبههم بقوم عاد وهم قوم كفار، وفي لفظ: (من لقيهم فليقتلهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله) قالوا: فهذه النصوص الصريحة تدل على كفرهم.
لكن الجمهور - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومنهم الصحابة عاملوهم معاملة العصاة لا المرتدين.
الجواب: الأصل اسم الإيمان، والحقيقة الكمال أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:4]، فيقال للعاصي: ليس بمؤمن حقاً، فالحقيقة: هي الكمال، والأصل: هو أصل الاسم وثباته.
الجواب: أحداث الأسنان يعني: صغار السن ليسوا كباراً، بل هم شباب، ويقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، هذا في نفي الإيمان، يعني: لا يقبل منهم ولا يصح، قد يعلمون وقد لا يعلمون، والظاهر: أنهم لا يعلمون ويظنون أنهم على حق.
(يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) يعني: يقاتلون المؤمنين بالمعاصي، فيكفرون المؤمنين بالمعاصي، فالزاني يقتلونه ويستحلون دمه؛ لأنه كافر عندهم، والسارق كافر، والعاق والديه كافر، ولا يقاتلون الكفار.
الجواب: نعم، لا شك أن هؤلاء شابهوهم في هذا الوصف.
الجواب: لا، أصله يعني: اسم الإيمان، وكون أحكام الإيمان تجري عليه، فإنه يخاطب بيا أيها الذين آمنوا! ويقال: إنه مؤمن، ويدخل في عموم المؤمنين، ويخاطب بالأوامر والنواهي، هذا أصل الإيمان، وأما حقيقته فهو كماله، فينفى عنه كماله.
الجواب: نعم، لا شك أن المعاصي نقص في التوحيد والإيمان، لكنها لا تزيل الإيمان إلا إذا كانت كفراً ناقضاً من نواقض الإسلام أو شركاً في العبادة.
الجواب: كفر النعمة من الكفر الأصغر كقوله تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [النحل:112] ، فكفر النعمة كفر أصغر وهو لا يخرج من الملة.
الجواب: نعم، حتى إنهم أوصلوها إلى أربعمائة مكفر، وحتى قالوا: إن من قال: مسيجد على وجه التصغير كفر.
وهم يرون أن المعاصي معاصٍ، والكبائر كبائر، والكفر كفر، وهذا غير مسألة دخول الأعمال في مسمى الإيمان، فلا منافاة، يقولون: الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، والكفر كفر، والشرك شرك، لكن هذا الكفر الذي يرونه يرون أنه مخرج عن الملة، يعني: المكفرات التي ذكروها أنها تخرج من الملة، يرون أنها تنافي الإيمان من أصله.
الجواب: ذكر أهل الفرق أنهم ما يقرب من اثنين وعشرين فرقة، يوجد في هذا الزمان خوارج موجودون في عمان وفي المغرب وفي غيرها من جهات متعددة، يجمعهم التكفير، وقد يكون بينهم فرق يحتاج إلى تأمل ونظر في أحكامهم وأعمالهم حتى يحكم الإنسان عليهم.
الجواب: لا يلزم حتى يفعل الإنسان المعصية أو يرتكبها أن يستحلها، فقد يزني لغلبة الشهوة، لكن إذا استحل الزنا كفر، كذلك إذا غلبه حب المال وذهب ليرابي وهو يعلم أن الربا حرام فيكون عاصياً، أما إذا اعتقد أن الربا حلال فهذه ردة وكفر؛ لأنه استحل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة.
الجواب: الصارف لها: هو الجمع بين النصوص، فالنصوص يضم بعضها إلى بعض، فالله تعالى أثبت الإيمان للعاصي في قوله: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178]، فسمى القاتل أخا المقتول، ومع ذلك نفى عنه الإيمان، فالجمع بينهما يكون بأن النصوص التي نفت الإيمان تحمل على كمال الإيمان، والنصوص التي أثبتت الإيمان والأخوة تحمل على أصل الإيمان، فكلام الله وكلام رسوله يصدق بعضه بعضاً ولا ينقض بعضه بعضاً.
إذاً: هناك نصوص أثبتت الإيمان ونصوص نفت الإيمان فكيف نجمع بينها؟ النصوص التي أثبتت الإيمان تحمل على أصل الإيمان واسمه ودخوله فيه، والنصوص التي نفت الإيمان تحمل على كماله وحقيقته، فنجمع بين النصوص ونعمل بالنصوص من الجانبين، أما الخوارج فإنهم أخذوا بالنصوص التي تنفي الإيمان وأغمضوا أعينهم عن النصوص التي تثبت الإيمان فصاروا من أهل الزيغ، وكذلك المرجئة الذين أخذوا بالنصوص التي فيها إثبات الإيمان، وأغمضوا أعينهم عن النصوص التي فيها نفي الإيمان فصاروا من أهل الزيغ.
وأما أهل السنة فأخذوا النصوص من الجانبين وعملوا بها فهم أهل الحق وأهل الاستقامة.
الجواب: قولك: (إنه من شياطين الإنس) هذا خطأ منك، فليس لك أن تصفه بهذا الوصف، الوالد مهما عمل فإنه والد يجب عليك أن تحسن إليه، وأن تبره، حتى ولو كان كافراً، فيجب عليك أن تحسن إليه وتنفق عليه، قال الله تعالى في الوالدين الكافرين: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا [لقمان:15].
ثم قال: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15].
فيجب عليك أن تحسن إلى والدك وتتلطف له، فهو السبب في وجودك، لكن لا تطعه في المعصية، إذا أمرك بحلق اللحية لا تطعه، أمرك بإرخاء ثيابك تحت الكعب لا تطعه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وإذا جادلته تبين له الدليل باللين والرفق، واترك الجدال العقيم، ويمكنك أن تتفق مع بعض الدعاة لكي ينصحوه ويبينوا له الحق، وإذا خفت على دينك ودعت الحاجة إلى أن تخرج فاخرج من البيت واسكن في محل ليس فيه ضرر على دينك، أو خفت أن يفتنك في دينك أو يؤذيك، فاخرج وزره على فترات وأحسن إليه، واتصل به هاتفياً، وادعو له وتلطف معه، ولا تطعه في المعاصي.
ونحن نسأل الله لنا وله الهداية، ومن حقه عليك: أن تدعو له بظهر الغيب في أوقات الإجابة أن الله يهديه، كما كانت أم أبي هريرة رضي الله عنه، فقد كانت قبل أن تسلم تسب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يشق هذا على أبي هريرة مشقة عظيمة حتى يأتي يبكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب منه أن يدعو لها، فدعا لها، ثم جاء بعد ذلك ورآها تغتسل وأسلمت ففرح بذلك، وبكى من الفرح، فعليك أن تدعو لوالدك بظهر الغيب في أوقات الإجابة، وتتلطف معه، وتحسن إليه، وتخاطبه بالتي هي أحسن، وتنصحه باللين والرفق، وتهدي له كتيبات أو أشرطة، وتدعو أحد الدعاة أو من ينصحه أو يجادله ويبين له الحق لعل الله أن يهديه، نسأل الله لنا وله الهداية والثبات.
الجواب: إذا كان ليس معروفاً بالعلم ولا هو من أهل العلم ولا هو من أهل الفتوى فينهى عن الفتوى، يقال: لا تفتِ يا فلان! فأهل الفتوى موجودون، والحمد لله فالآن وسائل الاتصال الحديثة سهلة يستطيع أحدنا في أي مكان في الدنيا أن يتصل بأهل العلم الكبار في المملكة، أو باللجنة الدائمة للإفتاء، فيجد عندهم الجواب، ولا ينبغي أن يفتوا أو ينقلوا الفتوى دون تثبت، فالفتوى لأهلها، لا للصغار، ولا لغير الراسخين في العلم، فليس للمتفرعين وضعفاء البصائر والإيمان أن يفتوا.
الجواب: لا، هذا ليس بصحيح، العلم إنما يؤخذ من أفواه العلماء، والكتب وحدها لا تكفي، وقديماً قيل: من كان شيخه كتابه فخطأه أكثر من صوابه، أما الأشرطة الطيبة المفيدة فإذا لم تستطع الحضور فهذا طيب.
الجواب: نعم، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، يعني: لا يؤمن الإيمان الكامل.
الجواب: الصواب: أنه أكبر من الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه كفراً وشركاً وهو أكبر الكبائر.
الجواب: أول من قال بذلك هو حماد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة ، فعباد أهل الكوفة هم أول من قال بذلك.
الجواب: القاعدة في هذا أن الصلاة لا تصح خلف الكافر، أما إذا كانت بدعته تكفره فلا تصح بإجماع المسلمين، فالإمام الذي يدعو غير الله، ويذبح لغير الله، وينذر لغير الله، أو فعل كبيرة مكفرة، هذا لا تصح الصلاة خلفه بإجماع المسلمين، وإذا صلى وهو يعلم حاله أعاد الصلاة، أما المبتدع والعاصي ومرتكب الكبيرة فهذا فيه تفصيل، من العلماء من قال: لا تصح وتعاد منه، وهناك من قال: تصح مع الكراهة، والصواب: أنها تصح، ولكن الصلاة خلف العادل أفضل، ولهذا كان الصحابة يصلون خلف الحجاج وكان فاسقاً ظالماً، وصلوا خلف عثمان بن أبي معيط وقد شرب الخمر ثم أعادوا الصلاة؛ لأنه صلى بهم وهو سكران.
إذاً: الصواب في هذه المسألة الصحة، ويدل عليه ما ثبت في صحيح البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يشهدون لكم) يعني: أئمة لكم (فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم)، فالصواب: صحة الصلاة خلف العاصي، ولكن الصلاة خلف العادل أولى، وقال بعض أهل العلم: تعاد الصلاة.
أما الكافر فلا تصح الصلاة خلفه بإجماع المسلمين، والإباضي اعتقاده لا يوصله إلى الكفر، وقد سبق أن الصحابة عاملوهم معاملة العصاة.
الجواب: أهل الكتاب نص الله تعالى على أن ذبائحهم حلال فقال: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5]، وطعامهم يعني: ذبائحهم كما قال أهل العلم، فأهل الكتاب ذبيحتهم حلال، لكن يشترط في الذبيحة شرطان: الشرط الأول: أن يكون الذابح مسلماً أو كتابياً يهودياً أو نصرانياً، والشرط الثاني: قطع الحلقوم والمريء بآلة حادة. فإذا وجد الشرطان صحت الذبيحة، وإذا تخلف واحد منها فإن الذبيحة غير صحيحة، إلا إذا ذبح الكتابي ولا ندري كيف ذبح وقطع الحلقوم والمريء وجهلنا الحال فإننا نأكل، أما إذا علمنا أنه قال: باسم المسيح فلا يؤكل؛ لقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121] ، أو ذبح بالخنق أو ضرب الرأس، فهذا لا يؤكل، حتى ذبيحة المسلم.
فالمقصود: أن الكتابي إذا ذبح وجهلنا الحال نأكل، وإذا علمنا أنه ذبح بالخنق أو ذكر اسم المسيح أو غيره فلا نأكل، هذا هو الجمع بين الآيات.
إذاً: لابد أن يقطع الحلقوم والمريء بآلة حادة، فإذا ذبح بالخنق أو بالرصاص فهذه لا تصح، حتى ذبيحة المسلم لو خنقها أو ضربها بالرصاص لم تصح، ولابد من الشروط السابقة: قطع الحلقوم والمريء بآلة حادة، الذابح مسلم أو كتابي، ولا يذكر اسماً غير اسم الله عليه، ولك ألا تأكل ذبيحته إذا غلب على ظنك أن الذبيحة مما قتل بالرصاص، فإذا جهلت الحال فالأصل الحل، ومن الممكن أن تجيب دعوته في غير اللحم، كالفاكهة أو القهوة أو الشاي أو أي مشروب آخر.
الجواب: النهي عن الأكل في آنيتهم ليس فيه نهي، بل في حديث أبي ثعلبة الخشني وغيره أنه قيل: (يا رسول الله! إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟ فقال: ... إن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها)، فإذا كان يخشى أن يكون فيها شيء من الخمر فليغسلها، فالحديث واضح بأنه لا بأس بالأكل في أوانيهم.
الجواب: لا يجوز لك أن تشاركهم في أعيادهم ولا أن تهنئهم، وأما مسألة الإحسان فهو شيء والمعاملة شيء، أما أن تشاركهم في أعيادهم وتهنئهم فهذا لا يجوز حتى ولو كان خالاً لأولادك.
الجواب: مثلما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة : (يأتي الشيطان للإنسان فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟! فإذا وجد ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله)، وفي بعضها: (فليستعذ بالله ولينته)، وفي الحديث الآخر يقول: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]) .
وينفث عن يمنيه ويقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
فهو ينفث عن يمينه ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويقرأ: قل هو الله أحد، الله الصمد، ويقول: آمنت بالله ورسله، وينتهي، فيقطع التفكير ويشتغل في أموره.
أما الوساوس الأخرى فيكثر من ذكر الله، ويستعين بالله، ويكثر من تلاوة القرآن والتدبر، ويستعيذ بالله من الشيطان، ويقرأ الأوراد في الصباح والمساء، وآية الكرسي بعد كل صلاة، والمعوذتين وقل هو الله أحد، ويتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ويستعين بالله، ويستمر في أمره ويترك التردد ويجزم.
الجواب: التمائم من القرآن فيها خلاف بين أهل العلم، فبعض أهل العلم رخص فيها، والجمهور على المنع وهو الصواب ولو كانت من القرآن؛ لأن النصوص عامة ولم تخصص، ولأنها وسيلة إلى تعليق غير التمائم من القرآن؛ ولأنها وسيلة إلى امتهانه، ودخوله الحمام عند قضاء الحاجة، فالصواب: المنع من القرآن وغير القرآن.
قال: حدثنا محمد بن خليفة قال: حدثنا محمد بن حسين الفريابي قال: حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني قال: حدثني أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! ما كانت صحف إبراهيم عليه السلام؟ قال: كانت أمثالاً كلها)، فذكر الحديث قال: (وكان فيها: وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه مقبلاً على شأنه، حافظاً للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه)، هذا ما وقفت عليه في تخريج الحديث.
الجواب: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) ذكر العلماء: أن هذا في آخر الزمان وفي وقت خروج الدجال حينما يأتي بالسبخة وترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر وكافرة، وكل منافق، وكل خبيث، ولا يبقى إلا المؤمنون.
الجواب: ما أعلم لهذا أصلاً، فالصفة لا تنادى، وهذا مثل قول بعض الناس: يا وجه الله، يا رحمة الله ارحميني، يا قدرة الله أنقذيني، هذا لا يجوز حتى قال شيخ الإسلام: إنه ردة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر