المستور هو الذي يظهر منه الخير، والمحافظة على الواجبات وترك المحرمات، ولا يظهر منه خلاف ذلك، فيقال له: مستور، أو مستور الحال.
ومن ذلك قول العلماء: إن الإمام مستور الحال يصلى خلفه، والإمام المبتدع لا يصلى خلفه، فالمستور الحال هو الذي لم تظهر منه بدعة ولا فجور، وظاهره الخير ولم يظهر منه فسق ولا ريبة ولا يشك فيه.
وهذا ما تدعيه بعض الفرق كالباطنية، والذين يدعون أن للشريعة ظاهراً وباطناً، ويدعون أن عندهم علم الباطن، وأن الناس عندهم علم الظاهر، وهذا كفر وضلال، فالصلوات الخمس -مثلاً- لها ظاهر وباطن، وظاهرها صلاة المسلمين، وأما الباطن فهي أسماء خمسة، ومن أسمائهم: علي وفاطمة وحسن وحسين ومحسن.
والصيام ظاهره: صيام المسلمين، والباطن: كتمان سر المشايخ.
والحج إلى بيت الله الحرام هذا الظاهر، والباطن زيارة مشايخهم وزيارة مشايخ الصوفية.. وما أشبه ذلك، فلهم ظاهر وباطن.
والمؤلف يقول: (كل علم ادعاه العباد من علم الباطن لم يوجد في الكتاب ولا في السنة فهو بدعة وضلالة) وقد يصل إلى الكفر، (ولا ينبغي لأحد أن يعمل به ولا يدعو إليه).
(وأيما امرأة وهبت نفسها لرجل فإنها لا تحل له)؛ فإذا فعل بها تكون زانية؛ لأن هبة المرأة نفسها خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى في كتابه المبين: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50] خالصة أي: خاصة.
والأصل أن الشريعة عامة إلا ما دل الدليل على التخصيص، فالرسول صلى الله عليه وسلم له خصوصية أن تهب المرأة له نفسها، ويزوجه الله إياها، أما غيره فلا، فأيما امرأة وهبت نفسها لرجل فإنها تكون زانية والعياذ بالله.
وأراد المؤلف بذلك الرد على الشيعة والرافضة الذين يحلون نكاح المتعة؛ لأن نكاح المتعة أن تهب المرأة نفسها له أياماً أو شهراً أو سنة بدون ولي وبدون شهود.
وكذلك الأحناف الذين يقولون: يصح النكاح بلا ولي، وهذا باطل، فقد جاء في الحديث: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها؛ فإن الزانية هي التي تزوج نفسها، وكل نكاح بلا ولي فهو باطل باطل) أو كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا بد من رضا الزوجة حتى يكون زواجاً شرعياً.
وقوله: (ذروا أصحابي لا تقولوا فيهم إلا خيراً)، ولا تحدث بشيء من زللهم ولا حربهم، ولا ما غاب عنك علمه، ولا تسمعه من أحد يحدث به؛ فإنه لا يسلم لك قلبك إن سمعت ].
إذا رأيت الرجل يطعن على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يسبهم، أو يكفرهم ويفسقهم، فاعلم أنه رافضي خبيث زنديق، مكذب لله ولرسوله؛ لأن الله تعالى زكاهم وعدلهم ووعدهم بالجنة، وهو يكفرهم ويفسقهم، فيكون مكذباً لله، وتكذيب الله كفر وضلال؛ ولهذا قال: (فاعلم أنه صاحب قول سوء وهوى؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) ) والمؤلف ذكر أن الحديث حسن.
(قد علم النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون منهم من الزلل بعد موته، فلم يقل فيهم إلا خيراً)، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، وفي حديث آخر: (الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً) يعني: هدفاً للطعن والنيل، (فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم).
والله تعالى يقول: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18].
وقال سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ [التوبة:100].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ذروا أصحابي لا تقولوا فيهم إلا خيراً) أي: اتركوا أصحابي، أخرجه البزار بإسناد حسن بنص: (دعوا لي أصحابي)، وقوله: (لا تقولوا فيهم إلا خيراً) أخرجه خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة، كما في جزء طرق حديث: (لا تسبوا أصحابي) وإسناده ضعيف.
(ولا تحدث بشيء من زللهم ولا حربهم، ولا ما غاب عنك علمه، ولا تسمعه من أحد يحدث به)، أي: لا تحدث بشيء مما حصل من خلاف الصحابة وقتالهم وزللهم؛ فإنهم ما بين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر، وكذلك الحروب التي جرت بينهم، وكما قال بعض السلف: هذه دماء نزه الله أيدينا عنها، فنرجو أن ينزه الله ألسنتنا منها.
وقوله: (ولا ما غاب عنك علمه)، أي: الذي لا تعلمه لا تتكلم به، ولا تسمعه من أحد يحدث به، بل إذا سمعت أحداً يحدث به فأنكر عليه؛ فإنه لا يسلم لك قلبك إن سمعت الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يقع في قلبك شيء، فإذا أردت أن يسلم لك قلبك فلا تسمع أحداً يطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا سمعت أحداً يطعن فأنكر عليه، وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار أو يرد الآثار أو يريد غير الآثار فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه مبتدع صاحب هوى.
وإذا سمعت رجلاً يطعن في الأحاديث، ويرد الأحاديث والآثار، ويورد غير الآثار، ويعتمد على عقله ولا يريد أن يعتمد على الحديث، فاتهمه على الإسلام، وفي إسلامه دخن، ولا تشك أنه صاحب هوى وصاحب بدعة.
أنبأنا أحمد بن كامل ، قال: حدثنا الحسين بن محمد الطبري ، قال: أنبأنا مردويه الصائغ ، قال: سمعت فضيلاً يقول: لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان، قيل له: يا أبا علي ! فسر لنا هذا؟ قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح، فصلح بصلاحه العباد والبلاد ].
قول المؤلف رحمه الله: (واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله عز وجل الذي افترضها على لسان نبيه، جوره على نفسه، وتطوعك وبرك معه تام لك إن شاء الله تعالى، يعني: الجماعة والجمعة معهم، والجهاد معهم، وكل شيء من الطاعات فشاركه فيه فلك نيتك).
أي: أن جور السلطان لا يضر الرعية، ولا ينقص من أجورهم، فالفرائض التي افترضها الله والصلاة التي أمروا بها خلف أئمة الجور تامة والأجر تام، والسلطان فجوره على نفسه، ولا يضرك فجوره، لكن أجرك تام إذا صليت الجمعة أو العيدين أو جاهدت معهم أو غزوت معهم، وأما السلطان أو الإمام أو القائد إذا كان فاجراً ففجوره على نفسه ولا يضرك فجوره.
ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه قال: والأئمة لا يقاتلون بمجرد الفسق، وإن كان الواحد المقدور قد يقتل لبعض أنواع الفسق كالزنا وغيره، فليس كل ما جاز فيه القتل جاز أن يقاتل الأئمة لفعلهم إياه، إذ فساد القتال أعظم من فساد كبير يرتكبه ولي الأمر.
الزاني من الرعية يرجم أو يجلد، وإذا سرق تقطع يده، إذا شرب الخمر يجلد، لكن لو وقع فيه السلطان فشرب الخمر مثلاً فلا يوجد أحد يجلده، فما عليك إلا الصبر، فليس كل ما جاز على الرعية يجوز على السلطان، وعليك أن تجاهد معه ولو كان فاسقاً.. تقاتل معه.. تحج معه.. تصلي خلفه الجمعة، ففسوقه على نفسه وفجوره على نفسه ما دام أنه مسلم، ولا تخرج عليه بمجرد المعصية، ولكن النصيحة مبذولة بقدر الاستطاعة، فإن استجاب فالحمد لله، وإلا فقد أديت ما عليك، ولا تخرج عليه؛ لأن خروجك فساد وشر؛ يسبب إراقة الدماء واختلال الأمن، وضياع الأمة، وما يسبب من تسلط وتدخل الأعداء.
(وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله).
أي: إذا رأيت شخصاً يدعو على السلطان أو على الإمام: اللهم سلط عليه.. اللهم أهلكه.. فاعلم أنه صاحب بدعة، وإذا رأيت رجلاً يدعو للسلطان بالصلاح والمعافاة فاعلم أنه صاحب سنة.
(عن فضيل بن عياض أنه قال: لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان)، أي: لو كانت لي دعوة مستجابة سأجعلها للسلطان.
وذكر في السند (عن أحمد بن كامل ، عن الحسين بن محمد الطبري ، قال: أنبأنا مردويه الصائغ ، قال: سمعت فضيلاً يقول: لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان).
(قيل له: يا أبا علي ! فسر لنا هذا؟) وأبو علي كنية الفضيل بن عياض ، (قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد).
أي: لو دعوت بها لنفسي لم تتعدني وكان صلاحي مقصوراً على نفسي، لكن إذا دعوتها للسلطان عم الصلاح فصلح السلطان وصلح العباد والبلاد، فصار النفع متعدياً.
(فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح)، كما قال الطحاوي رحمه الله: وندعو لهم -أي: ولاة الأمور- بالصلاح والمعافاة.
(ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن ظلموا وجاروا) ثم بين المؤلف السبب وهو: (لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وأما الصلاح فصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين).
إذاً: ندعو لهم بالصلاح ولو جاروا، لأنهم إذا ظلموا وجاروا فوزرهم لا يتعداهم ولا يمس الناس منه شيء، أما إذا صلحوا فإن الصلاح سيكون لهم وللمسلمين.
لأنهن أمهات المؤمنين، وهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن، فمن ذكر أمهات المؤمنين بشر فلا يكون هذا إلا لفسقه، ومن رمى عائشة بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم.
أي: إذا رأيت رجلاً يتعاهد الفرائض ويصلي الصلوات الخمس في جماعة خلف الإمام سواء كان الإمام السلطان أو غيره فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله.
والذي يتهاون بالجماعة صاحب بدعة وهوى.
قوله: (فالحلال ما شهدت عليه وحلفت عليه أنه حلال)، مثال ذلك: ما يحصل لك من المكسب في الزارعة، فهذا تجزم بأنه حلال، بل تحلف أنه حلال، وما يحصل لك من البيع والشراء، وما يحصل لك من الإرث حلال، وما يحصل لك من كسب الإجارة.. وغيرها، فالحلال ما شهدت عليه وحلفت عليه أنه حلال، وكذلك الحرام، فالحرام هو الذي تجزم بأنه حرام ولا يكون عندك شبهة، مثل الكسب من الربا، والكسب عن طريق السرقة، أو عن طريق الغش، أو عن طريق القمار، فهذا تجزم بأنه حرام.
(وما حاك في صدرك فهو شبهة)، فالشيء الذي لا تدري أهو حلال أم حرام؛ وعندك فيه إشكال، فاتركه فهذا شبهة، ومن فعل المشتبه أوصله إلى الحرام، ومن ترك المشتبه صار حاجزاً بينه وبين الحرام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والمستور من بان ستره، والمهتوك من بان هتكه ].
المستور: هو الذي لم يظهر منه بدعة ولا فجور ولا فسق (والمهتوك من بان هتكه)، وهذا من فضح نفسه، كأن يشرب الخمر في الشارع.. أو يحلق لحيته أمام الناس.. ويسبل ثيابه.. أو يتعامل بالربا جهاراً نهاراً، فهذا مهتوك مفضوح فضح نفسه.
وإذا سمعت الرجل يقول: فلان ناصبي فاعلم أنه رافضي.
وإذا سمعت الرجل يقول: تكلم بالتوحيد، واشرح لي التوحيد، فاعلم أنه خارجي معتزلي.
أو يقول: فلان مجبر، أو يتكلم بالإجبار، أو يتكلم بالعدل فاعلم أنه قدري؛ لأن هذه الأسماء محدثة أحدثها أهل الأهواء ].
(إذا سمعت الرجل يقول: فلان مشبه، وفلان يتكلم في التشبيه، فاتهمه واعلم أنه جهمي)؛ لأن الجهمية ينكرون الأسماء والصفات، ويقولون: ليس لله علم ولا سمع ولا بصر، ويقولون: إن من أثبت العلم والسمع والبصر لله فهو مشبه، فإذا رأيت الرجل يقول لمن أثبت الصفات مشبه، فاعلم أنه جهمي أو معتزلي.
(وإذا سمعت الرجل يقول: فلان ناصبي فاعلم أنه رافضي)؛ لأن النواصب ضد الروافض فالروافض: الذين يحبون آل البيت ويغلون فيهم حتى يعبدونهم، والنواصب: هم الخوارج الذين ينصبون العداوة لأهل البيت ويسبونهم، فالروافض يقولون إن أهل السنة نواصب؛ لأنهم لا يحبون أهل البيت، ولأنهم نصبوا العداوة لأهل البيت، فإذا رأيت شخصاً يقول لك: أنت ناصبي فاعلم أنه رافضي؛ لأن الناصبي يقابل الرافضي.
(وإذا سمعت الرجل يقول: تكلم بالتوحيد، واشرح لي التوحيد، فاعلم أنه خارجي)، يقصد المصنف رحمه الله بالتوحيد توحيد المعتزلة؛ لأن المعتزلة عندهم أصول خمسة، وكل أصل ستروه تحت معنى باطل، وستروا تحت التوحيد: القول بنفي الصفات، والقول بخلق القرآن، وأن الله لا يرى في الآخرة.
(أو يقول: فلان مجبر يتكلم بالإجبار أو يتكلم بالعدل فاعلم أنه قدري).
القدري هو الذي ينفي خلق الله لأفعال العباد، وهو الذي يتكلم بالعدل.
(لأن هذه الأسماء أحدثها أهل الأهواء) أحدثها أهل البدع، فالرافضي يسمي من يوالي الصحابة ناصبياً، والمعتزلي والخارجي يتكلم بالتوحيد، ويزعم أن نفي الصفات هو التوحيد، وكذلك الذي يتكلم بالعدل فهذا قدري، فالقدري يقول: من العدل أن الله تعالى لا يخلق أفعال العباد حتى لا يعذبهم عليها؛ لأن هذه الأصول محدثة أحدثها أهل الأهواء؛ يعني أهل البدع.
(يقول عبد الله بن المبارك الإمام الورع الزاهد المشهور: (لا تأخذوا عن أهل الكوفة في الرفض شيئاً)، أي: فيما يتعلق في رفض الصحابة؛ لأن مذهب الرافضة منتشر في الكوفة، فلا تأخذوا عنهم فيما يتعلق بالصحابة في الرفض، ولكن خذوا عن غيرهم من أهل الحق مع الاستقامة.
(ولا عن أهل الشام في السيف شيئاً)، فيما يتعلق بالسيف والقصاص والقتل والقود لا تأخذوا عنهم؛ لأنهم أهل قتال، ولأنهم قتلوا الحسين فلا تأخذوا عنهم فيما يتعلق بالسيف شيئاً؛ لأنهم يستعملون السيف، فهم متهمون فلا يؤخذ عنهم أحكام القتل والقتال.
(ولا عن أهل البصرة في القدر شيئاً)؛ لأن الكلام في القدر اشتهر في البصرة، فلا يؤخذ عن أهل البصرة، وإنما يؤخذ عن غيرهم.
(ولا عن أهل مكة في الصرف شيئاً)، الصرف أي: المصارفة وصرف النقود؛ لأنهم يبيحون شيئاً من المصارفة، فلا يؤخذ عنهم.
(ولا عن أهل المدينة في الغناء شيئاً)؛ لأن أهل المدينة كانوا يبيحون نوعاً من الغناء فلا يؤخذ عنهم.
وقال بعض السلف: من تتبع رخص العلماء تزندق، فالذي يتتبع الرخص ويأخذ من كل مذهب المسألة الشاذة ويجمعها ينسلخ من الدين، فتجد المتزندق هو الذي يتبع الأهواء، فيأخذ عن أهل الكوفة الرفض؛ لأنهم يبيحون القدح فيالصحابة، ويأخذ عن أهل الشام أحكام القتال، وأنه يجوز قتل الإنسان ولو لم توجد الشروط الموجية لذلك، ويأخذ من أهل البصرة مذهبهم في القدر، ويأخذ عن أهل خراسان مذهبهم في الإرجاء، ويأخذ عن أهل مكة طريقة تعاملهم في الصرف، ويأخذ عن أهل المدينة مذهبهم في الغناء، فهو بذلك ينسلخ من الدين.
فقال: الغناء حلال؛ لأن أهل المدينة يبيحونه، والربا حلال؛ لأن أهل مكة يبيحون الصرف، والإرجاء كذلك جائز؛ لأن أهل خراسان يبيحون الإرجاء، والقدر ليس هناك شيء مقدر؛ لأن أهل البصرة ينفون القدر، وكذلك ما يتعلق بالسيف والقتال لا بأس به؛ لأن أهل الشام يبيحون هذا، فيصبح زنديقاً وينسلخ من الدين.
وإذا رأيت الرجل يحب أيوباً ، وابن عون ، ويونس بن عبيد ، وعبد الله بن إدريس الأودي ، والشعبي ، ومالك بن مغول ، ويزيد بن زريع ، ومعاذ بن معاذ ، ووهب بن جرير ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، ومالك بن أنس ، والأوزاعي ، وزائدة بن قدامة فاعلم أنه صاحب سنة.
وإذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل ، والحجاج بن المنهال ، وأحمد بن نصر ، وذكرهم بخير، وقال بقولهم، فاعلم أنه صاحب سنة ].
أي: إذا رأيت الرجل يحب الصحابة: كـأبي هريرة وأنس بن مالك وأسيد بن حضير فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيت يسب الصحابة فاعلم أنه رافضي خبيث من أهل البدع.
قوله: (وإذا رأيته الرجل يحب أيوباً ) أي: أيوب بن كيسان السختياني ، (و ابن عون ) أي: عبد الله بن عون البصري ، (و يونس بن عبيد البصري ) (و عبد الله بن إدريس الأودي والشعبي )أي: عامر الشعبي (و مالك بن مغول ، ويزيد بن زريع، ومعاذ بن معاذ ، ووهب بن جرير ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، ومالك بن أنس ، والأوزاعي ، وزائدة بن قدامة فاعلم أنه صاحب سنة)؛ لأن هؤلاء أئمة علماء ومن أهل السنة، فإذا رأيته الرجل يحبهم فاعلم أنه صاحب سنة.
وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن، فلا يشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة، فقم من عنده ودعه ].
(إذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء)، أي: من أهل البدع، (فحذره وعرفه)، وفي طبعة: فاحذره واعرفه، أي: إذا رأيت رجلاً يصاحب أهل البدع فانصحه وحذره، فإن استجاب فالحمد لله، وإن استمر في الجلوس معهم فاحذره واعلم أنه صاحب هوى وصاحب بدعة.
(وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن، فلا شك أنه رجل قد احتوى على الزندقة فقم من عنده ودعه). لأنه أنكر السنة، ولا يريد السنة، مع أن السنة وحي ثانٍ لأنه مكذب لله، فقم من عنده ودعه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ واعلم أن الأهواء كلها رديئة تدعو كلها إلى السيف ].
أي: فالبدع توصل إلى القتال، وتؤدي إلى القتال والحروب بين المسلمين.
أردى البدع وأكفرها بدعة الروافض والمعتزلة والجهمية، فإنهم يريدون الناس على التعطيل والزندقة؛ لأن الروافض -كما سبق- يكفرون الصحابة ويفسقونهم، ويعبدون آل البيت، ويزعمون أن القرآن ما بقي منه إلا الثلث، والمعتزلة يثبتون الأسماء وينكرون الصفات، وهذا كفر وضلال، والجهمية ينكرون الأسماء والصفات فهم عطلوا الله وجعلوه معدوماً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر