أي: إذا رأيت الرجل يسب الصحابة فاعلم أنه يريد سب الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو أراد سب الرسول لكنه لم يستطع لنفاقه؛ ولأنه لو سب الرسول كفر في الحال ولكفره الناس، فلما لم يستطع أن يسب الرسول سب الصحابة وسب الصاحب سب لصاحبه، ولذلك يقول القحطاني في نونيته:
إن الروافض شر من وطئ الحصى من كل إنس ناطق أو جان
مدحوا النبي وخونوا أصحابه
فهل يصلح أن تمدح شخصاً وتسب أصحابه؟! فالإنسان على دين صاحبه، لذلك يقول المؤلف رحمه الله: (واعلم أنه من تناول أحداً من أصحاب محمداً صلى الله عليه وسلم)، أي: من تناولهم بالعيب والذنب والسب والشتم (فاعلم أنه إنما أراد محمداً صلى الله عليه وسلم، وقد آذاه في قبره).
وإذا ظهر لك من إنسان شيئاً من البدع فاحذره، فإن الذي أخفى عنك أكثر مما أظهره.
يقول في الحاشية: [ قال المصنف رحمه الله كما في طبقة الحنابلة ومذهب الإمام أحمد : مثل أصحاب البدع كمثل العقارب، يدفنون رءوسهم وأبدانهم في التراب، ويخرجون أذنابهم، فإذا تمكنوا لدغوا، وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس، فإذا تمكنوا بلغوا ما يريدون ].
وإذا رأيت الرجل مجتهداً في العبادة متقشفاً محترقاً بالعبادة صاحب هوى، فلا تجالسه ولا تقعد معه ولا تسمع كلامه ولا تمش معه في طريق؛ فإني لا آمن أن تستحلي طريقه فتهلك معه.
ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال: يا بني! من أين جئت؟ قال: من عند فلان. قال: يا بني! لأن أراك خرجت من بيت خنثى أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان وفلان، ولأن تلقى الله يا بني! زانياً فاسقاً سارقاً خائناً أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان.
ألا ترى أن يونس بن عبيد قد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفر؟! ].
أي: إذا رأيت الرجل من أهل السنة ملتزماً بالسنة لكنه يفعل المعاصي وفاسقاً وفاجراً فاصحبه واجلس معه؛ فإنه ليس يضرك معصيته.
وليس معنى ذلك التهوين من خطر المعاصي، بل المؤلف يريد أن يبين أن البدعة أشد من المعصية، فإذا رأيت الرجل من أهل السنة فهو خير من أهل البدعة ولو فعل المعاصي، فإذا رأيت الرجل من أهل السنة رديء الطريق والمذهب فاسقاً فاجراً فاصحبه؛ لأنه صاحب سنة، فالفسق يمكن معالجته، لكن المصيبة في صاحب البدعة الذي يظن أنه على الحق فلا يفكر في التوبة.
وإذا رأيت الرجل زاهداً متعبداً متقشفاً ولكنه صاحب بدعة فلا تجالسه، فبعبادته لا تنفعه، وليس القصد من هذا التهوين من شأن المعاصي، بل يريد أن يقارن بين السني العاصي وبين المبتدع، فيقول: إن السني العاصي خير من المبتدع؛ لأن المعصية أقل من البدعة.
قال: (ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى -أي: صاحب بدعة- فقال: يا بني! من أين جئت؟ قال: من بيت فلان) يعني: المبتدع (قال: يا بني! لأن أراك خرجت من بيت خنثى)، وذلك أن خروجه من هذا البيت معصية، وخروجه من بيت صاحب البدعة قد يوصله إلى البدعة (أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان وفلان، ولأن تلقى الله يا بني! زانياً فاسقاً سارقاً خائناً أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان) أي: بقول واعتقاد أصحاب الأهواء.
وليس مقصود يونس بن عبيد التهوين من شأن المعاصي، فالمعاصي والكبائر شأنها عظيم، لكن قصده أن يبين أن البدعة أشد من المعصية.
ثم قال: (ألا ترى أن يونس بن عبيد قد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفر)، فدل على أن البدعة أشد من المعصية، وخروجه من بيت العاصي أهون من خروجه من بيت المبتدع.
قوله: (احذر) هذا تحذير من المؤلف ودليل على نصحه، (ثم احذر) تكرار للأهمية، (أهل زمانك خاصة)، وهذا قاله في القرن الرابع الهجري، فكيف لو رأى القرن الخامس عشر؟!
(فإن الخلق كلهم كأنهم في ردة إلا من عصمه الله منهم)؛ لكثرة الجرائم والمعاصي.
ابن أبي دؤاد ) وهو رئيس المعتزلة وكان قاضياً في زمن المأمون ، واسمه أحمد بن أبي دؤاد وهو معتزلي؛ وذلك لأن المعتزلة أثروا على المأمون حتى اعتنق مذهب الاعتزال. ومعنى كلامه: أنك إذا سمعت الرجل يذكر ابن أبي دؤاد بخير فإنه صاحب بدعة، فلو كان صاحب سنة ما ذكر ابن أبي دؤاد المعتزلي بخير.
وكذلك بشر المريسي، وهو جهمي تنسب إليه المريسية، فإذا رأيت الرجل يذكره بخير فاتهمه.
وثمامة، اسمه: ثمامة بن أشرف البصري وهو من رءوس المعتزلة القائلين بخلق القرآن.
وأبو هذيل هو محمد بن الهذيل العلاف البصري وهو رأس المبتدعة.
وقوله: (أو هشام الفوطي أو واحداً من أتباعهم وأشياعهم فاحذره، فإنه صاحب بدعة)؛ أي فالذي يثني على ابن أبي دؤاد وهو رئيس المعتزلة، والذي يثني على بشر المريسي فهو جهمي، والذي يثني على ثمامة أو أبا الهذيل فهو معتزلي أو هشام الفوطي أو واحداً من أتباعهم وأشياعهم فاحذره فإنه صاحب بدعة، فإن هؤلاء كانوا على الردة، واترك هذا الرجل الذي ذكرهم بخير ومن ذكر منهم.
فإذا رأيته يذكر هؤلاء المبتدعة بخير فاعلم أنه صاحب بدعة، وإذا رأيته يذكر الأخيار بخير فاعلم أنه صاحب سنة، واترك هذا الرجل الذي ذكرهم بخير ومن ذكر منهم، أي: لا تشاركهم ذكروا أحداً بسوء، فإن ذكروهم بخير فلا بأس.
وخلاصة قول المؤلف رحمه الله: أنك إذا سمعت الرجل يثني على ابن أبي دؤاد أو على المبتدعة وأهل البدع فهو صاحب بدعة؛ لأنهم كانوا على الردة، وأما الذي يذكرهم بخير فاترك هذا الرجل ولا تتكلم معه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والمحنة في الإسلام بدعة، وأما اليوم فيمتحن بالسنة؛ لقوله: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، ولا تقبلوا الحديث إلا ممن تقبلون شهادته، فتنظر فإن كان صاحب سنة له معرفة صدوق، كتبت عنه، وإلا تركته ].
(المحنة في الإسلام بدعة)، مثل المأمون عندما امتحن الناس وقال لهم: قولوا بخلق القرآن ومن لم يقل بخلق القرآن سجنه أو قتله، فهذه محنة، وهذه بدعة.
(وأما اليوم فيمتحن بالسنة)، وتنظر فإذا كان هذا الرجل سنياً تأخذ العلم عنه وتستفيد منه، وإذا كان بدعياً فلا تأخذ عنه شيئاً، ولهذا قال: (وأما اليوم فيمتحن بالسنة؛ لقوله: (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم). وهذا أخرجه ابن عدي في الكامل وعنه السهمي في تاريخ جرجان، (ولا تقبلوا الحديث إلا ممن تقبلون شهادته)، فلا يقبل الحديث إلا ممن تقبل شهادته وهو أن يكون عدلاً ضابطاً.
(فتنظر فإن كان صاحب سنة له معرفة، صدوق، كتبت عنه وإلا تركته)، وهكذا ينبغي ألا يقبل الحديث إلا ممن تقبل شهادته، فينظر إن كان صاحب سنة وله معرفة بالحديث وهو صدوق فيكتب عنه وإلا ترك.
فالله الله في نفسك! وعليك بالأثر وأصحاب الأثر والتقليد، فإن الدين إنما هو بالتقليد، يعني: للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.
ومن قبلنا لم يدعونا في لبس فقلدهم واسترح، ولا تجاوز الأثر وأهل الأثر.
وقف عند المتشابه ولا تقس شيئاً ].
(إذا أردت الاستقامة على الحق وطريق أهل السنة قبلك فاحذر الكلام) أي: في الصفات والأسماء والقدر وغيره.
(واحذر أصحاب الكلام، وأصحاب الجدال، وأصحاب المراء، وأصحاب القياس والمناظرة في الدين، فإن استماعك منهم وإن لم تقبل منهم يقدح الشك في القلب)، وهذا فيه تحذير من البدع وأهل البدع من الخوارج والمعتزلة والجهمية، وأصحاب الكلام والجدال والمراء والقياس والمناظرة في الدين، فإن استماعك منهم وإن لم تقبل منهم يقدح الشك في قلبك، وهذا أقل الأحوال.
(وكفى به قبولاً فتهلك وما كانت زندقة قط ولا بدعة ولا هوى ولا ضلالة إلا من الكلام والجدال)، فبهذا الكلام والجدال والمراء والقياس وغيره يفتح باب الزندقة والنفاق والبدعة والهوى والضلالة، وهذه أبواب البدع والشكوك والزندقة، فأول من قاس قياساً فاسداً إبليس، فقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12] والقياس الفاسد هو: القياس الذي يصادم النص، وهو فاسد الاعتبار.
ثم قال: (الله الله في نفسك)، أي: اعتن بنفسك (وعليك بالأثر، -وفي نسخة: الآثار، وأصحاب الأثر- أي: أصحاب الحديث، (والتقليد فإن الدين إنما هو بالتقليد، أي: للنبي صلى الله عليه وسلم)، والمراد: الاتباع، فالتقليد مذموم لكن المؤلف عبر بالتقليد، ولو قال: بالاتباع لكان أحسن.
(ومن قبلنا لم يدعونا في لبس)، أي: العلماء الذي سبقونا ما جعلونا في حيرة فقد أوضحوا لنا الأمر، (فقلدهم) أي: اتبعهم (واسترح ولا تجاوز الأثر وأهل الأثر)، أي: لا تتجاوز النصوص من الكتاب أو من السنة، فإذا فعلت شيئاً يجب أن تستدل بالنص، وسؤال أهل العلم.
(وقف عند المتشابه)، وتأمل وانظر فلعله يتضح لك، (ولا تقس شيئاً)، برأيك وفهمك وعقلك.
وإذا سمعت الرجل يقول: إنا نحن نعظم الله إذا سمع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه جهمي، يريد أن يرد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدفعه بهذه الكلمة، وهو يزعم أنه يعظم الله وينزهه، إذا سمع حديث الرؤية وحديث النزول وغيره. أفليس يرد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
وإذا قال: إنا نعظم الله أن يزول من موضع إلى موضع فقد زعم أنه أعلم بالله من غيره، فاحذر هؤلاء، فإن جمهور الناس من السوقة وغيرهم على هذا الحال، وحذر الناس منهم ].
(وقف عند المتشابه ولا تقس شيئاً)، والمعنى: أنه يجب على الإنسان أن يقف عند المتشابه من القرآن والسنة، ولا يتكلم في المتشابه حتى يسأل أهل العلم؛ لأن المتشابه الإضافي يمكن أن يكون متشابهاً عند كل أحد، فالمتشابه يرد إلى المحكم، ويفسر ويضم إليه حتى يتضح المعنى، كما قال الله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ [آل عمران:7].
أما المتشابه على كل أحد ككل الصفات وكل حقائق الآخرة، فهذا يوكل أمره إلى الله عز وجل، ولا يفسر، وإنما يفوض أمره إلى الله عز وجل.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وقف عند المتشابه ولا تقس شيئاً) أي: لا تقس شيئاً من أمور وحقائق الآخرة على أمور الدنيا، فالله تعالى أخبر أن لنا في الآخرة خمراً ولبناً وعسلاً وفاكهة، فهذه التي أخبرنا الله عنها في الآخرة ليست مثل ما عندنا في الدنيا، وإن كان بينهما نوع تشابه يكون في الأسماء ولكنها تختلف، ولهذا قال ابن عباس : ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء.
قوله: (ولا تطلب من عندك حيلة ترد بها على أهل البدع؛ فإنك أمرت بالسكوت عنهم)، أي: لا ترد على أهل البدع إذا كان الرد لا يفيد معهم، بأن كانوا أهل عناد ولا يقبلون الحق، أما إذا كان يرجى أن ينتفعوا به، فإنه يرد عليهم ويبين لهم الحق لعل الله أن يهديهم، ويناظرون إذا غلب على الظن أن المناظرة تفيد، لكن هذا الكلام محمول على أهل البدع الذين لا تفيد المناظرة معهم، ولا يفيد الكلام معهم.
(ولا تمكنهم من نفسك)؛ لأنك إذا مكنتهم من نفسك طمعوا فيك وقد يؤثرون عليك.
(أما علمت أن محمد بن سيرين -أي: التابعي الجليل- في فضله لم يُجب رجلاً من أهل البدع في مسألة واحدة، ولا سمع منه آية من كتاب الله عز وجل، فقيل له، فقال: أخاف أن يحرفها فيقع في قلبي شيء)، وهذا أخرجه الدارمي ، وابن وضاح في البدع، والآجري في الشريعة، واللالكائي في السنة، وابن بطة في الإبانة الكبرى.
فلما كان يسأله رجل من أهل البدع لم يكن يجبه محمد بن سيرين رحمه الله ولا يسمع منه آية، فلما سئل، قال: أخاف أن يحرفها فيقع هذا التحريف في قلبي، فإذا كان هذا التابعي الجليل يخاف أن يقع في قلبه شيء من التحريف، فكيف بغيره؟!
(وإذا سمعت الرجل يقول: إنا نحن نعظم الله، إذا سمع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه جهمي يريد أن يرد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدفعه بهذه الكلمة، وهو يزعم أنه يعظم الله وينزهه، إذا سمع حديث الرؤية وحديث النزول وغيره أفليس يرد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!)
هناك اصطلاح عند الجهمية، فإذا سمع الجهمي أو صاحب البدعة حديثاً، كحديث النزول أو حديث الرؤية، قال: إنا نعظم الله، وقصده بذلك: لا نقبل إلا ما في القرآن، وقصده كذلك رد السنة، ورد الأحاديث التي ذكرتها.
وإذا قرأت عليه الأحاديث التي فيها إثبات السمع والبصر، قال: إنا نعظم الله، فإذا سمعت هذه الكلمة فاعلم أنه جهمي؛ لأنه يريد أن يرد الأثر والحديث، فكأنه يقول: لا أقبل الحديث وإنما أكتفي بالقرآن، فإذا سمعت الرجل يقول: إنا نعظم الله إذا تلوت عليه الحديث وسمع منك حديث الرؤية وحديث النزول وغيره فاعلم أنه جهمي يريد أن يرد النصوص بهذه الكلمة، وفي الظاهر يزعم أنه يعظم الله وينزهه، ويوهم بذلك.
(وإذا قال: إنا نعظم الله أن يزول من موضع إلى موضع)، من قال هذا فقد أراد أن يرد حديث النزول، فإذا تلوت أحاديث النزول قال: إنا نعظم الله أن يزول من موضع إلى موضع، وقصده بذلك إنكار حديث النزول، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فقد زعم أنه أعلم بالله من غيره، فاحذر هؤلاء، فإن جمهور الناس من السوقة وغيرهم على هذا الحال، وحذر الناس منهم)، فاحذر هؤلاء؛ لأن كثيراً من الناس ينطلي عليهم هذا التمويه، وحذر الناس منهم.
قال الحسن البصري رحمه الله: الحكيم لا يماري ولا يداري في حكمته أن ينشرها، إن قبلت حمد الله، وإن ردت حمد الله.
وجاء رجل إلى الحسن فقال: أنا أناظرك في الدين، فقال الحسن : أنا عرفت ديني، فإن ضل دينك فاذهب فاطلبه.
وكان ابن عمر يكره المناظرة، ومالك بن أنس ومن فوقه ومن دونه إلى يومنا هذا.
وقول الله عز وجل أكبر من قول الخلق، قال الله تبارك وتعالى: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر:4].
وسأل رجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ما النَّاشِطَاتِ نَشْطًا؟ فقال: لو كنت محلوقاً لضربت عنقك.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا يماري، ولا أشفع للمماري يوم القيامة، فدعوا المراء لقلة خيره) ].
(إذا سألك أحد عن مسألة في هذا الكتاب)، أي: في كتابه هذا (السنة) الذي ذكر فيه عقيدة أهل السنة والجماعة، (فانظر هل هو مسترشد أو مجادل) فإن كان مسترشداً فكلمه وأرشده وبين له، وإن كان مجادلاً فلا تجبه واحذره.
والمقصود: أن الذي يسألك عن مسألة في هذا الكتاب فهو بين أمرين لا يخلو عن أحدهما:
إما أنه مسترشد يريد الفائدة، أو مجادل، فإن كان مسترشداً فأرشده ووضح له؛ لأنه يريد الحق، وإن كان مجادلاً مناظراً فلا تجبه واحذره، فإن المناظرة هي المراء والجدال والمغالبة والخصومة، وقد نهيت عن جميع هذا.
(وهو يزيل عن طريق الحق)، أي: أن الجدال يبعد الإنسان عن طريق الحق، وهذا محمول على ما إذا كان الجدال لا يفيد، أما إذا غلب على الظن أنه يفيد فإنه يناظر ويبين له الحق لعل الله أن يهديه.
أما إذا وجد علامات تدل على أن هذا الشخص لا يريد الحق وأنه معاند فهذا لا يناظر بل يترك، وقد جادل عثمان بن سعيد الدارمي بشر المريسي ، وهناك مناظرات حدثت بين العلماء.
(وقد نهيت عن جميع هذا، وهو يزيل عن طريق الحق، ولم يبلغنا عن أحد من فقهائنا وعلمائنا أنه ناظر أو جادل أو خاصم)، وقد قال الله تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] .. وقال: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46].
فلا بأس بالجدال إذا تعين طريقاً لقبول الحق.
(قال الحسن البصري رحمه الله: الحكيم لا يماري ولا يداري في حكمته أن ينشرها، إن قبلت حمد الله، وإن ردت حمد الله)، أي: يترك المراء والجدال، وهذا أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في زوائده على الزهد لـابن المبارك، وابن بطة في الإبانة الكبرى، يقول: وهذا إسناده ضعيف، فيه راوٍ مبهم، وهذا محمول على ما إذا كان الجدال لا يفيد.
(وجاء رجل إلى الحسن -يعني الحسن البصري - فقال: أناظرك في الدين؟ فقال الحسن : أنا عرفت ديني، فإن ضل دينك فاذهب فاطلبه). أخرجه الآجري في الشريعة، واللالكائي في السنة، وابن بطة في الإبانة، وهو صحيح.
والمعنى: أني لا حاجة لي في مناظرتك، فإن كان دينك قد ضاع منك فاذهب فاطلبه وابحث عنه، أما أنا فإني لا إشكال عندي، وليس عندي شك في ديني.
وجاء في بعض الأحاديث: (أن أحدهم كان يأخذ وينزع بآية وهذا ينزع بآية)، وجاء في بعضها: نفي القدر، (فخرج النبي مغضباً كأنما فقئ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال: أبهذا أمرتم؟ أم بهذا وكلتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟! ما علمتم منه فاعملوا به، وما لم تعرفوا فكلوه إلى عالمه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
يقول المؤلف عن الحديث: إنه صحيح، وقد أخرجه أحمد وابن ماجة ، وفيه النهي عن الجدال.
(وكان ابن عمر يكره المناظرة ومالك بن أنس ومن فوقه ومن دونه إلى يومنا هذا)، أي: إذا كانت المناظرة تؤدي إلى النزاع والشقاق والبغضاء، أما إذا كانت المناظرة تؤدي إلى قبول الحق ومعرفة الحق فإنها مطلوبة، كما قال الله تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].
(وقول الله عز وجل أكبر من قول الخلق، قال الله تبارك وتعالى: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ [غافر:4])، أي: أن قول الله أبلغ من الآثار، وأقوى دليلاً، وفي الآية بيان أن الكفار هم الذين يجادلون في آيات الله.
(وسأل رجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن هذه الآية: وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا [النازعات:2]؟ قال له: ما (الناشطات نشطاً)؟ فقال عمر : لو كنت محلوقاً لضربت عنقك)، أي: محلوق الرأس؛ لأن الخوارج يحلقون رءوسهم ويتدينون بحلق الرأس ويشددون، فقال عمر له: لو كنت محلوقاً، أي: لو كنت محلوق الرأس لعرفت أنك من الخوارج الذين يجادلون بالباطل، وحينئذ ضربت عنقك.
وفي الحديث يقول النبي عليه الصلاة والسلام عنهم: (سيماهم التحليق) أي: علامة الخوارج حلق الرأس، والخوارج يتشددون في حلق الرأس.
وقصة الرجل الذي سأل عمر صحيحة مشهورة.
(وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا يماري، ولا أشفع للمماري يوم القيامة، فدعوا المراء؛ لقلة خيره).
(المؤمن لا يماري) أي: لا يجادل، وهذا الحديث ضعيف جداً، أخرجه الطبراني في الكبير، والآجري في الشريعة ، وابن بطة في الإبانة، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه كثير بن مروان وهو ضعيف جداً، وقال: وفيه كثير بن مروان كذبه يحيى والدارقطني .
والمقصود: أن هذا الحديث ضعيف.
والجدال فيه تفصيل: فإذا كان بالباطل فقد نهي عن ذلك، وإذا كان يفيد فلا بأس بالجدال لإيضاح الحق.
الجواب: الاستحلال من عمل القلب، وهو أن يعتقد بقلبه أن هذا الشيء حلال، أما الفعل فلا يكفي ليكون ميزاناً للاستحلال؛ لأنه قد يفعله وهو لا يستحله، وإنما فعله طاعة للهوى والشيطان، مثل العصاة الذين يفعلون المعاصي، فشخص زنى يصح أن نقول: هذا عاص، وضعيف الإيمان، ومرتكب لكبيرة، وعليه الوعيد الشديد ويجلد أو يرجم، لكنه إذا اعتقد أن الزنا حلال، فيكفر؛ لأنه أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة.
ومثله كذلك: شخص تعامل بالربا، بدافع الجشع والطمع، فإذا قيل له: لماذا تتعامل بالربا؟ قال أنا محتاج وعندي عائلة، فقل له: هذا حرام، ولا تأكل من مال الحرام، ويكون شخصاً عاصياً، لكن الشخص الذي يقول: إن الربا حلال فهذا كافر، وهذا قول المشركين: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275].
فالاستحلال اعتقاد القلب.
الجواب: نعم، فقد قال الفضيل بن عياض : لو علمت دعوة صالحة لصرفتها للسلطان، لأنه إذا صلح السلطان صلح العباد والبلاد.
الجواب: نعم، لا يدعو عليه وإنما يدعو له بالصلاح، حتى يرد المظلمة.
الجواب: نعم، هكذا قال العلماء: البدع أشد من الكبائر؛ لأن صاحب المعصية كالسارق وشارب الخمر يعلم أنه عاصٍ وقد يفكر في التوبة ويوفق لها، لكن صاحب البدع يظن أنه على الحق، فإذا نهيته عنها أصر عليها وقال إنها سنة، فلا يفكر في التوبة، ويبقى على بدعته.
وتختلف البدع وتتفاوت مثل المعاصي، فمنها ما هو عظيم فاحش ومنها ما هو صغير.
الجواب: ليس بصحيح، فالكافر الحربي هو الذي يحاربك ويحدث بينك وبينه قتال، فهذا حلال الدم والمال، مثل اليهود الذين يقاتلهم المسلمون في فلسطين فيكون بينهم وبين الفلسطينيين قتال، فهذا كافر حربي، ومثل ذلك قتال المسلمين في الشيشان للروس، فالمسلم في الشيشان إذا وجد روسياً فيجوز أن يقتله؛ لأن دمه وماله حلال.
أما الكافر الذي لا يوجد بينك وبينه حرب مثل أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين في ديارهم المسالمة أو دخل البلد وعنده أمان، فهذا لا يجوز قتله، فقد جاء في الحديث: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) فالمعاهد معصوم الدم والمال.
الجواب: لا يجوز للمسلم أن يعمل في الربا تحت كافر أو تحت مسلم، ولا يجوز للمسلم أن يعمل تحت الكافر أيضاً، ومن باب أولى إذا كان عملاً خاصاً بحيث يمتهنه الكافر كأن يكون خادماً للكافر، أو طباخاً عند الكافر، فلا يجوز هذا؛ لأن في هذا امتهاناً للمسلم، لكن العمل العام مثل المؤسسات أو المصانع قد يختلف حكمها، أما أن يعمل في الربا أو يعمل في الرشوة أو القمار فهذا لا يجوز تحت الكافر ولا تحت المسلم مطلقاً.
الجواب: إذا كان السلطان هكذا فخير لك أن تدعو له حتى يصلحه الله.
أما إذا كان يأخذ مالك، وتدعو عليه فقد تستجاب فيزداد فجوراً ويزيد في ظلمك، لكن عليك أن تدعو له.
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ويلعنونكم وتلعنونهم) فالمراد فعل الناس، وأن هذا الواقع، وليس المراد أن يشرع لعنهم، ولهذا سئل بعد ذلك: (أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة).
الجواب: الأمر بالدعاء لولاة الأمور عام، فقد أمرنا على وجه العموم أن ندعو للمسلمين جميعاً، ولهذا لما عصت دوس قالوا: (يا رسول الله! ادع عليهم؟ وقالوا: هلكت دوس، فقال: اللهم! اهد دوساً وأت بهم) فهداهم الله وجاءوا مسلمين، فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن مأمورون بالدعاء لكل مسلم، والسلطان أولى بأن يدعى له؛ لأن في صلاحه صلاح الرعية.
الجواب: لا، فهو يكتب لطلبة العلم، ويكتب أيضاً على وفق ما جاء من الأحاديث والآثار.
أما كون الإنسان يتحدث وينشر معايب الصحابة، فهذا فسق، لكن كتب التاريخ مبنية على الآثار وبيان الحال، وتفسير لبعض الأحاديث مثل حديث: (تمرق مارقة) على سبيل المثال، فهذه تكتب لطلبة العلم، أما العامة فلا تنشر بينهم، ولا يتكلم أحد في الصحابة عند العامة، وحتى المؤرخ يجب عليه أن يلتزم بهذا، ويبين فضل الصحابة مثلما بين ابن العربي في العواصم من القواصم، وهو كتاب جيد ويقول: إن ما صدر وما روي عن الصحابة من الأخبار التي رويت عنهم منها ما هو كذب لا أساس له من الصحة، ومنها ما له أصل لكن زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، ومنها ما هو صحيح، والصحيح ما بين مجتهد مصيب له أجران ومخطئ له أجر الاجتهاد.
الجواب: ليس هناك دليل، وقد جاءت أحاديث لكنها ضعيفة: (أن النبي تعرض عليه أعمال أمته فيدعو للمحسن ويستغفر للمسيء) وهذا ضعيف.
الجواب: ليس لها أن تكشف وجهها، وليس لها أن تدرس، فالدراسة ليست بلازمة، وإذا لم تجد دراسة إلا مختلطة رجالاً ونساء ومنها كشف الوجه فالأفضل ألا تدرس، وهذا من أسباب الفواحش، فإذا صارت في جوار الطالب وهي كاشفة متزينة وتحتك به وتذهب معه، فهذه دعوة لفعل الفاحشة، وكذلك المدرس عندما يرى وجهها ليلاً ونهاراً قد يفعل بها الفاحشة ويتكلم معها، وقد يطلبها إلى بيته، وقد يغريها بأن ينجحها أو يعطيها درجات، فهذا فيه شر وفساد، وإذا لم تجد المرأة إلا مدرسة مختلطة رجالاً ونساء أو تكشف وجهها للرجال فلتجلس في البيت ولا تدرس، وتستطيع أن تطلب العلم عن طريق شبكة الإنترنت أو عن طريق الأشرطة أو كتب أهل العلم ويكفي هذا.
وما الفائدة من الدراسة إذا كانت سبباً في ذهاب عرضها ودينها؟!
الجواب: جاءت أدلة كثيرة، فقد جاء: أن أرواح المؤمنين تنقل، والجنة والنار دائمتان لا تفنيان، وعجب الذنب لا يبلى، والعرش والكرسي واللوح والقلم، فكلها باقية.
الجواب: العمل جزء من الإيمان، الإيمان: تصديق القلب وإقراره، وقول اللسان، وعمل الجوارح، وعمل القلب، وكلها داخلة في مسمى الإيمان.
الجواب: نعم، بعض الشيعة يسبون أبا هريرة وكذلك يذمون غيرهم.
الجواب: ليس ببعيد؛ لأن القمر قريب، فقد يصلون إليه، ولا يترتب على هذا شيء، وليس في هذا مخالفة للنصوص الشرعية.
الجواب: إذا لم يوجد غيرها فيحفظها ولا يأخذ عليها فائدة ربوية، فلا بأس بذلك للضرورة، وإن وجد غيرها فلا بأس.
الجواب: نعم، يجوز أن نقول هذا، فحب أهل الإيمان إيمان ودين، وحب أهل البدع وأهل الكفر والنفاق طغيان ونفاق، وهذه قاعدة عامة، ولهذا يقول النبي: (حب الأنصار إيمان، وبغض الأنصار كفر ونفاق)، والمقصود بالأنصار أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأنصار بعد الصحابة، كل من نصر دين الإسلام ودعا إلى الإسلام ونشر دين الإسلام فحبه من الإيمان وبغضه من الكفر والنفاق، وكل من أحب أهل البدع وأهل الفسوق فيدل على النفاق في قلبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر