أنه لا يطلق وصف: صاحب سنة، إلا على من سلم من البدع، أما إذا كان متلبساً ببعض البدع فلا يقال له: صاحب سنة، حتى تجتمع فيه السنة كلها، وحتى يسلم من الجدال، أما من كان عنده بعض البدع ويعمل بالسنة فلا يقال له: صاحب سنة بإطلاق، قل: إنه صاحب سنة فيما وافق فيه السنة، وصاحب بدعة فيما وافق فيه البدع.
وهذا يفسر الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)، وهذا معنى قول ابن المبارك : إن أصل اثنين وسبعين هوى -أي: بدعة وفرقة ضالة- أربعة أهواء، فمن هذه الأربعة الأهواء انشعبت هذه الاثنان وسبعون هوى، وفيه التحذير من القدرية والمرجئة والشيعة والخوارج؛ لأنهم أصل البدع.
ومن قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره.
ومن قال: الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره.
ومن قال: المقادير كلها من الله عز وجل، خيرها وشرها، يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره، وهو صاحب سنة ].
(من قدم أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً ) في الفضيلة وفي الخلافة، (ولم يتكلم في الصحابة إلا بخير)، فهذا من أهل السنة وخرج من التشيع؛ لأن الشيعة والرافضة يرون أن أبا بكر وعمر وعثمان اغتصبوا الخلافة، وأن الخليفة الأول هو علي ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على اثني عشر إماماً أولهم علي وآخرهم محمد بن الحسن الذي دخل في سرداب سامراء في العراق سنة مائتين وستين هجرية، وأن الصحابة كفروا وارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخفوا النصوص التي فيها النص على الأئمة، وولوا أبا بكر زوراً وظلماً وعدواناً، ثم ولوا عمر زوراً وظلماً وبهتاناً، ثم ولوا عثمان زوراً وبهتاناً، ثم وصلت إلى الخليفة الأول وهو علي .
(ولم يتكلم في الباقين من الصحابة إلا بخير، ودعا لهم، فقد خرج من التشيع أوله وآخره).
أما من تكلم في الصحابة وسب الصحابة وسب أبا هريرة فهذا شيعي.
ومن سب أبا بكر وعمر وعثمان وعلي فهو رافضي.
وهذه علامة السني الذي يخرج من التشيع، وهي أن يقدم أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً على جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتكلم في الباقين من الصحابة إلا بخير، ويدعو لهم، فهذا يخرج من التشيع أوله وآخره.
(ومن قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء كله أوله وآخره).
من قال: الإيمان قول القلب وهو التصديق والإقرار، وقول اللسان وهو النطق، وعمل القلب وهو النية والإخلاص والصدق والمحبة، وعمل الجوارح، ومن قال: إن الإيمان يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء كله وآخره.
ومن قال: إن تصديق القلب، والأعمال ليست من الإيمان، فهو من المرجئة.
ومن قال: الإيمان هو معرفة الرب بالخلق، فهذا قول مرجئة الجهمية، وهذا أفسد قول قيل في الإيمان، فالجهمية يقولون: الإيمان معرفة الرب بالقلب، والكفر جهل الرب بالقلب، فمن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن، ومن جهل ربه بقلبه فهو كافر، والجهمية هم أشد الناس إرجاء، وألزمهم العلماء على هذا التعريف: أن يكون إبليس مؤمناً؛ لأنه يعرف ربه بقلبه، وأن فرعون مؤمن؛ لأنه يعرف ربه بقلبه، وأن اليهود مؤمنون؛ لأنهم يعرفون ربهم بقلوبهم، وأن أبا طالب مؤمن؛ لأنه يعرف ربه بقلبه، وهذه الطائفة الأولى من المرجئة.
والطائفة الثانية من المرجئة وهم الكرامية الذين يقولون: إن الإيمان هو النطق باللسان فقط، فإذا نطق بلسانه الشهادتين فهو مؤمن كامل الإيمان، ولو كان مكذباً في قلبه، فجمعوا بين متناقضين.
فيلزم على قولهم أن يكون المؤمن كامل الإيمان يخلد في النار. هذا قول الطائفة الثانية من المرجئة.
والطائفة الثالثة من المرجئة يقولون: الإيمان تصديق القلب فقط، وهذا قول الماتريدية والأشاعرة، وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة .
الطائفة الرابعة: هم مرجئة الفقهاء ويقولون: الإيمان تصديق القلب والإظهار باللسان.
وكل المرجئة بطوائفهم الأربعة يقولون: الأعمال ليست من الإيمان.
قال: (ومن قال بصحة الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة ولا يرون الخروج على السلطان بالسيف، ويدعون له بالصلاح، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره )؛ لأن الخوارج لا يرون الصلاة خلف أئمة الجور، بل يرون أن الإمام إذا فعل كبيرة كفر وحل دمه وماله ووجب قتله.
ولا يصلون خلف الإمام الفاجر الفاسق ولا يجاهدون معه، ويخرجون عليه بالسيف ولا يدعون له.
قال المؤلف: (ومن قال: المقادير كلها من الله عز وجل خيرها وشرها؛ يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره وهو صاحب سنة )؛ لأن القدرية يقولون: الخير من الله والشر من العبد، بل يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة للعبد غير مخلوقة لله، فالعبد هو الذي يخلق فعل نفسه، خيرها وشرها، طاعة أو معصية، كفراً أو إيماناً.
ولهذا يقولون: يجب على الله أن يثيب المطيع وهو يستحق الأجر من الله، كما يستحق الأجير أجرته؛ لأنه هو الذي خلقه فعلاً، وأن الله يجب عليه أن يعذب العاصي؛ لأن الله توعده والله لا يخلف الميعاد.
المراد بالرجعة: هو القول بأن علياً لم يمت، وأنه في السحاب، وسيرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة.
فقول المؤلف: (من قال بها فهو كافر لا شك فيه ) صحيح.
ومحمد بن علي هو ابن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بـالباقر وجعفر بن محمد هو المعروف بـجعفر الصادق وموسى بن جعفر هو موسى بن جعفر الكاظم.
فمراد المؤلف أن من تكلم في هؤلاء الأئمة وقال: إنهم سيرجعون، فإنه كذلك كافر لا شك فيه، وهؤلاء من أئمة الرافضة، فالرافضة يقولون: هناك اثنا عشر إماماً نص عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، أولهم علي ثم ابنه الحسن ثم ابنه الحسين هؤلاء ثلاثة، ثم التسعة الباقون من سلالة الحسين وهم علي بن الحسين زين العابدين ثم محمد بن علي الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي الجواد ثم علي بن محمد الهادي ثم الحسن بن علي العسكري ثم المهدي المنتظر محمد بن الحسن الذي دخل سرداب سامراء في العراق سنة ستين ومائتين.
فالرافضة يقولون: إن هؤلاء الأئمة معصومون، وإن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليهم وإنهم الخلفاء من بعده إلا أن أهل السنة ارتدوا وكفروا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وحرفوا النصوص وولوا أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ؛ لأنهم كفار. نسأل الله السلامة.
إذا كان الصحابة كفاراً، وهم الذين حملوا السيف؛ فكيف يوثق بدين حمله الكفار؟ هذا يدل على كفر الرافضة وضلالهم.
يقول المؤلف رحمه الله: [ هذه البدعة كفر بالله العظيم، ومن قال بها فهو كافر بالله لا شك فيه، ويتكلمون في الأئمة، وأنهم يعلمون الغيب ] يعني: يزعمون أن أئمتهم يعلمون الغيب، وهذا كفر وضلال، فمن زعم أن أحداً يعلم الغيب فهو كافر، قال الله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] ولهذا قال المؤلف: [ فاحذرهم فإنهم كفار بالله العظيم ].
هذه المسألة فيها تفصيل، وهي تقديم علي على عثمان فإن قدم علياً على عثمان في الخلافة، فهذا رافضي وهو أضل من حمار أهله كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ لأن الصحابة أجمعوا على مبايعة عثمان ، أما من قدم علياً على عثمان في الفضيلة فهذا لا يكون رافضياً؛ لأنها مسألة سهلة.
وروي عن الإمام أبي حنيفة تقديم علي على عثمان في الفضيلة لا في الخلافة، أما من قدم علياً في الخلافة على عثمان يقول شيخ الإسلام: هو أضل من حمار أهله، وقد أزرى بالمهاجرين والأنصار؛ لأن المهاجرين والأنصار أجمعوا على تقديم عثمان على علي.
إذاً: تقديم علي على عثمان في الخلافة ضلال، وتقديم علي على عثمان في الفضيلة ليس بضلال وهي ليست من المسائل التي يضلل فيها الإنسان أو يبدع؛ ولهذا روي عن الإمام أبي حنيفة تقديم علي على عثمان في الفضيلة لا في الخلافة.
وروي عنه أنه رجع ووافق قول الجمهور، فاستقر الخلاف واستقر الإجماع على تقديم عثمان على علي، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الواسطية: إن هذه مسألة ليست مما يضلل فيها.
والمؤلف شدد في هذا ولم يفصل.
فقول المؤلف: [ ومن قدم الثلاثة على جماعتهم، وفي نسخة: جميعهم ] أي: من قدم أبا بكر وعمر وعثمان على جميع الصحابة، وترحم على بقية الصحابة، وكف عن زللهم وخطئهم فهو على طريق الاستقامة والهدى في هذا الباب، يعني: في باب الصحابة.
أي: أن على المؤمن أن يشهد بالجنة لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ومنهم العشرة المبشرون بالجنة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح.
وكذلك غيرهم ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم مثل الحسن والحسين فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
وممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ثابت بن قيس بن شماس وعكاشة بن محصن وابن عمر وعبد الله بن سلام وجماعة.
وقول المؤلف: (ولا تفرد بالصلاة على أحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله فقط) أي: لا تخص بالصلاة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآله فقط، وآل النبي صلى الله عليه وسلم هم أقاربه من أهل بيته وزوجاته مثل علي وفاطمة والحسن والحسين، وقيل: كل من تبع دينه، تقول: اللهم صل على محمد. اللهم صل على علي . اللهم صل على الحسن . اللهم صل على الحسين .
وهذا ليس بصواب، والسنة أن يفرد النبي صلى الله عليه وسلم وحده بالصلاة، ولا يفرد آله.
والشيعة هم الذين إذا مر ذكر علي يقولون: عليه السلام، وفاطمة عليها السلام، الحسن عليه السلام والحسين عليه السلام، والذي عليه علماء السنة: أن الأنبياء يصلى عليهم، والصحابة يترضى عنهم، ومن بعدهم يترحم عليهم.
فإذا مر ذكر نبي من الأنبياء تقول: صلى الله عليه وسلم، وإذا مر ذكر الصحابي تقول: رضي الله عنه، وإذا مر ذكر من بعده تقول: رحمه الله.
لكن لو صليت على غير الأنبياء في بعض الأحيان ولم يكن هذا باستمرار فلا بأس لما جاء أن عبد الله بن أبي أوفى لما جاء بصدقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم صل على آل أبي أوفى)، فإذا صليت على أبي أوفى في بعض الأحيان فلا بأس، لكن كونك تجعله ديدنك وشعارك كلما جاء ذكر الصحابي تصلي عليه فهذه طريقة الروافض، والمؤلف يقول: (لا تفرد بالصلاة على أحد إلا إذا لم يكن نبي).
ونحن نقول الآن: لا يفرد بالصلاة إلا على النبي صلى الله عليه وسلم، أما آل النبي صلى الله عليه وسلم فكغيره، وآله يشمل المستقيمين على دينه، وأهل بيته وزوجاته.
قوله: (وتعلم أن عثمان بن عفان قتل مظلوماً، ومن قتله كان ظالماً) هذا حق، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة، أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوماً ومن قتله كان ظالماً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فمن أقر بما في هذا الكتاب، وآمن به، واتخذه إماماً، ولم يشك في حرف منه، ولم يجحد حرفاً واحداً، فهو صاحب سنة وجماعة كامل قد اكتملت فيه السنة، ومن جحد حرفاً مما في هذا الكتاب، أو شك ووقف فهو صاحب هوى ].
لكن في نسخة ثانية: [ أو شك في حرف منه أو شك أو وقف ].
يقصد المؤلف بهذا كتابه هذا الذي نشرحه، يقول المؤلف رحمه الله: فمن أقر بما في هذا الكتاب؛ لأن هذا الكتاب شرح السنة، فمن أقر بما فيه وآمن به، واتخذه إماماً، ولم يشك في حرف منه، ولم يجحد حرفاً واحداً منه؛ فهو صاحب سنة وجماعة كامل، يعني: اكتملت فيه السنة.
ومن جحد حرفاً مما في هذا الكتاب، أو شك في حرف منه أو وقف؛ فهو صاحب هوى وبدعة. وهذا ليس بصحيح، فإن هذه الأوصاف التي ذكرها عن كتابه لا تكون إلا في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ومن جحد حرفاً من القرآن أو شك فيه فهذا كافر، أما ما كتبه البشر فهم يخطئون فيه ويصيبون، والبربهاري رحمه الله مر على أشياء غلط فيها وأخطأ، وأتى بأحاديث ضعيفة، فنحن الآن نشك في الأحاديث الضعيفة التي ذكرها، والأشياء التي وهمها، ومررنا بأشياء بينا أن الصواب فيها خلاف ما أقره رحمه الله.
ولا ينبغي للمصنف أن يقول هذا، ولا أن يلزم الناس بكتابه فإنه لا يلزم إلا بالكتاب والسنة، وفي كتاب المصنف بعض الحروف والجمل والكلمات التي ذكرها خلاف الصواب رحمه الله، لكن الكتاب في الجملة يتماشى مع مذهب أهل السنة والجماعة، فلا ينبغي للمؤلف أن يقول مثل هذا، ويجب على المسلم أن يستدل بكتاب الله وسنة رسوله، أما أن يلزم الناس بغيرهما فهذا ليس بسديد.
هذا صحيح، من جحد أو شك في حرف من القرآن فليس بمسلم، وكذلك إذا جحد شيئاً مما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من غير تأويل. وهناك فرق بين المتأول وبين الجاحد، فلو جحد أحدهم قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فهذا كافر.
ولو قال متأول: أنا أومن بها وأنها آية، لكن معنى استوى: استولى، لأنه لا يليق بالله، والذي يستوي هو الشيء المحسوس والجسم المحدث، والله ليس بجسم ولا بمتحيز، فلا يمكن أن يستوي، فهذا له شبهة، فلا يكفر.
وقوله: (فاتق الله واحذر وتعاهد إيمانك) أي: احذر من الجحود والشك والتأويل وتعاهد إيمانك، واحذر مما ينقصه أو يزيله كالجحود والتكذيب والرد في كلام الله وكلام رسوله.
في بعض النسخ بدل (لا تعين أحداً) (لا تطيع أحداً) وبدل (ولا أولي الخير) (ولا الوالدين) ولعله أصوب. فقوله: (من السنة)، المراد السنة الواجبة لا المستحبة.
ليس للإنسان أن يعين أحداً على المعصية، وليس لأحد أن يطيع أحداً في المعصية ولا أولي الخير ولا الوالدين، فإذا أمراك بمعصية فلا تطعهما، قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] وقال في حق الوالدين الكافرين: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا [لقمان:15] ثم قال سبحانه: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15].
فلا يطاع أحد في المعصية، ولا يعان أحد على المعصية لا الوالد ولا غيره، فالوالد إذا أمرك بمعصية فلا تطعه، والزوجة إذا أمرها زوجها بمعصية فلا تطعه، والعبد إذا أمره سيده بالمعصية فلا يطعه؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقوله: (ولا يحب عليه أحداً) أي: لا يحب على المعصية أحداً، (واكره ذلك كله) أي: واكره الإعانة على المعصية واكره طاعة البشر امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى.
أي: أن التوبة واجبة على العباد في كل وقت من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] وهذا أمر والأمر للوجوب، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [التحريم:8].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن لم يشهد لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فهو صاحب بدعة وضلالة، شاك فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
الواجب على المسلم أن يشهد بالجنة لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم كالعشرة المبشرين بالجنة والحسن والحسين ، فمن لم يشهد فهو صاحب بدعة وضلالة، شاك فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا إذا لم يبلغه ذلك فهو معذور، فإذا بلغه النص فيجب عليه أن يشهد بالجنة لمن شهدت له النصوص بذلك.
وقال بشر بن الحارث : الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام، أي: أن من لزم السنة وعمل بالكتاب، وسلم منه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقر على الدين فهو مع النبيين والصديقين، وإن كان عمله لا يلحق بهم لكن تجبره المحبة، فمحبته لهم تلحقه بهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب)، فإذا اجتهد الإنسان في العمل الصالح، وكان موحداً، واستقام على الدين مع بذل الجهد فإن محبته لهم تجبره، أي: تجبر هذا النقص ويكون معهم.
جاء رجل أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! المرء يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب).
وقول بشر بن الحارث: الإسلام هو السنة، والسنة هي الإسلام. بيانه أن الإسلام هو أن تعمل بالسنة، والسنة فيها أوامر ونواه، فإذا عملت بها فهذا هو الإسلام، والسنة هي الإسلام، ومن عمل بالسنة فهو على الإسلام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال الفضيل بن عياض : إذا رأيت رجلاً من أهل السنة فكأنما أرى رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا رأيت رجلاً من أهل البدع فكأنما أرى رجلاً من المنافقين.
وقال يونس بن عبيد : العجب ممن يدعو اليوم إلى السنة، وأعجب منه من يجيب إلى السنة فيقبل ].
يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا رأيت رجلاً من أهل السنة فكأنما أرى رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تابع لآثارهم، ومتخلق بأخلاقهم، فكأنه منهم.
وإذا رأيت رجلاً من أهل البدع فكأنما أرى رجلاً من المنافقين؛ لأن النفاق يكثر في البدع.
ويقول يونس بن عبيد : (العجب ممن يدعو اليوم إلى السنة) يعني: لقلتهم بسبب كثرة البدع، وكيف أن الله تعالى سلمهم من الفتن والبدع. (وأعجب منه من يجيب إلى السنة فيقبل)، أعجب ممن يهتدي؛ لأن الله تعالى وفقه مع كثرة البدع وكثرة الداعين إلى البدع.
وهذا معناه يشبه معنى الأثر: (ليس العجب ممن هلك كيف هلك لكن العجب ممن نجا كيف نجا) أخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن بطة في الإبانة، واللالكائي في السنة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكان ابن عون يقول عند الموت: السنة.. السنة، وإياكم والبدع؛ حتى مات ].
وهذا من نصحه رحمه الله، فعندما حضره الموت كان يقول: السنة.. السنة! يعني: الزموا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإياكم والبدع حتى مات، جعل يكرر هذه الكلمة ويوصي الناس بلزوم السنة والحذر من البدع.
والأنبياء أنصح الناس إلى الناس، والعلماء ورثة الأنبياء ينصحون الناس ويبينون لهم الحق، ويحذرونهم من البدع، ويأمرونهم بلزوم السنة، ويدلونهم إلى طريق السعادة، ومنهم ابن عون رضي الله عنه، كان يقول عند الموت من شدة نصحه: السنة.. السنة، أي: الزموا السنة، وإياكم والبدع، ويكرر ذلك حتى مات رضي الله عنه وأرضاه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: مات رجل من أصحابي فرئي في المنام فقال: قولوا لـأبي عبد الله : عليك بالسنة، فإن أول ما سألني الله سألني السنة.
وقال أبو العالية : من مات على السنة مستوراً فهو صديق، ويقال: الاعتصام بالسنة نجاة، وقال سفيان الثوري : من أصغى بإذنه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إليها، يعني: إلى البدع ].
هذه الرؤيا من باب البشارة، فهذا لما مات رئي في المنام يوصي الإمام أحمد بلزوم السنة؛ لأنه سئل في قبره أول ما سئل عن السنة، وقال أبو العالية الرياحي التابعي الجليل: (من مات على السنة مستوراً فهو صديق)، أي: من مات على الكتاب والسنة، ومات على التوحيد، وحذر البدع والمعاصي فهو صديق، فبقوة تصديقه يحذر من الشبهات والشهوات.
وقوله: (الاعتصام بالسنة نجاة)، أي: نجاة من الهلاك ونجاة من النار، فمن اعتصم بالسنة نجا وسلم من البدع.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال داود بن أبي هند : أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى بن عمران: لا تجالس أهل البدع؛ فإن جالستهم فحاك في صدرك شيء مما يقولون أكببتك في نار جهنم ].
هذا من آثار بني إسرائيل وأخبارهم لا يعول عليه؛ فإن داود بن أبي هند القشيري بينه وبين موسى عليه السلام دهور وأزمنة طويلة تنقطع دونها أعناق المطي، ومثل هذا لا يؤخذ إلا عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وهل بني إسرائيل عندهم بدع؟ أم عندهم كفر أو معاص؟ على كل حال أخبار بني إسرائيل لا حاجة إليها، والمؤلف رحمه الله نقله من باب الاستئناس، وإلا فإن الآثار التي ذكرها كافية.
وقول سفيان الثوري : (من أصغى بأذنه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إليها)، يعني: إلى البدع، وهذا الأثر أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن بطة في الكبرى.
وهذه من العقوبة العاجلة، فإذا أصغى إلى صاحب بدعة فإنه يعاقب بأن يخرج من العصمة ويوكل إليها إذا كان ذلك عن عمد، ولكن من بادر بالتوبة وجاهد واستغفر الله وتاب فإن الله يتوب عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال الفضيل بن عياض: من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة، وقال الفضيل بن عياض : لا تجلس مع صاحب بدعة؛ فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة ].
هذه الآثار كلها إلى آخر الرسالة عن الفضيل بن عياض العابد الورع الزاهد الإمام المعروف، كان في أول حياته من قطاع الطريق، ثم هداه الله وصار إماماً واعظاً مشهوراً وعالماً ورعاً زاهداً، وهو الذي فسر قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110].
قال معناه: أخلصه وأصوبه، قيل: يا أبا علي ! ما أخلصه وما أصوبه؟ قال: إذا كان العمل خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، فالخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة.
فقول الفضيل بن عياض : (من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة)، يعني: إلا أن يتوب فمن تاب تاب الله عليه. والمراد بالحكمة العلم.
وقوله: (لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة) لأن أهل الكبائر والبدع ملعونين، فقد لعن الله السارق، وشارب الخمر وآكل الربا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال أيضاً: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام من قلبه ].
هذا الأثر أخرجه اللالكائي وابن بطة وأبو نعيم وإسناده صحيح، هذا إذا كانت البدعة مكفرة، أما إذا كانت البدعة غير مكفرة فإيمانه يكون ضعيفاً، ويخرج كمال النور ويبقى أصله. وهذا فيه التحذير من البدع.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال الفضيل بن عياض : من جلس مع صاحب بدعة في طريق، فجز في طريق غيره ].
هذا الأثر أخرجه أبو نعيم وابن بطة وابن الجوزي ومعناه: إذا رأيت صاحب بدعة جالساً في طريق فاذهب من طريق آخر لئلا يؤثر عليك، وهذا فيه التحذير من أهل البدع، إلا إذا أردت نصيحته وتحذيره، وغلب على ظنك أنه يستفيد فهذا مطلوب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال الفضيل بن عياض : من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام، ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم، ومن زوج كريمته بمبتدع فقد قطع رحمها، ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط من الله حتى يرجع ].
وهذا الأثر أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن الجوزي ، وإسناده صحيح كما قال المحقق.
يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام؛ لأن البدع تهدم شيئاً من الإسلام؛ فالكفر يهدم الإسلام، والبدع تضعف الإسلام.
ومن عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام؛ لأنه أعانه على الباطل.
ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه ينبغي للإنسان أن يعبس في وجه المبتدع ولا يتبسم في وجهه، يبقى كما قال الناظم ابن عبد القوي في منظومته:
(والقهم بوجه مكفهر مربد) يعني: أهل البدع لا تلقهم بوجه منبسط ولا تتبسم في وجوههم بل تعبس في وجوههم، وتظهر لهم الكراهة وتهجرهم حتى يتوبوا من بدعتهم.
[ ومن زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها ]، من زوج بنته أو أخته من مبتدع فهذا فيه قطع للرحم؛ لأن الرحم هم الأقارب من جهة الأب أو الأم، وأول الأرحام أبوك ثم أمك، ثم بناتك وأبناؤك من الرحم، وأولادك وإخوتك وأخواتك وأعمامك وعماتك وأخوالك وخالاتك، فمن زوج بنته أو أخته من مبتدع فقد قطع رحمها، إن كانت أخته قد قطع الرحم بينه وبين أخته، وإن كانت بنته فكذلك.
ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع، ولهذا قال العلماء: نهوا عن اتباع جنازة المبتدع وعن زيارة المريض المبتدع، وكان بعض السلف إذا رأى من يتبع جنازة مبتدع أو يزور المبتدع هجره.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال الفضيل بن عياض : آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد ].
هذا الأثر أخرجه اللالكائي وأبو نعيم وأخرج ابن بطة الشطر الثاني منه، ووجهه -والله أعلم-: أن اليهودي والنصراني معروف كفره وضلاله، وهو من أهل الكتاب؛ ولهذا أباح الله نكاح الكتابيات وأكل ذبائحهم بخلاف صاحب البدعة فإنه ينتسب إلى الإسلام فيلتبس أمره فإذا رآك أحد وأنت مع المبتدع يلتبس عليه الأمر، ويظن أن المبتدع على الحق، بخلاف اليهودي والنصراني فإن كفره واضح، ولهذا قال الفضيل بن عياض : (آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد).
وعلى كل حال حتى الأكل مع اليهود والنصارى لا ينبغي إلا إذا كان على وجه النصيحة ودعوتهم إلى الإسلام أو على وجه المعاملة من بيع أو شراء لابد منه، وإلا فينبغي البعد عن اليهود والنصارى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال الفضيل بن عياض : إذا علم الله من الرجل أنه مبغض لصاحب بدعة غفر له وإن قل عمله، ولا يكن صاحب سنة يمالي صاحب بدعة إلا نفاقاً، ومن أعرض بوجهه عن صاحب بدعة ملأ الله قلبه إيماناً، ومن انتهر صاحب بدعة آمنه الله يوم الفزع الأكبر، ومن أهان صاحب بدعة رفعه الله في الجنة مائة درجة، فلا تكن صاحب بدعة في الله أبداً ].
هذا الأثر أخرجه أبو نعيم في الحلية بإسناد صحيح.
قوله: (إذا علم الله من الرجل أنه مبغض لصاحب بدعة غفر الله له وإن قل عمله ]، هذا مأخوذ من كون الإنسان يوالي في الله ويعادي في الله، فبغضك لصاحب البدعة من المعاداة في الله.
والموالاة والمعاداة في الله أصل من أصول الإيمان، وهو من الأعمال القلبية الصالحة، وهذه الحسنة عظيمة يغفر للعبد بسببها ولو كان عمله قليلاً، فالموالاة في الله، والحب في الله، والبغض في الله، والمعاداة في الله، وتعظيم السنة، والبعد عن أهل البدع، ولو كان الإنسان عمله قليلاً، ولو كان لا يتنفل كثيراً، ولا يصلي في الليل ولا الضحى ولا يصوم النفل، لكن عنده تعظيم للسنة، وعنده موالاة في الله، ومعاداة في الله، وحب في الله، وبغض في الله؛ لا شك أنه على خير عظيم.
بخلاف الذي يكثر من النوافل كصلاة الليل والضحى وصيام الإثنين والخميس والأيام البيض، ولكن لا بصيرة لديه، يخالط أهل البدع والمعاصي، ولا عنده غيرة، فلا ينفعه كثرة الاستغفار والنوافل وهو لا يعظم السنة ولا يبتعد عن أهل البدع.
هذا قد حقق إيمانه وإسلامه ولو كان لا يتنفل كثيراً، وهو خير ممن يكثر من النوافل ولكنه لا يعظم السنة، ولا يبتعد عن أهل البدع، ولا يوالي في الله ولا يعادي في الله، ولا يحب في الله ولا يبغض في الله.
الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله وتعظيم السنة والحذر من البدع، ولو كان عمل قليلاً خير من العمل الكثير مع عدم البصيرة في الدين، وعدم البعد عن أهل البدع، وعدم تحقيق هذا الأصل العظيم.
قول المؤلف: (ولا يكن صاحب سنة يمالي صاحب بدعة إلا نفاقاً) أي: أن صاحب السنة لا يمكن أن يمالي صاحب البدعة إلا نفاقاً من باب التملق، إلا إذا كان يحذر من شره ويداريه فلا بأس، أما المعاونة والمداهنة فإنها لا تنبغي.
وقوله: (ومن أعرض بوجهه عن صاحب بدعة ملأ الله قلبه إيماناً) وذلك بسبب تعظيمه للسنة، وتحقيقه للحب في الله والبغض في الله.
وقوله: (ومن انتهر صاحب بدعة آمنه الله يوم الفزع الأكبر) يعني: من رفع صوته عليه تحذيراً له من البدع، آمنه الله من الفزع يوم الفزع الأكبر، هذا إذا كان يفيده ذلك، أما إذا كان لا يفيده أو يزيده شراً فلا ينتهره، وإنما ينصحه ويناظره لعل الله أن يهديه.
وقوله: (ومن أهان صاحب بدعة رفعه الله في الجنة مائة درجة) هذا التحديد يحتاج إلى دليل، وهذا إذا كانت الإهانة تفيده وتزجره عن بدعته.
ثم قال المؤلف: (فلا تكن صاحب بدعة في الله أبداً) أي: لا تكن صاحب بدعة في دين الله بل الزم السنة وعظمها حتى تكون من أهل التوحيد والتحقيق، وتكون من أهل الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة فيه.
وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه، بهذا نكون قد انتهينا من الكتاب، والحمد لله رب العالمين.
الجواب: لعل مقصوده هنا أصل الشيعة وليس مراده الرافضة، فإن الشيعة تنقسم إلى اثنين وعشرين فرقة، والرافضة طائفة من الشيعة، فيحمل على هذا.
الجواب: الإلزام لا يوجد إلا بكتاب الله وسنة رسوله، لكن أقوال العلماء يستدل لها، وقد سبق أن وجهنا كلام الفضيل بن عياض.
الجواب: جعفر بن محمد الصادق ومحمد بن علي الباقر لا شك أنهم صلحاء لكن الشيعة جعلتهم من أئمتهم وكذبوا عليهم وشوهوا تاريخهم، قبح الله الرافضة والشيعة فإنهم شوهوا تاريخ علي رضي الله عنه وتاريخ أهل البيت.
الجواب: بل خرجوا في عهد علي رضي الله عنه، بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، لكن أصلهم كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ذلك الرجل الذي جاء واعترض على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا محمد! اعدل؛ فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فقال عمر بن الخطاب أقتله؟ فقال: (لا. إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية).
وقد قيل: إن هذا الرجل هو أصل الخوارج، لكن خروجهم كان بعد قتل عثمان رضي الله عنه.
الجواب: هذا ليس بالصحيح؛ فإن محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق ترحم عليهما أئمة وعلماء فضلاء، فكون الشيعة يعظمون علي بن أبي طالب إذاً على قولهم لا نترضى عليه، والصحيح أننا نترحم عليهم، وفي المقابل نرد على الرافضة باطلهم.
الجواب: لا يخصص أحد من الصحابة بشيء، فالصحابة كلهم كرم الله وجوههم ورضي عنهم، وهذا من وضع الشيعة، فهم يقولون: علي كرم الله وجهه، ويقولون: عليه السلام، أما عمر الفاروق فهذا لقب وكنيته أبو حفص وعلي بن أبي طالب لقبه أبو تراب وكنيته أبو الحسن، وشيخ الإسلام ابن تيمية هذا وصف له، فهذا ليس فيه منافاة ولا إشكال، أما تخصيص الشيعة لـعلي بـ: كرم الله وجهه، وعليه السلام، فهو مما لا أصل له.
الجواب: الكفر الخفي أو الشرك الخفي هو مثلما جاء في الحديث: (الشرك الخفي الرياء، يقوم رجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه) فما يقوم بالقلوب من إرادة الدنيا والرياء وتسميع الناس هذا هو الشرك الخفي، والشرك الظاهر هو الواضح في كل شيء حتى الحلف بغير الله وما أشبه ذلك.
الجواب: لا تدخل فيها لئلا يضلوك، كما سمعت قول السلف: (إذا سمعت كلام صاحب بدعة أخاف أن يقع في قلبي شيء أخاف أن أزل وأضل)، فكيف تسمع كلام الرافضة؟ لا تسمع ولا تدخل، ولا يدخل في هذا إلا طالب علم كبير، أو عالم كبير، أو داعية كبير يريد أن يرد عليهم، أما أنت فلا تدخل لئلا يقع في قلبك شيء من الزيغ فتهلك.
فاحذر كل الحذر من أهل البدع، ولا تجالسهم، ولا تسمع كلامهم، ولا تشهد جنازة المبتدع ولا تزره، كيف تدخل إلى تلك الغرف وأنت تسمع كلامهم؟ هذا لا يجوز، بهذا تجر إلى نفسك الباطل، وتتسبب في زيغك وضلالك، نسأل الله السلامة والعافية.
أما إذا دخلوا غرف أهل السنة وألقوا بعض الشبه علينا فهل نرد عليهم ويجادلون؟
إذا كان طالب علم كبير أو عالم فلا بأس، أما غيره فلا، فلا تسمع كلامهم ولا ترد عليهم.
الجواب: هذا لا يسمى جحداً، إنما يسمى تأويلاً، وقد وضحت الفرق بين الجاحد والمتأول، وقد مثلت لذلك برجل أنكر قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، هذا يسمى جحوداً وهو كفر، أما المتأول فغير الجاحد وهو يقول: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] أي: استولى.
الجواب: الرسول عليه الصلاة والسلام هو المشرع، والله تعالى قال له في أول الأمر في مكة: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:106]، خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199].
فالرسول عليه الصلاة والسلام مشرع ومبلغ عن الله عز وجل، وأمره الله بأن يدعو الكفار إلى الله ويدعو المشركين، هذه دعوة، والداعية يقتدي بالرسول، إن كنت طالب علم فادع الكفار والمشركين واليهود وأهل البدع.
أما إذا لم يكن بيدك من الأمر شيء، أو كنت لست طالب علم، وتخشى من أهل البدع أن يؤثروا عليك فاحذر واجتنب كما قال الفضيل بن عياض.
الجواب: التوحيد هو: أن توجه جميع أعمالك لله عز وجل، وأن لا يقع في عملك شرك في العبادة، ولا تنكر شيئاً مما هو معلوم من الدين بالضرورة، هذا هو التوحيد.
والشرك: كل ناقض للتوحيد، والبدع والمعاصي تقدح في التوحيد.
وقصد المؤلف أهل البدع في زمانه. وقصده من ذلك من ينكر ما وصف الله به نفسه؛ لأن المعتزلة يسمون التوحيد العدل ويدخلون تحته نفي الصفات، ونفي الرؤية، والقول بخلق القرآن، فإذا قال اشرح لي التوحيد فهو مبتدع يعني: أن تفصل التوحيد على ما يعتقده المعتزلة.
الجواب: قال العلماء: إنهم كفار مثلهم، والله تعالى جعل الأتباع مثل المتبوعين، قال تعالى: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ [الأحزاب:67-68]، وقال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، ثم قال: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]، ثم بين الله تعالى أنهم كلهم في النار.
وقال آخرون من أهل العلم: إن علماءهم كفار وعوامهم فساق.
وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وثبت الله الجميع على الهدى، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر