أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه.
قوله: (قلت وبالله التوفيق) التوفيق هو أن يوفق الإنسان للصواب، وأن يجعله الله يقول بالحق ويعمل به.
النوع الأول: الحديث القدسي، وهذا من كلام الله لفظاً ومعنى، كما في حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا) فهذا حديث قدسي نسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه عز وجل، فهو من كلام الله لفظاً ومعنى.
والنوع الثاني: الحديث غير القدسي، فهذا من كلام الله معنى، ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً، كقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فهذا الحديث وحي من الله، إلا أن لفظ الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، فالحديث لفظه من الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله، أما الحديث القدسي فلفظه ومعناه من الله، مثل القرآن، إلا أن له أحكاماً تختلف عن القرآن:
- فالقرآن يتعبد بتلاوته، والحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته.
- القرآن يقرأ في الصلاة، والحديث القدسي لا يقرأ في الصلاة.
- القرآن معجز بلفظه ومعناه، والحديث القدسي قد لا يكون له وصف الإعجاز.
- القرآن لا يمسه إلا المتوضئ، والحديث القدسي يمسه غير المتوضئ.
أما السنة فلها مع القرآن على أحوال ثلاثة:
الحالة الأولى: أنها تبين المجمل، مثل الصلاة: جاء في القرآن: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، جاءت السنة وفصلت الصلاة، وبينت أن الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة، وبينت عدد ركعات الصلاة؛ إذ ليس في القرآن أن صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، وصلاة المغرب ثلاثاً فالسنة وضحت وفصلت هذا الإجمال.
كذلك الزكاة أوجبها الله في القرآن، وجاءت السنة وفصلت وبينت أن لا زكاة في المال حتى يحول عليه الحول، وأنه لابد من النصاب.
كذلك الحج جاء في القرآن، وجاءت السنة وفصلت هذه المناسك.
الحالة الثانية: أن تقيد المطلق وتخصص العام.
الحالة الثالثة: أن تأتي بأحكام جديدة ليست في القرآن؛ كتحريم كل ذي ناب من السباع، وتحريم كل ذي مخلب من الطير، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والجمع بين المرأة وخالتها، هذه أحكام ليست في القرآن جاءت بها السنة، فالسنة وحي ثان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه).
قوله: (حفظ الله أحياءهم، ورحم أمواتهم)، هذا دعاء من المؤلف لأهل الحديث بأن يحفظ الله الأحياء ويرحم الأموات.
ومعنى شاهدة أن لا إله إلا الله أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، وأن الله واحد في ربوبيته، وألوهيته وأسمائه وصفاته، فهو سبحانه وتعالى واجب الوجود بذاته، وهو فوق العرش، وهو الرب وغيره مربوب، وهو الخالق وغيره مخلوق، وهو المالك وغيره مملوك، وهو المدبر وغيره المدبَر، وكذلك تشهد لله تعالى بالوحدانية في أسمائه وصفاته، وأنه ليس له شريك في أسمائه وصفاته، كما قال: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف:180]، وليس له شريك في أفعاله أيضاً، وليس له شريك في ألوهيته وعبادته، فهو مستحق العبادة وغيره لا يستحق شيئاً من العبادة، فلا يستحق العبادة أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.
وتشهد لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام بالرسالة والنبوة، ومن لم يشهد لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة فليس بمؤمن. ومعنى أن تشهد لله تعالى بالوحدانية: أن تنطق بلسانك وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وتعتقد بقلبك وتصدق بأن الله هو الرب وغيره مربوب، وأنه الخالق وغيره مخلوق، وأنه المالك وغيره مملوك، وأنه المدبر وغيره المدَبر، وتشهد بأن الله له الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا يشاركه فيها أحد، وتشهد بأن الله هو مستحق العبادة بجميع أنواعها، لا يستحقها غيره لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فالله تعالى هو المعبود بالحق، هو الذي يدعى ولا يدعى غيره، يذبح له وينذر ويتوكل عليه ويرجى ويخاف منه، والعبادة حق الله لا يستحقها النبي صلى الله عليه وسلم ولا جبريل ولا غيره، ومن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغيره فهو مشرك كافر وتنتقض عليه الشهادة، فمن قال: لا إله إلا الله، ثم دعا غير الله، أو ذبح لغير الله، أو نذر لغير الله، بطلت شهادته.
الشهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة أصل الدين وأساس الملة، وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، تشهد بربوبية الله، وبألوهيته، وبأسمائه وصفاته، فلا تصرف شيئاً منها لغير الله، ولا يقع في عمل الشرك حتى لا تنتقض عليه العبادة، الشهادة لله تعالى بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأفعاله بشرط ألا يفعل الإنسان ناقضاً من نواقض الإسلام، فإن فعل ناقضاً من نواقض الإسلام بطلت هذه الشهادة؛ كما يتوضأ الإنسان أحسن الوضوء يتطهر أحسن الطاهرة ثم خرج منه بول أو غائط أو ريح فقد بطلت الطهارة، فكذلك إذا شهد لله تعالى بالوحدانية، ثم دعا غير الله، أو ذبح لغير الله، أو فعل ناقضاً من نواقض الإسلام بأن اعتقد أن الصلاة غير واجبة، أو الحج غير واجب، أو الصوم غير واجب، أو أن الزنا ليس بمحرم، أو أنكر تحريم الربا أو الزنا أو الخمر أو عقوق الوالدين أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة بطلت الشهادة وانتقضت.
كذلك يشهدون أن محمداً رسول الله، ويصدقونه في أخباره عليه الصلاة والسلام، ويمتثلون أوامره، ويجتنبون نواهيه، ويتعبدون لله بما شرعه.
قوله: (أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به ونقلته العدول الثقات عنه)، فما ورد في السنة من الأسماء والصفات يجب إثباتها لله عز وجل، فإذا ثبت وصح سند الحديث، وعدلت الرواة، ولم يكن شاذاً ولا معللاً فيجب إثبات ما ورد في السنة من أسماء الله وصفاته، ولذلك قيد المؤلف الأخبار -يعني: الأحاديث- بالصحاح، وهي جمع صحيح، يعني: الحديث الصحيح، أما الحديث الضعيف فلا، كما لو كان الحديث في سنده انقطاع أو راو ضعيف في الحفظ أو الديانة فلا يصح الحديث ولا يقبل ما دل عليه، لابد أن يكون الحديث صحيحاً.
وشروط الحديث الصحيح عند المحدثين: أن يكون متصل السند، وأن يكون الرواة عدول ثقات ضابطين، وألا يكون الحديث فيه شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة ولأصول الشريعة، وألا يخالف الثقة من هو أوثق منه، وألا يكون الحديث فيه علة قادحة ظاهرة أو خفية، فإذا وجدت هذه الشروط فإن الحديث صحيح، ويجب قبوله، والعمل بما دل عليه في العقائد والأخلاق والأعمال وكل شيء، خلافاً لأهل البدع من المعتزلة وغيرهم الذين يقولون: إنما يقبل خبر الآحاد في الأعمال، أما العقائد فلا يقبل فيها أخبار الآحاد، وهذا منهج باطل.
ولقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه باباً سماه: باب أخبار الآحاد، وذكر نصوصاً كثيرة في قبول خبر الآحاد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل كتبه إلى الملوك والرؤساء، والذي يرسله واحد، ومع ذلك يقبل خبر الواحد.
أهل السنة لا يكيفون فيقولون: صفة الله كيفيتها كذا، ولا يمثلون فيقولون: مثل صفات المخلوقين، بل يثبتون الأسماء والصفات ويثبتون المعنى، ويفوضون الكيفية إلى الله، كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء: (الاستواء معلوم) يعني: معلوم معناه في اللغة العربية، فالاستواء: هو الاستقرار والصعود والعلو والارتفاع، (والكيف مجهول) كيفية استواء الله على عرشه مجهولة لا نعلمها، (والإيمان به واجب) يجب الإيمان باستوائه، (والسؤال عنه بدعة) وهذا يقال في النزول والاستواء والعلو والسمع والبصر كلها: معلوم معناه في اللغة العربية، نعرف أن العلم ضد الجهل، السمع ضد الصمم، والبصر ضد العمى، والعلو ضد السفول، أما كيفية استواء الرب وكيفية علوه وكيفية سمعه وبصره فلا يعلم به إلا الله، هذا معنى قول الإمام مالك.
الجواب: الحالة الأولى: أنها تبين المجمل في القرآن العظيم.
والحالة الثانية: تخصيص العام وتقييد المطلق.
والحالة الثالثة: أنها تأتي بأحكام جديدة. فالسنة أحياناً تفصل وتبين ما أجمل في القرآن، مثل الصلاة أوجبها الله في القرآن وجاءت السنة وفصلت مواقيت الصلاة وعدد الركعات، وكذلك الزكاة جاءت في القرآن الكريم مجملة، وجاء في السنة بيان الشروط، وأنه لابد من الحول، والنصاب، وكذلك الحج جاء مجملاً في القرآن، وجاء التفصيل في السنة أن الحج محدد بخمسة أيام أو ستة هي الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، وكذلك أيضاً فصلت السنة الطواف: طواف الإفاضة، وطواف الوداع، والوقوف بعرفة، والمبيت في منى، ورمي الجمار.
وكذلك أيضاً تأتي السنة تقيد المطلق إذا كان مطلقاً، أو كان عاماً ففي السنة ما يخصصه.
وكذلك تأتي بأحكام جديدة ليست في القرآن، مثل تحريم كل ذي ناب من السباع وتحريم كل ذي مخلب من الطير، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها في النكاح، هذه أحكام في السنة وليست في القرآن.
الجواب: بمعنى أنه سبحانه وتعالى يربيهم بنعمه، فهو الذي خلقهم وأوجدهم من العدم ورباهم بنعمه.
الجواب: القراءة في الملل والنحل فيها تفصيل، فإذا كان طالب العلم مبتدئاً فلا ينبغي له أن يقرأ في الملل والنحل؛ لأن ملل جمع ملة وهي الدين، والنِحل جمع نِحلة وهي الفرقة، وفرق المبتدعة وشبههم قد يتشكك بسببها ويحصل له بلبلة في فكره؛ فلا ينبغي للمبتدئ أن يقرأ في الملل والنحل، لكن إذا كان الإنسان طالب علم متوسع، فلا بأس أن يقرأ الملل والنحل لتفنيد شبههم والرد عليهم، أما المبتدئ فلا ينصح بقراءته في الملل والنحل، وإنما يقرأ في كتب التوحيد وأهل السنة والجماعة، ولا يقرأ في كتب الملل والنحل لئلا يحصل له التشويش والتشكيك.
الجواب: الشيعة يقصدون الآل ذريته، وقد يقصرونه على علي وفاطمة والحسن والحسين ، وبعضهم يقصره على العباس ، وبعضهم لا، والآل له معان، قد يطلق على الأزواج والذرية وأتباعه على دينه إلى يوم القيامة، أما تخصيص الشيعة بأنه بـعلي وفاطمة والحسن والحسين فهذا من اصطلاحات الشيعة الرافضة.
الجواب: هذه المسألة حصل فيها نزاع، وامتحن فيها شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله وأوذي، والصواب مع شيخ الإسلام ، بدليل حديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) فالصواب أنه لا يسافر لمكان يتعبد فيه إلا في هذه المواضع الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، ولهذا لما رحل أبو هريرة إلى جبل الطور أنكر عليه أبو ذر الغفاري وقال: لو علمت ما سافرت إلى جبل الطور.
الجواب: الضابط: إذا كان لا يسمى به الله سبحانه وتعالى ما كان من صفاته، مثل لفظ الجلالة الله، الرحمن، رب العالمين، خالق الخلق، مالك الملك، هذا من أوصافه، وأما المشترك مثلما وردت النصوص في إطلاقه على غير الله، مثل الملك: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي [يوسف:54]، والله من أسمائه الملك، ومثل العزيز: قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ [يوسف:51]، ومثل الحي: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الأنعام:95] ومن أسمائه الحي والسميع والبصير، وهذه أيضاً تطلق على المخلوق، قال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:2].
الجواب: نعم مثل القرآن، وحي من الله لفظه ومعناه، إلا أن له أحكاماً تختلف، وأما غير الحديث القدسي فلفظه من النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله، ولو قرأتم في كتب أصول التفسير للسيوطي وغيره تجدونه يقول: إن الحديث القدسي معناه من الله فقط، كما يقولون في القرآن؛ لأن الأشاعرة يقولون: إن القرآن ليس كلام الله حق حروفه ومعناه، لكن المعنى يقولون من الله، أو كلام الله اسم للمعنى القائم بنفس الرب، ويقولون: إن الله تعالى اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر بالقرآن، فهذا القرآن تكلم به جبريل أو تكلم به محمد، وأما كلام الله فهو معنى قائم بنفسه، ويقولون: إن القرآن الذي نقرؤه ليس كلام الله، وإنما هو عبارة عن كلام الله، وهذا من أبطل الباطل، وبعض الأشاعرة يقول: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ، وبعضهم يقول: إن القرآن عبر به محمد، وبعضهم يقول: عبر به جبريل، وهذا كله كلام باطل، والصواب: أن القرآن لفظه ومعناه من الله، الله تعالى تكلم به وسمعه جبرائيل ونزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193-195].
الجواب: هؤلاء وثنيون يريدون إحياء الوثنية، هذا لا يجوز أبداً، ولا يجوز إبقاء القبر في المسجد، والحكم للأغلب، فإن كان المسجد هو الأول، ثم دفن فيه الميت، فإنه يجب نبش القبر ودفنه في مقابر المسلمين، وإن كان السابق هو القبر وبني عليه المسجد فيجب هدم المسجد ويبنى في مكان آخر، أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يدفن في مسجده، ولم يبن مسجده على قبره، لا هذا ولا هذا، الرسول صلى الله عليه وسلم إنما دفن في بيته، والبيت خارج المسجد، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ما بني على قبره في حياته، ولكن الوليد بن عبد الملك لما أراد أن يوسع المسجد أدخل كل حجرات النبي صلى الله عليه وسلم وهذا خطأ، فكون الوليد أخطأ وأدخل حجرات بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيه لا يجيزه ولا يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في المسجد، ولا أن مسجده بني على قبره.
المحظور: أن يدفن الميت في القبر، أو يبنى المسجد على القبر، وكل من الأمرين لم يوجد في قبره النبي صلى الله عليه وسلم ومسجده، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما دفن في المسجد، وإنما دفن في بيته، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ما بني على قبره، غاية الأمر أن الوليد أدخل البيت كاملاً في المسجد؛ لأنه وسع المسجد وهذا خطأ منه.
الجواب: لو شركت لا بأس، لكن المحظور أن تتمحض النية لزيارة القبر، والأولى أن تكون النية لزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك تأتي لزيارته.
الجواب: هذا من باب الخبر، وباب الخبر أوسع من باب الصفات، أخبر الله عن نفسه أنه رمى، ويُخبَر عن الله بأنه موجود، وبأنه ذات، وبأنه شيء، وبأنه شخص لا شخص مثله، ولا يقال: من أسمائه الذات ولا الموجود ولا الشيء: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأنعام:19]، فباب الخبر أوسع من باب الصفات.
الجواب: يجب على طلبة العلم أن يكونوا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، والله تعالى بين أن الخيرية لهذه الأمة إنما حصلت بذلك، فقال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، فالخيرية إنما صحت بهذه الأمور الثلاثة: الإيمان بالله، وبالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فمن عمل بهذه الصفات وانطبقت عليه حصلت له الخيرية، ومن فاتته هذه الصفات فاتته الخيرية، قال سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] الأمر من الله أن تكون أمة منتصبة بهذا الأمر بالقيام بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال سبحانه في وصف المؤمنين: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71] يرحمهم الله بهذه الصفات، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، فينبغي لطلبة العلم أن يكونوا في المقدمة، وأن يمتثلوا أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فما قيمة العلم الذي لا يعمل به الإنسان، من العمل بالعلم أن يكون طالب العلم آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، لكن بالحكمة والموعظة الحسنة، باللين والرفق.
وإنكار المنكر له ثلاث مراتب: أولاً: الإنكار باليد إذا كان الإنسان يستطيع أن يغير بإن كان له سلطة كالأمير، وإن كان في بيته إذا كان يستطيع غير بيده، وثانياً: إذا عجز باللسان والبيان، وثالثاً: الإنكار بالقلب؛ كما في حديث أبي سعيد رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، والإنكار بالقلب لابد فيه من البعد عن المنكر، فإذا كنت لا تستطيع أن تنكر باللسان لا تجلس معهم، بل تقوم وتظهر علامة الإنكار على وجهك، أما إذا كنت تجلس معهم وتدعي أنك تنكر المنكر بقلبك فأنت شريك لهم في الإثم، فإن كانوا يشربون الخمر فحكمك حكم من يشرب الخمر، وإن كانوا يغتابون الناس وأنت ساكت وتستطيع أن تقوم فحكمك حكمهم، وإن كانوا يسبون الإسلام أو يسبون الله، فحكمك حكمهم، قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء:140]، فمن جلس مع قوم يكفرون بالله ولم ينكر عليهم ولم يقم فحكمه حكمهم، ومن جلس مع قوم يشربون الدخان ولم ينكر عليهم فحكمه حكمهم في الإثم، نسأل الله السلامة والعافية، ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع العمل الصالح، ونسأله سبحانه وتعالى أن يتوفانا على الإسلام، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر