وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الآية تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد، وعارضوا بين الآيتين وليس كذلك، بل هذه الآية توافق الآية الأولى؛ لأن الله تعالى أخبر أنه أخرج من كان فيها مؤمناً، وأنه لم يجد إلا أهل بيت من المسلمين.
وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا، بل كانت من الغابرين الباقين في العذاب، وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه، وفى الباطن مع قومها على دينهم خائنة لزوجها، تدل قومها على أضيافه، كما قال تعالى فيها: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا [التحريم:10]، وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش، فإنه ما بغت امرأة نبي قط، إذ نكاح الكافرة قد يجوز في بعض الشرائع، ويجوز في شريعتنا نكاح بعض الأنواع، وهن الكتابيات، وأما نكاح البغي فهو دياثة، وقد صان الله النبى عن أن يكون ديوثاً.
ولهذا كان الصواب قول من قال من الفقهاء بتحريم نكاح البغي حتى تتوب ].
بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله الأصل الأول: وهو أن الأحكام تجرى على الظاهر في الدنيا، أما في الآخرة فإنها تجرى على الظاهر وعلى الباطن جميعاً، فالمؤمن ظاهراً وباطناً عند الله مؤمن، والكافر ظاهراً وباطناً عند الله كافر، والمنافق عند الله كافر، فهذا أصل ينبغي معرفته، وهو التمييز بين الحكم الظاهر والباطن، والفرق بينهما، وهذا ثابت بالنصوص المتواترة والإجماع.
وكذلك قول الله تعالى في قصة لوط: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36]، وهؤلاء هم أهل بيت واحد، وصفهم بالإيمان ووصفهم بالإسلام، وفي الآية الأولى فرق الله بين الإسلام والإيمان.
وأجابوا عن هذه الآية: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36] بأنه بيت واحد تحقق فيه وصف الإيمان، ووصف الإسلام، فلوط وابنتاه اتصفوا بالإسلام والإيمان، وزوجة لوط اتصفت بالإسلام.
قالوا: وأما آية الحجرات فإنها تتحدث عن ضعفاء الإيمان، وليست في المنافقين، فقوله تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] يعني: ولكن قولوا أسلمنا؛ لأنهم لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، وهم أظهروا الإسلام، ولكنهم لا يطلق عليهم الإيمان لضعف إيمانهم، ويدل على ذلك أن هذه السورة ليست في المنافقين، وإنما هي في العصاة، وتسمى سورة الآداب، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ [الحجرات:6]، وقال: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ [الحجرات:11]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ [الحجرات:12]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى [الحجرات:13]، ثم قال: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] ثم قال: وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14] يعني: أنه متوقع دخوله، وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا [الحجرات:14]، فأثبت لهم طاعة، ولو كانت في المنافقين لما أثبت لهم طاعة، ثم قال: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [الحجرات:17]، فأثبت لهم إسلاماً.
فدل على أن هذه الآية في ضعفاء الإيمان، وهذا هو الأرجح، ولهذا فإن المؤلف رحمه الله ذكر القولين، قال: (وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الآية، وهي: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36] تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد، وعارضوا بين الآيتين) وبين المراد بهذه الآية وآية الحجرات، فآية الحجرات أثبتت لهم الإيمان ونفت عنهم الإسلام، وآية الذاريات تصفهم بالإيمان والإسلام معاً.
ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: (وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا، بل كانت من الغابرين الباقين في العذاب) كما قال تعالى: إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ [الشعراء:171] أي: في الباقين، وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه، فتظهر الإسلام، وفي الباطن مع قومها على دينهم، خائنة لزوجها تدل قومها على أضيافه، فإذا جاء إلى لوط أضياف دلت عليهم، كما قال الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [التحريم:10] وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش؛ لأن زوجة النبي مصونة العرض، وإنه ما بغت امرأة نبي قط، وهذا من صيانة الله لأنبيائه.
فلا يجوز للمسلم أن يتزوج وثنية، ولا مجوسية، ولا شيوعية، ولا غيرها من الكافرات إلا اليهودية والنصرانية بشرط أن تكون محصنة، يعني عفيفة طاهرة في عرضها.
وفي شرع من قبلنا كشريعة لوط وشريعة نوح كان يجوز الزواج من امرأة كافرة.
وأما نكاح البغايا والزانيات فقد صان الله الأنبياء عن أن تكون في بيوتهم بغي، وقد صان الله الأنبياء عن الدياثة.
ولهذا كان الصواب قول من قال من الفقهاء بتحريم نكاح البغي حتى تتوب، فالزانية لا يجوز نكاحها حتى تتوب؛ لقوله تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3] أي: فالزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ما دامت على زناها ولم تتب، ولكن إذا صحت توبتها وظهرت فيجوز أن يتزوجها المسلم.
ومن هذا أن بعض الناس والعياذ بالله يقول: قد يقع رجل مع امرأة في الفاحشة، فإذا علم أهلها أنه عمل بها الفاحشة قالوا: نريد أن نزوجها إياه حتى نستر عليهما، وهذا لا يجوز؛ لأنها هي عاهرة، ولا يتزوج بها، فإنها زانية، ولابد أن يفرق بينهما، حتى تظهر توبتها وصلاحها، وتظهر توبته وصلاحه، ثم بعد ذلك يتزوج هو أو غيره بها.
والولد الذي جاء من السفاح لا يجوز أن ينسب إلى الذي زنى، بل هو لقيط، فيفرق بينهما، وهذا الولد يكون لقيطاً ليس له أب، ولا ينسب إلى أحد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والمقصود أن امرأة لوط عليه الصلاة والسلام لم تكن مؤمنة، ولم تكن من الناجين المخرجين، فلم تدخل في قوله تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:35] وكانت من أهل البيت المسلمين، وممن وجد فيه؛ ولهذا قال تعالى: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:36] وبهذا تظهر حكمة القرآن، حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج، وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود ].
أي: أن امرأة لوط لم تكن مؤمنة، بل كانت كافرة، ولم تكن من الناجين المخرجين، فلم تدخل في قوله تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:35] وهو بيت واحد وفيه امرأة لوط، لكن لما أخرج الله لوطاً وابنتيه لم تخرج المرأة، بل هلكت وأصابها ما أصاب قومها؛ لكفرها وضلالها، فلم تكن من أهل البيت المخرجين، ولكن كانت من أهل البيت المسلمين، وممن وجد فيه؛ ولهذا قال تعالى: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:36] أي: وجدنا في هذه القرية بيتاً من المسلمين.
وسماهم الله مسلمين وفيهم امرأته؛ لأنها أظهرت الإسلام، وهي في الباطن مع قومها، فتجرى عليها أحكام الإسلام.
(وبهذا تظهر حكمة القرآن، حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج، وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود) أي: لما ذكر الإخراج وصفهم بالإيمان، قال تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:35]؛ لأن المرأة الكافرة لم تكن معهم، ولما ذكر الوجود ذكر الإسلام؛ لأنها أظهرت الإسلام، فهي معهم في الإسلام الظاهر، والأحكام تجرى على الظاهر.
فرق الله تعالى في كتابه العظيم بين الإيمان والإسلام في ثلاثة مواضع:
فالموضع الأول: في سورة الحجرات، قال تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، أثبت لهم الإسلام ونفع عنهم الإيمان.
الموضع الثاني: في سورة الذاريات، يقول تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36].
الموضع الثالث: في سورة الأحزاب: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35].
وكذلك جاء في السنة حديث سعد بن أبي وقاص الذي رواه الشيخان وغيرهما أنه لما وصف سعد رجلاً بالإيمان قال: (أو مسلم) ففرق بين الإيمان والإسلام.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأيضاً فقد ثبت في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، (أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً ولم يعط رجلاً، فقلت: يا رسول الله أعطيت فلاناً وتركت فلاناً وهو مؤمن قال: أو مسلم، قال: ثم غلبني ما أجد فقلت: يا رسول الله ! أعطيت فلاناً وفلاناً وتركت فلاناً وهو مؤمن، فقال أو مسلم؟ مرتين أو ثلاثاً)، وذكر في تمام الحديث: (أنه يعطي رجالاً ويدع من هو أحب إليه منهم؛ خشية أن يكبهم الله في النار على مناخرهم) .
قال الزهري رحمه الله: فكانوا يرون أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل ].
هذا الحديث وهو حديث سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى رجالاً ولم يعط رجالاً، أي: أعطاهم من الغنائم يتألفهم على الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعطي على الهوى، ولكن يعطي ضعفاء الإيمان حتى يتقوى إيمانهم وحتى لا يرتدوا، وأقوياء الإيمان لا يعطيهم، وإنما يكلهم إلى إيمانهم، فعطاؤه عليه الصلاة والسلام هو لله وليس عن الهوى.
فلما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم رجالاً وترك رجلاً، قال: سعد: فترك رجلاً هو أعجبهم إلي أرى أنه مؤمن، فكيف يتركه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يعطيه؟ ولا يدري ما الحكمة في ذلك، يظن أنه من كان قوي الإيمان يعطيه ومن كان ضعيف الإيمان لا يعطيه، فقال: (يا رسول الله! مالك عن فلان، فوالله إني لأراه مؤمناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو مسلم؟ -يعني: ما بلغ درجة الإيمان- فسكت
وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأعطي رجالاً لما في قلوبهم من الهلع والجزع، وأترك أقواماً لما في قلوبهم من الخير، منهم فلان وفلان) فقال من استثناه: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله الدنيا وما فيها. فالنبي صلى الله عليه وسلم يعطي ليتألف على الإسلام.
والشاهد من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت له الإسلام ورفع منزلته.
أما قول الزهري: (فكانوا يرون الإسلام الكلمة والإيمان العمل)، فقد سبق في مسمى الإسلام، وقد قلنا إن فيه ثلاثة أقوال: القول الأول للزهري وجماعة: أن الإسلام هو كلمة النطق بالشهادتين، والإيمان هو العمل، لكن الزهري إمام وليس مقصوده رحمه الله أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان بل المقصود أن الكافر إذا نطق بالشهادتين تميز عن اليهودي والنصراني وحكم له بالإسلام، وإلا فالعمل داخل في مسمى الإسلام.
القول الثاني: أن الإسلام والإيمان مترادفان، فالإسلام هو الإيمان والإيمان هو الإسلام.
والثالث: أن الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان الأعمال الباطنة.
والقول الرابع وهو الصحيح الراجح: أنها تختلف دلالة الإسلام والإيمان بالتفرد والاقتراب، فإذا قرن الإسلام بالإيمان صار لكل واحد معنى، وصار الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، وإذا أفرد الإسلام دخل فيه الإعمال الظاهرة والباطنة، وإذا أفرد الإيمان دخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فأجاب سعداً بجوابين: أحدهما أن هذا الذي شهدت له بالإيمان قد يكون مسلماً لا مؤمناً ].
هذا هو الجواب الأول الذي أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم سعداً وهو: أن هذا الذي شهدت له بالإيمان قد يكون مسلماً لم يصل إلى درجة الإيمان، ولهذا لما قال سعد رضي الله عنه: والله إني لأراه مؤمناً، قال: أو مسلم، أي: ما وصل إلى درجة الإيمان؛ لأن المسلم هو الذي عنده تقصير في بعض الواجبات، فهو مسلم موحد لكن عنده تقصير في بعض الواجبات، أو يفعل بعض المحرمات، فإذا أدى الواجب وترك المحرمات يسمى مؤمناً بإطلاق، وإن كان مسلماً لابد له من إيمان يصحح إسلامه، لكن لا يطلق عليه اسم الإيمان إذا كان عاصياً، بل يسمى مسلماً ولا يسمى مؤمناً، فإذا أدى الواجبات وترك المحرمات يسمى مؤمناً بإطلاق.
فهذا هو الجواب الأول ومعناه: أن هذا الذي تشهد له بالإيمان قد يكون مسلماً، وما وصل إلى درجة الإيمان، وذلك لتقصيره في بعض الواجبات، أو لفعله بعض المحرمات.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الثاني: إن كان مؤمناً وهو أفضل من أولئك، فأنا قد أعطي من هو أضعف إيماناً؛ لئلا يحمله الحرمان على الردة فيكبه الله في النار على وجهه، وهذا من إعطاء المؤلفة قلوبهم ].
هذا هو الجواب الثاني، وهو أنه لو سلمنا أنه مؤمن كما تقول يا سعد فأنا أعطي المال لمن كان أضعف إيماناً حتى يتقوى إيمانه، أما هذا فقوي الإيمان فلا أعطيه بل أتركه لإيمانه، وضعيف الإيمان أعطيه لئلا يحمله الحرمان على الردة.
الجواب: بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وقال: لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، لأن من لم يعرفهم من اليهود والنصارى وغيرهم يرى أن عبد الله بن أبي من الصحابة، فإذا قتله النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد يقتل أصحابه، وهذا تنفير عن الدين، ولا يعلمون أن هناك منافقين؛ لأن عبد الله بن أبي وغيره يظهرون أنفسهم أنهم من المسلمين ويعتبرون أنفسهم من الصحابة فإذا قتلوا تحدث الناس بأن محمداً يقتل أصحابه، فكان في هذا تنفير عن الإسلام.
وأما كونه لم يعلم بأسمائهم فهناك أسماء أسرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى حذيفة، وهناك منافقون لا يعلمهم، فليس كل المنافقين يعلمهم، ولهذا قال الله تعالى للصحابة: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [التوبة:101] .
إذاً هناك بعض المنافقين لا يعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم أعلمه الله بهم، كما قال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:29-30]، وفي الآية الأخرى قال تعالى: لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [التوبة:101]، فبعضهم يعلمهم وبعضهم لا يعلمهم.
الجواب: بعض العلماء فرق بينهم وآخرون من أهل العلم جعلوا حكم العامة حكم غيرهم؛ لأنهم تبع لهم؛ ولأن الله تعالى جعل حكم عوام الكفار والتابعين كحكم المتبوعين، قال تعالى: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا [الأحزاب:67]، قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ [الأعراف:38] أي: للتابعين والمتبوعين .
وقال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166] ، ثم قال بعد ذلك: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة:167]، فالتابعون والمتبوعون والعوام والسادة حكمهم واحد.
الجواب: هذه عقوبة معجلة لقطيعة الرحم؛ لكن عليك التوبة ومن تاب تاب الله عليه، وعليك مع ذلك أن تدعو لوالديك وتستغفر لهما في ظهر الغيب، وتكثر من الدعاء لهما ليل نهار، وتتصدق عنهما، وتحج عنهما، وتعتمر عنهما وكل هذا ينفعهم.
(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بعد موتهما قال: نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما)، وهذه كلها من الحقوق، الدعاء وإنفاذ الوصية والعهد، وإكرام صديقهما، والصدقة، والحج والعمرة وكل هذا ينفعهم.
الجواب: هذا يشمل جميع الكفار، فكل الكفار محجوبون عن الله، والمؤمنون يرون ربهم يوم القيامة، يرونه في موقف القيامة ويرونه بعد دخولهم الجنة.
وأما الكفار فقد اختلف العلماء في رؤيتهم لربهم في الموقف، فمن العلماء من قال: بأنه يراه أهل الموقف جميعاً، ومنهم الكافرون، ثم يحتجب عن الكفرة .
وقيل: لا يراه إلا المؤمنون فقط.
وقيل: لا يراه إلا المؤمنون والمنافقون؛ لأن المنافقين مع المؤمنين في الدنيا.
فهذه أقوال ثلاثة لأهل العلم، ومن قال إن المؤمنين والكفار يرون ربهم قال: إن الكفار يرون الله في موقف القيامة ولكن لا تفيدهم هذه الرؤية بل تكون عذاباً لهم، كالسارق الذي يؤتى به أمام الأمير وأمام الملك يوبخه، ثم بعد ذلك يعاقب، وتكون هذه زيادة عقوبة له.
ومن العلماء من استدل بهذه الآية على أن جميع الكفرة محجوبون عن الله، وقال: لا يراه إلا المؤمنون: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ [المطففين:15]، فالضمير للكفرة بجميع أصنافهم ويَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15] أي: يوم القيامة.
الجواب: لا يوجد منافاة، فهذا من باب الوعيد عند أهل السنة، وقد ينفذ الوعيد وقد لا ينفذ، والوعيد قد ينفذ في بعضهم، فقاطع الرحم تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه فلا يدخل الجنة مع الأولين، بل يعذب ثم يدخل الجنة بعد ذلك، إذا لم يكن عنده كفر أكبر أو نفاق أكبر أو شرك أكبر، فلا توجد منافاة.
الجواب: أغراض البيت سهلة، لكن المصيبة الصلاة، فكيف يجمع الفجر مع الظهر، والفجر لا تجمع مع الظهر لا للمسافر ولا للمريض ولا غيره، وهو يجمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فهذا نخشى عليه من الردة والكفر.
وبعض العلماء يرى أنه إذا تعمد تأخير الصلاة عن وقتها تكون ردة وكفراً والعياذ بالله، فالواجب على هذه المرأة أن تنصح هذا الرجل فإن لم يقبل تذهب إلى أهلها وتتركه، ولا يجوز لها البقاء عنده على هذه الحال.
بعض العلماء يرى كفره وضلاله، وقال آخرون: إنها جريمة عظيمة أعظم من جريمة الزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه وقاطع الرحم.
والمقصود أن على هذه المرأة أن تذهب إلى أهلها وتترك هذا الرجل حتى يتوب إلى الله، ولا تبقى عنده.
الجواب: لا يجوز أن تزوج وهي زانية، وإن كان بينهما ولد فهو سفاح، ويفرق بينهما، ويقام الحد على الرجل وعلى المرأة، فالرجل يجلد مائة جلدة ويغرب عاماً، والمرأة تجلد مائة جلدة وتغرب، وإن كانت متزوجة ترجم بالحجارة حتى تموت، وإذا صحت التوبة بعد ذلك وظهرت توبتها وإصلاحها تزوج، وهو إذا صحت توبته يزوج منها أو من غيرها، أما أن تزوج وهي على زناها والعياذ بالله، فهذا منكر.
الجواب: لا، وهذا من باب الخبر، وباب الخبر أوسع من باب الوصف عند أهل العلم، فيذكر عن الله بأنه صانع، بأنه شيء، وبأنه ذات، كقوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ [الأنعام:19]، يخبر عن الله بأنه موجود، ولكن لا يقال: إن من أسماء الله الموجود أو الصانع أو الذات.
فالقاعدة عند أهل العلم أن الخبر أوسع من باب الصفة؛ لأن الصفة توقيفية وكذلك الأسماء، فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه، وأطلقه على نفسه كالعليم، السميع، البصير.
أما الإخبار عن الله بأنه صانع، أو بأنه ذات، أو بأنه شيء، فهذا من باب الخبر لا من باب الوصف فيجوز.
الجواب: نعم، يشترط أن تكون الكتابية محصنة لجواز الزواج بها، فتكون محصنة عفيفة تعمل بدينها، وتعرف بأنها من أهل الكتاب، أما إذا تحللت من دينها فقد صارت جاحدة أو معطلة تخرج عن أهل الكتاب.
الجواب: يكون لقيطاً من اللقطاء، فإذا كان هناك دار خاصة له يتربى فيها فهو أفضل، وإن لم يكن أخذه أحد المسلمين ورباه حتى يكبر وله الأجر.
الجواب: هذا السؤال مجمل، فما المراد بمسائل الإيمان؟ هل في شعب الإيمان؟ أو خالف أهل السنة والجماعة في أنه ما عمل بشرائع الإيمان، فيكون عاصياً، أو هل خالف المعتقد؟ فينظر مراد السائل.
الجواب: إذا كان يرضى دينه، وكان مستقيماً فلا بأس بذلك، والله تعالى يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، وهو ليس عليه شيء، بل يكون فرداً من أفراد المسلمين، يزوج كغيره، والإثم على الزاني وليس عليه.
الجواب: نعم، يكون إماماً، كما ذكر الفقهاء وقالوا: تصح إمامة ولد الزنا، إذا سلم دينه وصح؛ لأنه ليس عليه الإثم، إنما الإثم من الزاني.
الجواب: هذا الكلام ليس بطيب، بل هو كلام سيء، فإننا لا نشك أن الرسول كان متواضعاً، فهو يتواضع لربه عليه الصلاة والسلام، عندما دخل مكة دخلها وقد خفض رأسه، تواضعاً لربه عز وجل.
وقوله: (أحقر من أن يعطى ببشريته) فإنه عليه الصلاة والسلام أهل لذلك، فلولا أنه أهل لذلك لما أعطاه الله ذلك، والله تعالى كمله وجعله في أعلى مقام العبودية والرسالة، فكيف يكون أحقر في ذلك؟
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر