وعافاكم الله بانتسابكم إلى السنة من أكثر البدع المضلة، مثل كثير من بدع الروافض والجهمية والخوارج والقدرية، بحيث جعل عندكم من البغض لمن يكذب بأسماء الله وصفاته وقضائه وقدره أو يسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو من طريقة أهل السنة والجماعة، وهذا من أكبر نعم الله على من أنعم عليه بذلك؛ فإن هذا من تمام الإيمان وكمال الدين، ولهذا كثر فيكم من أهل الصلاح والدين وأهل القتال المجاهدين ما لا يوجد مثله في طوائف المبتدعين، وما زال في عساكر المسلمين المنصورة وجنود الله المؤيدة منكم من يؤيد الله به الدين، ويعز به المؤمنين ].
المؤلف رحمه الله يخاطب أبا البركات عدي بن مسافر الأموي وأتباعه، ويبين لهم أنهم على خير وأن فيهم خيراً عظيماً، وأنهم بريئون من كثير من البدع، فالمؤلف رحمه الله يشجعهم ويحثهم على الالتزام بالسنة والاعتصام بها والبعد عن أهل البدع، ويثني عليهم بما فيهم من الخير والصلاح، فيقول: [ وأنتم -يعني: عدي بن مسافر وأتباعه- أصلحكم الله قد من الله عليكم بالانتساب إلى الإسلام الذي هو دين الله ].
يعني: أن عدي بن مسافر ومن معه من الله عليهم بالإسلام، والإسلام هو دين الله، وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
قال: [ وعافاكم الله مما ابتلى به من خرج عن الإسلام من المشركين وأهل الكتاب ].
أي: أن الله عافاكم من الكفر الذي عليه المشركون وأهل الكتاب: اليهود والنصارى.
يقول: [ والإسلام أعظم النعم وأجلها؛ فإن الله لا يقبل من أحد ديناً سواه وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] ].
وسبق أن دين الأنبياء هو الإسلام، والإسلام هو دين الله في الأرض وفي السماء، ولا يقبل الله من أحد ديناً سواه، وهو توحيد الله، وإخلاص العبادة له، واتباع كل نبي في الشريعة التي جاء بها، فالإسلام في زمن آدم عليه السلام هو توحيد الله واتباع آدم في ما جاء به من الشريعة، والإسلام في زمن نوح هو توحيد الله والعمل بالشريعة التي جاء بها، والإسلام في زمن هود هو توحيد الله والعمل بالشريعة التي جاء بها، وهكذا في زمن إبراهيم وموسى وعيسى حتى ختمهم الله بنينا محمد صلى الله عليه وسلم، فالإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو توحيد الله والعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الشريعة الكاملة.
فهو يخاطب عدي بن مسافر وأصحابه ويذكرهم بنعمة الإسلام، فيقول: لقد من الله عليكم بالإسلام وسلمكم من الكفر، ومن الله عليكم بلزوم السنة، وعافاكم من كثير من البدع المضلة، مثل بدع الروافض والجهمية والخوارج والقدرية، كتكفير الروافض الصحابة، وعبادتهم آل البيت، وقولهم بأن القرآن غير محفوظ، وإنكار الجهمية الأسماء والصفات، وتكفير الخوارج المسلمين بالمعاصي.
ثم يخاطبهم بقوله: [وأنتم سلمكم الله من هذه الفتن بحيث جعل عندكم من البغض لمن يكذب بأسماء الله وصفاته وقضائه وقدره، أو بسب أصحاب رسول الله، وهذا من أكبر نعم الله على من أنعم عليه بذلك].
والمعنى: هذه نعمة عظيمة من الله بها عليكم حيث إنكم تبغضون من كذب بأسماء الله وصفاته، وقضائه وقدره، وتبغضون من سب الصحابة، وهذا من تمام الإيمان وكمال الدين.
يقول: [ ولهذا كثر فيكم من أهل الصلاح والدين، وأهل القتال المجاهدين ما لا يوجد مثله في طوائف المبتدعين ].
وطائفة عدي بن مسافر طائفة فيها خير كثير، وكأنه يؤخذ من كلام المؤلف اتصافهم بقليل من الخطأ، إلا أن حالهم مستقيمة، وهم على خير، ويكرهون أهل البدع، ويلتزمون بالسنة في كثير من أمورهم.
ثم يقول ابن تيمية لهم: [ وما زال في عساكر المسلمين المنصورة وجنود الله المؤيدة منكم من يؤيد الله به الدين، ويعز به المؤمنين ].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وفي أهل الزهادة والعبادة منكم من له الأحوال الزكية والطريقة المرضية وله المكاشفات والتصرفات ].
فـعدي بن مسافر وأصحابه فيهم زهد، لكنه زهد ليس كزهد الصوفية، بل زهد مع الإستقامة، وأحوالهم الزكية معناها: الطاهرة الزكية بلزوم الكتاب والسنة؛ أي: التي يرضاها الله ورسوله.
وقوله: [ وله المكاشفات والتصرفات ] أي: كشف الله له من العلم والبصيرة، ورزقه التصرفات الموافقة للشرع.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وفيكم من أولياء الله المتقين من له لسان صدق في العالمين، فإن قدماء المشايخ الذين كانوا فيكم مثل الملقب بشيخ الإسلام أبي الحسن علي بن أحمد بن يوسف القرشي الهكاري ، وبعده الشيخ العارف القدوة عدي بن مسافر الأموي ومن سلك سبيلهما فيهم من الفضل والدين والصلاح والاتباع للسنة ما عظم الله به أقدارهم، ورفع به منارهم ].
أي: أن الشيخ عدي بن مسافر وجماعة فيهم أولياء لله يتقون الله ويخشونه، فهم مؤمنون متقون يؤدون الواجبات ويبتعدون عن المحرمات، وفيهم من له لسان صدق في العالمين، أي: أثنى عليهم عباد الله؛ لصلاحهم وتقواهم، فقد كانوا يعظمون السنة؛ فلذلك عظم الله أقدارهم، ورفع منازلهم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والشيخ عدي قدس الله روحه كان من أفاضل عباد الله الصالحين، وأكابر المشائخ المتبعين، وله من الأحوال الزكية، والمناقب العلية ما يعرفه أهل المعرفة بذلك، وله في الأمة صيت مشهور، ولسان صدق مذكور.
وعقيدته المحفوظة عنه لم يخرج فيها عن عقيدة من تقدمه من المشايخ الذين سلك سبيلهم كالشيخ الإمام الصالح أبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري الشيرازي ثم الدمشقي، وكشيخ الإسلام الهكاري ونحوهما ].
هذا ثناء من المؤلف على عدي بن مسافر وأنه من أهل الصلاح والتقوى، وأن له أحوالاً زكية، ومناقب علية، وأن له ذكراً وصيتاً مشهوراً، فقد رفع الله قدره، وعقيدته السليمة لم يخرج فيها عن عقيدة أهل السنة والجماعة.
قال المصنف رحمه الله: [ وهؤلاء المشايخ لم يخرجوا في الأصول الكبار عن أصول أهل السنة والجماعة، بل كان لهم من الترغيب في أصول أهل السنة، والدعاء إليها، والحرص على نشرها، ومنابذة من خالفها مع الدين والفضل والصلاح ما رفع الله به أقدارهم، وأعلى منارهم، وغالب ما يقولونه في أصولها الكبار جيد، مع أنه لابد وأن يوجد في كلامهم وكلام نظرائهم من المسائل المرجوحة والدلائل الضعيفة كأحاديث لا تثبت، ومقاييس لا تطرد، ما يعرفه أهل البصيرة ].
هذا فيه بيان من المؤلف رحمه الله أن هؤلاء المشايخ مثل عدي بن مسافر وأبي الفرج بن عبد الواحد وشيخ الإسلام الهكاري وغيرهم في أصول الدين الكبار لم يخرجوا عن أصول السنة والجماعة.
وغالب ما يقولونه في الأصول الكبار جيد، أي: موافق لأصول أهل السنة والجماعة، لكن قد يوجد في كلامهم بعض المسائل المرجوحة، أي: قد يختارون بعض الأقوال المرجوحة، وقد يستدلون ببعض الأحاديث الضعيفة كأحاديث لا تثبت، ومقاييس لا تطرد، وهذه ملحوظات يسيرة يمكن معالجتها، لكن هم في الجملة من أهل السنة والجماعة، ويعظمون السنة، وأما كونه يختار بعضهم الأقوال الضعيفة أو الاستدلال ببعض الأحاديث التي لا تثبت، فهذا غلط إذا ردوه عليه ونبهوه فإنه يتقبل ذلك.
هذا من إنصاف المصنف رحمه الله، فقد أثنى عليهم وبين ما هم عليه من الدين والفضل والصلاح، ونقدهم في بيان أخطائهم، فيقول: إنه لا يضر أن يكون الإنسان عليه بعض الأخطاء وبعض الملحوظات اليسيرة إذا كان من أهل السنة والجماعة؛ لأنه ليس بمعصوم، ولا يفسق، لكن هذه الأخطاء تميز وتوضح، فكل أحد يغلط ولا يوجد أحد لا يغلط إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فهو المعصوم، فكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه المقالة معناها للإمام مالك رحمه الله، ثم ذكر أن الأخطاء تحصل من كل أحد ولاسيما المتأخرون؛ بسبب بعدهم عن آثار النبوة والرسالة، وبسبب كونهم لم يحكموا معرفة الكتاب والسنة، ولم يميزوا بين الصحيح والسقيم من الأحاديث، وينظم إلى ذلك غلبة الأهواء وكثرة الآراء، والاختلاف والافتراق، وحصول العداوة والشقاق؛ فلذلك يحصل منهم بعض الأخطاء، فتبين لأصحابها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فإن هذه الأسباب ونحوها مما يوجب قوة الجهل والظلم اللذين نعت الله بهما الإنسان في قوله: وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72] ].
أي: أن هذه الأسباب توجب للإنسان الجهل والظلم في بعض الأحيان، وقد نعت الله بهما الإنسان في قوله تعالى: وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72].
أي: أن العلم والعدل ينقذ الله بهما العبد من الضلال، وقد أقسم الله سبحانه في سورة قصيرة أن جنس الإنسان في خسار وهلاك إلا من آمن، وعمل الصالحات، وأوصى إخوانه بالحق والدعوة إلى الله، وأوصى غيره بالصبر.
قال الشافعي في هذه السورة: لوما أنزل الله على خلقه حجة إلا هذه السورة لكفتهم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] ].
أخبر الله أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، فالإمامة في الدين تنال بشيئين وهما: الصبر واليقين: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24].
وذلك في دواوين الإسلام المعروفة مثل صحيحي البخاري ومسلم وكتب السنن: مثل سنن أبي داود والنسائي وجامع الترمذي وموطأ الإمام مالك ، ومثل المسانيد المعروفة كمثل مسند الإمام أحمد وغيره.
ويوجد في كتب التفاسير والمغازي وسائر كتب الحديث جملها وأجزائها من الآثار ما يستدل ببعضها على بعض، وهذا أمر قد أقام الله له من أهل المعرفة من اعتنى به حتى حفظ الله الدين على أهله ].
لا زال المؤلف رحمه الله يخاطب عدي بن مسافر وجماعته فيقول: أنتم أصلحكم الله تعلمون أن السنة التي يجب اتباعها ويحمد أهلها ويذم من خالفها هي سنة الرسول، وهي عامة في كل شيء في أمور الاعتقادات وفي أمور العبادات وسائر أمور الديانات، وهذا حث منه رحمه الله بأن يلزموا السنة في الاعتقاد وفي العبادة وفي الديانة.
وهذا إنما يعرف بمعرفة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال، ثم معرفة ما كان عليه السابقون والتابعون لهم بإحسان، وهذا موجود في دواوين الإسلام المعروفة مثل: الكتب الستة صحيح البخاري ومسلم وكتب السنن سنن أبي داود والنسائي والترمذي وسنن ابن ماجه وموطأ الإمام مالك .
والمسانيد المعروفة مثل: مسند الإمام أحمد وهو من أعظم المسانيد، وغيره من المسانيد وكذلك في كتب التفسير مثل: تفسير ابن جرير ، وتفسير ابن كثير وغيرهما.
وكتب المغازي مثل: السيرة لـابن هشام ومغازي ابن إسحاق وسائر كتب الحديث، جملها وأجزاؤها من الآثار ما يستدل ببعضها على بعض.
وهذا أمر قد أقام الله له من أهل المعرفة من اعتنى به حتى حفظ الله الدين على أهله: وهم أهل السنة والجماعة أهل الحديث، فقد حفظ الله بهم الدين على أهله.
ومثل مصنفات أبي بكر الأثرم ، وعبد الله بن أحمد ، وأبي بكر الخلال ، وأبي القاسم الطبراني وأبي الشيخ الأصبهاني ، وأبي بكر الآجري ، وأبي الحسن الدارقطني ، وأبي عبد الله بن منده ، وأبي القاسم اللالكائي ، وأبي عبد الله بن بطة ، وأبي عمرو الطلمنكي ، وأبي نعيم الأصبهاني ، وأبي بكر البيهقي وأبي ذر الهروي .
وإن كان يقع في بعض هذه المصنفات من الأحاديث الضعيفة ما يعرفه أهل المعرفة ].
يعني: أن السنة قد حفظت والحمد لله، فقد جمعها العلماء ودونوها، فحفظ الله بهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ الله بهم الدين، وقد جمع طائفة من العلماء الأحاديث والآثار المروية في أبواب عقائد أهل السنة والجماعة، وألفوا المؤلفات ومن هؤلاء الأئمة الذين جمعوا الأحاديث والآثار: حماد بن سلمة وعبد الرحمن بن مهدي ، والبخاري ، وقد بوب في صحيحه أبواباً وتراجم أظهر فيها فقهه العظيم الذي حير العلماء، فصحيح البخاري هو من أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، وامتاز بتراجمه الفقهية العظيمة التي حير العلماء حتى قال بعض العلماء: إن فقه البخاري في تراجمه.
وكذلك أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي ، وكذلك المصنفات الأخرى مثل مصنفات أبي بكر الأثرم وعبد الله بن أحمد وغيرهم.
ومن إنصاف المؤلف رحمه الله أنه قال: وإن كان يقع في بعض هذه المصنفات من الأحاديث الضعيفة ما يعرفه أهل المعرفة، فقد يقع فيها أحاديث ضعيفة، ولهم عذر في هذا، فقد ذكروا الأسانيد، وأرادوا أن يجمعوا ما يوجد في هذا الباب، وقد يوجد لهذه الأحاديث الضعيفة ما يشهد لها من المتابعات والشواهد.
منها ما يكون كلاماً باطلاً لا يجوز أن يقال فضلاً عن أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والقسم الثاني من الكلام: ما يكون قد قاله بعض السلف أو بعض العلماء أو بعض الناس، ويكون حقاً أو مما يسوغ فيه الاجتهاد، أو مذهباً لقائله، فيعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كثير عند من لا يعرف الحديث.
مثل المسائل التي وضعها الشيخ أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري وجعلها محنة يفرق فيها بين السني والبدعي، وهي مسائل معروفة عملها بعض الكذابين وجعل لها إسناداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلها من كلامه، وهذا يعلمه من له أدنى معرفة أنه مكذوب مفترى ].
يقول المؤلف رحمه الله: إن بعض الناس قد يروي في الصفات وفي غير الصفات من سائر أبواب الاعتقادات أحاديث مكذوبة موضوعة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض الناس قد يكذب عليه في الصفات، وبعضهم قد يكذب عليه في أبواب الاعتقاد، وبعضهم قد يكذب عليه في العبادات وغير ذلك.
وهذه الأحاديث التي تروى وتنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مكذوبة عليه قسمان: القسم الأول: ما يكون باطلاً لا يجوز أن يقال فضلاً عن أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لوضوح كذبه وظهوره، وهذا مثل الحديث الذي وضعه بعض الرافضة فقالوا: (أنا ميزان العلم، و
وقد يكون هذا الحديث الذي ينسبونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كلاماً لبعض السلف، أو كلاماً لبعض العلماء، مثل قول بعض الناس: (حب الوطن من الإيمان) وينسبونه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولعله كلام لبعضهم، أو أن يكون حكمة، مثل: (المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء)، فبعض الناس يقول: إن هذا حديث وينسبونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حكمة لطبيب العرب الحارث بن كلدة .
فبعضه يكون مقالة لبعض السلف، وبعضه قولاً لبعض العلماء، وقد يكون مذهباً لبعض الناس فينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومثال ذلك: المسائل التي وضعها الشيخ أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري ، وقد جعلها محنة يفرق فيها بين السني والبدعي، وهي مسائل معروفة عملها بعض الكذابين وجعلوا لها إسناداً ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه المسائل لم نرها في زماننا فكأن المؤلف رحمه الله وجدها في زمانه، فيحتمل أنها موجودة الآن.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهذه المسائل وإن كان غالبها موافقاً لأصول السنة ففيها ما إذا خالفه الإنسان لم يحكم بأنه مبتدع، مثل أول نعمة أنعم بها على عبده، فإن هذه المسألة فيها نزاع بين أهل السنة، والنزاع فيها لفظي؛ لأن مبناها على أن اللذة التي يعقبها ألم هل تسمى نعمة أم لا؟ وفيها أيضاً أشياء مرجوحة.
فالواجب أن يفرق بين الحديث الصحيح والحديث الكذب، فإن السنة هي الحق دون الباطل، وهي الأحاديث الصحيحة دون الموضوعة، فهذا أصل عظيم لأهل الإسلام عموماً ولمن يدعي السنة خصوصاً ].
المسائل التي نسبت إلى الشيخ الأنصاري كثيرة منها ما هو موافق لأصول أهل السنة، وإذا خالفها الإنسان لم يحكم عليه بأنه مبتدع؛ لأن المسألة وإن كان بعضها موافقاً لأصول أهل السنة إلا أن فيها ما يخالف، فلذلك إذا خالفها الإنسان لا يحكم عليه بأنه مبتدع، وذلك مثل أول نعمة أنعم الله بها على عبده ما هي، وهذا مبني على أن اللذة التي يعقبها ألم هل تسمى نعمة أم لا؟ فالواجب على المسلم أن يفرق بين الحديث الصحيح والحديث المكذوب، فإن السنة هي الحق، وهي الأحاديث الصحيحة، والباطل هو الأحاديث الموضوعة، فهذا أصل الإسلام عموماً، ولمن يدعي السنة خصوصاً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر