إسلام ويب

دروس في العقيدة [2]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • فطر الله الخلق على الاعتراف بربوبيته، والإقرار بكونه الخالق والرازق والمدبر والمتصرف، وهم بذلك مقرون، ولم يشذ عن ذلك إلا طوائف قليلة لفساد فطرهم وسقم عقولهم، كما أن القلوب تقر بتوحيد الأسماء والصفات إجمالاً، وقد جعل الله تعالى إقرار الخلق بربوبيته لهم حجة عليهم في توحيد الإلهية، وهو الغاية المطلوبة من خلق العباد.
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فإن موضوع أنواع التوحيد الثلاثة هو أول ما نطرقه، حيث إن الطحاوي رحمه الله بدأ رسالته بقوله: [ نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا إله غيره ].

    والتوحيد معناه في اللغة: الإفراد، فالله تعالى هو المتوحد بكمال الجلال والجمال، فهو الذي لا يشابهه غيره سبحانه وتعالى، والموحد هو الذي أفرد الله ووحده.

    والتوحيد عند أهل العلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي الأقسام المعروفة بتوحيد الربوبية وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأقسام الثلاثة دليلها الاستقراء والتتبع؛ فإن العلماء استقرءوا النصوص وتتبعوها، فوجدوا أن التوحيد ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الإلهية والعبادة.

    ولابد في الإيمان من توحيد الله تعالى بهذه الأنواع الثلاثة كلها، فمن لم يوحد الله بهذه الأنواع الثلاثة فليس بمؤمن، فلابد لصحة الإيمان من توحيد الله في ربوبيته، وتوحيد الله في إلهيته وعبادته، وتوحيد الله في أسمائه وصفاته، فمن وحد الله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه، وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وشهد أن محمداً رسول الله، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه لا نبي بعده، وصدق برسالته، والتزم وعمل بالشريعة، ولم يفعل ناقضاً من نواقض الإسلام؛ فهو المؤمن، وإن فعل شيئاً من المعاصي دون الشرك، ودون الناقض فلا يخرجه ذلك عن ملة الإسلام، لكنه إذا فعل كبيرة من كبائر الذنوب يكون ناقص الإيمان، ويكون فاسقاً، إلا إذا تاب، ومن تاب تاب الله عليه.

    فلابد للمؤمن من أن يعترف بوجود الله، وأن الله فوق العرش له ذات لا تشبه الذوات سبحانه وتعالى، ولابد من أن يعترف بأن الله هو الرب وغيره مربوب، وأن الله هو الخالق وغيره مخلوق، وأن الله هو المالك وغيره مملوك، وأن الله هو المدبر وغيره مدبَّر، وهذا يسمى توحيد الربوبية، وهو توحيد الله بأفعاله سبحانه وتعالى، ومن أفعاله: الخلق، والرزق، والإماتة والإحياء، وتدبير الأمور.

    إقرار المشركين بتوحيد الربوبية

    وتوحيد الربوبية نوع فطري، فطر الله عليه جميع الخلق، فكلهم مقرون بهذا التوحيد، حتى الكفرة، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وقال سبحانه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [العنكبوت:61]، وقال سبحانه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31]، وقال سبحانه: قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:84-89].

    إذاً: فالمشركون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من كفار مكة كانوا يقرون بهذا النوع من التوحيد، وكذلك سائر الأمم، فقوم نوح وقوم هود وقوم صالح كلهم كانوا يقرون بهذا النوع من التوحيد، ولكن توحيد الله في ربوبيته، والإقرار بهذا النوع من التوحيد لا يكفي في الإيمان، ولا يكفي في الدخول في الإسلام، فالمشركون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بهذا النوع من التوحيد، ومع ذلك كفرهم النبي صلى الله عليه وسلم وقاتلهم واستحل دماءهم وأموالهم؛ لأنهم لم يوحدوا الله في عبادته وإلهيته، نعم توحيد الله في ربوبيته حق، وهو أحد أنواع التوحيد ولابد منه، لكنه لا يكفي وحده، إذ لابد من أن يضم إليه الإنسان توحيد الله في عبادته وإلهيته وأسمائه وصفاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522728

    عدد مرات الحفظ

    777113125