إسلام ويب

دروس في العقيدة [3]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن علم أصول الدين هو أهم ما يحتاج العبد إلى معرفته، والضرورة إليه فوق كل ضرورة، وبه يعلم توحيد الله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وقد ضل في توحيد الأسماء والصفات أناس انحرفوا عن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم واعتاضوا عنه بزبالات الأذهان، فنفوا عن الله تعالى أسماءه وصفاته التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله، حتى وصل ببعضهم الحال إلى القول بحلول الله في المخلوقات واتحاده بها.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فإن الإمام الطحاوي رحمه الله افتتح رسالته بعلم أصول الدين بقوله: [ نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله ولا إله غيره ].

    وإن علم أصول الدين الحاجة إليه فوق كل حاجة، والضرورة إليه فوق كل ضرورة، وحاجة الإنسان إلى معرفة علم أصول الدين أشد من حاجته إلى الطعام والشراب، بل أشد من حاجته إلى الهواء وإلى النفس الذي يتردد بين جنبيه؛ لأنه إذا فقد الطعام والشراب وفقد الهواء مات الجسم، والموت لا بد منه، ولا يضر الإنسان أن يموت إذا كان مستقيماً على دين الله، لكن إذا فقد علم أصول الدين مات قلبه، وماتت روحه، وصار إلى النار والعياذ بالله، فلذلك كانت الضرورة إلى معرفة علم أصول الدين، وهو العلم بالله وأسمائه وصفاته واستحقاقه للعبادة، فالله تعالى عرف العباد بنفسه بأسمائه وصفاته وأفعاله، وعرفهم عظيم حقه سبحانه وتعالى.

    فالحاجة ماسة إلى معرفة علم أصول الدين أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب، بل أشد من حاجتهم إلى النفس الذي يتردد بين جنبي الواحد منهم؛ لأن من فقد علم أصول الدين ولم يعرف ربه، ولا أسماءه ولا صفاته، ولا أفعاله، ولا عظيم حقه؛ صار من الهالكين، وصار من أهل النار، وصار من الأموات وإن كان حياً يمشي بين الناس، قال تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122]، ولهذا سمى الله سبحانه وتعالى ما أنزله على نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام من الوحي روحاً؛ لتوقف الحياة الحقيقية عليه، وسماه نوراً لتوقف الاستنارة والاستضاءة عليه، قال تعالى: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ [غافر:15]، وقال سبحانه: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ [الشورى:52-53]، فسمى الله الوحي الذي أنزله على نبيه روحاً؛ لأن الحياة الحقيقية تتوقف على الوحي، وسماه نوراً؛ لأن الاستضاءة تتوقف عليه، فالكفرة الذين يمشون على الأرض -وإن كانوا أحياءً بأجسادهم- أموات في الحقيقة، وقلوبهم ميتة؛ لأنهم فقدوا الحياة الحقيقية، وسبب ذلك أنهم أعرضوا عن الوحي الذي هو كتاب الله وأعرضوا عن سنة رسول الله، وتركوا النظر والاستدلال الموصل إلى معرفة الله، فلما أعرضوا ضلوا، قال تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:123-126].

    والكلام على التوحيد وأنواع التوحيد كله داخل في هذا الأمر العظيم، وهو علم أصول الدين؛ لأن الله تعالى يعرفنا بنفسه بأسمائه وصفاته وأفعاله، وبعظيم حقه.

    ثم عرفنا بالأمر الثاني: وهو الأوامر والنواهي وعلم الحلال والحرام وعلم الفروض الذي أتت به الشريعة، ثم بعد ذلك يعرفنا سبحانه وتعالى بما يكون لنا إذا أقبلنا عليه، وما يحصل للإنسان إذا وصل إلى الله في الدار الآخرة من شئون المعاد، من البعث والنشور والحساب والجزاء والجنة والنار، وما أعد الله للمؤمنين من الكرامة والنعيم، وما أعد الله للكافرين من العذاب السرمدي المهين، وهذا هو الذي جاءت به الرسل، وهذه هي أقسام العلم النافع، فالكلام في توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات هو نفسه الكلام في علم الأصول، العلم الناتج عن معرفة هذه الأنواع الثلاثة التي عرفت بالاستقراء والتتبع بعلم أصول الدين، وهو الأمر الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه.

    أقسام التوحيد

    والتوحيد -كما سبق- قسمه العلماء إلى تلك الأقسام أخذاً من النصوص، حيث تتبعوا النصوص فوجدوا أن التوحيد ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة: الأول: توحيد الربوبية: وهو أن توحد الله بأفعاله سبحانه وتعالى، وأفعال الله: الخلق والرزق والإماتة والإحياء ونحو ذلك، فتوحد الله بها، وتعتقد أنه هو الخالق وهو الرازق وهو المدبر وهو المحيي وهو المميت وهو الرب.

    الثاني: توحيد الله بأسمائه وصفاته، والمعنى: أنك تثبت أسماء الله وصفاته له، وتعتقد أن الله سمى نفسه بهذه الأسماء ووصف نفسه بهذه الصفات، وأنها حق وأن أسماءه حسنى وصفاته عليا.

    والثالث: توحيد الألوهية والعبادة، وهو توحيد الله بأفعالك -أيها العبد- من الصلاة والصيام والزكاة والحج، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والدعاء، والذبح، والنذر، والاستعاذة، والاستغاثة، والخوف والرجاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، والإحسان إلى الناس، وكف الأذى، وترك المحرمات طاعة لله وخوفاً وخشية وتعظيماً له، وغير ذلك، فهذا هو توحيد العبادة، أن توحد الله فتفعل الأوامر، وتترك النواهي طاعة لله وخوفاً ورجاء وتعظيماً له عز وجل.

    وهذه الأنواع الثلاثة -وهي أنواع التوحيد- متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض، ولا يتم الإيمان ولا يصح إلا بالإيمان بهذه الأنواع الثلاثة كلها، وهي متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض، فتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية.

    ومعنى (يستلزم): يدل عليه ويوجبه ويقتضيه، فإذا وحد الإنسان ربه بأفعاله، واعتقد أنه هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت وجب عليه أن يعبده، كأن تعتقد -مثلاً- أنه هو الخالق، وهو الرازق، وهو المحيي، وهو المميت، وهو الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وهو الذي خلقك وأوجدك من العدم، وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، فبذلك وجب عليك أن تعبده ولزمك أن تخصه بالعبادة، وأن تقدم محبته على محبة كل شيء، على محبة نفسك وأولادك وأهلك، ولكن ليس كل واحد يلتزم بما لزمه، فكل من أقر بتوحيد الربوبية واعترف بتوحيد الربوبية لزمه أن يوحد الله في عبادته وألوهيته.

    وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، بمعنى أن من وحد الله وعبد الله ففي ضمن ذلك اعترافه بأنه هو الرب الخالق الرازق المدبر، ولولا اعتقاد أنه هو الخالق الرازق المدبر المحيي والمميت لما عبده وخصه بالعبادة، فلما عبده وخصه بالعبادة دل ذلك على أنه يعتقد أنه هو الرب الخالق الرازق المدبر الذي يملك النفع والضر.

    وكذلك توحيد الأسماء والصفات مستلزم لتوحيد الألوهية، وهذه هي الدلالات الثلاث المعروفة عند أهل العلم بدلالة الالتزام، ودلالة التضمن، ودلالة المطابقة.

    فدلالة الالتزام: دلالة الشيء على خارج معناه، كدلالة توحيد الربوبية على توحيد الألوهية، ودلالة الوالد على الولد، ودلالة التوبة على السعي.

    أما دلالة التضمن فهي دلالة الشيء على جزء معناه، لا على جميع معناه، فتوحيد الربوبية جزء من توحيد الإلوهية. ودلالة توحيد الألوهية على الألوهية تسمى دلالة مطابقة؛ لأن دلالة المطابقة دلالة الشيء على جميع معناه، فتوحيد الألوهية يدل على الألوهية بالمطابقة؛ لأنه دل على جميع معناه، ويدل على الربوبية بالتضمن، وقد سبق ذكر الطوائف التي أنكرت الربوبية وأنكرت الرب العظيم وأخلت بهذا النوع العظيم من أنواع التوحيد مع أنه أمر فطري فطر الله عليه جميع الخلق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088519869

    عدد مرات الحفظ

    777088142