إسلام ويب

شرح عمدة الفقه كتاب الطهارة [2]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تكلم الفقهاء عما يجوز استخدامه من الآنية وما لا يجوز، وعن حكم أجزاء الميتة كالشعر والعظم والجلد، وأحكام وآداب قضاء الحاجة.

    حكم استعمال آنية الذهب والفضة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الآنية.

    لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) ].

    لما ذكر حكم الماء الذي يتطهر به ذكر الآنية؛ لأن الماء في الغالب يكون في آنية، فعقد هذا الباب للآنية التي قد يتطهر بها، فقال رحمه الله: (لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة لا في طهارة ولا في غيرها)، فلا يجوز استعمالها للذكور ولا للإناث في أي نوع من أنواع الاستعمال كالكأس يشرب فيه الإنسان، أو إناء صغير يضعه في الماء يتوضأ به، أو طست يتوضأ به أو يغتسل به، أو ملعقة يأكل بها أو يشرب بها، أو مكحلة يكتحل بها الرجل أو المرأة، أو قلم يكتب به، فكل هذا حرام لا يجوز, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما؛ فإنها لهم -يعني: الكفرة- في الدنيا ولكم في الآخرة)، وفيه بيان العلة والحكمة أن أواني الذهب والفضة للمؤمنين في الجنة، وأما الكفرة فإنهم لا يرعون للإسلام حرمة ولا يبالون، فهم يستعملونها في الدنيا، فلا يجوز للمسلم أن يشابههم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)، وهذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يشرب في كأس ولا في ملعقة ولا في غيرها، إلا حلي الذهب والفضة، فالمرأة تتحلى بما شاءت؛ لأنها محل الزينة والجمال، فتتجمل بها لزوجها، وتتحلى بالذهب والفضة في رقبتها أو في أذنها أو في ساعدها أو في أصابعها، أو في نحرها وصدرها، أو في رجليها كالخلخال سابقاً، فكانت النساء تلبس الخلخال من الذهب والفضة، فكل هذا لا بأس به للمرأة, فتلبس المرأة ساعة الذهب؛ لأنه من الجمال، وأما الرجل فلا يلبس ساعة الذهب ولا يموهها بالذهب، إلا خاتم الفضة، فإنه يتختم بالفضة كما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتم الفضة، وثبت أنهم كانوا في أول الإسلام يتختمون بالذهب، ثم نزع النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه فنزع الناس خواتيمهم, فقضت الشريعة على أنه لا يجوز للإنسان الذكر أن يلبس خاتم الذهب، ويجوز لبس خاتم الفضة كما ثبت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتماً من فضة مكتوب فيه: محمد رسول الله).

    وثبت: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده خاتم من ذهب فقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده) فأخذها النبي وألقاها، فقيل للرجل بعدما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم: خذه تنتفع به، فقال: لا والله لا آخذه وقد رماه رسول صلى الله عليه وسلم.

    حكم استعمال المضبب بالذهب والفضة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وحكم المضبب بهما حكمهما إلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة ].

    الضبة: هي القطعة من الذهب أو الفضة تكون في مكان الكف في الإناء، فإذا كان الإناء مكسوراً وضع في الكف قطعة من الذهب أو الفضة، وهذه لا تجوز إلا إذا كانت الضبة يسيرة، وتكون من فضة؛ لأن الفضة يتسامح فيها ما لا يتسامح في الذهب، فإذا كان كسراً يسيراً فيجعل فيه ضبة من فضة، أما إذا كان الكسر كبيراً فلا يجوز ولو كان من فضة، أو وضع في الضبة شيء من ذهب ولو يسير فإنه لا يجوز مطلقاً، وأما الفضة فإنه يجوز إذا كانت الضبة يسيرة؛ لما ثبت: (أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة) فالفضة يتسامح فيها ما لا يتسامح في غيرها، وأما المموه بالذهب أو الفضة فهذا لا يجوز، أو ساعة مموهة بالذهب للرجل فهذا ممنوع.

    حكم استعمال سائر الآنية الطاهرة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة واتخاذها ].

    ويجوز استعمال سائر الأواني الطاهرة واتخاذها، سواء كانت هذه الأواني من نحاس أو من حديد أو من زجاج أو رصاص أو خشب أو حجر أو غيرها، إلا الذهب والفضة فإنه لا يجوز استعمالهما، وما عداه فإنه يجوز استعماله من أي نوع كان.

    وأما إذا كانت من الماس أو من غيره من الجواهر فهذه لا ينبغي للإنسان أن يستعملها؛ لأن فيها نوعاً من الإسراف، وينبغي للإنسان أن يستفيد من الأموال الثمينة ولا تستعمل في الأواني اليسيرة.

    والمقصود: أن الذهب والفضة هما اللذان يحرم استعمالهما في الأواني، وأما ما عداهما فإنه يجوز سواء كان آنية من رصاص أو نحاس أو حديد أو زجاج أو خشب أو حجر أو حصى أو طين، فكل هذا لا بأس به.

    وأما حكمه حرمة استعمال الذهب والفضة فقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) فهذه علة، ثم فيها كسر لقلوب الفقراء، وكونها من أثمان الناس، وكونها أيضاً خاصة بالمؤمنين في الجنة، قال: (فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة).

    وظاهر الحديث أنه خاص بالذهب والفضة، وأما الماس وغيره فهذا يأتي من جهة الإسراف، وإذا كانت أغلى من الذهب والفضة فقد يقال: إنها أولى بالمنع، وإذا قيل: إن العلة الثمنية فتكون من باب الإسراف فلا ينبغي للإنسان أن يستعمل الشيء الغالي المرتفع الثمن في هذه الأمور، والله تعالى يقول: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31] فيعد إسرافاً, وفي الحديث: (كل واشرب والبس في غير سرف ولا مخيلة) وهذا داخل فيه لبس الساعة والخاتم كذلك فلا يكون فيه سرف ولا مخيلة.

    وأما اتخاذ الكأس من الذهب أو الملعقة للزينة فقط فلا ينبغي؛ لأنها وسيلة للاستعمال، فينبغي أن يكسرها، وأما أن يبقيه عنده مثل كأس الذهب فيضعه في المجلس أمام الناس فهذا وسيلة لاستعماله، وقد ثبت: أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه طلب ماءً، فجاء له مجوسي بإناء من ذهب أو فضة، فرماه به فقال: لولا أنه فعله غير مرة لما فعلت ذلك. ويحتمل أنه أبقاه لأسباب، وهذا ثبت في صحيح البخاري، والمقصود أنه ينبغي أن يكسر ولا يبقى؛ لأن إبقاءه كإناء وسيلة للاستعمال، فإذا وجد عنده قلم من ذهب فهو وسيلة للاستعمال ولو لم يستعمله، والمكحلة من الذهب كذلك إبقاؤها وسيلة للاستعمال، حتى وإن كان للنساء؛ لأنها يمكنها أن تستعمل ذلك بغير الذهب والفضة، وليس هذا من التحلي.

    حكم استعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة، واتخاذها، واستعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستها ].

    يجوز استعمال أواني أهل الكتاب ما لم تعلم نجاستها؛ لأنه ثبت أن الصحابة كانوا يستعملونها، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أواني أهل الكتاب، فأمرهم باستعمالها إلا أن يروا فيها نجاسة، فإنها تغسل إذا علم أن فيها نجاسة، أما إذا لم يعلم فالأصل الطهارة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة شامية، والصحابة استعملوا أوانيهم وثيابهم ولم يغسلوها، فتستعمل إلا إذا علم أن فيها نجاسة، وغلب على ظنه أنهم يطبخون فيها الخنزير أو يشربون فيها الخمر فهذه تغسل، أما إذا لم يعلم أو غلب على ظنه أنه ليس فيه شيء فهي طاهرة ويجوز استعمالها.

    فالأصل الطهارة، وإن غسلها من باب الاحتياط والنظافة فلا بأس، والعمل على هذا الآن، فجميع الذي يستورد من الكفرة الآن يستعمله المسلمون من الأواني والثياب وغيرها، فكل هذه ترد من الكفرة.

    حكم صوف الميتة وشعرها

    قال المؤلف رحمه الله: [ وصوف الميتة وشعرها طاهر ].

    الصوف للغنم، والشعر للمعز وغيره، والوبر للإبل، والريش للطيور، فكل هذه طاهرة؛ لأنها لا تحلها الحياة، فإذا أخذت من الميتة فلا بأس.

    حكم جلد الميتة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكل جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجس، وكذلك عظامها ].

    وهذا القول ضعيف، والصواب أن جلد الميتة مأكولة اللحم إذا دبغ فقد طهر؛ لما ثبت في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما إهاب دبغ فقد طهر)، ولما ماتت شاة لـأم سلمة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلا أخذتم إهابها؟! قالوا: يا رسول الله! إنها ميتة، قال: يطهرها الماء والقرظ)، وفي لفظ: (هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟!)، وجاء أيضاً ما يدل على أن بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم دبغوا جلد ميتة فاستعملوه حتى تخرق، والصواب: أن جلد الميتة مأكولة اللحم إذا دبغ فقد طهر، قال صلى الله عليه وسلم: (هلا أخذتموه فانتفعتم به؟ قالوا: يا رسول الله! إنها ميتة، قال: يطهرها الدباغ والقرظ) لأن الدباغ بمثابة التذكية، ومأكول اللحم إذا ذكي فقد طهر، وإذا مات مأكول اللحم وأخذ الجلد ودبغ فالدباغ بمثابة التذكية، وفي اللفظ الآخر: (دباغها طهورها).

    وأما غير مأكول اللحم كالسباع وجلد الذئب أو جلد النمر أو جلد الحية، فبعض الحيات يؤخذ جلدها ويدبغ ويجعل منه حذاء ونعال، وقد رأيت بعض الإخوان معه نعال لها نقوش، فسألته فقال: إنها من جلد الحية، فإذا دبغ هل يطهر أو لا يطهر؟ فيه خلاف بين أهل العلم, فمن العلماء من قال: إنه يطهر أيضاً حتى جلد غير مأكول اللحم، وهو قول قوي، وأظنه اختيار الإمام البخاري رحمه الله.

    والقول الثاني: أن هذا خاص بمأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم والضبع، فمأكول للحم إذا مات وسلخ جلده ودبغ فإنه يطهره؛ لأن الدباغ بمثابة التذكية، فكما أن الذكاة تحله فكذلك الدباغ يطهر جلده، وأما غير مأكول اللحم فلا، كالأسد والنمر والذئب، فلو ذبحته ما تحله وكذلك جلده، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والقول بأنها تطهر قول قوي له وجاهته، لكن المشهور عند العلماء أن هذا خاص بمأكول اللحم.

    والمذهب أن جلد الميتة إذا دبغ يستعمل في اليابسات دون المائعات، والصواب أنه يطهر، ويستعمل في اليابسات والمائعات، وهنا على هذه الرواية ذهب إلى أنه لا يطهر، وهو قول ضعيف.

    وأما العظام ففيها خلاف أيضاً, فمن قال إنها تحلها الحياة قال بنجاسته، ومن قال: إنها لا تحلها الحياة قال بطهارته، والأقرب أنها لا تحلها الحياة، ومن ذلك ناب الفيل فإن له ثمناً مرتفعاً، فبعضهم استثنى ناب الفيل؛ لأن الفيل نجس، وأنيابه من العظام، والحكم واحد في كل ما هو غير مأكول اللحم.

    نجاسة الميتة إلا الآدمي

    قال المؤلف رحمه الله: [ وكل ميتة نجسة إلا الآدمي ].

    كل ميتة إذا ماتت فهي نجسة: الإبل والبقر والغنم، إلا الآدمي فهو طاهر حياً وميتاً، وثبت: أن أبا هريرة لقي النبي صلى الله عليه وسلم فانخنس منه، فلما جاء سأله فقال: إني كنت أجنبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس)، فالمؤمن طاهر حياً وميتاً، وأما الميتات الأخرى فإنها تنجس بالموت، وكل ما لا نفس له سائلة فهو طاهر.

    وهنا مسألة: ما حكم تحنيط الميتة؟

    تحنيط الميتة لا يحلها ولا يطهرها، ولا ينبغي إبقاؤها؛ لأنه وسيلة إلى التصوير؛ ولأن بعض الناس قد يظن أنها صورة.

    وأما الكافر فهو طاهر، فلو مس يدك فلا تغسلها، ولعابه ليس بنجس، وقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28] أي: نجاسة الشرك.

    حكم ميتة حيوان الماء

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكل ميتة نجسة إلا الآدمي، وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه ].

    حيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه طاهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، ولحديث: (أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالطحال والكبد) فكل ما يعيش في الماء فهو طاهر، قال تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة:96] فكل ما يعيش في البحر يكون طاهراً حياً وميتاً، وحلالاً، واستثنى بعض العلماء ما كان له مماثل في البر وهو يحرم كالحيات والعقارب، فحيات الماء وعقارب الماء وكلب الماء وخنزير الماء كلها نجسة، وقال آخرون: لا يستثنى شيء من ذلك حتى إنسان الماء؛ فكل ما كان في البحر فهو طاهر، وهذا قول قوي يدل عليه عموم الحديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، وعموم قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ، وأما الذي يعيش في البر وفي البحر -برمائي- كالضفدع وغيره فهذا يغلب عليه جانب البر.

    حكم ميتة ما لا نفس له سائلة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، وما لا نفس له سائله إذا لم يكن متولداً من النجاسات ].

    وما لا نفس له سائلة فهو طاهر، إلا إذا كان متولداً من النجسات، والمراد بالنفس: الحشرة التي ليس لها دم مثل: الذباب والبراغيث والصراصير.. وغيرها، وكلها طاهرة إلا إذا كانت متولدة من النجاسات, كالصراصير فإنها تكون في الحمام، وهي متولدة من النجاسة، فهذه نجسة، وأما الصراصير التي ليست من الحمامات فإنها والحشرات الأخرى التي ليست من النجاسات طاهرة، كل شيء ما لا نفس له سائلة، كالبراغث والبعوض والذباب والصراصير.. وغيرها، كل هذه طاهرة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534348

    عدد مرات الحفظ

    777182927