وهي على خمسة أضرب أحدها السنن الرواتب: وهي التي قال ابن عمر رضي الله عنه: (عشر ركعات حفظتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الفجر، حدثتني
وهذه السنن الرواتب من صلاة التطوع، وسميت السنن الرواتب لأن الإنسان يرتبها ويستمر عليها، فينبغي للإنسان أن يحافظ عليها فهي مكملة للفرائض.
وكما في حديث ابن عمر أنها عشر ركعات، وجاء في حديث أم حبيبة أنها اثنتا عشرة ركعة: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، والحديث: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حافظ على اثنتي عشرة ركعة في كل يوم وليلة بنى الله له بيتاً في الجنة)، والزيادة في حديث أم حبيبة صحيحة وثابتة، وتكون أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر.
وإذا صلى أربع ركعات بعد الظهر فهو أفضل، فيزيد أيضاً ركعتين؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى أربع ركعات قبل الظهر وأربعاً بعدها حرمه الله على النار) وليست من الرواتب، لكن إذا زاد ركعتين فيكون أفضل.
وكذلك يشرع أن يصلي أربع ركعات قبل العصر لما جاء في الحديث: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً).
وكذلك يسن أن يصلي ركعتين بعد كل أذان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة! بين كل أذانين صلاة!).
والسنن الرواتب تقضى إذا فاتت مادام الوقت باقياً، فإذا فاتت السنة القبلية بعد الظهر يصليها بعد الظهر إلى دخول وقت العصر، وسنة المغرب إلى مغيب الشمس، وسنة العشاء إلى نصف الليل، وسنة الفجر جاء ما يدل على أنها تصلى قبل الفجر مباشرة وتصلى أيضاً بعد طلوع الشمس، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي بعد الفجر فقال: (آصبح أربعاً؟) فذكر أنه لم يصل ركعتين قبل الفجر؛ فسكت.
وجاء ما يدل على أن النبي صلى بعد الشمس، فإذا كان الإنسان يتشاغل عنها يصليها بعد الفجر مباشرة، وإن أخرها إلى بعد طلوع الشمس فلا حرج، فهذا كله جائز.
وإذا صلى سنة الظهر الأربع بسلام واحد فكثير من الفقهاء يرى أنه لا حرج، ولكن الأفضل أن يسلم لكل ركعتين، أما صلاة الليل فلا يجوز صلاة أربع مرة واحدة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) وهذا خبر بمعنى الأمر.
أما صلاة النهار فقد جاء في رواية النسائي : (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، وبعض العلماء قالوا: في كلمة: (والنهار) إنها غير ثابتة، فعلى هذا لا بأس أن يصلي أربعاً، لكن الأفضل أن يسلم لكل ركعتين، نرى الآن الأحناف وبعض العمال الباكستانيين يصلون أربع ركعات بسلام واحد، وترك هذا أولى.
وأورد المؤلف رحمه الله تعالى نقلاً عن ابن عمر أنه قال: [ حدثتني حفصة : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين) وهما آكدهما، ويستحب تخفيفهما، وفعلهما في البيت أفضل، وكذلك ركعتا المغرب ].
ركعتا الفجر آكد السنن الرواتب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).
وجاء في حديث وفيه ضعف: (لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل).
وركعتا الفجر صلاتهما في البيت أفضل إذا تيسر، وكان النبي يصليهما في بيته، وكان إذا أذن المؤذن وطلع الصبح جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فركع -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- ركعتين ثم اضطجع على شقه الأيمن، ثم يخرج يصلي بالناس، فالأفضل إن تيسر صلاتهما في البيت، وإن لم يتيسر صلاهما في المسجد، وإذا صلاهما في البيت ثم جاء إلى المسجد وما أقيمت الصلاة فيصلي تحية المسجد، وكذلك سنة المغرب يصليها في بيته، بل الأفضل صلاة جميع السنن الرواتب في البيت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، فهذا هو الأفضل إن تيسر ولاسيما ركعتي الفجر وركعتي المغرب.
وسنة قبل المغرب ثابتة؛ لما في صحيح البخاري: أن الصحابة كان يبتدرون السواري بعد أذان المغرب فيصلون ركعتين.
ولقوله صلى الله عليه وسلم : (صلوا قبل المغرب! صلوا قبل المغرب! صلوا قبل المغرب! ثم قال في الثالثة: لمن شاء) وقوله: (لمن شاء) كراهية أن يتخذها الناس سنة واجبة، ولو لم يقل: (لمن شاء) لصارت واجبة، فدل على أنها مستحبة.
وهذا يدل على أن وقت المغرب واسع، وما يزعمه بعض الناس من أن وقت المغرب قصير لا يتسع إلا لثلاث ركعات ليس بصحيح، بل قد ثبت أن وقت المغرب إلى مغيب الشفق، أي: ما يقارب ساعة إلى ساعة وثلث.
والمقصود: أنه واسع، وما يفعله بعض الناس من كونهم يبادرون إلى الصلاة، ولا يتمكن بعضهم من الوضوء الكامل فهذا خلاف الأولى، حتى أصبح الناس يقفون عند المؤذن، فبمجرد ما ينتهي المؤذن من الأذان يؤمر بإقامة الصلاة، وهذا غلط مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا قبل المغرب) والصحابة كانوا يبتدرون السواري، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينكر عليهم وإن كان يبكر بالمغرب أكثر من غيرها، لكن ما كان يبادر هذه المبادرة الشديدة.
وفي الحديث الآخر: (وبين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والمتوضئ من وضوئه) فينبغي مراعاة ذلك.
أما في السفر فتسقط السنن الرواتب كراتبة الظهر والمغرب والعشاء إلا ركعتي الفجر؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتركها حضراً ولا سفراً.
والمسافر ليس عليه جمعة يصليها ركعتين، وإذا أتم الصلاة وأراد أن يسافر فلا بأس؛ لأن ابن عمر يقول: لو كنت متنفلاً أو مسبحاً لأتممت، فإذا أتم الصلاة مع الناس لا بأس.
الوتر مستحب، وسنة مؤكدة؛ لحديث: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، الوتر ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر).
والوتر أقله ركعة، ووقته بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وإذا جمع بين الصلاتين -أي: المغرب والعشاء- جمع تقديم دخل وقت الوتر، وكما قلنا: أقله ركعة واحدة، يقرأ فيها الفاتحة وقل هو الله أحد، وإن أحب أن يقنت رفع يديه وقنت بعد الركوع، وإلا فالوتر يحصل ولو لم يقنت.
والقنوت مستحب وأقله ركعة، وأفضل الصلاة ثلاث ركعات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الغالب اثنتا عشرة ركعة كما في حديث عائشة : (ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) يعني: في الغالب، وثبت من حديث ابن عباس أنه أوتر بثلاث عشرة ركعة.
وثبت أيضاً في صحيح البخاري: أنه كان يوتر في بعض الأحيان بسبع وأحياناً بتسع، لكن الغالب أنه يوتر بإحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة، يسلم لكل ركعتين، هذا هو الأفضل، وإن أوتر بثلاث وسردها بسلام واحد فلا بأس، وكذلك إذا أوتر بخمس يسردها ولا يجلس إلا في آخرها، وكذلك له أن يسرد السبع الركعات، لكن يجلس في السادسة ويتشهد ثم يقوم ثم يأتي بالسابعة، وهو مخير في ذلك كله.
أما إذا أوتر بتسع ركعات فلابد أن يجلس في الثامنة ويتشهد، ثم يقوم ويأتي بالتاسعة ويتشهد، أما اثنتا عشرة ركعة فلم يرد، أي: أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك، لكن ذكر صاحب الروض المربع وغيره أنه له أن يسرد إحدى عشرة ركعة، ويجلس في العاشرة ويتشهد ثم يقوم ويأتي بالحادية عشرة.
وهذا في صلاة الليل إذا كان الإنسان يصلي وحده، أما إذا كان يصلي بالناس فلا يفعل هذا؛ لأن فيه مشقة على الناس، لكن إذا سرد ثلاث ركعات فلا بأس.
المقصود: أن يصلي ثلاث ركعات غير سنة العشاء، فسنة العشاء راتبة، فيصلي ركعتين أو أربع، فلو صلى أربعاً بعد العشاء فلا بأس، ثم يصلي الوتر ركعة أو ثلاث ركعات غير سنة العشاء، وسنة العشاء هذه راتبة.
ومحل القنوت في الوتر بعد الركوع، وأما قبله فقد جاء في حديث أنس، وفعله بعض الأئمة أي: قنت قبل الركوع، وقال: إنما قنت لأبين للناس أنه جائز.
والأولى أن يكون بعد الركوع، وجاء في بعض حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع، لكن هذا قليل، والأحاديث الكثيرة وردت أنه قنت بعد الركوع، وهي السنة.
وإذا صلى الوتر ثلاث ركعات فلابد أن يسردها ولا يجلس إلا في آخرها، ولا يشبهها بالمغرب، والتشهد مرة واحدة.
والقنوت لا يداوم عليه، إنما الوتر هو الذي يستحب المداومة عليه.
وإذا فاته الوتر يقضيه، (فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة).
وإذا نام عن الوتر أو ما استطاع يقضيه من النهار في الضحى، لكن يشفعه بركعة، فإذا كان يوتر بخمس يصلي في الضحى ست ركعات، ويسلم لكل ركعتين، وإذا كان يوتر بتسع يصلي في الضحى عشر ركعات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بإحدى عشرة ركعة، فإذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة يداوم عليها.
والسنة المداومة على الوتر، لكنه ليس بواجب، واستدل الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه على أن الوتر ليس بواجب بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها على الراحلة، فقال: ولو كان واجباً لنزل وصلى في الأرض؛ لأنه في الفريضة ما كان يصلي على الراحلة، وإنما كان يقف ويصلي على الأرض، أما النافلة فكان يصلي على راحلته حيث تتجه به، وكذلك الوتر كان يصليها على الراحلة، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الوتر على الراحلة فيه دليل على أنه ليس بواجب.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن الوتر واجب، واحتج عليه البخاري بما تقدم آنفاً.
أما القنوت فمستحب ولا ينبغي المداومة عليه، وإنما يفعله في بعض الأحيان ويتركه في أخر، والسلف ما كانوا يداومون عليه، وقد جاء ما يدل على أن القنوت في رمضان يكون في النصف الأخير منه، وهذا رأي بعض العلماء. والمقصود: أن القنوت ما يداوم عليه، لكن صلاة الوتر هي السنة المداوم عليها.
مسألة: إذا أوتر في أول الليل، ثم يسر الله أن يقوم آخره فإنه يصلي ركعتين ركعتين ولا يزيد، كذلك إذا أوتر مع الإمام في رمضان ثم يسر الله له القيام في آخر الليل يصلي ما تيسر ولا يحتاج أن يوتر مرة ثانية؛ لقول النبي: (لا وتران في ليلة)، قال بعض العلماء: إنه يصلي ركعة وينوي بها أن يشفع الوتر في أول الليل، ثم يصلي ما تيسر، ثم يوتر من آخر الليل، هذا قول لكنه قول ضعيف؛ لأن معناه أنه نقض وتره السابق، وأوتر ثلاث مرات.
والصواب: أنه لا حرج من الصلاة بعده، والأفضل أن يكون -أي: الوتر- آخر الليل، لكن لو لم يوتر آخره فلا حرج من الصلاة بعده، والدليل على هذا ثابت في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الوتر، ثم صلى بعده ركعتين)، فدل هذا على أن الصلاة بعد الوتر ليست حراماً.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) فهذا الأمر للاستحباب وليس للوجوب، فإذا أوتر أول الليل ثم قام آخره فإنه يصلي والحمد لله، ويكتفي بوتره السابق ولا يوتر مرة ثانية.
وأما الصلاة على الراحلة فهذا في السفر، أي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي السنن النوافل على الراحلة في السفر لا في الحضر، وجاء في سنن أبي داود أنه كان يستقبل القبلة، فإذا استقبلهما فحسن، والأحاديث الأخرى ليس فيها ما يدل على أنه يستقبل القبلة، فإذا استقبلها عند تكبيرة الإحرام ثم يصلي إلى حيث تكون جهته فلا بأس.
قوله: وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، هذا الأفضل، وإلا فليس له حد، فلو صلى مائة ركعة يصلي ركعة في آخر صلاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل واحدة توتر له ما قد صلى) أو كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا ثابت، لكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل، وهو ما قال: لا تصلوا أكثر من اثنتي عشرة ركعة، بل قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدة).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين ].
أدنى الكمال ثلاث بتسليمتين أو بتسليمة واحدة، أي: يسردها سرداً دون تشهد أول، هذا أدنى الكمال، وأدنى السنية ركعة واحدة، فإذا صلى ركعة واحدة أدى السنية، لكن أدنى الكمال ثلاث ركعات بسلامين أو بسلام واحد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويقنت في الثالثة بعد الركوع ].
وهذا للاستحباب في بعض الأحيان.
وأما حديث: (من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها) فهذا في الفريضة، أما الوتر فليس بفريضة.
التطوع المطلق: هو الذي لم يقيد بوقت، فهذا يسمى التطوع المطلق، وما قيد بوقت فمثل الوتر حيث قيد بالليل، وكذا السنن الرواتب تطوع مقيد.
والتطوع المطلق أن يصلي ما شاء في الليل أو في النهار، بعد المغرب أو بعد الظهر، وكذا سنة الوضوء من التطوع المطلق، وتحية المسجد من التطوع المطلق الذي لم يقيد بوقت.
وقوله: (وتطوع الليل أفضل من النهار). فإن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والنصف الأخير أفضل من الأول ].
لأن الثلث الأخير فيه التنزل الإلهي؛ لما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) فالأفضل النصف الأخير من الليل.
وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصلاة صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأفضل الصيام صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان لا يفر إذا لاقى) عليه الصلاة والسلام، لقد آتاه الملك والحكمة والنبوة عليه الصلاة والسلام فكان يقضي بين الناس عليه الصلاة والسلام، وكان ينام النصف الأول من الليل ثم يقوم الثلث، يعني: يقوم السدس الرابع والسدس الخامس، ثم ينام السدس السادس ليتقوى به على أعمال النهار؛ لأنه كان حاكماً يقضي بين الناس قال تعالى: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ [ص:26].
والنبي عليه الصلاة والسلام كان ينام نصف الليل الأول، ثم يقوم ثلث الليل الأول، يعني: السدس الرابع والخامس، ثم ينام السدس السادس فيتقوى به على العبادة، ونحن الآن نصف الليل الأول وثلثي الليل لا ننام، فإذا جاء وقت النزول الإلهي نمنا والله المستعان.
تقول عائشة في وصف قيام النبي صلى الله عليه وسلم: (من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى وتره إلى السحر).
ولما سئلت: متى يقوم النبي؟ قالت: حين يصيح الصائح وهو الديك، وهذا في ثلث الليل، وقالت عائشة رضي الله عنها: (من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهى وتره إلى السحر)، فثلث الليل أفضل من الثلث الأخير.
وفي الحديث الآخر: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل؟ فقال: جوف الليل أفضل)، فالسدس الرابع والخامس أفضل وهو ثلث الليل، والسدس الرابع داخل في صلاة داود.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وصلاة الليل مثنى مثنى ].
وهذه هي السنة، أي: صلاة الليل مثنى مثنى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث ابن عمر : (صلاة الليل مثنى مثنى) رواه البخاري في صحيحه.
ومعنى (مثنى مثنى)، أي: ثنتين ثنتين، وهذا خبر لكن معناه الأمر، والمعنى: لتكن صلاة الليل مثنى مثنى، أما صلاة النهار ففيها الخلاف، والجمهور يرون أنه لا بأس؛ لحديث: (صلاة الليل والنهار مثنى..) وكلمة (والنهار) طعن فيها بعض العلماء كـالنسائي وغيره، ولهذا قالوا: لا بأس بصلاة النهار أربع ركعات، ولكن الأفضل أن يسلم من كل ركعتين حتى في النهار، أما الليل فلا يجوز أن يصلي أربع ركعات شفعاً أو ست ركعات بسلام واحد، إلا إذا نوى الوتر فيصلي ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ].
أي: يجوز للإنسان أن يصلي قاعداً وهو يقدر على القيام في النافلة، فلو أردت أن تصلي مثلاً الضحى وأنت جالس فلا بأس، أو تصلي الليل وأنت جالس، أو تصلي سنة الظهر القبلية أو البعدية وأنت جالس فلا بأس، لكن لك نصف أجر القائم، بخلاف المريض، أي: إذا كان الإنسان مريضاً لا يستطيع القيام فله أجر القائم؛ لحديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد وسافر كتب الله له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً).
أما إذا كان صحيحاً فأحب أن يصلي جالساً فله ذلك، ولكن ليس له من الأجر إلا النصف، وهذا في غير النوافل، أما في الفريضة فلا يجوز أن يصلي جالساً وهو يستطيع.
فالسنة الراتبة يجوز أن تصليها وأنت جالس، وكذا صلاة الضحى والوتر وتحية المسجد وسنة الوضوء وصلاة الليل، لكن إن كنت قادراً فليس لك إلا نصف أجر القائم، وإن كان الإنسان لا يستطيع القيام لكبر أو مرض فأجره تام.
أما في الجنازة فلا ينبغي للإنسان أن يصليها جالساً؛ لأن وقته قصير، -أي: القيام- فلابد منه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قائماً، فلما كبر وضعف في آخر حياته كان يصلي جالساً، قالت عائشة رضي الله عنها: (لما ثقل وكبر كان يصلي صلاة الليل جالساً)، وكان يقرأ قراءة طويلة فإذا بقي عليه ثلاثون آية قام وقرأها ثم ركع، كما قال حذيفة : أنه صلى معه مرة وقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة واحدة.
قال عبد الله بن مسعود وهو شاب: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأطال القراءة حتى هممت بأمر سوء). قيل له: وما هممت يا عبد الله بن مسعود ؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه، يعني: ما استطاع طول قيامه عليه الصلاة والسلام وهو شاب، والنبي في الستين من عمره عليه الصلاة والسلام.
قالت عائشة رضي الله عنها: (وكان ركوعه قريباً من قيامه، وسجوده قريباً من قيامه)، فكان في آخر حياته يصلي وهو جالس ويقرأ قراءة طويلة، فإذا بقي عليه ثلاثون آية قام فقرأها ثم ركع عليه الصلاة والسلام.
أما الصلاة على الدابة أو السيارة فهذا في السفر خاصة وليس في الحضر، ثم إن قائد السيارة لا يصلي النافلة؛ لأنه في خطر، فالسائق لا ينبغي له أن يصلي على السيارة لأنه ليس كركوب الدابة.
أحدها: التراويح وهي عشرون ركعة، بعد العشاء في رمضان ].
قوله: عشرون ركعة، صلاها الصحابة رضي الله عنهم، وصلوا أيضاً إحدى عشرة ركعة، وثلاث عشرة ركعة، وليس لها عدد محدد، وكلام المؤلف يوهم أنه لا يزاد على عشرين ركعة، وبعض السلف كان يصليها أربعين ركعة، والصحابة صلوا عشرين ركعة، فليس لها عدد محدد.
إذا كسفت الشمس وخسف القمر يشرع للمسلمين أن يصلوا صلاة مستحبة، بل يتأكد في حقهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فافزعوا إلى الصلاة)، وظاهر الأمر الوجوب، فرادى أو جماعة، رجالاً ونساء.
وينادى لها: الصلاة جامعة! الصلاة جامعة!
وهل يعمل بالجرائد والصحف والإعلانات اليوم؟
الجرائد لا يعمل بها؛ لأنه قال: (فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة) فالمراد إذا رأيتها بالعين المجردة، ولا تتكلف كما يفعل بعض الناس اليوم، فيأتي بزجاجة وينظر إلى الشمس، لا داعي لهذا، بل إذا رأيت الخسوف أو الكسوف بعينك فإنك تصلي، ولابد أن ترى بعينك، أما مسألة الإعلان فهذا قد يحصل وقد لا يحصل؛ لأنهم الآن يدركون هذا بالحساب، لكن قد يخطئ الحاسب، فهي مثل أخبار بني إسرائيل لا تصدق ولا تكذب؛ لأنهم أحياناً يخبرون فيقولون: تكسف الشمس ولا يحصل كسوف وأحياناً يحصل، فهم يخطئون في الحساب، كما قال شيخ الإسلام وابن القيم : فإذا كان الحاسب جيداً أدركه، وإذا كان الحاسب غير جيد فقد يخطئ.
المقصود: أن كلام الجرائد ما عليه العمل، إنما ينظر الإنسان بعينه إلى الشمس والقمر، فإذا رآها كسفت صلى، والرؤيا تكون بالعين المجردة بدون تكلف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإذا ما كسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة إن أحبوا جماعة، وإن أحبوا أفراداً، فيكبر ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع فيقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون التي قبلها، ثم يركع فيطيل دون الذي قبله، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يقوم فيفعل مثل ذلك فتكون أربع ركعات وأربع سجدات ].
هذه صلاة الكسوف، تصلى أربعة ركوعات وأربع سجدات في ركعتين، ففيها زيادة ركوع عن الصلاة المعروفة، فيكبر ثم يقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورة طويلة، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع ويقرأ الفاتحة مرة أخرى، ثم يقرأ سورة طويلة إلا أنها دون القراءة الأولى، ثم يركع ركوعاً طويلاً، وهذا الركوع الثاني لكنه دون الركوع الأول، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم للثانية ويقرأ الفاتحة وسورة إلا أنها دون القراءة التي قبلها، ثم يركع ركوعاً دون الركوع الذي قبله، ثم يرفع رأسه ويقرأ الفاتحة وسورة إلا أن القراءة دون القراءة التي قبلها، ثم يركع ركوعاً دون الركوع الذي قبله، فتكون أربع ركعات في أربع سجدات، فهذا هو الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم في الأحاديث الصحيحة.
وجاء أيضاً في صحيح مسلم في صفة صلاة الكسوف أنه ركع في كل ركعة ثلاثة ركوعات.
وجاء في حديث آخر أربعة ركوعات في كل ركعة، فيكون قد ركع ثمان مرات.
وجاء في حديث آخر خمسة ركوعات، ومن العلماء من قال: إنها ثابتة، وإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في المدينة عشر سنوات.
والمعروف عند العلماء أنه ما كسفت الشمس إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم عليه السلام، ولهذا ذهب الجمهور إلى أن ما عدا صلاة ركعتين في كل ركعة ركوعان يكون حكمه شاذاً.
وقال آخرون من أهل العلم: يمكن هذا وليس ببعيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام مدة طويلة عشر سنوات، فيحمل على أنه تكرر الكسوف مرات، وأنه صلى مرة في كل ركعة ثلاثة ركوعات، وفي كل ركعة ركوعين، وفي مرة أربعة ركوعات، وفي مرة خمسة ركوعات.
لكن المعروف عند الجمهور أن ما زاد على ركوعين فهو شاذ؛ لأن هذا هو الذي اتفق عليه الشيخان وقالوا: إن الشمس لم تكسف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم عليه الصلاة السلام.
وهل يصلى الكسوف إذا كسف القمر ولو بعد الفجر؟
من العلماء من قال: إنه من بعد الفجر يزول سلطان القمر، فلا يصلى إلا إذا كان الكسوف مبكراً، وقال بعض أهل العلم: إنه قد يصليها قبل الفجر، أو أنه يبكر بالفجر ويصليها بعدها، أما إذا كان متأخراً فلا، وكان بعض الناس يصلون الكسوف والشمس قد طلعت وهذا لا يصلح؛ لأنه قد زال الليل كله وزال القمر، وظهر سلطان الشمس.
ولا يدرك المؤتم الركعة الأولى من صلاة الكسوف إلا إذا أدرك الركوع الأول، فإن فاته الركوع الأول يقضي تلك الركعة كاملة.
وإذا أحدبت الأرض واحتبس القطر خرج الناس مع الإمام متخشعين متبذلين متذللين متضرعين ].
هذه هي السنة في صلاة الاستسقاء، أي: أنها تكون على هذه الحال، بأن يخرجوا متبذلين لابسين ثياباً رثة، وليس كيوم العيد، أي: يلبسون الثياب الجميلة؛ لأن هذا المقام مقام خضوع وذل وانكسار بين يدي الله، فيلبس الثياب العادية، ولا يتطيب ويتصدق قبل ذلك إذا أمكن.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فيصلي بهم ركعتين كصلاة العيد، ثم يخطب بهم خطبة واحدة، ويكثر فيها من الاستغفار وتلاوة الآيات التي فيها الأمر به ].
هذه هي السنة، أي: أن يصلي بهم ركعتين، ثم يخطب خطبة واحدة يكثر فيها من الاستغفار والآيات التي فيها الأمر بالاستغفار والتوبة، كقوله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [نوح:10-11]، وقوله تعالى عن هود: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا [هود:52].
فهذه خطبة واحدة وليست كالعيد خطبتان، وقد جاء ما يدل على جواز الخطبة قبل الصلاة وبعدها، فجاء ما يدل على هذا وهذا، لكن الآن أصبحت تقدم الصلاة على الخطبة، وإن قدمت الخطبة على الصلاة فلا حرج في ذلك، وخطبة الاستسقاء لا يوجد سلام في أولها كخطبة الجمعة، وإنما يبدأ بالخطبة مباشرة.
والسنة افتتاح الخطبة بالحمد لله، وكذا خطبة العيد والاستسقاء والجمعة فكلها تفتتح بالحمد لله، ولم يأت التكبير في خطبة العيد إلا عن بعض الصحابة، ولم يثبت في ذلك حديث.
والسنة في وقت صلاة الاستسقاء أول النهار بعد طلوع الشمس.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويحول الناس أرديتهم ].
يحولون أرديتهم تفاؤلاً في تغيير الحال؛ حتى يغير الله ما بهم من الجدب والقحط إلى المطر والغيث والرحمة، والإمام يحول رداءه بعد الخطبة، ثم يدعو بعد ذلك.
ولا ينبغي للإمام أن يجلس، بل ينبغي له أن يدعو بدعوات، ويؤمن على الدعاء.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا، ويؤمروا أن ينفردوا عن المسلمين ].
إذا كان في البلد أهل ذمة -من يهود أو نصارى- يدفعون الجزية فلا بأس أن يخرجوا معهم؛ لأن المشركين من اليهود والنصارى يخيرون بين الإسلام وبين دفع الجزية وبقائهم على دينهم، أو القتال، فإذا رضوا أن يدفعوا الجزية فيبقون على دينهم، ويكونون تحت حماية المسلمين، أما الوثنيون فليس لهم إلا الإسلام أو السيف، كالمجوس وغيرهم.
فإذا كان في البلد أهل ذمة من يهود أو نصارى وأرادوا أن يستسقوا فلا يمنعوا، ولا يكون لهم يوم خاص، بل يكون في نفس اليوم الذي يستسقي فيه المسلمون.
قوله: ويؤمرون أن ينفردوا عن المسلمين، أي: يكونون في مكان خاص، فأما أن يختاروا يوماً آخر فلا؛ لأنهم قد يمطرون في اليوم الذي استسقى فيه أهل الذمة فيحصل لهم فتنة، فلا ينفردون بيوم غير اليوم الذي يستسقي فيه المسلمون، لكن في نفس اليوم ينفردون في مكان خاص.
فإن إجابة الدعاء للكافر المضطر مما توجبه الربوبية، إذا كان له ضرورة، كما أن الله يخلق المؤمن والكافر، ويرزق المؤمن والكافر، فهذا من الرزق الذي يرزقهم الله، ولكن الفرق بين المسلم والكافر: أن الكافر إذا أجيبت دعوته قد تكون فتنة ومضرة عليه بالاستدراج؛ لأن كفره وفسوقه يقتضي ذلك.
يعني: سجود التلاوة في القرآن أربعة عشر سجدة، منها في الحج سجدتان، والصواب: أن سجدة صاد يقال لها أيضاً: سجدة، فقد فتكون خمسة عشر سجدة، ثبت في صحيح البخاري : عن ابن عباس أنه قال: (صاد ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها).
قال بعض العلماء: إنها ركوع وليست سجدة. والصواب: أنها سجدة، وخالف بعضهم في السجدة الثانية التي في سورة الحج، وكذلك خالف بعضهم في السجدات التي في المفصل، أي: سجدة النجم والانشقاق والعلق، وثبت أن أبا هريرة قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها)، وكونها ثابتة تكون السجدات خمسة عشر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويسن السجود للتالي والمستمع دون السامع ].
فإذا كان الإنسان يقرأ القرآن وحوله من يستمع وينصت فإنه يسن لهم أن يسجدوا معه، ويكون الساجد إماماً للمستمع، أما السامع فلا يشرع له.
والفرق بين السامع والمستمع: أن المستمع: هو الذي يستمع للقراءة ويتدبرها، أما السامع: فهو الذي يسمع الصوت لكنه غير مستمع، ولا يتدبر ما يشرع له السجود، فهذا يقال له السامع، فيسن السجود للتالي وللمستمع دون السامع.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ثم يسلم ].
هكذا رأى المؤلف، أن سجود التلاوة يعتبر صلاة، فيكبر إذا سجد، ثم يكبر إذا رفع، ثم يسلم تسليمتين عن يمينه وعن شماله؛ لأنه صلاة، وما ذهب إليه المؤلف قاله كثير من الفقهاء.
وأيضاً لابد أن يكون على طهارة، وأن يكون مستقبلاً القبلة، وأن يكون مستور العورة، والمرأة لا تكون مكشوفة الرأس؛ لأنه عورة.
وهناك قول آخر: وهو أن سجود التلاوة أنه ليس بصلاة، وعلى هذا فيكبر إذا سجد، ويرفع رأسه بدون تكبير ولا يحتاج إلى سلام، ولو كان يقرأ عن ظهر قلب فيسجد؛ لأنه خضوع لله وليس صلاة، وذهب إلى هذا ابن عمر والبخاري رحمه الله.
قال: وهي خمس: بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وبعد العصر حتى تتضيف الشمس للغروب، وإذا تضيفت حتى تغرب ].
الساعات التي نهي عنها خمس على سبيل البسط، وهي ثلاث على سبيل الاختصار، فعلى سبيل البسط: بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وبعد العصر حتى تتضيف للغروب، وعند طلوعها للغروب حتى تغيب.
وأما على سبيل الاختصار فهي ثلاثة: بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الفجر حتى ترتفع، وعند قيام الشمس حتى تميل، والدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس).
وكذلك أيضاً نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند قيامها، فالوقتان الطويلان تفعل فيهما الصلاة ذوات الأسباب، وتدفن الجنازة بعد صلاة العصر حتى تتضيف للغروب، يعني: حتى تتهيأ للغروب، أما إذا مالت إلى الغروب فهذا وقت قصير، فلا يصلى حتى يتم غروبها.
والوقت الثاني وقت طويل، وهو من بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، أما عند طلوعها حتى ترتفع فهذا وقت قصير جداً، وكذا عند قيامها إذا وقفت في وسط النهار حتى تزول، فإذا مالت إلى جهة الغروب زاد الظل شيئاً بعد فيء الزوال، والأوقات القصيرة لا يصلى فيها، ولا يدفن فيها الموتى؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عقبة بن عامر في صحيح مسلم : (ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب).
فهذه أوقات قصيرة، وقتها ما يقارب الربع ساعة أو ما أشبه ذلك، فيحتاط الإنسان بعد طلوع الشمس مدة ربع ساعة، وإن انتظر نصف ساعة فهو أثبت، وكذلك عند شروعها في الغروب، وعند استوائها للنهار مدة عشر دقائق أو ما يقارب ذلك.
يعني: إذا صلى في المسجد صلاة العصر أو صلاة الفجر ثم جاء إلى مسجد آخر وهم يصلون فإنه يصلي معهم، ويعيد الجماعة، ولا يجلس، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في منى، فلما سلم وجد رجلين جالسين، فقال: (ما لكما؟ فقالا: يا رسول الله! صلينا في رحالنا) يعني: صليا في منى قال: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما إلى مسجد الجماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة)، وفي الحديث الآخر: (فصل ولا تقل: إني قد صليت فلا أصلي)، فلا ينبغي للإنسان أن يجلس أمام الناس وهم يصلون وإن كان قد صلى، فإذا صلى كانت له نافلة، فإذا صلى في مسجد العصر أو في مسجد الفجر ثم جاء إلى مسجد آخر يريد حاجة أو لحضور درس فوجدهم يصلون فإنه يصلي معهم، وتكون له الصلاة الثانية نافلة.
أما يوم الجمعة فظاهر الأحاديث أنه مستثنى، وقد جاء في الحديث: (من جاء وصلى ما كتب له حتى يخرج الإمام).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وركعتا الطواف بعده ].
كذلك ركعتا الطواف، أي: إذا كان يطوف بالبيت الحرام بعد العصر أو بعد الفجر فإنه يصلي ركعتي الطواف ولو كان في وقت النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب، ومثله أيضاً تحية المسجد على الصحيح، فإذا دخل المسجد فيصلي ركعتين، وكذلك سنة الوضوء.
وقال جمهور العلماء: إن أحاديث النهي مقدمة؛ لأنها أصح وأكثر، والجمهور يرون أن الإنسان إذا جاء المسجد بعد العصر أو بعد الفجر فإنه يجلس.
والقول الآخر لأهل العلم: أن عموم النهي مخصوص، ويؤيد هذا أن الجمهور قالوا: لا بأس بصلاة الجماعة، ولا بأس أن يقضي الفريضة، والصواب: أنه تصلى ذوات الأسباب وما عداها لا يصلى،
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والصلاة على الجنازة ].
أي: تستثنى الصلاة على الجنازة بعد العصر وبعد الفجر، وكذا صلاة الكسوف؛ لأنها صلاة لها سبب.
أما بعد الفجر فنعم، فقد جاء ما يدل على ذلك وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي بعد الفجر فقال: آصبح أربعاً؟ فقال له: لم أصل ركعتي الفجر، فسكت عنه).
أما بعد العصر فليس له ذلك، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر ركعتين، قالت عائشة رضي الله عنها: (ما دخل بيتي بعد العصر إلا صلى ركعتين)، وذلك أنه شغله وفد عبد القيس عن ركعتي راتبة الظهر، فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا عمل عملاً أثبته، وهذا من خصائصه، وكان من خصائصه المداومة على ما أثبت.
وجاء في مسند الإمام أحمد عن أم سلمة أنها قالت: (يا رسول الله! أفلا أقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا).
فدل على أن القضاء لراتبة الظهر بعد العصر والاستمرار عليها من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا تقضى الراتبة بعد العصر.
أما راتبة الظهر القبلية فإنها تقضى بعدها إلى دخول وقت العصر، وراتبة المغرب تقضى إلى مغيب الشفق، وراتبة العشاء إلى نصف الليل، أما راتبة الفجر، فلا بأس أن يقضيها بعد الصلاة إلى قبل زوال الشمس، أما بعد الظهر إلى العصر فلا تقضى فقد فات محلها.
لأن قضاء الفرائض مستثنى من عموم النهي، بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك).
وإذا جمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر فقد دخل وقت النهي في حقه، كما أنه إذا جمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم فقد دخل وقت الوتر، فله أن يصلي الوتر بعد صلاة العشاء.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر