والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى جالساً، فإن لم يطق فعلى جنبه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لـعمران بن حصين : (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) ].
إذا كان المريض يزيد القيام في مرضه صلى قاعداً، وكذلك إذا كان لا يجد ما يتكئ عليه، أو كان يتجشم القيام فيجد مشقة فإنه يصلي قاعداً، ولو كان يستطيع لكن بمشقة فلا يشق على نفسه بل يجلس ويصلي، فإن عجز عن الصلاة قاعداً صلى على جنبه الأيمن، فإن عجز صلى مستلقياً ورجله إلى القبلة، كما في حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)، وجاء في سنن النسائي : (فإن لم تستطع فمستلقياً)، أي: مستلقياً ورجلاه إلى القبلة، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه إلى عبده، وأجره تام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان عمله صحيحاً مقيماً) أما إذا كان صحيحاً وأراد أن يصلي النافلة وهو جالس فله ذلك، لكن له نصف أجر القائم، فإذا أراد الإنسان أن يصلي الراتبة أو سنة الضحى أو صلاة الليل وهو جالس فلا حرج، لكن له نصف أجر القائم، فأما الفريضة فليس له أن يصلي قاعداً إلا إذا كان لا يستطيع بالمرة، أو يستطيع بتجشم ومشقة، أو كان القيام يزيد في مرضه، فهذا جاز له الجلوس في الفريضة، أما النافلة فأمرها واسع، وبعض الناس قد يرى شخصاً يصلي النافلة قاعداً فينكر عليه، فيجوز أن يصلي صلاة الليل.. صلاة الضحى.. تحية المسجد.. والوتر قاعداً لكن له نصف أجر القائم إن كان يستطيع، وإن كان لا يستطيع فالأجر تام إن شاء الله؛ لحديث أبي موسى رضي الله عنه: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً).
أما إذا صلى الفرض قاعداً وهو يستطيع القيام فلا تصح الصلاة، فيكون ترك ركناً من أركان الصلاة، فصلاته باطلة.
والمريض إذا كان لا يستطيع القيام يجلس على الأرض، والأولى أن يتربع في حال القيام، وبين السجدتين مفترشاً، وإن كان يشق عليه جلس على أي كيفية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن شق عليه فعلى ظهره ].
يعني: مستلقياً كما في رواية النسائي ورجله إلى القبلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما ].
إذا عجز عن الركوع والسجود يومئ للركوع وللسجود وهو جالس، لكن يكون الإيماء في السجود أخفض، والركوع يكون أرفع منه.
وإذا كان يستطيع القيام ولكن لا يستطيع الركوع ولا السجود فيومئ للركوع بقدر ما يمكنه، ثم يجلس ويومئ للسجود بقدر ما يمكنه.
وإذا كان لا يستطيع الإيماء فليفعل ما يستطيع: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] فليكبر ويركع ويسجد بالنية، أما الإشارة بالأصبع أو بالعين فلا أعرف شيئاً في ذلك.
إذا أغمي عليه فإنه يقضي ما فاته من الصلاة إذا كان الإغماء مدة يسيرة كاليومين لما جاء في حديث عمار أنه أغمي عليه يومين أو ثلاثة فقضاهن، أما إذا زاد أكثر من ثلاثة أيام كأسبوع فإنه ليس عليه شيء؛ لأنه في حكم فاقد العقل أي: المجنون، فليس عليه تكليف إذا كانت المدة طويلة؛ فلا يقضيها، أما إذا كان الإغماء مدة يوم أو يومين أو ثلاثة فيقضيه؛ لأنه يشبه النوم، أما إذا طالت المدة فهذا هو المعتمد، فلا يقضي إذا كانت المدة طويلة.
ويقضي الصلوات كلها في وقت واحد بالترتيب: صلاة الفجر، ثم الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، فهذه عن اليوم الأول، ثم يصلي أيضاً في يوم آخر: الفجر، ثم الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، وإذا تعب يستريح ويقضيها في وقت آخر، أما ما يفعله بعض العامة من أنه يصلي كل فرض مع فرضه فغير صحيح، ولا تشترط الموالاة، وإنما الترتيب.
إذا شق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها جمع بين الصلاتين؛ لكونه مريض، فيصلي الظهر والعصر جميعاً، ويصلي المغرب والعشاء جميعاً، لكن لا يقصر، وبعض العامة يجهل فيظن أنه يجوز الجمع مع القصر، فيصلي الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، فالقصر خاص بالمسافر، فإذا كان يشق على المريض الوضوء لكل منهما جمع، وكذلك المستحاضة فقد أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تجمع؛ لأن الاستحاضة نوع من المرض.
والمقصود: أن المريض إذا كان يشق عليه الوضوء أو القيام فإنه يجوز له أن يجمع بين الصلاتين، لكن لا يقصر؛ لأنه ليس مسافراً، وإذا قصر يعيد الصلاة.
ويختار المريض في الجمع الأرفق له جمع التقديم أو التأخير ولا يلزم أن يكون الجمع الصوري، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (جمع في المدينة بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مرض) وجاء في رواية: أنه جمع جمعاً صورياً، يعني: في الصلاة، أخر الظهر إلى آخر وقتها حتى ما بقي إلا أربع ركعات فصلاها، وقدم العصر في أول وقتها، وهو في الصورة جمع، وفي الواقع أن كل صلاة في وقتها، وكذلك أخر المغرب إلى قرب مغيب الشفق ثم صلى المغرب، ثم صلى العشاء بعد مغيب الشفق، فصار في الصورة كأنه جمع، وفي الواقع كل صلاة في وقتها.
وهل يصلح أن يصلي المريض قبل إمام المسجد؟
الجواب: لا حرج، فالمريض في البيت والمرأة ليسا مرتبطين بالمسجد والمهم دخول الوقت، فإذا دخل الوقت فإنه يصلي المريض والمرأة.
ولا يستدل على جواز الجمع بين الصلوات مطلقاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال بعض العلماء: إما أنه شيء عارض، أو أنه جمع صوري، ولم يفعله غير مرة واحدة في المدينة، والنصوص الدالة على المواقيت تكون محكمة وهي الأصل، فلا يتعلق بمشتبه إلا من كان في قلبه زيغ قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:7] وقال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].
أي: مفروضة في الأوقات، فهذه النصوص محكمة، وهذا حديث فيه اشتباه، بينه ما جاء في رواية النسائي أنه جمع صوري، وهذا أحسن ما قيل فيه، وقد قرأنا على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فكان هذا أحسن ما فسر به.
ويجوز الجمع في وسط الوقت وفي أوله وفي آخره، لكن الأفضل الجمع في أول الوقت، والمسافر له أن يجمع في أول الوقت أو في آخره.
واستمرار العذر لابد منه، لا بد أن يكون العذر موجوداً حتى ينتهي من الثانية، فالمرض يكون موجوداً والسفر يكون موجوداً، والمطر أو الدحض يكون موجوداً، والنية لابد منها، ولكن كونه لابد أن تكون النية في الأولى، فهذا محل تأمل ونظر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وألا يفرق بينهما إلا بقدر الوضوء ].
لا يفرق بين صلاتين مجموعتين إلا بقدر وضوء خفيف؛ لأن هذا معنى الجمع؛ ولأنه إذا فصل بينهما لم يصبح جمعاً.
وإذا جمع بين الظهر والعصر ثم جاء وقت العصر وقد برئ فالحمد لله قد أدى ما عليه، إلا إذا كان سيصليها نافلة، كما لو جمع بين الظهر والعصر وهو مسافر ثم قدم قبل دخول وقت العصر فقد أدى ما عليه، فيصلي العصر نافلة إن أحب.
وأما تحديد وقت ما بين الصلاتين عند الجمع بالوضوء الخفيف فهذا قياساً على حط الرحال، حيث كان الصحابة يصلون المغرب، ثم ينزلون الرحال عن الإبل من باب الإراحة لها، ثم يصلون العشاء.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن أخر اعتبر استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية ].
إذا أخر الجمع لا بد أن يستمر العذر إلى وقت الثانية، يعني: إذا كان مسافراً وأخر الظهر مع العصر لابد أن يكون العذر مستمراً حتى يقصر ويجمع، فإن وصل إلى البلد وهو لم يصل صلى الظهر أربع ركعات وصلى العصر أربع ركعات، وكذلك أيضاً لابد أن يكون العذر مستمراً إذا كان مطراً أو دحضاً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأن ينوي الجمع في وقت الأولى قبل أن يضيق عن فعلها ].
إذا أخر الظهر لابد أن يؤخرها ناوياً جمعها مع العصر، وإذا أخر المغرب لابد أن ينوي تأخيرها مع العشاء في وقتها.
المسافر الذي له القصر يرخص له أن يجمع الرباعية، فيجمع بين الظهرين وبين العشائين، ويقصر الرباعية، ويفطر في رمضان، ويمسح على خفيه ثلاثة أيام بلياليها، فكل هذه أحكام تتعلق بالسفر، أما في البلد فليس له أن يجمع إلا إذا كان مريضاً، ولا يقصر ولا يفطر في رمضان إلا إذا كان مريضاً، ولا يمسح إلا يوماً وليلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويجوز في المطر بين العشائين خاصة ].
هذا المذهب، والقول الثاني: أن له أن يجمع بين الظهرين أيضاً.
فالمشهور أنه يجوز له أن يجمع بين العشائين فقط للعذر، ولما فيه من الظلمة، وإذا جاء مطر شديد أو ليس شديداً في الظهر فقد وجد العذر، لكن الحنابلة وغيرهم قالوا: يوجد العذر لكن يوجد ضوء، بخلاف المغرب والعشاء فإن فيه زيادة وهي الظلمة وزيادة المشقة.
وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً، وهي مسيرة يومين قاسطين، وكان مباحاً له فله قصر الرباعية خاصة ].
هذا هو المسافر عند جمهور العلماء، من سافر ستة عشر فرسخاً في سفر مباح، فهذه مسافة السفر، فإذا كانت هذه المسافة تبلغ هذا القدر الذي قدره المؤلف فإنه يترخص برخص السفر، ستة عشر فرسخاً وهي أربع برد، ما بين البريد والبريد أربعة فراسخ، فتكون أربعة في أربعة برد، بستة عشر فرسخاً، والفرسخ ثلاثة أميال، فتكون ثمانية وأربعين ميلاً، والميل كيلو ونصف أو كيلوين إلا ثلث تقريباً، فتكون المسافة تقارب ثمانين كيلو، فهذا الذي أقره جمهور العلماء، إذا كانت هذه هي المسافة فيترخص برخص السفر مسافة ثمانين كيلو، ولا بد أن يكون السفر مباحاً، فإن كان سفر معصية كأن سافر لتجارة خمر أو للدخان أو للعدوان على ظالم أو للسرقة أو قطع الطريق فلا يترخص برخص السفر.
القول الثاني وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية : أنه لا تشترط المسافة، وليس لها تحديد وإنما العبرة بالعرف، فما يعده الناس سفراً فهو سفر، ويحتاج إلى حمل الزاد والطعام، وما لا يعده الناس سفراً فلا، وعلى قول شيخ الإسلام فالسفر إلى الخرج لا يعد سفراً، فالثمانين الكيلو والمائة والمائتان لا تعتبر سفراً عند شيخ الإسلام ابن تيمية ، والجمهور يعتبرون هذا، ولابد أن يكون السفر مباحاً، فإن كان السفر محرماً فلا يصح الترخص، والقول الآخر أنه يترخص للسفر وعليه إثم فعل المحرم، فقد يكون ترخصه سبباً في توبته.
وفي السفر الأفضل الأخذ بالرخصة، فالقصر سنة مؤكدة ينبغي فعله، وأوجبه بعض العلماء كما سيأتي.
وكذلك في الجمع بين الصلوات في المطر، فهذه هي القاعدة العامة، أن الأخذ بالرخص أفضل لكن ينبغي المراعاة والنظر والتأمل في أحوال الناس، فهذا يختلف باختلاف أحوال الناس، وباختلاف الأزمنة والأمكنة، فمثلاً في زمننا الآن الشوارع واسعة، وليس فيها دحض ولا مشقة، والناس أكثرهم يملكون سيارات، ويخرجون لحاجة يسيرة، فلا ينبغي للإنسان أن يجمع إلا في عذر واضح، أما في القرى أو في الهجر أو في البيوت التي هي أعشاش، والتي فيها طين، فهؤلاء كما قال ابن عباس : (كرهت أن أحرجكم فتدوسون الطين إلى ركبكم) أما الآن في مجتمعنا فلا يوجد طين ولا دحض يدوسه الإنسان إلى ركبته، والغالب أنه إذا جاء مطر نشفت الأسواق، ويكون هناك تصريف للسيول.
المقصود: أن هذا يختلف باختلاف الأحوال والأمكنة والأزمنة، وهناك القرى التي فيها الدحض والطين فمجرد ما يأتي المطر والناس فقراء ليس عندهم وسائل لإصلاح الطرقات، فمجرد ما يأتي المطر يحدث مشقة عظيمة عليهم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً وهي مسيرة يومين قاسطين وكان مباحاً ].
يومان قاسطان للإبل المحملة بثقل الأحمال ودبيب الأقدام، فهذه مسافة القصر، وهي تعادل ثمانين كيلو تمشيها الإبل في يومين، ومثاله: من هنا إلى الخرج تمشي مدة يومين إذا كانت الإبل محملة، فهذه مسافة القصر، فقوله: (يومين قاسطين) يعني: متوسطين، والقسط: التوسط، ويبدأ حساب السفر من مفارقة البنيان، فتبدأ تأخذ برخص السفر.
قول الجمهور أنه لا قصر إلا في سفر مباح والقول الثاني: أنه ولو كان سفراً محرماً فإنه يترخص.
وسواء كان سفر عبادة: كالحج أو العمرة أو الجهاد، أو سفر مباح كالسفر للتجارة أو غيرها.
وإذا كان قصد التنزه في مكان، وهذا المكان مسافته مسافة القصر فإنه يترخص، إلا إذا نوى أن يقيم في هذا المكان أكثر من أربعة أيام فإنه يتم، كأن يكون نازلاً مخيماً في مكان لمدة أسبوع أو أسبوعين فهذا لا يترخص وهو قول جمهور العلماء، أما إذا كان الذي يقيم يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أربعة، أو يقيم ولا يدري متى تنتهي إقامته فهذا لا يزال يترخص برخص السفر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فله قصر الرباعية خاصة إلا أن يأتم بمقيم ].
فيقصر الرباعية إلا إذا كان مقيماً، فإذا صلى المسافر خلف المقيم يلزمه الإتمام، كما جاء عن ابن عباس أنه سئل: ما لنا إذا صلينا مسافرين قصرنا، وإذا صلينا خلف المقيمين نتم؟ قال: تلك السنة، أو تلك سنة نبيكم، فإذا صلى المسافر خلف المقيم يلزمه الإتمام.
وإذا أدرك مع الإمام المقيم ركعتين فقط ثم سلم فإنه يأتي بالركعتين، فإن سلم فصلاته باطلة، ويعيد الصلاة أربعاً من أولها، فيجب عليه أن يتابع الإمام ولا يختلف عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ إلا أن يأتم بمقيم أو لم ينو القصر ].
إذا نوى الإتمام فلا بأس، والصواب أن القصر مستحب وليس بواجب، ولو أتم صح، لكن هذا خلاف الأولى.
القول الثاني لأهل العلم: أنه يجب القصر، وهو قول الظاهرية، والصواب أنه لا يجب، والدليل على هذا ما ثبت: أن الصحابة رضوان الله عليهم صلوا خلف عثمان بن عفان الخليفة الراشد في منى أربعاً فأتموا الصلاة، وإن كان عبد الله بن مسعود استرجع وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لكنهم صلوا خلفه، ولو كانت صلاة المسافر الرباعية لا تصح لما صلوا خلفه، ولأجمعوا على هذا.
وقد ثبت: أن عائشة أتمت في السفر، فالصواب أنه يجوز، لكنه خلاف الأولى، وخلاف السنة.
وإذا جهل المسافر حال الإمام هل هو مسافر أو مقيم فيعمل بالأصل وهو الائتمام، وإن غلب على ظنه أنه مسافر قصر.
وفيه اختلاف بين العلماء، فبعض العلماء يرى أن هذا يكون معذوراً، وبعضهم يرى أنه يصلي نافلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أو ينسى صلاة حضر فيذكرها في السفر، أو صلاة سفر فيذكرها في الحضر فعليه الإتمام ].
إذا نسي صلاة الظهر وتذكرها في السفر فإنه يصليها أربعاً، فلا يقل: أنا مسافر فسأصليها ركعتين، وكذلك العكس إذا كان مقيماً، وتذكر أنه نسي صلاة وهو مسافر فيصليها أربعاً.
وإذا دخل المسجد وهو مسافر وأرادوا أن يصلي بهم فليخبرهم أنه مسافر ويقول: اجعلوا واحداً منكم يتقدم لكي نتم، فإن أصروا صلى بهم ركعتين، ثم إذا سلم وهم يكملون صلاتهم.
فيأمرهم بالإتمام ويخبرهم فيقول: أنا سأصلي ركعتين وبعد السلام تكملون، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأهل مكة في غزوة الفتح: (أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وللمسافر أن يتم والقصر أفضل ].
هذا هو الصواب، وقال بعض العلماء: ليس له أن يتم، والصواب له أن يتم كما أتم الصحابة خلف عثمان ، وإن كان خلاف السنة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم ].
وهذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء، إذا نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أي: ما زاد عن أربعة أيام أتم، فإن كان أقام أربعة أيام فأقل يقصر، وقال بعض العلماء: ثلاثة أيام، وقال بعض العلماء: عشرة أيام، وقال بعض العلماء: عشرون يوماً، والصواب هو القول الذي عليه جمهور العلماء: أربعة أيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم في حجة الوداع قدم في اليوم الرابع من ذي الحجة، ونزل بالأبطح أربعة أيام يقصر الصلاة، ثم انتقل إلى منى في اليوم الثامن، فما زاد على هذه المدة فإنه يتم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن لم يجمع على ذلك قصر أبداً ].
قوله: (يجمع) أي: يصمم ويعزم، قال تعالى: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ [يونس:71]، يعني: اعزموا، فهو مقيم في بلد، وعنده حاجة لكنه لا يدري متى تنتهي، لديه معاملة إن انتهت اليوم مشى، وإن انتهى بعد يومين مشى فلا يدري متى ينتهي، فهذا لا يزال يقصر، أما إذا كان قد عزم على أنه سيقيم خمسة أيام أو ستة أيام أو أسبوعاً فإنه لا يترخص، وإذا لم يكن عنده تصميم فهذا هو معنى قوله (لم يجمع) فإنه لا يزال يترخص في وقت الصلاة، لكن إذا كان في البلد فإنه يصلي مع الناس ولا يصلي وحده، فيجيب المؤذن.
فإذا كان المسافر متردداً في السفر فإنه يقصر ولو شهراً كاملاً، وقد ورد أن ابن عمر قام بأذربيجان ستة أشهر يقصر، حيث منعته الثلوج، وكل يوم يريد أن يسافر، ولكن الثلوج باقية.
أما أهل مكة فالصواب أنهم يقصرون إذا كانوا حجاجاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالحجاج ومنهم أهل مكة، فقصروا ولم يأمرهم بالإتمام، وإن كان مذهب الحنابلة أن أهل مكة يتمون، لكن الصواب كما قرره ابن القيم أن أهل مكة وغيرهم يقصرون جميعاً، وهذا القصر هل هو نسك أم أنه للسفر؟ فمن قال: إنه للسفر قال: أهل مكة ليسوا مسافرين فيتموا، ومن قال: إنه نسك قال: يقصرون، والصواب أنهم يقصرون مطلقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالحجاج من أهل مكة وغيرهم ولم يأمرهم بالإتمام، وإنما أمرهم في جوف مكة، قال: (أتموا يا أهل مكة، فإنا قوم سفر) ولم يقل لهم في منى: أتموا.
وتجوز صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمختار منها أن يجعلهم الإمام طائفتين، طائفة تحرس والأخرى تصلي معه ركعة، فإذا قام إلى الثانية نوت مفارقته وأتمت صلاتها وذهبت تحرس، وجاءت الأخرى فصلت معه الركعة الثانية، فإذا جلس للتشهد قامت فأتت بركعة أخرى، وينتظرها حتى تتشهد، ثم يسلم بها ].
صلاة الخوف تشرع إذا خاف الناس من العدو وكانوا مواجهين في القتال، فإنهم يصلون صلاة الخوف، أو أحاط بهم العدو، ومثل إنسان خائف، فإنهم يصلون صلاة الخوف على أحد الوجوه التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام أحمد رحمه الله: ثبتت صلاة الخوف بستة أوجه أو سبعة أوجه كلها جائزة، وأنا أختار صلاة ذات الرقاع؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة وطائفة تجاه العدو.
وهنا قال: المختار منها هذه الصفة التي ذكرها المؤلف، وهو أنه يصلي بهم، فيكبر بهم جميعاً ويصلي بهم ركعة، فإذا قام للركعة الثانية نوت الطائفة الأولى المفارقة أو الصف الأول وأتوا بركعة وأتموا لأنفسهم، ثم يصلي بطائفة ركعة فإذا قام إلى الركعة الثانية أتمت لنفسها ونوت المفارقة، وصلى بالطائفة الثانية الركعة التي بقيت، فإذا أتم الركعة ثبت جالساً، فتقوم هذه الطائفة وتكمل لنفسها، فتأتي بركعة، وينتظرهم حتى ينتهوا من التشهد ثم يسلم بهم، هذه إحدى صفات صلاة الخوف.
ومن صفات صلاة الخوف أنه يصلي بطائفة ركعتين، وبطائفة أخرى ركعتين، فتكون الأولى له فريضة، والثانية له نافلة، وفيه دليل على صحة ائتمام المفترض بالمتنفل كما كان معاذ يصلي بعد النبي صلى الله عليه وسلم الفريضة، ثم يصلي بأصحابه تلك الصلاة نافلة في أطراف المدينة، فهذه كلها أنواع.
ومن صفات صلاة الخوف: أنه يصلي إلى غير القبلة وذلك إذا كان العدو في جهة ثانية، فيصلي إلى وجه العدو ولو كان إلى غير القبلة.
ومن صفات صلاة الخوف: أنه عليه الصلاة والسلام صلى بهم، فصفهم صفين، ثم كبر بهم وكبروا جميعاً، ثم ركع وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وبقي الصف الثاني يحرس؛ لأنهم سيهجم عليهم العدو لو كانوا يسجدون جميعاً، ثم لما قام في الركعة الثانية وتأخر الصف الأول وتقدم الصف الثاني، ثم كبر وكبر بهم جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه -الذي كان قبل هو الصف الثاني- وبقي الصف الثاني يحرس -الذي كان هو الصف الأول- ثم أتمت كل طائفة لنفسها ركعة.
فالمقصود أن صلاة الخوف جاءت على أنواع، فيفعل المسلمون ما يكون أيسر عليهم، وإذا اشتد الخوف كما سيأتي يصلون على حسب أحوالهم سواء كانوا ماشين أو راكبين، إلى القبلة أو إلى غير القبلة، وإذا لم يتيسر لهم على الصحيح أخروها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة يوم الأحزاب، وصلى صلاة العصر بعد المغرب.
قال عمر رضي الله عنه: (يا رسول الله -وجعل يسب الكفار- ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله إن صليتها -يعني: ما صليتها- ثم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وصلى صلاة العصر بعد المغرب، ثم صلى بعدها المغرب) وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)، وفي لفظ في غير الصحيح: (أنه صلى أربع صلوات؛ الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء) فجمهور العلماء ذهبوا إلى أن هذا قبل شرعية صلاة الخوف، أما بعد صلاة الخوف فلا تؤخر الصلاة، وإنما تصلى على إحدى الأوجه التي وردت، وقال آخرون من أهل العلم: لا يلزم أن تكون قبل شرعية صلاة الخوف، وقد اختلف في وقت زمان شرعيتها، وقالوا: إنه حتى ولو بعد شرعية صلاة الخوف إذا لم يتمكن المسلمون من أداء الصلاة في وقتها أخروها، قالوا: ويدل على هذا أن الصحابة بعد أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتحوا تستر، كان الفتح قبيل طلوع الفجر، وكان الناس متفرقين عند ضياء الفجر، فبعضهم على الأسوار، وبعضهم على الأبواب، ولا يستطيعون أن يصلوا، ولو صلوا لهجم عليهم العدو فأخروا الصلاة حتى تم الفتح، فتسلقوا الأسوار وفتحوا الأبواب وتم الفتح وصلوا صلاة الفجر وقت الضحى.
قال أنس رضي الله عنه: ما أحب أن لي بها الدنيا يعني: إن أخرتها في الله ومن أجل الجهاد في سبيل الله، فدل هذا على أن الصحابة يرون أنه لا بأس بأن تؤخر الصلاة عن وقتها من أجل الجهاد إذا لم يتمكنوا من أدائها في الوقت، وهو اختيار البخاري وجماعة.
وهذه الصلاة على حسب ما هو الأيسر لهم، إن كان الأيسر فرادى صلوا فرادى، وإن كان الأيسر الجماعة صلوا جماعة.
وصلاة الخوف عذر في تأخير الصلاة إذا كانوا في السفر، وجاء في بعض الروايات أن صلاة السفر ركعتان وصلاة الخوف ركعة، جاء عن ابن عباس : (صلاة الخوف ركعة، وصلاة الحضر أربع، وصلاة السفر ركعتان).
وجاء عن ابن عباس وجماعة أنه في وقت المسايفة -يعني: المقابلة بالسيوف- وقطع الرقاب أنه تجزئ تكبيرة بتكبيرة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وينتظرها حتى تتشهد ثم يسلم بها، وإن اشتد الخوف صلوا رجالاً وركباناً إلى القبلة وإلى غيرها يومئون بالركوع والسجود ].
فإذا اشتد الخوف صلوا رجالاً وركباناً، رجالاً: ماشين على الأرجل، وركباناً: راكبين على الإبل، أو المركوبات الجديدة كالدبابات أو غيرها أو الطائرات فيصلون على حسب أحوالهم رجالاً وركباناً، يعني: ماشين على الأرجل وغيرها، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها على حسب حالهم، فيومئون بالركوع والسجود.
وهل في صلاة الخوف يجوز صلاة ركعة؟
الجواب: إذا اشتد الخوف، وليس دائماً، وإنما في بعض الحالات على ما جاء عن ابن عباس ، وإلا الأصل أنها مثل صلاة السفر ركعتان، فإذا أمكن صلوها ركعتين، ويومئون بالركوع والسجود إذا لم يتمكنوا، وإذا تمكنوا صلوها على الأرض أو وهم ركباناً أو مشاة على حسب الحال، أو يؤخرونها حتى يتم الفتح، كما أخر الصحابة صلاة الفجر لما فتحوا تستر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكذلك كل خائف على نفسه يصلي على حسب حاله ويفعل كل ما يحتاج إلى فعله من هرب أو غيره ].
إن كان خائفاً يصلي ولو كان ماشياً أو يركض ركضاً، وقد بوب أبو داود فقال: باب صلاة الخائف. فالخائف يصلي ولو كان ماشياً، أو مسرعاً، ويومئ بالركوع والسجود، إذا كان يخاف أن يدركه العدو؛ لأنه لو وقف لأدركه العدو، فالخائف له حالة خاصة، والخائف: هو الهارب من العدو، فيصلي على حسب حاله، ولو كان يمشي يومئ بالركوع والسجود.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر