وهي واجبة على كل مسلم إذا ملك فضلاً عن قوته وقوت عياله ليلة العيد ويومه ].
وهي صاع من قوت البلد، صاع من طعام أو بر أو أرز؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: (كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من بر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط) فإذا فضل عن حاجته وحاجة عياله يوم العيد وليلته فإنه يجب عليه أن يخرج عنه وعن كل واحد من أفراد العائلة صاعاً من الطعام، وكذلك من عنده من الخدم والعمال إذا كان يقوم بمئونتهم ونفقتهم فيخرج عنهم زكاة الفطر أيضاً.
هذا هو الصواب، أنه صاع من البر وغيره، وهذا الذي مشى عليه المؤلف هو الصواب، ومشى غيره على أن البر يكفي فيه نصف الصاع، وأما التمر فلا بد فيه من الصاع، وهذا هو المذهب، لكن المؤلف مشى على الصواب، وكذلك قالوا في الكفارة وفي الفدية لمن فعل محظوراً في الحج، قالوا: يطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من التمر أو ربع صاع من البر، واستدلوا بفعل معاوية رضي الله عنه لما جاءت السمراء قال: (أرى أن الصاع من هذه السمراء يعدل صاعين) فأخذ الناس به، قال أبو سعيد : أما أنا فلا أزال أخرجه صاعاً كما كنت أخرجه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فالصواب أنه صاع من البر وغيره، ولا فرق، ومعاوية اجتهد وقال: إن هذا البر جيد فيكفي منه الصاع.
والكفارات يجب فيها نصف الصاع من البر أو من غيره، خلافاً لما أخذ به بعض الفقهاء من أنه إذا كان من البر فيكفي ربع صاع.
وإذا كان لدى الشخص أولاد مزوجين، فإذا كانوا في بيته وينفق عليهم فزكاة الفطر تابعة، أما إذا كانوا مستقلين ينفقون على أنفسهم فلا يلزمه.
فما دام ينفق عليهم فإنه تلزمه مئونتهم، ومن لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من يعوله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ إذا ملك ما يؤدى عنه، فإن كانت مئونته تلزم جماعة، كالعبد المشترك، أو المعسر القريب لجماعة، ففطرته عليهم على حسب مئونته ].
يعني: إذا كان العبد مشتركاً ومبعضاً، يملكه أربعة أشخاص فزكاة الفطر عليهم مشتركة، كل شخص يدفع ربع صاع، وكذلك المعسر القريب، إذا كان له أربعة إخوة أغنياء فإنه تجب عليهم نفقته، وكذلك زكاة الفطر نقول: كل واحد عليه ربع الصاع، وإن كان واحداً فعليه الصاع، وإن كانوا اثنين فعلى كل واحد نصف صاع.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن كان بعضه حراً ففطرته عليه وعلى سيده ].
إذا كان نصفه حراً ونصفه عبداً، فإن على السيد نصف زكاة الفطر، فنقول: عليك نصف الصاع، وهو عليه نصف الصاع.
الأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة أيام؛ لأن الصحابة كانوا يخرجونها من يوم ثمانية وعشرين، وتسعة وعشرين وثلاثين، والأفضل إخراجها قبل الصلاة، فإن أخرها عن ذلك متعمداً فإنه يأثم، ويقضيها بعد ذلك، وعليه التوبة والاستغفار.
يجوز أن يعطي الواحد ما يلزم الجماعة، ويجوز أن يقسم الصاع على أربعة فقراء، كل واحد يعطيه ربع صاع، ويجوز أن يعطي فقيراً واحداً أربعة آصع أو خمسة آصع، فإذا قسم الصاع بين عدة فقراء فلا بأس، وإذا أعطى فقيراً واحداً عدة آصع فلا بأس، وإذا كانوا عدة فقراء فيعطون ما يكفيهم.
مسألة: إذا كان يبيع شيئاً محرماً في محل تجاري أو يبيع أشياء محرمة كالدخان وغيره، فالمحرم يجب إتلافه، وغير المحرم عليه فيه زكاة، فالواجب التوبة وإخراج الخبيث، فيخرجه ويتخلص منه للمصالح العامة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (لا يجوز تأخير الزكاة عن وقت وجوبها)؛ لأنها عبادة مؤقتة بوقت، وهو وقت تمام الحول، فإذا تم الحول وجب عليه إخراج الزكاة، وليس له تأخيرها وقتاً كثيراً، ولكن إذا أخرها وقتاً يسيراً لأجل البحث عن مستحقيها فلا بأس، أما إن أخرها كثيراً فلا، وإذا أخرها عن وقتها ثم تلفت فإنها تبقى في ذمته، ويطالب بها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن فعل فتلف المال، لم تسقط عنه الزكاة ].
يعني: إذا أخر الزكاة عن وقت الوجوب ثم تلف تبقى في ذمته، ولا تسقط الزكاة عنه بتلف المال؛ لأنه هو الذي فرط في تأخيرها عن وقت الوجوب.
نعم يجوز تعجيلها إذا بلغ النصاب، ونصاب الفضة مائتا درهم، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، فإذا بلغ النصاب جاز له تعجيلها، أما قبل أن يبلغ النصاب فلا تعجل، ويجوز تعجيلها لمدة سنة أو سنتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من العباس زكاة سنتين، فأخذها معجلة، فإذا تم النصاب جاز له التعجيل لسنة أو سنتين، أما قبل تمام النصاب فلا.
ونصاب الفضة عند العلماء المعاصرين ستة وخمسون ريالاً فضياً عربياً سعودياً، والآن هذا الريال يباع عند الصيارفة، والذهب مقداره خمسة وثمانون جراماً، أو إحدى عشر جنيهاً ونصفاً تقريباً.
إذا عجلها ووضعها في يد غني فلا تجزئ، ولو صار الغني وقت الوجوب فقيراً ما تجزئه، لأنه عندما دفعها إليه كان غير مستحق لها، ولا يجوز دفعها إلى غير المستحق، بل يجب دفعها إلى المستحق.
إذا دفعها إلى مستحقها، ثم تغيرت حاله بعد ذلك فقد أدى ما عليه، كأن عجل زكاة سنتين وأعطاها فقيراً، ثم لما تم الحول صار غنياً تجزئه أو مات أو ارتد والعياذ بالله فقد برئت ذمته.
وإذا عجل فأخرج زكاة مال لم يبلغ النصاب وقال: سيأتيني مال إن شاء الله بعد ستة أشهر، وسأخرج زكاتها الآن، فلا يصلح هذا الفعل؛ لأنها ما بلغت النصاب حتى تخرج زكاتها.
إذا تلف المال لم يرجع على الآخذ يعني: لو عجل زكاة سنتين، ثم قبل تمام الحول تلف هذا المال فلا يرجع إلى من أعطاه الزكاة ويقول: أعطيتك زكاة سنتين لكن المال تلف، رد علي الزكاة، لا يردها عليه؛ لأنه دفعها واستقرت، فإذا تلف المال لا يرجع على الآخذ الذي أخذ الزكاة.
وإذا دفع الزكاة في رجب ثم جاء رمضان فإنه يكتفي بالصدقة بما تيسر.
وإذا عجل بالزكاة ثم زاد المال زيادة كبيرة فكانت الزكاة الجديدة أكثر من الأولى فلا يزكي؛ لأنه ما تم عليها الحول، والزيادة التي تم عليها الحول يزكيها.
الزكاة تدفع في بلد المال، ولا ينقلها إلى بلد تقصر فيه الصلاة، ومسافة القصر ثمانون كيلو، وهي مسافة يومين للإبل المحملة، فيخرجها في بلد المال، إلا إذا لم يجد في هذا البلد فقراء، فإنه ينتقل بها إلى أقرب بلد، والحجة في هذا حديث معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأعلمهم أن الله افترض عليه صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) قالوا: هذا خطاب لأهل البلد، وقال آخرون: إنه يجوز، وقالوا: إن هذا الحديث المراد به عموم المسلمين (تؤخذ من أغنيائهم) يعني: من أغنياء المسلمين، فترد على فقرائهم، لكن في حديث معاذ يخاطب فيه أهل اليمن؛ فدل على أنها لا تنقل من البلد، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى جواز نقلها للمصلحة، كأن يكون هناك فقراء أشد حاجة، أو يكون هناك أقارب فلا بأس للمصلحة الراجحة، فالأولى ألا تنقل إلا لمصلحة راجحة كأن يكون في البلد الآخر فقراء أشد حاجة أو كانوا أقارب، فكونه يدفع الزكاة لأقاربه أولى من غيرهم.
الثمانية الأصناف نص الله عليهم في القرآن الكريم قال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60].
وهم: الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والله تعالى قسمها بنفسه ولم يكلها إلى أحد، قال العلماء: فلا يجوز دفعها إلى غير هؤلاء الأصناف الثمانية، فلا تصرف إلى المساجد، ولا إلى المشاريع الخيرية، ولا إلى المدارس؛ لأن الله نص عليها في القرآن الكريم، ولم يكلها إلى غيره، ولم يكلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا إلى أحد، بل قسمها بنفسه سبحانه وتعالى، فلا تصرف إلى غيرهم، وقد جاء في الحديث أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الزكاة فقال: (إن الله لم يرض فيها بحكم نبي حتى قسمها بنفسه، جزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت منهم أعطيت) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا: فلا تدفع إلى غير هؤلاء الأصناف الثمانية، فلا تدفع للمساجد، ولا تدفع إلى بناء المدارس ولا الجسور، ولا الحمامات، ولا المشاريع الخيرية، وإنما الزكاة تخصص لهؤلاء الأصناف الثمانية، والمشاريع الخيرية تكون من صدقة التطوع.
أما قوله تعالى: (وفي سبيل الله) فهم المجاهدون وفي الجهاد على الصحيح، وقال بعض أهل العلم: (في سبيل الله) يعني: في سبل الخيرات، لكن هذا ضعيف؛ لأنه إذا قيل إن معنى (سبيل الله) عام في سبل الخيرات فمعناه: فرض الزكاة غير منحصر في هؤلاء الأصناف الثمانية، والله تعالى قد حصرها.
والفقير: هو الذي لا يجد ما يكفيه لمدة سنة، نفقة وكسوة وسكنى، فيعطى ما يكفيه لمدة سنة من النفقة والكسوة والسكنى؛ لأن الزكاة من الحول إلى الحول، فيعطى ما يكفيه لمدة سنة؛ لأنه ليس عنده شيء يكفيه، وليس عنده مال ولا راتب، ولا مورد من إيجار، وغيره، وليس له أحد ينفق عليه، أما إذا كان له مرتب شهري يكفيه فلا يعطى، وإن كان مرتبه قليلاً لا يكفي فيعطى ما يكمل كفايته، وكذلك إذا كان عنده أجور تكفيه لا يعطى، وكذلك إذا كان هناك من ينفق عليه، كأن يكون فقيراً لكن له والد ينفق عليه، أو ولد ينفق عليه، أو أخ ينفق عليه؛ لأنه عنده في البيت، فلا يعطى، لا بد أن يكون ليس له مورداً ولا من ينفق عليه.
والمساكين أحسن حالاً من الفقراء؛ لأن الله تعالى قدم الفقراء، والفقير: هو الذي لا يجد شيئاً، أو يجد أقل من نصف الكفاية، والمراد بالكفاية مدة سنة، والمسكين: هو الذي يجد نصف الكفاية إلا أنه لا يجد تمام الكفاية، يعني: المسكين عنده ما يكفيه لمدة نصف سنة، أو ثلثي السنة أو ثلاثة أرباع السنة، فهذا يسمى مسكيناً، فيعطى ما يكمل كفايته لمدة سنة، والفقير ما عنده شيء بالمرة، أو عنده أقل من النصف، هذا هو الأرجح، وقيل: المسكين أشد حاجة، والصواب أن الفقير أشد حاجة؛ لأن الله بدأ به، وإذا أطلق الفقير وحده دخل فيه المسكين، وإذا أطلق المسكين وحده دخل فيه الفقير، مثل الحديث: (ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يقوم فيسأل الناس، ولا يفطن له فيتصدق عليه) فهذا يدخل فيه الفقير، وإذا اجتمعا صار الفقير أشد حاجة، وهو الذي لا يجد شيئاً بالمرة أو يجد أقل من النصف، والمسكين يجد النصف فأكثر إلا أنه لا يجد تمام الكفاية، فالمسكين تتمم له كفايته، وكذلك الفقير.
وهم السعاة والجباة، فيقبضون الزكاة ويجبونها ويكتبونها، ويحسبون ويدققون، فهؤلاء يعطون مقدار عمالتهم من قبل ولي الأمر، وليس المراد بالعامل ما يظنه بعض الناس أن يوكل شخص تدفع إليه الزكاة ثم يعطى مقابل عمله، لا، هذا ما يعطى وليس من العاملين، إذا وكلت واحداً يدفع الزكاة إلى شخص، إما أن يتبرع وإلا فلا تعطيه من الزكاة، فليس هو من العاملين، فالعاملون: هم الذين وظفهم ولاة الأمور يجبون الزكاة من الناس، ويظبطونها ويحسبونها، فيعطون من الزكاة بقدر عمالاتهم، ولو كانوا أغنياء.
وإذا كان العامل له راتب، وهذا عمله فيكتفي بمرتبه، إذا كان وظف في هذا.
هؤلاء هم المؤلفة قلوبهم، وهم قسمان: كفار ومؤمنون، فالكفار كأن يكون هناك رؤساء كفار يخشى شرهم على المسلمين، فيعطون من الزكاة حتى يندفع شرهم عن المسلمين.
القسم الثاني: مؤمن ضعيف الإيمان، فيعطى حتى يتقوى إيمانه، أو يعطى حتى يسلم نظيره، أو يكون رئيس قبيلة فنعطيه من الزكاة حتى يسلم رئيس القبيلة الآخر، وإذا علم أنه سيعطى ربما أسلم، أو لأنه يطوع أفراد القبيلة فيدفعون الزكاة، فنعطيه؛ لأنه يأخذ الزكاة من أفراد قبيلته، وكل هؤلاء يعطون من الزكاة، فالكافر إذا كان يخشى شره على المسمين فيعطى لدفع شره، والمؤمن إذا كان ضعيف الإيمان فيعطى ليتقوى إيمانه، أو ليسلم نظيره، أو لكونه يطوع أفراد القبيلة ويأخذ الزكاة منهم، فكل هذا داخل في المؤلفة قلوبهم، فالمؤلفة قلوبهم: هم السادة المطاعون في عشائرهم، فبمجرد ما يأمرهم يدفعون له، وهذا معروف في القبائل، فالسادة المطاعون في عشائرهم وقبائلهم يعطون من أجل تقوية إيمانهم أو إسلام نظائرهم أو تطويع أفراد القبيلة.
الرقاب: وهم المكاتبون أي: العبد الذي اشترى نفسه من سيده، كأن يشتري العبد نفسه من سيده مثلاً بمائة ألف ريال، كل سنة يدفع عشرة آلاف، فهذا يعطى من الزكاة ما يسدد به الدين، وكذلك أيضاً يشترى من الزكاة عبيد ويعتقون، وكذلك يفك الأسير، إذا كان هناك أسير عند الكفار من المسلمين فيشترى منهم الأسير ويفك أسره من الزكاة، كله داخل في قوله: (وفي الرقاب).
الغارمون صنفان: الصنف الأول: غارم لنفسه. والصنف الثاني: غارم لغيره، فالغارم لنفسه: هو الذي عليه ديون من أجل النفقة على أهله وأولاده، أو يستدين لاستئجار بيت يسكنه، فهذا غارم، فيعطى ما يسدد دينه، كأن استأجر بيتاً مثلاً بعشرة آلاف، أو بعشرين ألفاً، وما عنده شيء، فنعطيه من الزكاة ما يسدد به إيجار البيت، أو غارم لأنه يشتري نفقة لأهله وأولاده، كأن يكون مرتبه لا يكفي أو ليس له مرتب، فيشتري نفقة لأولاده من كسوة وطعام، فنعطيه ما يسدد به دينه.
والثاني غارم لغيره: وهو الذي يصلح بين الناس، فإذا وجد أناساً متخاصمين أصلح بينهم وقال: أنا أتحمل، أنت يا فلان عندي لك عشرة آلاف، وأنت يا فلان عندي لك عشرة آلاف، وأصلح بينهم، فيعطيه من الزكاة ما يسدد به هذا الدين، ولو كان غنياً تقديراً لهذا العمل النبيل، حتى لا يتعطل هذا المنفق، أو يصلح بين قبيلتين رأى أنه حصل بينهم شر فتحمل في ذمته ديوناً، يعطي هؤلاء وهؤلاء، ليرضيهم حتى يصلحوا، فنعطيه من الزكاة ما يسدد به هذا الدين ولو كان غنياً؛ تقديراً لهذا العمل النبيل، قال تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114].
الغزاة المجاهدون في سبيل الله الذين ليس لهم مرتب، فيعطون من الزكاة ما يجهزهم، وينفقون على أسرهم، وأيضاً يشترى به سلاح لقتال الكفار، أما إذا كان لهم مرتب فيكتفى بمرتبهم، إذا كان عاملاً له مرتب من بيت المال، أو غازياً له مرتب فيكتفي بمرتبه، لكن إذا لم يكن له مرتب فيعطى من الزكاة ما يجهز نفسه ذهاباً وإياباً، وينفق على أسرته ويشتري سلاحاً وعتاداً، وما بقي يرده، لأنه إنما أعطي تجهيزاً له، لا يعطى إلا بمقدار حاجته، وكذلك أيضاً العامل، يعطى بقدر عمالته، وما زاد يرده.
وهو المسافر، والسبيل: الطريق، وسمي ابن السبيل لملازمته، فلو أن إنساناً سافر من بلده وانتهت النفقة، أو ضاعت، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، فيعطى ولو كان غنياً في بلده؛ لأنه الآن فقير ما بيده شيء، فنعطيه ما يوصله إلى بلده، واليوم قد وجدت أشياء تعين المنقطعين، فإذا كان غنياً يستطيع أنه يصرف في بعض البنوك، فقد وجدت أسباب بحيث إن كثيراً من المسافرين لا ينقطعون الآن إذا كان غنياً وله رصيد في البنك، فيستطيع أن يسحب من أي مكان، لكن في الأزمنة السابقة ما كان يوجد شيء من هذا، فكان الإنسان إذا سافر وانتهت نفقته صار فقيراً، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، ولو كان غنياً.
لا يجوز دفعها إلى غير هؤلاء الثمانية الأصناف، ويجوز دفعها إلى واحد منهم، لا يشترط أن يقسمها بين الثمانية، فإذا دفع زكاته إلى الفقراء كفى، أو دفعها إلى الغزاة كفى، أو دفعها إلى ابن السبيل كفى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويجوز دفعها إلى واحد منهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر وقال: لـقبيصة : (أقم يا
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بني زريق أن يدفعوا الزكاة لـسلمة بن صخر وهو واحد، وقال: (أقم يا
الفقير يعطى ما يكفيه لمدة سنة من نفقة وكسوة وسكنى، والمسكين يعطى ما يكمل النفقة لمدة سنة؛ لأن الزكاة من الحول إلى الحول، فيعطى ما يكفيه حولاً كاملاً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإلى العامل قدر عمالته، وإلى المؤلف ما يحصل به تأليفه ].
العامل يعطى بقدر أعماله ولا يزاد؛ لأنها أجرة مقابل العمل، والمؤلفة قلوبهم يعطون ما يحصل به التأليف ولا يزاد، فإذا كان يتألف بمائة ألف فيعطيه مائة ألف، ولا يعطيه مائتي ألف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإلى المكاتب والغارم ما يقضي به دينه ].
كذلك المكاتب إذا كان اشترى نفسه بمائة ألف ريال وبقي عليه خمسون ألفاً نعطيه خمسين ألفاً ولا نزيد، وكذلك الغارم، إذا كان تحمل في ذمته مائة ألف ريال، فنعطيه مائة ألف ولا نزيد، فلا نعطيه إلا مقابل ما يسدد به دينه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإلى الغازي ما يحتاج إليه لغزوه ].
كذلك الغازي إذا كان يجهزه خمسون ألفاً أعطيناه كفايته ولا نزيد، وابن السبيل كذلك، إذا كان يوصله إلى بلده مثلاً: ألف، ألفان، خمسة آلاف، فنعطيه بمقدار ما يوصله ولا نزيد.
هؤلاء لا يعطون إلا بمقدار حاجتهم، الفقير مقدار حاجته حتى تندفع عنه، والمسكين والمكاتب بمقدار ما يسدد دينه والمؤلفة قلوبهم.
يعني: هؤلاء يعطون ولو مع الغنى بقدر الحاجة، الغازي إذا لم يكن له مرتب، فيعطى ما يجهزه، فإن جعل له مرتب من أجل الغزو فلا، وإن لم يكن له مرتب فيعطى ما يجهزه، ولو كان غنياً، كذلك المؤلفة قلوبهم يعطون ما يكون به تأليف قلوبهم، ولو كانوا أغنياء، وكذلك العامل ولو كان غنياً يعطى بقدر عمالته.
والرابع: الغارم لإصلاح ذات البين، الذي يتحمل في ذمته ديوناً للإصلاح بين الناس، فهذا يعطى ولو كان غنياً، فيعطى ما يسدد دينه تشجيعاً له، وتقديراً لهذا العمل النبيل، ولا يقال: أنت غني ادفع من مالك! لا، نعطيه حتى لا ينقطع هذا؛ لأنه لو قيل له: ادفع من مالك يمكن يتأخر عن الإصلاح بين الناس، فيعطى من الزكاة ما يسدد الدين ولو كان غنياً.
وأما بالنسبة للفقير فلا يعطى زيادة على نفقة سنة، فهذا لا يجوز إذا أعطاه شخص مائة ألف ريال، وأعطاه آخر مائة ألف ريال يردها ويقول: أنا أعطاني شخص ما يكفيني مدة سنة.
وإذا اجتمعت فيه أكثر من صفة كأن يكون مكاتباً وفقيراً فيعطى بالوصفين، يعطى ما يكفيه لمدة سنة لفقره، ويعطى ما يسدد به دين الكتابة، لكن الغالب أن المكاتب يكون عنده عمل.
الغني: هو الذي عنده ما يكفيه لمدة سنة أو غني بمن ينفق عليه، فهذا لا يعطى، وكذلك إذا لم يكن غنياً لكنه قوي يكتسب كل يوم ما يكفيه، فهذا لا يعطى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجلان يسألانه الزكاة أعاد النظر فيهما فرآهما جلدين، يعني: قويين نشيطين يقدران على العمل، فقال: (إن شئتما أعطيتكما، ولا حض فيها لغني ولا لقوي مكتسب) فالغني الذي عنده ما يكفيه ولو كان مقعداً، إذا كان له مال أو عنده مرتب أو له إيجار لا يعطى، بعض الناس إذا رأى المقعد يعطيه ويقول: هذا مقعد مسكين! إذا لم يكن له مورد فلا بأس، أما إذا كان له مورد فلا، وبعض المقعدين لهم موارد كثيرة، عندهم بيوت وعقارات فلابد أن يسأل عن حاله، فإذا كان له مورد فلا يعطى ولو كان مقعداً.
الثاني: الذي ما عنده شيء، لكنه قوي مكتسب يجد عملاً يكفيه، فلا يعطى، أما إذا كان قوياً مكتسباً، وما وجد عملاً، فهذا ليس لديه حيلة، فيعطى.
بنو هاشم ومواليهم، وقيل: بنو هاشم وبنو المطلب ؛ لقول النبي صلى الله عليه عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد)؛ لأن بني المطلب لم يفارقوا بني هاشم في جاهلية ولا إسلام، والحكمة في ذلك أنها أوساخ الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) وفي اللفظ الآخر: (إنها أوساخ الناس) لكن الله عوضهم بالخمس من الغنيمة تكرمة للنبي صلى الله عليه وسلم وآله.
وأما حديث أنه تصدق على بريرة فأخذته، فهي جاز لها أخذ الصدقة؛ لأنها مولاة لـعائشة ، وعائشة ليست من بني هاشم .
لا يجوز أن يدفع الإنسان الزكاة إلى أصوله ولا إلى فروعه، فأصوله: الأب والجد، وجد الجد إلى آدم عليه السلام، وكذلك الأم والجدة وجدة الجدة إلى حواء عليها السلام، وكذلك الفروع لا تدفع لهم الزكاة، وهم الأبناء وأبناء الأبناء والبنات، وأولاد الأبناء، وأولاد البنات، إلى ما لا نهاية إلى يوم القيامة، فلا تعطي الزكاة أحداً من فروعك ولا أصولك، ويجوز إعطاء الزكاة الحواشي، وهم الإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، إذا كان لك أخ أو أخت ولا تنفق عليه؛ لأنه ليس عندك في البيت، فتعطيه من الزكاة إذا كان محتاجاً ما يكفيه لمدة سنة، وهم أولى من غيرهم، والصدقة على القريب صدقة وصلة، والصدقة على البعيد صدقة.
أما إذا كان الأخ عندك في البيت وتنفق عليه، فلا تعطيه، لابد أن يكون في بيت آخر وله أولاد وهو فقير، أو أخت كذلك أو عم أو عمة أو خال أو خالة، كل هؤلاء أولى من غيرهم إذا كانوا محتاجين، أما إذا سدد الله أحوالهم فلا تعطيهم، وإنما تعطيهم من صدقة التطوع، والزكاة تدفعها في أهلها، لكن إذا كانوا محتاجين فقراء يلحقهم نقص في النفقة أو الكسوة أو السكنى فتعطيهم، فهم أولى من غيرهم.
وإذا كانوا مديونين فإن الشيخ محمد بن عثيمين يفتي بأنه لا بأس أن تدفع الزكاة له فيقضى بها دين الوالد.
كذلك من تلزمه مئونته، إذا كان عندك أخ في البيت، فتلزمك مئونته، أو عامل أو خادم تنفق عليه، فلا تعطيه من الزكاة، أما إذا كان في بيت لوحده، ولا تلزمك مئونته، فلا بأس، وهو محجوب عنك بأولاد أولى من غيره.
لا يصح دفع الزكاة إلى الكافر، وإنما تدفع للمسلم، فمن شرط من تدفع إليه الزكاة: أن يكون مسلماً.
والمبتدع إذا كانت بدعته لا توصله إلى الكفر فيجوز، والعاصي المسلم تدفع له الزكاة، إلا إذا كان ينفقها في شراء محرم إذا كان يشتري الدخان أو الخمر فهذا لا يعطى من الزكاة، ويقال: وكل وكيلاً، وتعطى الوكيل لينفقها عليه، ويشتري النفقة بنفسه، وإذا كان لا يحسن التصرف أو يضيعها فلا نعطيه إياها، لكن نطلب منه أن يوكل وكيلاً، ثم نعطيها الوكيل ليشتري له وينظر في حوائجه.
وهنا مسألة: بعض الناس يعطي الزكاة للعمال الذين يشتغلون عنده وهذا لا يجوز؛ لأنه يعود نفعها إليك، ولأنك إذا أعطيتهم من الزكاة نفعت نفسك فصاروا يشتغلون ويحسنون العمل ويتقنونه من أجل الزكاة التي تعطيهم، أو يبقون عندك فلا يذهبون إلى غيرك، والزكاة لا يجلب بها الإنسان إلى نفسه نفعاً، ولا يدفع بها عن نفسه مذمة.
صدقة التطوع بابها واسع، فتدفع إلى أهل الزكاة وإلى غيرهم ولو كان غنياً.
لا يجوز دفع الزكاة إلا بنية؛ لأنها عبادة، والعبادة لا بد لها من نية، بخلاف قضاء الدين، لو صار شخص يطلبك دراهم، ثم جاء إنسان فقضى دينك وأنت لا تعلم لأجزأ ذلك؛ لأنه ليست عبادة، ومثله غسل النجاسة لا يحتاج إلى نية، كأن نزل المطر على الثوب وغسله طهر، أما الزكاة فلابد أن تنوي، لو دفع الزكاة عنك شخص وأنت لم تعلم ما برئت الذمة، لا بد أن توكله حتى تنوي، وإذا أخذها الإمام قهراً برئت الذمة، ولو طلبها ولي الأمر وأخذها من شخص برئت.
إذا دفع الزكاة إلى غير مستحقيها فلا يجزئ، كأن دفعها مثلاً إلى شخص يظن أنه من الغزاة في سبيل الله، ثم تبين أنه ليس بغاز، أو دفعها إلى المؤلف، ثم تبين أنه ليس مؤلفاً، فلا تجزئ، إلا إذا دفعها إلى الغني يغلب على ظنه أنه فقير، ثم تبين له أنه غني فتجزئ؛ لما جاء في الحديث الصحيح (أن رجلاً قال: لأتصدقن الليلة بصدقة فتصدق على غني، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على غني! فقال: الحمد لله على غني، لأتصدقن الليلة، ثم تصدق فوضعها في يد زانية! فجعل الناس يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: الحمد لله على زانية، لأتصدقن الليلة، ثم تصدق ووضعها في يد سارق! فجعل الناس يتحدثون قالوا: تصدق الليلة على سارق، فقال: الحمد لله على غني وزانية وسارق، ثم أوتي فقيل له: أما صدقتك فقد تقبلت، أما الغني فلعله يستعفف -لعله يتذكر فينفق مما أعطاه الله-، وأما السارق فلعله يتوب من سرقته، وأما الزانية فلعلها تستعفف، وتتوب من زناها) فدل هذا على أنه إذا دفعها إلى الغني وهو يظنه فقيراً أنها تبرأ ذمته، لكن لا بد أن يغلب على ظنه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر