إسلام ويب

شرح عمدة الفقه كتاب الصيام [1]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد فرض الله على هذه الأمة صيام شهر رمضان بكيفية مخصوصة ووقت مخصوص بين جميعها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة، وقد خفف الله عن المريض والمسافر والحامل والمرضع فلهم أن يفطروا ويقضوا في أيام أخر.

    تعريف الصيام لغة وشرعاً

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الصيام. يجب صيام رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم ].

    الصيام في اللغة: الإمساك، ومنه يقال للساكت: صائم، فالساكت صائم في اللغة، قال الله تعالى عن مريم: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [مريم:26]، يعني: سكوتاً، وأخبر الله تعالى أنه أنطق عيسى لما ولدت وقالت: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم:23] قال لها: إذا لقيتي أحداً قولي: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [مريم:26].

    فلم تكلمهم إلا بالإشارة، فالصوم في اللغة: السكوت، ومنه يقال للساكت: صائم، وقال ابن قتيبة : يقال للساكت عن الكلام وعن السير صائم. ويقال للخيل الساكتة عن الأكل أو عن الصهيل صائمة؛ ولهذا يقول الشاعر:

    خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجم

    (خيل صيام) يعني: ساكتة عن الصهيل أو عن العلف، (وخيل غير صائمة) يعني: لها صهيل وتأكل العلف، فإذاً: المادة تدور على السكوت، ويقال للنهار: صائم إذا وقف عن الظل، فالمادة تدور على الوقوف والسكوت في اللغة.

    شرعاً: الإمساك بنية عن أشياء مخصوصة، في زمن مخصوص، من شخص مخصوص. فمثلاً: الإمساك عن الأكل والشرب والمفطرات لابد له من نية، وإذا كان بدون نية فلا يسمى صياماً شرعاً.

    عن أشياء مخصوصة: وهي الأكل، والشرب، والجماع والمفطرات.

    في زمن مخصوص: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

    من شخص مخصوص: وهو المسلم البالغ العاقل، الذي ليس به مانع من الصوم، وتخرج به الحائض والنفساء، فهذا هو الصيام شرعاً، إمساك بنية، عن أشياء مخصوصة، في زمن مخصوص، من شخص مخصوص.

    شروط وجوب الصوم

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يجب صيام رمضان، على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم ].

    فهذه شروط وجوب الصوم: الشرط الأول: أن يكون مسلماً، فالكافر لا يجب عليه الصوم، بمعنى: أنه لا يصح منه الصوم لو صام حتى يدخل في الإسلام؛ لأن الصيام لا يدخل إلا بعد الإيمان، فلو صام الكافر ما صح صومه، وليس معنى ذلك أنه لا يحاسب ولا يعاقب على الصوم، لا، بل يعذب يوم القيامة على ترك الصوم والصلاة، وعلى ترك الإسلام، لكن المعنى: أنه لو صام في حال كفره لم يصح صومه حتى يدخل في الإسلام.

    الشرط الثاني: أن يكون بالغاً، فالصبي لا يجب عليه صوم رمضان، لكن لو صام وهو صغير صح صومه، ويؤمر به، يأمره به وليه إذا كان يطيقه حتى يتمرن عليه، وقد كان السلف رضوان الله عليهم يصومون أولادهم في الصغر إذا كانوا يطيقون، ويعطونهم لعبة يتلهون بها من العهن إذا جاعوا حتى يأتي وقت الإفطار.

    الشرط الثالث: أن يكون عاقلاً، فالمجنون، وفاقد العقل، لا يجب عليه الصوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ).

    الشرط الرابع: أن يكون قادراً، لا بد أن يكون قادراً على الصوم، فإن كان عاجزاً كالمريض فلا يجب عليه الصوم، فالمريض يفطر ويقضي أياماً أخر؛ لقول الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].

    فيجب الصوم على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم، ولو أضاف المقيم في الشرط الخامس لكان حسناً فالمسافر لا يجب عليه الصوم في حال السفر، لكنه يقضي، ولو صام أجزأه إذا كان لم يشق عليه، فإن شق عليه فهو مكروه في حقه.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويؤمر به الصبي إذا أطاقه ].

    يؤمر به حتى يتمرن، فقد كان السلف يأمرون به صبيانهم كما أنهم أمروا بالصلاة: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع) للتمرين، فكذلك يؤمر بالصوم إذا كان يطيقه للتمرين والتدريب.

    وفي الصلاة يضرب عليها الصبي إذا بلغ عشراً، أما الصوم فإنه يؤمر به من باب التمرين ولا يضرب عليه ولا أذكر شيئاً يدل على الضرب، لكن مثلما قال أحد السلف: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار من باب التمرين، فهذا يرجع إلى الولي والنظر في حال الولي، إذا كان قوياً ونشيطاً.

    وأما قوله في الشرح: ويضرب عليه ليعتاده فهو أخذه من قوله: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع) ومن قول بعض السلف: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار. فإذا شهد زوراً يضرب وهو صغير حتى لا يتعود الكذب، وإذا حلف كذلك، وهذا قد يقال: إنه إذا كان قوياً ونشيطاً.

    ما يجب به صيام رمضان

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويجب بأحد ثلاثة أشياء: كمال شعبان، ورؤية هلال رمضان، ووجود غيم أو قتر ليلة الثلاثين يحول دونه ].

    هذه الأشياء الثلاثة يحب صوم رمضان بواحد منها، الأمر الأول: إكمال شعبان ثلاثين يوماً، فإذا كمل شعبان ثلاثين يوماً فيجب الصوم ولو لم ير هلال رمضان.

    الأمر الثاني: إذا رؤي هلال رمضان يجب الصوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرأيته).

    الأمر الثالث: إذا حال دون رؤية الهلال، ليلة الثلاثين من شعبان غيم، فإن الناس يصبحون صياماً فإذا كانت ليلة الثلاثين من شعبان صحواً ولم ير الهلال فلا يصام، وإن كان غيماً أو قتراً فإنه يصام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له)، ومعنى (فاقدروا له) أي: ضيقوا الشهر فاجعلوه تسعاً وعشرين؛ كما قال تعالى: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق:7]، أي: ضيق عليه رزقه، كان ابن عمر رضي الله عنهما يأمر من ينظر إلى الهلال ليلة الثلاثين من شعبان فإن كان صحواً ولم ير أصبح مفطراً، وإن حال دونه غيم أو قتر أصبح صائماً، فهذا هو المذهب.

    القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد ، أنه لا يصام ليلة الثلاثين من شعبان إذا حال دونه غيم أو قتر، وهذا هو الصواب، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) وفي اللفظ الآخر: (فاقدروا له) يعني: احسبوا له، ويؤيده الرواية الأخرى: (فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً)، والروايات يفسر بعضها بعضاً، وهذا هو الصواب والذي عليه العمل.

    وروي عن الإمام أحمد رواية ثالثة، وهي: أنه إن صام الإمام صام الناس، وإن لم يصم الإمام لم يصم الناس، فالناس تبع لإمامهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصوم يوم تصومون، والأضحى يوم تضحون).

    والصواب القول الثاني، أنه لا يصام إلا بأحد أمرين: إما إكمال شعبان ثلاثين يوماً أو رؤية هلال رمضان، وأما إذا لم ير وحال دونه غيم أو قتر، فالقول أنه لا يصام، وهذه مسألة اشتد النزاع فيها، وهي مسألة طويلة أطال فيها أئمة الدعوة، وقرأنا في الدرر السنية صفحات طويلة وكثيرة ألف فيها رسالة مستقلة، وهي من المسائل التي اشتد النزاع فيها، وأما اختيار المؤلف رحمه الله ثلاثة أشياء فهو قول مرجوح، والصواب أنه لا يصام إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر، وأما قوله: (فاقدروا له) يعني: فاحسبوا له، ويفسره الحديث الآخر: (فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) والنصوص يفسر بعضها بعضاً.

    إذا رأى شخص الهلال لوحده

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإذا رأى الهلال وحده صام، فإن كان عدلاً صام الناس بقوله ].

    إذا رأى الهلال وحده صام؛ لأنه لا عذر له، فلو رآه وحده فيصوم، وإن كان عدلاً صام الناس لرؤيته، وإن لم يكن عدلاً ولم تقبل شهادته لا يصوم الناس، لا تقبل إلا شهادة عدل، وقيل: لا يصوم ولو رآه وحده حتى يصوم الناس؛ لقوله: الصوم يوم تصومون.

    والدليل: (أنه تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله أني رأيته؛ فصام وأمر الناس بالصيام).

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن كان عدلاً صام الناس بقوله، ولا يفطر إلا بشهادة عدلين، ولا يفطر إذا رآه وحده وإن صاموا بشهادة اثنين ].

    يعني: إذا رأى الهلال صام، لكن لا يفطر إلا بشهادة اثنين، فإذا أكمل ثلاثين يوماً لا يفطر، فيصوم ولو أكمل واحداً وثلاثين يوماً؛ لأنه إذا صام الناس بشهادة واحد فلا يفطروا إلا بشهادة عدلين أو بإكمال الشهر، أما إذا صاموا بشهادة اثنين فإنهم يفطرون إذا رأوا الهلال ويواصلون الشهر ثلاثين يوماً، ودخول رمضان يكفي فيه شهادة عدل، أما الخروج فلا بد فيه من شهادة اثنين، فإذا رأى الهلال وحده وردت شهادته، فإنه لا يفطر إلا مع الناس ولو زاد على الثلاثين يوماً.

    لما روى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين فإن شهد شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا) رواه النسائي .

    فاشترط للفطر أن يشهد اثنان، أما الصيام فيكفيه واحد إذا كان عدلاً.

    وحديث ابن عمر : (تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته؛ فصام وأمر الناس بالصيام) ولقصة الأعرابي أنه رأى الهلال فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أني محمد رسول الله؟ قال: نعم، فقال النبي: أذن يا بلال بالناس ليصوموا غداً) فدل على أنه يكتفى بشهادة واحد لدخول الشهر، أما خروجه فلا بد من اثنين، وقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن شهد شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا) لأنها شهادة يدخل بها في العبادة، فلم يقبل فيها الواحد كسائر الشهود.

    الأمور التي يخرج بها شهر رمضان

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولا يفطر إذا رآه وحده، وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوماً أفطروا، وإن كان بغيم ].

    إذا كان رأى الهلال اثنان، فإنهم إذا أكملوا الثلاثين يوماً أفطروا ولو لم يروا الهلال، فيفطرون بأحد أمرين: إما برؤية الهلال ليلة الثلاثين، فإن لم يروه وأكملوا ثلاثين يوماً أفطروا، هذا إذا شهد اثنان بدخول الشهر، أما إذا شهد واحد فقط، فإنهم لا يفطرون إلا بشهادة اثنين، أو الرؤية، وإن صاموا أكثر من ثلاثين يوماً.

    وأما شهادة النساء فالظاهر أن شهادة امرأتين بشهادة رجل، وهذا هو الأصل، إلا الشيء الذي يكون من خصائص النساء مثل الرضاع، ومثل البكارة والثيوبة فتقبل فيه شهادة امرأة واحدة؛ لأن هذا من خصائص النساء.

    عدم الإفطار إلى رؤية هلال شوال أو شهادة عدلين

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن كان بغيم أو قول واحد لم يفطروا إلا أن يروه أو يكملوا العدة ].

    هذا ما ذهب إليه المصنف، أنهم يصومون إذا كان في ليلة الثلاثين غيم أو قتر، أو بقول واحد لم يفطروا حتى يكملوه أو يرو الهلال.

    كيفية صيام الأسير

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام، فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزأه وإن وافق قبله لم يجزه ].

    إذا كان أسيراً في بلاد الكفار، ولا يعرف الأشهر، فإنه يتحرى ويصوم، فإن تبين له بعد ذلك أنه صام في الشهر أو بعده صح، وإن تبين له أنه صام قبل دخول رمضان فإنه يعيد، أما إذا لم يتبين له كأن اشتبه عليه الأمر، وليس هناك أحد يخبره، وسأل الكفار ولم يخبروه، وقد لا يوثق بهم، ثم تحرى وصام، ثم بعد ذلك تبين له أن صيامه كان موافقاً للشهر أو بعده صح، وإن تبين له أنه صام قبل دخول الشهر فإنه يعيد؛ لأنه أدى العبادة قبل دخول وقتها.

    ولا يقاس الصيام على الصلاة، فالصلاة لا يعيدها، أما الصيام فإنه يقضي؛ لأن رمضان لا يتكرر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534350

    عدد مرات الحفظ

    777182932