إسلام ويب

شرح عمدة الفقه كتاب الصيام [2]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المسلم إذا صام وجب عليه أن يحافظ على صومه مما يفسده، فيجتنب كل ما يعلم أنه يفسد عليه صومه، إلا إذا نسي أو أكره على فعل شيء منها فلا حرج عليه، ولا يجوز للمسلم أن يصوم أيام العيدين الفطر والأضحى، ولا أيام التشريق إلا الذي لم يجد الهدي، فيصوم أيام التشريق، وعلى المؤمن أن يتحرى ليلة القدر، وأن يعتكف ما استطاع لما فيه من الثواب والفضل.

    الحكم فيما إذا استعط أو وصل إلى جوفه شيء

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ما يفسد الصوم من أكل أو شرب أو استعط أو أو صل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى أو قبل أو لمس أو أمذى أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه فسد ].

    هذا الباب معقود للأشياء التي يفسد بها الصوم، وذكر أشياء منها: الأكل والشرب، فمن أكل أو شرب بهذين الشرطين: ذاكراً عامداً -ذاكراً: ضد الناسي، وعامداً: ضد المكره- فسد صومه، أما من أكل أو شرب ناسياً فصومه صحيح، ولا قضاء ولا كفارة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري رحمه الله: (من نسي فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) وكذلك إذا لم يكن مختاراً -يعني: كان مكرهاً- كأن صب في فمه الماء، وألجئ أو هدد بالسلاح أمامه فأكل أو شرب، فلا يفسد صومه في هذه الحالة؛ لأنه ليس له قصد ولا اختيار، ولهذا قيده المصنف فقال: ذاكراً عامداً، ذاكراً: ضد الناسي، وعامداً: ضد المكره، يعني: قاصداً لهذا الشيء، فله قصد في هذا وله اختيار من أكل أو شرب.

    وكذلك لو استعط بدهن أو غيره، يعني: جعل سعوطاً في أنفه؛ لأن الأنف منفذ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة : (.. وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فدل على أن الأنف منفذ، فإذا استعط بدهن أو غيره فوصل إلى حلقه ذاكراً عامداً أفطر.

    وكذا من قبل زوجته أو لمس أو باشر فأنزل فسد صومه، وكذا لو استمنى بيده أو بيد زوجته أو بغير ذلك فأمنى فسد الصوم.

    أما إذا أمذى ففيه خلاف، والمذهب أنه يفسد صومه، القول الثاني: وهو رواية عند الإمام أحمد : أنه لا يفسد وهو الصواب، لكن يأثم إذا تسبب في إفساد صومه وهو يعلم بذلك.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ من أكل أو شرب أو استعط أو أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى.. ].

    إذا أوصل إلى جوفه من أي شيء من أي موضع، وعلى هذا فالإبرة التي تصل إلى الجوف تفطر الصائم كإبرة العضل أو إبرة الوريد أو غيرها.

    وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الإيصال إلى الجوف لا يفطر، ومن ذلك القطرة في العين أو القطرة في الأذن؛ لأنهما ليسا منفذاً.

    ويقول: لم يجعل الله ولا رسوله وصول شيء إلى الجوف من المفطرات، ولأنه ليس أكلاً ولا شرباً، وليس في معنى الأكل والشرب، فلا تفطر الإبرة إذا كانت مكافحة للمرض سواء كانت في الوريد أو في العضل، بخلاف القطرة في العين أو في الأذن، فإن الأنف منفذ إذا وصلت إلى الحلق، ولكن الأحوط للمسلم أن يبتعد عن الإبر لاسيما في النهار، احتياطاً لهذه العبادة العظيمة، وأكثر الفقهاء على أنها تفطر، وإن كان ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله وجيه؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على أن الإيصال إلى الجوف مفطر، ولا يسمى أكلاً أو شرباً، أما الإبر المغذية فهذه تفطر بالاتفاق، وبعض المعاصرين فرق بين الإبرة في العضد وفي العضل، فقال: الإبرة في العضد تفطر، والإبرة في العضل لا تفطر، لكن التفريق ليس بظاهر.

    أما المغذية فهذه ما في إشكال أنها تغني عن الأكل والشرب، ومثل حقن الدم أيضاً في المريض؛ لأنه خلاصة الطعام والشراب.

    الاستقاء والاستمناء

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أو استقاء أو استمنى ] .

    استقاء الهمز والسين والتاء للطلب، يعني: استدعى القيء، بأن عصر بطنه مثلاً أو شم شيئاً يتقيأ به، أو أدخل أصابعه في حلقه فقاء فيكون مفطراً؛ لحديث: (من استقاء عمداً فليقض) أما إذا غلبه القيء وذرعه بدون اختياره فلا يفطر، يقول الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

    وإذا استمنى أي: استدعى خروج المني، فأمنى، فسد صومه، أو قبل زوجته فأنزل وأمنى يكون مفطراً.

    القبلة واللمس المؤدي إلى خروج المني

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أو قبل أو لمس أو أمذى أو حجم أو احتجم ].

    وهنا في عبارة ثانية: [ أو قبل زوجته فأمنى أو أمذى ]، يعني: نتيجة القبلة واللمس خروج المني، فهذا يفسد صومه وإذا أمذى فإنه يفسد على المذهب، والرواية الثانية عن الإمام أحمد أنه لا يفسد الصوم الإمذاء؛ لأن المذي: هو الماء الذي يخرج عند الملاعبة وانتشار الشهوة.

    أما المني: فهو ماء أبيض رقيق يخرج بقوة، وهو أصل الولد، فإذا أمذى فالصواب أنه لا يفطر، لكنه يأثم إذا تسبب ويعلم أنه يؤدي إلى الإمذاء، والمذهب على أنه يفسد سواء أمذى أو أمنى.

    حكم الاحتجام عمداً

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أو حجم أو احتجم عامداً ].

    إذا حجم أو احتجم عامداً ذاكراً فسد صومه، كما في حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم).

    وذهب جمهور العلماء إلى أن الحجامة لا تفطر، وقالوا: إن حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) منسوخ، وكان هذا أولاً، وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: (احتجم وهو صائم)، وفي بعضها : (احتجم وهو محرم).

    قال ابن القيم رحمه الله: لا يتم دعوى النسخ إلا إذا كان ما حدث أمور أربعة:

    لابد أن تثبتوا أولاً أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو مقيم غير مسافر.

    ولابد أن تثبتوا أنه احتجم في فرض دون نفل.

    ولابد أن تثبتوا أنه احتجم وهو صحيح غير مريض.

    ولابد أن تثبتوا أن قوله: (أفطر الحاجم والمحجوم) كان أولاً حتى يتم النسخ، فإن تمت هذه الأمور الأربعة قلنا بالنسخ، وإلا فلا يقال بأنه نسخ: (أفطر الحاجم والمحجوم).

    ولهذا ذهب شيخ الإسلام رحمه الله وجماعة من المحققين إلى أن الحجامة تفطر، وهذا هو الأحوط، والجمهور على أن الحديث منسوخ، وأن الحجامة لا تفطر، ومن باب أولى سحب الدم.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه فسد ].

    لابد من التقييد عامداً ذاكراً، فإن كان مكرهاً أو ناسياً فلا؛ لقول الله تعالى:رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] قال الله: قد فعلت.

    الأمور التي لا تفطر إذا فعلها ناسياً مكرهاً

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن فعله ناسياً أو مكرهاً لم يفسد صومه وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار، أو تمضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء، أو فكر فأنزل أو قطر في إحليله، أو احتلم أو ذرعه القيء لم يفسد صومه ].

    لأنه في هذه الأمور لا اختيار له، فإذا طار إلى حلقه ذباب أو غبار لا يفسد صومه، وكذا لو تمضمض أو استنشق فخر شيء من الماء إلى بطنه لا يفسد صومه، وكذلك لو فكر فأنزل لا يفسد صومه؛ لأنه ليس له اختيار في دفع التفكير، وكذا لو احتلم وهو صائم، فيغتسل وصومه صحيح.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أو قطر في إحليله ].

    يعني: قطر في الذكر فلا يفطر؛ لأنه يصل إلى المثانة ولا يصل إلى الجوف، فلا يفسد الصوم إذا قطر في الذكر، ومثله تحليله في الدبر على الصحيح.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أو احتلم أو ذرعه القيء ].

    قوله: (احتلم) لأنه غير متخير وكذا إذا ذرعه القيء وغلبه فلا يفسد؛ لأنه لا اختيار له.

    مسألة: البخور لا ينبغي أن يشمه، وإذا شمه متعمداً أفطر عند كثير من الفقهاء؛ لأن له أجزاء لطيفة تصل إلى الدماغ، ولا ينبغي أن يشمه فيحتاط فيه، والقول بتفطيره فيه نظر، لكن ينبغي للإنسان أن يحتاط إذا شم البخور، فإذا شمه واستنشق -يعني: ذاكراً متعمداً ففي المذهب أنه يفطر، وعند الفقهاء يفطر.

    حكم من أكل يظنه ليلاً فبان نهاراً

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن أكل يظنه ليلاً فبان نهاراً فعليه القضاء ].

    يعني: إذا أكل في آخر الليل يظن أن الليل ما زال باقياً، فتبين أن أكله كان بعد طلوع الفجر، فعليه القضاء على المذهب، وهو قول جمهور العلماء.

    القول الثاني لأهل العلم: أنه ليس عليه قضاء، وصومه صحيح، كمن أكل يغلب على ظنه أن الشمس غربت، ثم تبين أنها لم تغرب، فلا يقضي في الصورتين.

    وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة إلى القول الثاني لأهل العلم- واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية : وهو أنه لا يقضي في الصورتين؛ لأنه معذور بجهله في الحال، فإذا أكل في آخر الليل يظن أن الليل باقياً، ثم تبين أن الفجر قد طلع فلا يفطر؛ لأنه معذور بجهله بالحال، وكذلك لو أكل يظن أن الشمس قد غربت ثم تبين أنها لم تغرب فإنه لا يقضي؛ لأنه معذور بجهله في الحال.

    والجمهور على أنه يقضي في الصورتين وهو الأحوط، وكونه معذوراً في أنه لا يلحقه إثم، أما القضاء فإنه يقضي، ومن أكل شاكاً في طلوع الفجر ولم يتبين أنه طلع فصومه صحيح؛ لأن الأصل بقاء الليل، ومن أكل شاكاً في غروب الشمس ولم يتبين أنها غربت فعليه القضاء؛ لأن الأصل بقاء النهار، فالعبرة بالأصل.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن أكل يظنه ليلاً فبان نهاراً فعليه القضاء، ومن أكل شاكاً في طلوع الفجر لم يفسد صومه ].

    لأن الأصل بقاء الليل، إذا كان شاكاً ولم يتبين له فصومه صحيح.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن أكل شاكاً في غروب الشمس فعليه القضاء ].

    لأن الأصل بقاء النهار، إلا إذا تبين له أنها غربت.

    والظن هو شك غالب، أي: هو تردد بين الشيئين أحدهما غالب.

    والشك: أن يستوي الطرفان، فإذا شك في شيء، يعني: تردد فيهما على حد سواء، فهو شك وإذا غلب أحد الأمرين فيسمى ظناً، والثاني المرجوح يسمى وهماً.

    وكأن مراده بالظن هنا الشك، فيطلق الظن على الشك، فمن أكل يظنه ليلاً فبان نهاراً، إذا بان ولو كان عنده غلبه الظن، حتى ولو كان عنده يقين أن الليل باقٍ ثم تبين أنه نهار فيقضي، والسبب أنه قال: ثم بان، أما إذا لم يتبين فليس عليه شيء، فهو أكل وعنده ظن غالب بل عنده يقين أن الليل باقٍ، ثم تبين له أن الناس صلوا وهو يأكل، فهذا يقضي؛ لأنه صار يقينه لا عبرة به.

    أما شيخ الإسلام فلا يرى عليه القضاء في هذه الحالة؛ لأنه جاهل بالحال.

    وإذا أذن المؤذن قبل الوقت فأفطر، ثم تبين أن الشمس ما غربت، فإنه يقضي عند الجمهور، كما في قصة أسماء : (أفطرنا في يوم غيم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) قال: وسئل هشام عن القضاء؟ قال: لابد من قضاء.

    و شيخ الإسلام يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمرهم بالقضاء، ولو أمرهم لبقي، وأما قول هشام : لابد من قضاء، فهذا باجتهاد منه، والجمهور أخذوا بقول هشام : لابد من القضاء.

    وإذا أكل ظاناً أن الشمس غربت ثم أخبر بعد أنها لم تغرب فكما سبق، يقضي على المذهب وهو قول الجمهور.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088557282

    عدد مرات الحفظ

    777308924