روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع) ].
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين، فكيف يقول المؤلف روي بصيغة التمريض؟ مع أنه ثابت في الصحيحين؟! (من باع نخلاًً فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع)، وفي هذا الحديث دليل على أن من باع نخلاً قد أبر -يعني: لقح- فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع على المشتري، فإذا باع الإنسان نخلاً وفيه تمر قد لقح فالثمرة للبائع، وإن كان لم يلقح فهو للمشتري، إلا إذا اشترط المبتاع وقال: أنا اشتريت منك النخيل، وأشترط عليك أن هذه الثمرة لي ولو لقحت فهو على الشرط، أما إذا لم يشترط فإن الثمرة تكون للبائع، وكذلك غير النخيل من الأشجار إن كانت الثمرة ظهرت وبدت فهي للبائع، وإن كانت لم تظهر وما زالت خفية فهي للمشتري، وبعضهم علقه، فقال: التأبير هو التلقيح، وبعضهم قال: ظهور الثمرة، والأقرب أنه التلقيح، وهو أن يأخذ شيئاً من طلع نخل ذكر ويذره في طلع النخل الأنثى، هذا هو التأبير، ويسمى تلقيحاً، فإذا لقح صار تمراً صالحاً، وإذا لم يلقح لا يكون صالحاً.
قال: [ وكذلك بيع الشجر إذا كان ثمره بادياً ].
ويقاس ثمر الشجر على ما سبق فإذا كان بادياً يكون للبائع، وإن لم يكن بادياً يكون للمشتري.
قال: [ فإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة فهو للبائع ما لم يشترطه المبتاع، وإن يجز مرة بعد أخرى فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع ].
إذا كان فيه ثمر لا يقطفه إلا مرة واحدة فهو للبائع إلا إذا اشترط المشتري، وإن كان يجز مرة بعد مرة فالأصول تبقى للمشتري، والجزة الظاهرة تكون للبائع، والجزات التي بعدها تكون للمشتري.
أما إذا باعها قبل بدو صلاحها فلا يجوز، إلا إذا اشترط القطع، يعني: اشترط القطع علفاً للدواب فبعض النخل أخضر، لكن قلت: أنا لا أريده للأكل، بل أريد أن أقطعه للدواب، فلا بأس أن يشترط القطف في الحال، أما إذا لم يقصد القطع فلا يجوز حتى يبدو صلاحه، وبدو الصلاح أن يحمر أو يصفر كما سيأتي، وفي العنب أن يسود ويتموه، وفي كل ثمر حتى يبدو النضج؛ لأنه في هذه الحالة يأمن من الآفة، بخلاف ما إذا لم يبد صلاحه فإنه يكون عرضة للآفة والتلف.
قال: [ ولو باع الثمرة بعد بدو صلاحها على الترك إلى الجذاذ جاز فإن أصابتها جائحة رجع بها على البائع؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) ].
وهذا هو الصواب، فإذا اشترى التمر ثم أصابتها جائحة سماوية يرجع الثمن على البائع ولو كان البيع بعد بدو الصلاح؛ لأنه أخذها بدون مقابل، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم لكن الصواب ما دل عليه الحديث.
قال: [ وصلاح ثمر النخل أن يحمر أو يصفر والعنب أن يتموه، وسائر الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله ].
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما، فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع، إلا أن يشترط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة ].
الخيار: اسم مصدر اختار، أي: طلب خير الأمرين، من الإمضاء أو الترك، واختار يختار والمصدر اختيار، واسم المصدر خيار؛ لأن اسم المصدر ينقص حروفه عن المصدر، فالخيار اسم مصدر اختار، أي: طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الترك، وإذا باع شيئاً أو اشترى شيئاً فإنهما بالخيار ماداما في المجلس ما لم يتفرقا بأبدانهما، والتفرق يكون بالأبدان، فإذا اشتريت من إنسان سيارة وأنتما جالسان في البيت تشربان القهوة، وجلستما ساعة أو ساعتين فهذا خيار المجلس، فإذا أراد أحد أن يفسخ البيع وقال: أنا اشتريت منك قبل ساعة ونحن جالسان في المجلس، لكن الآن بدا لي أن أفسخ؛ لأنني تهورت، فلا أرغب في شرائها.
في هذه الحالة له ذلك؛ لأن في مجلس الخيار، فإن تفرقا بالأبدان فقد وجب البيع وانتهى الخيار، إلا إذا اختار إسقاط الخيار، كما جاء في الحديث: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر) كما مر معنا في شرح البلوغ، فإذا اختار إسقاط الخيار يلزم بمجرد العقد، وكذلك إذا اشترط الخيار مدة معلومة، كأن يشتري أحدهم سيارة من آخر ويقول: لي الخيار ثلاثة أيام أو شهراً أو شهرين فهما على المشارطة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)، والصواب: أن التفرق يكون بالأبدان، هذا هو الذي عليه الجماهير وهو ما دل عليه الحديث، ومر معنا في البلوغ في رواية: (حتى يتفرقا من مكانهما)، بلفظة (من مكانهما)، خلافاً لـمالك رحمه الله، فإنه قال: يتفرقا بالأقوال، وهذا ضعيف؛ لأنه يسقط فائدة هذا الحديث، وهو راوي الحديث أيضاً، ومع ذلك ذهب إلى أن التفرق بالأقوال لا بالأبدان، حتى تشدد بعض الخصوم، فقال -من باب المبالغة-: ينبغي أن يؤدب مالك لمخالفته للحديث.
والصواب: أن التفرق إنما يكون بالأبدان، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه إذا باع فأراد أن يلزم البيع مشى خطوات، ثم رجع إليه، وهذا محمول على أنه ما بلغه، ولهذا جاء في الحديث: (ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)، لكن هذا محمول على أن ابن عمر لم يبلغه النهي فلا ينبغي للإنسان إذا اشترى سلعة أن يقوم حتى يمضي البيع، فعليه أن يجلس، والحمد لله كل واحد بالخيار، فقد يبدو لك أنك لا ترغب في السلعة فتردها إلى صاحبها.
قال: [ البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما، فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع، إلا أن يشترط الخيار لهما، أو لأحدهما مدة معلومة، فيكونان على شرطهما، وإن طالت المدة إلا أن يقطعاه، وإن وجد أحدهما بما اشتراه عيباً لم يكن علمه فله رده أو أخذ أرش العيب ].
إذا وجد في السلعة عيباً فهذا له الخيار، ويسمى خيار العيب، فهناك خيار المجلس وخيار الشرط وخيار العيب (الغرر) فإذا وجد بها عيباً فله الخيار إن شاء ردها وأخذ المال، وإن شاء أبقاها وأخذ الأرش، والأرش هو الفارق بين الصحيح والمعيب، فإن اشترى مثلاً سيارة بخمسين ألفاً، ثم وجد بها عيباً، فقال: أنا أريد السيارة، لكن أريد مقابل هذا العيب فينظر أهل الخبرة كم يساوي هذا العيب، وكم تساوي السيارة إذا كانت معيوبة، فإذا قالوا: تساوي ثلاثين ألفاً، وتساوي الصحيحة خمسين ألفاً، فيقول: إذاً سلموا الأرش، والأرش عشرون ألفاً وهو الفارق، أو يرد المشتري السيارة ويرد البائع الدراهم.
قال: [ وما كسبه المبيع أو حدث فيه من نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له؛ لأن الخراج بالضمان ].
إذا حصل المبيع وحصل فيه نماء فإنه يكون للمشتري، فمثلاً إنسان اشترى سلعة وجلست عنده سنة، ثم تبين فيها عيب، لكن في هذه السنة المبيع حصل فيه زيادة شجر وصار فيها ثمر أو دابة ولدت ثم رد السلعة إلى صاحبها فإن النماء يكون للمشتري وليس للبائع؛ لأن الخراج بالضمان، والخراج هو النماء والزيادة، يعني: مقابل الضمان، يعني: كما أنها لو تلفت السلعة وهي عند المشتري ضمنها فكذلك إذا كسبت يكون له الكسب، فالكسب الذي يكون للمشتري مقابل الضمان الذي يضمنه لو تلف، فالخراج بالضمان.
قال: [ وإن تلفت السلعة أو عتق العبد أو تعذر رده فله أرش العيب ].
إذا اشترى سلعة وجلست عنده سنة وتلفت هذه السلعة، ولكن تبين أن فيها عيباً قبل أن تتلف، نقول للبائع: رد عليه الأرش، وأعطه مقابل النقص في العيب؛ لأن السلعة لا يمكن ردها، أو اشترى عبداً وتبين فيه عيب، كأن يكون سارقاً فهذا نقص، فنقول للبائع: أعط المشتري الأرش مقابل هذا العيب، فإذا كان العبد يساوي مثلاً مائة ألف، وإذا كان يسرق لا يساوي إلا سبعين ألفاً، نقول: أعطه الأرش ثلاثين ألفاً.
هذا حديث فيه النهي عن التصرية، والتصرية: حبس اللبن في الضرع، فإذا أراد أن يبيع الشاة أو البقرة أو الناقة ترك حلبها يوماً أو يومين حتى يكون الضرع ممتلئاً، فإذا جاء المشتري يغتر ويقول: إن هذا حليبها يومياً، وهو متروك يومين أو ثلاثة، ويسمى تصرية وهذا عيب، فإذا باع الدابة على أن هذا حليبها في كل يوم، وجاء المشتري في اليوم الثاني وحلبها فوجد أنها لا تحلب إلا ربع ما حلبت في اليوم الأول فقد تبين العيب، فهذا بالخيار إن شاء أمسكها بعيبها، وإن شاء ردها ورد معها صاعاً من تمر، قطعاً للنزاع ومقابل الحليب الذي شربه أما إذا ردها قبل أن يحلبها فليس فيه إشكال، لكن إذا حلبها نقول: أنت بالخيار، إن شئت أمسكتها على ما فيها من اللبن القليل، وإن شئت رددتها ومعها صاعاً من تمر، فقد جعل له النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخيار في هذا؛ إذا حلبها فهو بخير النظرين إن شاء أمسكها على ما فيها من نقص، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر قطعاً للنزاع، فإن لم يكن معه في بيته تمر يعطي قيمة التمر.
(كذلك كل بيع مدلس) من التدليس وهي الظلمة، فكل عيب مدلس؛ يعني: أخفى العيب، فإذا تبين العيب فإن المشتري بالخيار إما أن يرده وإما أن يمسكه ويأخذ الأرش، مثل: الجارية التي حمر وجهها وسود شعرها. وهذا يدل على قوة المسلمين فكان المسلمون يقاتلون ويغنمون من الأعداء نساءهم وذراريهم ويصيرون عبيداً يباعون ويشترون ويتناسلون، ولا يوجد عبيد في زماننا؛ وهذا يدل على ضعف المسلمين في الجهاد؛ لأن الرق يدل على قوة المسلمين.
وبعض الناس يظن أن النساء اللاتي يخدمن في البيوت أنهن من الجواري، فيجامعوهن وهذه مصيبة، فالخادمة في البيوت ليست مثل الجارية، فالجارية هي الأمة التي تباع وتشترى وسببها الكفر، ولسيدها أن يتسراها وله أن يزوجها وله أن يبيعها، أما الخادمات فهن أحرار لا إماء، فالخادمة مستأجرة للخدمة، وقد يكون لها أولاد، أو ليس لها أولاد، ولا يجوز استخدامها إلا بمحرم.
وفي الزمان الماضي كان بعض الناس يدلس فيبيع جارية كبيرة في السن ويحمر وجهها حتى تكون كأنها شابة، فإذا اشتراها الإنسان ظن أنها شابة، ثم يتبين له فيما بعد أنها عجوز شمطاء، أو غير ذلك من طرق التدليس في بيع الإماء، فإذا تبين أن هذا عيب فإنه إما أن يردها وإما أن يأخذ الأرش.
وقوله: (وكذلك كل مدلس لا يعلم تدليسه فله رده كجارية حمر وجهها أو سود شعرها أو جعده) فهذا عيب من العيوب لرد المبيع.
قال: [ أو رحى ضم الماء وأرسله عليها عند عرضها على المشتري ].
أي: لما أراد أن يبيع الرحى جمع الماء وصبه عليها حتى تدور بقوة وبسرعة أمام المشتري فيظن المشتري أن هذا عملها، وأنها جيدة، فلما جف الماء الذي وضعه عليها صارت ضعيفة في دورانها فهذا عيب، فإذا تبين هذا فإما أن يردها وإما أن يأخذ الأرش.
وإذا كان هناك عيب أخفاه البائع ثم تبين بعد ذلك، فإن المشتري يرجعها ويأخذ الأرش.
ويجب على البائع أن يبين العيب، ويأثم إذا لم يبينه، وإذا تبين العيب للمشتري فهو بالخيار، فله أن يردها وله أن يبقيها. وإذا أحب المشتري أن يبقيها على ما فيها من عيب إذا رضي بالعيب فلا بأس.
قال: [ وكذلك لو وصف المبيع بصفة يزيد بها ثمنه فلم يجدها فيه كصناعة في العبد أو كتابة ].
كما لو باع رجل عبداً وقال أنه نجار أو خراز أو بناء أو سباك أو دهان، فلما بيع على المشتري تبين أنه لا يعرف أن يصنع شيئاً مما سبق، فهذا عيب؛ لأنه وصفه بصفة يزيد بها على المشتري، وظن المشتري أنه سيعمل، فلما جاء وجده لا يعرف شيئاً أبداً.
فلو أنه ما دام أن معه حرفة أو صناعة كانت قيمته ثمانين ألفاً، فلما تبين أنه ليس عنده شيء، سألنا أهل الخبرة فقالوا: لا تساوي قيمته إلا خمسين ألفاً فقط، فيرد للمشتري ثلاثين ألفاً أو يفسخ البيع.
قال: [ أو أن الدابة هملاجة والفهد صيود أو معلم ].
وكذلك لو قال البائع أن الدابة هملاجة بمعنى: سريعة العدو والجري ثم تبين للمشتري أنها بطيئة فهذا يعتبر عيباً، فللمشتري الفسخ أو الأرش.
والفهد هو السبع المعروف، والفهد للصيد وكذا الكلب المعلم، فالفهد والكلب لا يباعان؛ لأن السباع ليس لها ثمن ولا تباع، إلا الصقر فإنه مستثنى مع أنه لا يؤكل.
قال: [ أو أن الطائر مصوت ونحوه ].
أي: إذا جاء أحد الناس وطرق الباب فإن الطائر يصوت ليعلم صاحب البيت أن أحداً من الناس قد دخل، فلو تبين للمشتري أن هذه الصفة ليست فيه فله أن يرده أو يأخذ الأرش.
أي: إذا كان عنده سلعة وقال لرجل: أنا اشتريت هذه السلعة بمائة وأريد أن أربح منك العشر، وهو عشرة، أي: اشتريتها بمائة وبعتها بمائة وعشرة، فلما قبضها المشتري وجد أن البائع اشتراها بتسعين، فهنا ترد للمشتري العشرة؛ لأن المرابحة هكذا.
قال: [ وإن بان أنه غلط على نفسه خير المشتري بين رده وإعطائه ما غلط به ].
ولو غلط البائع بالثمن فقال أنه اشتراها بمائة وعشرة وقيمتها مائة فقط، خير المشتري بين إعطائه ما غلط عليه وهي العشرة وبين إمضاء البيع.
قال: [ وإن بان أنه مؤجل ولم يخبره بتأجيله فله الخيار بين رده وإمساكه ].
يعني: بعت عليك هذا البيت مؤجلاً إلى سنة، فقلت: أنا ما أخبرت أنه بالأجل وما تبين لي، فأنت مخير بين أن تقبل أو ترد.
قال: [ وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا، ولكل واحد منهما الفسخ إلا أن يرضى بما قال صاحبه ].
لو اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن، فقال الأول: أنا بعت هذه السيارة بمائة ألف، وقال الآخر: أنا اشتريتها بتسعين، فإنهما يتحالفان ويتفاسخان، فيحلف البائع أنه باعها بمائة ويحلف المشتري أنه اشتراها بتسعين ويتفاسخان إلا أن يرضى أحدهما، أي: البائع والمشتري.
[ باب السلم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم) ].
السلم: هو تعجيل الثمن وتأجيل المثمن؛ بأن يقدم الدراهم ويؤخر السلعة، ولابد في المثمن من الصفات المنضبطة، ولابد من تحديد الأجل.
فمثلاً: إذا أسلم في سيارة فأعطاه -مثلاً- خمسين ألف ريال في سيارة في الذمة، فالثمن معجل وهو الخمسون ألفاً، فلا بد من قبض الثمن في الحال، ولا بد في المثمن وهي السيارة من أن يضبطها بالأوصاف الكاملة فيقول: سيارة صغيرة أو كبيرة، وموديلها كذا، ونوعها كذا، وإذا كان مكيلاً أو موزوناً فلابد من ضبطه بالكيل أو الوزن، ولابد من تحديد الأجل بعد سنة أو بعد ستة أشهر؛ لما ثبت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم)، ويقال فيه: سلم وسلف، وأسلف أو أسلم، قوله: (فكانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين) يعني: يعطون الثمن مقدماً كمائة ريال مثلاً بمائة صاع من التمر الموصوف بعد سنة، أو بمائة صاع من البر بعد سنة أو بعد ستة أشهر، ولهذا لما قدم النبي المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، أي: يعطون الثمن مقدماً والمثمن يكون مؤجلاً بعد سنة أو سنتين في التمر أو البر قال: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم)، فلابد من ضبطه بالكيل إذا كان مكيلاً أو بالوزن إذا كان موزوناً، ولابد من تحديد الآجال، وإذا كان غير مكيل أو موزون فبالصفات التي تضبطه وتحدده، ولابد من قبض الثمن معجلاً، وإذا كان معدوداً أيضاً لابد من ضبطه بالعد، وإذا كان مذروعاً فلا بد من ضبطه بالذرع.
يصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة، سواء كان في السيارات أو في الحيوانات أو في الثمار أو في الحبوب أو في الأمتعة، فكل ما ينضبط ويعرف ويتحدد بالصفة يصح السلم فيه، ولابد من تحديد الآجال، وذكر قدره إذا كان مكيلاً بالكيل، أو موزوناً بالوزن كأن يكون مائة كيلو أو بالصاع مائة صاع.
ولابد أن يكون الأجل معلوماً ومحدداً كأن يكون بعد سنة أو بعد ستة أشهر، ولابد من قبض الثمن مقدماً، فالبائع يقبض الثمن مقدماً، والمشتري يستفيد من المثمن المؤجل في وقته.
مثلاً: إذا كان في ثمر أو حبوب ففي السنة يقبضه مرتين، فيقبض مائة صاع بعد ستة أشهر والمائة صاع الأخرى بعد ستة أشهر فهذا لا بأس به.
قال: [ وإن أسلم ثمناً واحداً في شيئين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس ].
أي: إذا أسلم ثمناً واحداً في شيئين كمائة ألف في سيارتين فلا يصح هذا فلا بد من تحديد ثمن كل سلعة مع الوصف.
قال: [ ومن أسلف في شيء لم يصرفه إلى غيره ].
أي: إذا أسلم في سيارة شبح بسعر خمسمائة ألف ووصفها كذا وكذا، قال له: أعطيك بدل سيارة الشبح بيتاً فليس له أن يصرفه من السيارة إلى البيت؛ لأن السلم كان في سيارة، فهذا لا يصح.
ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه، فإذا أسلمت في سيارة بعد سنة ولما بقي على السنة شهرين بعتها، فليس ليس لك أن تبيعها حتى تقبضها.
وكذا لو قلت: سأحولك على هذه السيارة التي أسلمتها من فلان فليس لك أن تحولها قبل قبضها، فإذا قبضتها ففي هذه الحالة تتصرف فيها ما تشاء ببيع أو حوالة.
قال: [ وتجوز الإقالة فيه أو في بعضه؛ لأنها فسخ ].
فلو أعطاه مائة ألف لأجل سيارة، ثم لما مضت ستة أشهر قال له: أنا ما أرغب في السيارة، فلا بأس أن ترد عليه مائة ألف لأنها فسخ.
أو لعله يقيل في بعضها كما لو أعطاه مثلاً خمسة آلاف بألف كيلو سكر أو عشرة آلاف بألف فلما مضى قال: لعلك تقيلني فلا أريد إلا خمسين في المائة، فلو أعطيتك عشرة آلاف فإنك ترد علي خمسة آلاف، ويبقى خمسة آلاف، فهذا لا بأس به.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر