إسلام ويب

كان خلقه القرآنللشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في القرآن الكريم عظات وعبر بثها الله تعالى في آياته وسوره، ومن ذلك ما فرقه تعالى في سورة غافر بذكر بعض صفاته تعالى في فاتحتها، وذكر حال حملة العرش في تسبيحهم لربهم واستغفارهم للمؤمنين، وذكر حال الكافرين يوم القيامة، وذكر خبر مؤمن آل فرعون في وسطها. ومن ذلك ما ذكره تعالى في سورة الأعراف من الدعوة إلى العفو والصفح والإعراض عن الجاهلين، والبعد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ومنه أيضاً ما ذكره تعالى في سورة طه من الأمر بسؤال الزيادة من العلم، وكل ذلك فيه زاد للمؤمنين.

    1.   

    ذكر أوصاف خَلْق رسول الله صلى الله عليه وسلم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى وأخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فما عسى أن يقول عبد مثلي عن رسول الله وقد شرح الله له صدره ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره.

    أيها المسلم! نخاطبك في هذه الكلمات ونحن نحاول أن نعرج فيها على مفهوم بعض الآيات من كتاب الله الكريم الذي جعله الله جل وعلا حجةً على المعاندين، ورحمةً للعالمين، وهدى ونوراً لمن سلك الصراط المستقيم، أنزله الله جل وعلا على خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا حديث عن النبي وحديث عن القرآن الذي أنزل على هذا النبي، حديث عن رسول الهدى ونبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه.

    أما هيئته الخلقية فقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم ربعةً من القوم، لا بالطويل البائن ولا بالقصير الممتهن، كما كان عليه الصلاة والسلام سبط الشعر، ليس شعره بالمسترسل ولا بالملتوي، في جبهته عرق يجره الغضب، فإذا غضب صلى الله عليه وسلم في ذات الله امتلأ هذا العرق دماً.

    أزج الحواجب في غير قرن، طويل أشفار العينين، أشم الأنف، كث اللحية، والشيب فيه ندرة، إلا في صدغيه الأيمن والأيسر، وأكثر شيبه في عنفقته أسفل شفته السفلى صلوات الله وسلامه عليه.

    كأن عنقه أبريق فضة، بعيد ما بين المنكبين، ومن بين كتفيه من الخلف شعيرات سود اجتمعن بعضهن إلى بعض فعرفن بخاتم النبوة كأنه بيضة حمامة.

    ومن وهبة صدره إلى أسفل سرته خيط ممتد، ليس في صدره ولا في بطنه شعر غيره؛ ولهذا عبر عنه أهل السير بأنه دقيق المشربة، سواء الصدر والبطن، إذا أشار أشار بيده كلها، وإذا تعجب من شيء قلب كفيه، وإذا تعجب -كما عند البخاري في الأدب المفرد- عض على شفتيه صلوات الله وسلامه عليه.

    1.   

    من الميلاد إلى البعثة

    ولد عليه الصلاة والسلام بعد أن مات أبوه وهو حمل في بطن أمه، فتعلق بأمه، فما أن تعلق بتلك الأم وبلغ من العمر ست سنين حتى توفيت تلك الأم؛ ليتعلق صلى الله عليه وسلم -شأنه شأن أي يتيم الأبوين- بجده، لكن ذلك الجد لم يمكث راعياً إلا سنتين أخريين، فمات فكفله عمه أبو طالب ، ثم من الله جل وعلا عليه على رأس الأربعين بأن ختم به النبوات، وأتم به الرسالات، فقال له جل وعلا: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5].

    ولم يكلفه ببعثة ولا برسالة، ثم أنزل عليه بعد أن رجع إلى دار خديجة متزملاً في ثيابه يقول: (دثروني دثروني) أنزل الله عليه: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:1-2] وقال له: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] فأنذر عشيرته الأقربين، ثم توالى التكليف: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [الشورى:7] فأنذر أم القرى ومن حولها، فزاد التكليف: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] صلوات الله وسلامه عليه.

    الحديث عنه يجول ويحول وإن كان مكرراً، فيؤثر في النفوس وإن كان معروفاً، وليس المتحدث عنه يستطيع أن يقول شيئاً جديداً، ولكنه يستطيع أن يحيي قلوباً ميتة بسيرته العطرة وأيامه النضرة صلوات الله وسلامه عليه.

    والقرآن أعظم ما من الله به على نبينا صلى الله عليه وسلم.

    جاء النبيون بالآيات فانصرمت وجئتنا بحكيم غير منصرم

    آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدم

    أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم

    صلوات الله وسلامه عليه.

    1.   

    تأملات قرآنية في سورة غافر

    تدبر في فاتحة سورة غافر

    ولذلك نرى أن تدبر القرآن هو أعظم شيء، على معنى قول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (كان خلقه القرآن) صلوات الله وسلامه عليه.

    وما عمل أحد بالقرآن ولا فقه القرآن مثل نبينا صلوات الله وسلامه عليه، ولما تمثل القرآن عليه الصلاة والسلام كان أشجع الناس قائداً وأفضلهم زوجاً وأكرمهم أباً ووالداً، كما كان صلى الله عليه وسلم أصدق الناس وفاءً وأحسنهم جيرة، وهو مع ذلك كله كان أحسن من يقف في المحراب بين يدي الله، وأفضل من يقف في فلق الأسحار يستغفر ربه ويدعوه ويرجوه، ويسأله جل وعلا، ويقف بين يدي ربه، يقيم الليل ويحييه بما أنزل الله عليه من القرآن.

    وهذه وقفات وعظات بما أنزل الله تبارك وتعالى على نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فقد قال الله جل وعلا له في صدر سورة غافر -وهي أولى الحواميم، والحواميم سبع سور في القرآن متتابعات تبدأ بغافر وتنتهي بالأحقاف- قال الله له في تلك السورة الكريمة: حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:1-3] .

    فالقرآن أعظم ما أنزله الله، والنزول في القرآن ورد مطلقاً وورد مقيداً، فورد مطلقاً فلا يذكر الله جل وعلا المصدر الذي أنزل منه، وأحياناً يرد مقيداً بأن الله يذكر المصدر الذي أنزل منه، ولم يورد الله نزولاً في القرآن منسوباً إلى ذاته العلية إلا كلامه، حيث قال تعالى: حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [غافر:1-2] .. وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ [الشعراء:192-193]، تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [فصلت:2] .

    وليس في القرآن شيء أخبر الله عنه أنه منزل من عنده ونسبه إلى ذاته العلية إلا القرآن، أما غير ذلك فقد أنزل الله الماء من السماء والملائكة من السماء، وقال جل ذكره: فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [البقرة:59]، أما القرآن فقد نزل به جبريل من عند الرب تبارك وتعالى على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.

    يقول تعالى: حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [غافر:1-2]، ثم توالت الآيات تبين بعض صفات رب العزة والجلال سبحانه وتعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:3] .

    قوله: (ذِي الطَّوْلِ) أي: ذي المنة و(غَافِرِ الذَّنْبِ) أي: يغفر الذنوب، وهاتان صفتا رحمة توسطتهما صفة شدة وانتقام للرب تبارك وتعالى، حيث قال سبحانه: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ).

    بهذه الآيات يخوف الله جل وعلا عباده، ويحيي تبارك وتعالى قلوب وأنفس المؤمنين، وقد فقه صلى الله عليه وسلم كل ذلك، فلما أنزل الله عليه جل وعلا قوله: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:1-2] كان صلى الله عليه وسلم في حجرات أمهات المؤمنين الملاصقة لشرقي المسجد فيهن أنس يغدو ويروح بحوائجه، وفيهن أمهات المؤمنين، كل واحدة منهن لها حجرة، تخل تلك الحجرات من موضع سجود له عليه الصلاة والسلام، فشهدت بسجوده وقيامه بين يدي ربه تبارك وتعالى.

    لما أتتك قم الليل استجبت لها تنام عينك أما القلب لم ينمِ

    الليل تسهره بالوحي تعمره وشيبتك بهود آية استقمِ

    يا ليتني كنت فرداً من صحابته أو خادماً عنده من أصغر الخدمِ

    تدبر في إخباره تعالى عن تسبيح حملة العرش ومن حوله واستغفارهم للمؤمنين

    قال الله جل وعلا في سورة غافر: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر:7].

    العرش سقف المخلوقات، والله جل وعلا مستو عليه استواءً يليق بجلاله وعظمته، ومع استواء الله جل وعلا على العرش فإن للعرش حملة يحملونه، قال سبحانه: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) فهذه طائفة، ثم قال: (وَمَنْ حَوْلَهُ) الواو للعطف، والعطف يقتضي المغايرة، أي أن من حول العرش غير حملة العرش، فحملة العرش يحملون العرش، ومن حول العرش يطوفون حول العرش، وكلهم مخلوقون عبيد مقهورون لرب العالمين جل جلاله يسبحون بحمده ويكثرون من ذكره، قال الله عنهم: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) عظم علمهم بالله فعظم فرقهم من الرب تبارك وتعالى، وعظم إجلالهم له جل وعلا، عرفوا ربهم فخافوا منه.

    والعبد كلما كان بالله أعرف كان له أتقى ومنه أخوف، قال صلى الله عليه وسلم: (مررت ليلة أسري بي وجبريل كالحلس البالي من خشية الله) وهو -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أما إني أعلمكم بالله وأشدكم لله خشية) فما دام عليه الصلاة والسلام أعلم الخلق بالله فهو -صلوات الله وسلامه عليه- أشد الخلق لله خشية.

    يقول سبحانه: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ).

    نقول كما قال الله: إن الله تعالى مستغن عن حملة العرش ومن حول العرش والعرش، وحملة العرش وسائر الخلق فقراء كل الفقر إلى الرب تبارك وتعالى، والله جل وعلا وحده له الكبرياء، فكتب على عباده أن يسجدوا له، والسجود أعظم ذلة من حيث الموطن والموقع، وكلما ذل الإنسان لربه وعرف أنه ما من نعمة إلا والله وليها، ولا من نقمة إلا والله قادر على أن يرفعها، كلما علم أن الله وحده، وأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وكلما تيقن أن الله يخلق ويرزق ويعطي ويمنع ويخفض ويرفع، وأنه لا يستحق أن يعبد أحد بحق إلا هو سبحانه، وأن الله جل وعلا وحده له رداء العزة والكبرياء، وأنه لا يطلب شيء إلا بالله، ولا تدفع نقمة إلا بالله، ولا ينال مرغوب إلا به سبحانه وتعالى، كلما تيقن بذلك دل ذلك على علمه بربه تبارك وتعالى.

    وهو الذي فيه وعليه قضى أنبياء الله حياتهم صلوات وسلامه عليهم أجمعين، قال نوح: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [نوح:13-14]، وقال الله تعالى لآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأنعام:15]، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].

    الملائكة وأعمالهم

    ثم بين جل وعلا في هذه الآية أن هؤلاء الملائكة يحملون العرش، وما حملة العرش إلا طائفة من الملائكة، والملائكة خلق من خلق الله، خلقهم الله جل وعلا من نور، ليسوا شركاء لله ولا أنداداً، ولا بنات لله ولا أولاداً، إنما هم عبيد من عباده وخلق من خلقه، يأتمرون بأمره ويقفون عند نهيه، لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].

    فمنهم من أوكل الله جل وعلا إليه إنزال الوحي، وهو جبريل، ومنهم من أوكل الله جل وعلا إليه جريان السحاب وتقسيم الأمطار على الأقطار، وهو ميكال، ومنهم من أوكل الله إليه النفخ في الصور، وهو إسرافيل، ومنهم من أوكل الله إليه قبض الأرواح، وهو ملك الموت، وغيرهم آخرون كثر، قال الله جل وعلا عنهم: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31].

    ومنازلهم الأولى هي السماء، وعبادتهم التي لا يفترون عنها أنهم يقولون: سبحان وبحمده سبحان العظيم، وجاء في بعض الآثار أن منهم من هو ساجد لله منذ أن خلقه الله، ومنهم من هو راكع لله منذ أن خلقه الله، فإذا كان يوم القيامة يقبضون على هذه الهيئة ويحيون على هذه الهيئة، فإذا رفعوا رءوسهم رأوا وجه ربهم تبارك وتعالى فيقولون عند رؤية وجه العلي الأعلى: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.

    فضل الإيمان والفرق بينه وبين الكفر

    قال سبحانه يبين لنا فضل الإيمان: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر:7]، فإذا كنت في بيت من بيوت الله؛ فقد أردت ما عند الله من الأجر، وعقدت أناملك بالتسبيح، ولهج لسانك بذكر الله، ودخل الإيمان في قلبك، وكل ذلك بفضل الله، فتستغفر لك ملائكة السماء، ويستغفر لك حملة العرش، فالإيمان جمع بينك وبين سكان السماوات العلى، والكفر يفرق بينك وبين أقرب الناس إليك، قال الله جل وعلا عن نوح في شأن ابنه: فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [هود:45-46].

    وقد كان الخليل على كرامة عظيمة من الله، فقال لأبيه: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم:47] فالخليل إبراهيم له المنزلة العالية والاحتفاء العظيم في الملكوت الأعلى، ومع ذلك لما كان أبوه كافراً لم تنشأ علاقة نفع بينهما، بينما ينتفع صغار المسلمين الموتى إلى قيام الساعة بكفالة إبراهيم لهم، فنقول في دعائنا للأموات الصغار: اللهم ألحقهم بكفالة أبيهم إبراهيم في الصالحين، فينتفع هؤلاء الصغار بكفالة أبيهم إبراهيم ولا ينتفع به أبوه.

    فالإيمان جمع بيننا ونحن في الأرض مع ملائكة السماء وهم في السماوات العلى.

    والكفر -عياذاً بالله- يفرق بين المرء وأي كافر آخر، حتى يعلم أنه لا وشائج ولا صلة تربط بين الناس أعظم من رابطة الإيمان.

    ثقل الذنوب وفضل الاستغفار

    قال سبحانه: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا [غافر:7].

    إن الإنسان لا يحمل فوق ظهره شيئاً أنكأ ولا أعظم من حمل الذنوب، قال الله جل وعلا: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا [نوح:25] وقال جل وعلا: وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [العنكبوت:38]، فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:40].

    فما تقرب أحد إلى الله بشيء بعد توحيده أعظم من استغفاره جل وعلا، وملائكة السماء وحملة العرش على وجه الخصوص ومن حول العرش يستغفرون لكل مؤمن ومؤمنة، فأسأل الله جل وعلا أن نكون ممن تنالهم بركة ذلكم الاستغفار.

    تمام فرحة المؤمن وقراره وبهجته في الجنة

    قال تعالى: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [غافر:7-8] .

    إن عين المؤمن تقر إذا أمسى ثاوياً إلى أهله والتف حوله والداه وزوجته وبنوه وبناته، وحق له أن تقر عينه بهذا، ولهذا يجد المغتربون من الناس كمداً في صدروهم إذا أووا إلى منازلهم ولم يلتقوا بأهليهم، ويسألون الله أن يطوي عنهم أيام الغربة، ولكن القرار الحق، والفرح الكامل، والبهجة التامة يوم أن يلتقي المؤمن بوالديه وزوجته وأبنائه وبناته في جنات النعيم، قال الله تعالى عن الملائكة: وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [غافر:8] ولن يقدم أحدنا لوالديه أو لولده من بعده شيئاً ذخراً أعظم من العمل الصالح؛ فإن العبد إذا كان صالحاً نفع الله بصلاحه والديه وذريته من بعده، وربما جعله الله جل وعلا ممن يشفعون في عرصات يوم القيامة.

    وهذا أمر مستقل شرعاً له أدلته الظاهرة في الكتاب الله والسنة، وإنما نذكره هنا إيماناً، فنسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من أهل ذلك النعيم.

    تدبر في حال أهل النار

    ثم قال الله جل وعلا في هذه السورة المباركة يحدث عن أهل النار، وهي الخزي الأعظم والخسران الأكبر: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ * ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر:11-12].

    قول أهل النار: (رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) أي: موتة ونحن أجنة في بطون أمهاتنا، فنفخت فينا الروح، والموتة الثانية يوم قبض الأرواح، وهي الموتة المكتوبة على كل أحد.

    (وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) الحياة الأولى عندما نفخت فينا الروح في بطون أمهاتنا، وهي حياة الدنيا، والحياة الأخرى: يوم بعثهم الله جل وعلا من مرقدهم، كما قال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس:51-52] فإذا اعترفوا بهذا يقولون: (فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) أي: خروج من النار وعودة إلى الدنيا علهم يتقون.

    قال الله جل وعلا: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28] فإذا قالوا ذلك ذكرهم الله جل وعلا بأعظم معصية لهم، ألا وهي الإشراك بالله، وأن نفوسهم -والعياذ بالله- كانت تبتهج وتفرح إذا ذكر مع الله غيره، وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة، فمن أراد أن يعرف قربه من الله فلير كيف حاله إذا ذكر الله جل وعلا وحده، اللهم إنا نجأر إليك أن تعيذنا من أن تقر أعيننا أو تطمئن قلوبنا إلى أحد غيرك.

    قال الله: ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر:12].

    تدبر في بعض آيات الله الدالة على صفات كبريائه

    تدبر في قصة مؤمن آل فرعون وحياة يوسف عليه السلام

    وفي هذه السورة ذكر الله جل وعلا قول مؤمن آل فرعون، ومن ذلك: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ [غافر:34].

    فالحديث هنا عن مؤمن آل فرعون، وهو رجل من آل فرعون كما نص الله، وذهب بعض العلماء إلى أنه من بني إسرائيل، وهذا بعيد؛ لأنه مخالف لظاهر الآية.

    ولئن كانت الوقفتان السابقتان وقفتين إيمانيتين، فإن هذه وقفة تاريخية، فالله جل وعلا يخلق ما يشاء ويختار، ويحكم ويفعل في عباده ما يريد.

    فيوسف عليه الصلاة والسلام نشأ أخاً لأحد عشر أخاً غيره من أبناء يعقوب بن إسحاق بن الخليل إبراهيم.

    وحظي يوسف عليه الصلاة والسلام بالقرب من أبيه، فتآمر عليه إخوته، وأقنعوا أباهم بأن يذهبوا به ليلعب معهم ويرتع، ثم ألقي يوسف في غيابة الجب، فأوحى الله جل وعلا إليه: لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [يوسف:15] .

    وعاد الأبناء إلى أبيهم يقولون: إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [يوسف:17]، فأخذ الأب المكلوم ينظر في القميص فلم ير فيه تغيراً، فيقول: أي ذئب عاقل هذا أكل ابني وترك قميصه؟! لكن الله جل وعلا ألهم يعقوب الصبر فقال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف:18].

    ثم أخرج يوسف وبيع بدراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين، فآواه عزيز مصر، وأدخله داره، وقال لزوجته: أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [يوسف:21].

    وأراد الله بهذا التمكين ليوسف خلاف الذي أرداه له إخوته، فقد أراد له إخوته أن يعيش مشرداً ضائعاً في غيابة الجب، فأراد الله جل وعلا أن يحيا يوسف في القصور، ففتنت به امرأة العزيز، ولكن يوسف عليه السلام كان خائفاً من ربه، وفياً مع سيده زوج المرأة، قال الله جل وعلا: وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [يوسف:25] أي: الزوج، فبادرت تقول: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [يوسف:25] فدافع عن نفسه، فأُغلقت القضية بقوله: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ [يوسف:29].

    فوضع يوسف في السجن، وتغيرت الأحداث، وتغير الأشخاص الذين ظهروا على مطلع الحياة آنذاك، ولكن الذي لم يتغير هو اعتقاد يوسف بربه جل وعلا، فصلاح يوسف لم يتغير، وإنما ازداد إيمانه، فيوسف التقي عند أبيه هو التقي في غيابة الجب، ويوسف التقي في غيابة الجب هو التقي في القصر، ويوسف التقي في القصر هو التقي في السجن.

    قال الله جل وعلا عن فتيين مبيناً تأثير هذا النبي الكريم على من حوله بخلقه وكريم صفاته: إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:36] فهو نبي ابن نبي ابن نبي ابن خليل الله، ولا يعرف الأنبياء شيئاً أعظم من توحيد الله، فأخذ يقرر عليهم التوحيد ويمليه عليهم، فقال: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:39-40].

    ويقدر الله أن يرى الملك الرؤيا، وتمر أحداث ليس هذا مقام تفصيلها، ويصير يوسف عزيز مصر يمكن في الأرض ويجعل على خزائن الأرض.

    وفي أرض كنعان أرض فلسطين يشعر يعقوب وأبناؤه بحاجة إلى القوت، ويسمعون عن ملك بأرض مصر، فيبعثون له العطايا، ويخرج الإخوة فيلتقون بيوسف، فيعرفهم ولا يعرفونه، ويعرض عليهم أن يأتوا إليه بأخ لهم من أبيهم، فتارة يرغبهم فيقول: أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ [يوسف:59] وتارة يرهبهم: فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِ [يوسف:60] .

    ثم ينتج عن ذلك أن يأخذ أخاه، ويبقى الأخ الأكبر، ويرجع بقية الإخوة إلى أبيهم يخبرونه الخبر: بالأمس فجعناك بيوسف واليوم نفجعك بأخيه بنيامين، فيقول ذلك النبي الصالح والعبد المكلوم يقول كما علمه الله: إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [يوسف:86] والأخذ والتوكل على الملك الغلاب لا ينافي الأخذ بالأسباب، فقال: يَا بَنِيَ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ [يوسف:87]، وفي آخر الأمر يدخل يعقوب أرض مصر ومعه أبناؤه، فيخرون سجداً ليوسف سجود تحية لا سجود عبادة.

    فهذا الذي أراده مؤمن آل فرعون عندما قال: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ [غافر:34]، فدل هذا على أن يوسف كان رسولاً نبياً بنص القرآن إلى فرعون الذي كان يحكم آنذاك في أيام حياة يوسف عليه الصلاة والسلام في أرض مصر.

    وقد دخل يعقوب عليه السلام بأهله أرض مصر وما كان يتجاوز عددهم أربعة عشر رجلاً وامرأة، فبارك الله في هذه الذرية، فلما خرج موسى ببني إسرائيل من أرض مصر كان عددهم يزيد على ستمائة ألف، وكلهم مما وضعه الله جل وعلا من البركة لنبي الله جل وعلا يعقوب.

    فهذا المؤمن يخوف آل فرعون بقوله: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ [غافر:34].

    أثنى الله جل وعلا على هذا المؤمن بأنه ذكر الله جل وعلا في مجلس كله كفر، والعبد يعظم عند الله إذا كان يسعى إلى أن يحبب الله جل وعلا عند خلقه، ولم يأت الأنبياء برسالة أعظم من أن يعرفوا العباد بربهم تبارك وتعالى.

    فاحرص -يا أخي- على أن يكون أعظم همك أن تبين للناس ما لربهم جل وعلا من صفات الجلال ونعوت الكمال، وأنه وحده المستحق للعبادة الكبير المتعال.

    وهذا الأمر يتفاوت بحسب قدرة الخطيب على منبره، والإمام في محرابه، والمعلم في مدرسته، والمرأة في بيتها، والإداري في وظيفته، وكل بحسبه، ولكن علينا أن يكون همنا أن يعرف الله جل وعلا، وأن يعظم وأن يعبد تبارك وتعالى وحده، والطرائق في هذا تختلف؛ لأن الناس يختلفون من بيئة إلى بيئة ومن جيل إلى جيل، ومن مقام إلى مقام، والمقصود الأسمى من هذا كله أن يكون همنا الأعظم الدعوة إلى الرب تبارك وتعالى كما حكى الله عن هذا المؤمن الصالح.

    تدبر في قوله تعالى: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه...)

    قال الله جل وعلا في هذه السورة المباركة أيضاً: هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [غافر:65].

    الحياة صفة ذاتية لربنا جل وعلا، والحي اسم من أسمائه الحسنى، وهنا يقال: إن صفة الحياة لأي مخلوق يسبقها عدم ويلحقها زوال، أما ربنا تبارك وتعالى فلم يسبق حياته عدم ولا يلحقها زوال.

    وعلم أي أحد علم يسبقه جهل ويلحقه نسيان، وأما علم الرب تبارك وتعال فعلم لم يسبقه جهل ولا يلحقه نسيان، كما قال تعالى: قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:51-52] أي: لا يجهل ربي ولا ينسى.

    وهذا الثناء على الله جل وعلا بأنه الحي الذي لا إله إلا هو يجعل المؤمن يتوكل على الله جل وعلا حق التوكل؛ لأن كل من ألقيت متاعك أو رحلك عنده رجاء أن يعينك رجاءً تاماً كاملاً لا تخرمه فإنه قد يموت دون أن يقضي أمرك، أما الله جل وعلا فإنه حي لا يموت، ولهذا لا يصدق التوكل الحقيقي إلا على الرب تبارك وتعالى.

    ولكن ينبغي أن يفهم من القرآن أن الله جل وعلا كما أمرنا بأن نتوكل عليه وحده أمرنا جل وعلا بأن نأخذ بالأسباب، كما حكى الله جل وعلا عن نبيه يعقوب أنه قال لبنيه: اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ [يوسف:87].

    وأوضح منها برهاناً أن الله جل وعلا ذكر قصة خبر أم موسى، وأن الله جل وعلا أوحى إليها: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7] فهذا وعد من الله لها يوم أن ألقت ابنها في اليم.

    كأم موسى على اسم الله تحمله وباسمه أخذت في النيل تلقينا

    نقول: مع ذلك أخذت هذه المرأة الصالحة أم موسى بالأسباب، قال الله عنها: وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [القصص:11]، فبعثت أخت موسى تسأل عن موسى وتقتص أخباره حتى وصل بها الأمر إلى أن عرفت موضعه، فكانت سبباً بعون الله في أنه آب ورجع إلى أمه؛ ليتحقق بذلك وعد الله جل وعلا، وإذا أراد الله جل وعلا شيئاً هيأ أسبابه.

    1.   

    تدبر في آية الأمر بأخذ العفو والإعراض عن الجاهلين

    ومن آيات القرآن الكريم قول الله جل وعلا: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] .

    إن من أعظم أخلاق المؤمنين التي تمثلها نبينا صلى الله عليه وسلم أخذه صلوات الله وسلامه عليه بالعفو امتثالاً لأمر ربه، والعفو -أيها المؤمن- من صفة الكرام، كما أن الظلم -عياذاً بالله- من أعظم ما يسبب للعبد سوء الخاتمة، والعفو عن الناس من أعظم ما يقرب به العبد إلى ربه جل وعلا.

    فقد ورد أن أبا سفيان بن الحارث الذي كان ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد خمسة يشبهون النبي عليه الصلاة والسلام، وهم: الحسن والحسين وقثم والفضل وأبو سفيان بن الحارث ابن عمه وأخوه من الرضاعة -ورد عنه أنه كان يباري فيقذع في هجاءه للنبي عليه الصلاة والسلام، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، وهو الذي رد عليه حسان بقوله:

    فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

    أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء

    وورد أن أبا سفيان لما أراد أن يدخل في الدين وقد أهدر النبي دمه خشي أن لا يعفو عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى إحدى أمهات المؤمنين يستشيرها، فقالت له: ائته وقل له: تالله لقد آثرك الله علي وإن كنت لمن الخاطئين، كما قال إخوة يوسف ليوسف؛ فإن نبي الله لا يحب أن يكون أحد أحسن منه بالخير، فجاء أبو سفيان فقالها، فقال صلى الله عليه وسلم: (يغفر الله لي وله فهو أرحم الراحمين) وعفا عنه، ثم أسلم وحسن إسلامه، وكان له بلاء عظيم في يوم حنين كما دونته كتب السيرة مما هو معروف في موضعه.

    والذي يعنينا من ذلك عفوه صلى الله عليه وسلم عن هذا، وعفوه عن قريش من قبل يوم أن قال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ولم ينتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط، وعلى النقيض من ذلك أخبر صلى الله عليه وسلم بأن الله جل وعلا حرم الظلم على نفسه، وجعله بين العباد محرماً.

    ذكر بعض أسباب قسوة القلوب

    ومن أعظم أسباب قسوة القلوب: ظلم المؤمن لأخيه المؤمن، كظلمه لزوجته، وظلمه لأولاده، وظلمه لأبويه -وهذا من أعظم الظلم- وظلمه لجيرانه، وظلمه لعامة المؤمنين، وظلمه للولاة، وظلمه للعلماء وقدحه فيهم وتنقيصهم، وكل ذلك ما لم يأذن الله جل وعلا به.

    وأعظم من ذلك: أن يتسلط أحد على أحد بعينه يريد أن يسفك دمه، أو يهتك عرضه، أو يأخذ ماله، فإن هذا من أعظم أسباب سوء الخاتمة.

    روى البخاري في التاريخ الكبير بسنده إلى محمد بن سيرين أن محمداً رحمه الله قال: كنت عند الكعبة فرأيت رجلاً يدعو يقول: اللهم اغفر لي وإن كنت أظن أنك لن تغفر لي. فقال له محمد : يا هذا! ما سمعت أحداً يدعو بمثل دعاءك! فقال: يا ابن سيرين ! إنك لا تدري ما خبري، إنني كنت قد أعطيت الله عهداً أنني إذا لقيت عثمان بن عفان أن ألطم وجهه ولحيته، فلما قتل عثمان فوضع على سريره ليصلي الناس عليه في بيته دخلت عليه فيمن دخل كأني أريد الصلاة عليه حتى وجدت خلوة، فلما وجدت خلوة رفعت عن كفنه وغطائه فلطمته على وجهه ولحيته وهو ميت، فما رفعت يدي إلا وهي يابسة كالعود، قال ابن سيرين رحمه الله: فأنا -والله- نظرت إلى يده شلة يابسة كالخشبة. فهذا قال الله عنه: لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج:9] .

    وكذلك ظلم العباد وغشهم، وعدم الورع في أموالهم أو أعراضهم، سواء أكان أجيراً أم عاملاً أم موظفاً، أم زوجة أوكل الله جل وعلا إليك رعايتها، أم أبناء وبنات، أم أيتاماً وضعوا في حجرك، أم طلاباً بين يديك، فكل من جعلك الله جل وعلا بقدرته راعياً عليهم ينبغي عليك ألا تظلمهم، بل ينبغي عليك أن تهتدي بخلق نبينا صلى الله عليه وسلم الذي أنزله الله جل وعلا على نبيه فقال: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] .

    وثمة قاعدة مريحة في هذا الأمر، وهي أنك إذا أردت أن تسأل نفسك: ماذا أصنع بمن أوقفه الله ذليلاً بين يدي؟ فاصنع به ما تحب أن يصنعه الله معك إذا وقفت ذليلاً بين يديه، فاصنع به ما تحب أن يعاملك الله به إذا وقفت ذليلاً بين يديه، وما الدنيا إلا مزرعة للآخرة، والله يقول: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21] .

    البعد عن الفحشاء وأثره على العبد

    ومن الخلق الذي علمه الله جل وعلا نبينا صلى الله عليه وسلم ودل عليه القرآن، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم به المؤمنين: البعد عن الفحشاء والفواحش كلها ما ظهر منها وما بطن، فقد قال الله لنبيه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، وقال: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف:33] إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تمثلها النبي صلى الله عليه وسلم.

    كسفت الشمس في اليوم الذي مات فيه إبراهيم ، فخرج صلى الله عليه وسلم يجر رداءه، ثم صلى بالناس صلاة أطال فيها، ثم وقف في الناس خطيباً يحذرهم ويقول: (لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أن تزني أمته) .

    فحرم الله جل وعلا الفواحش كلها ما ظهر منها وما بطن، وحرم الطريق الموصل إليها بقوله سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32] .

    وأعظم من ذلك: إتيان الذكران من العالمين، وهذه كلها فواحش حرمها الله جل وعلا في كتابه، وحكم على من صنعها -إلا أن يتوب- بالخسة والدناءة والبعد عن الرب تبارك وتعالى، قال الله: إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32] في شأن الزنا، فإذا أراد الإنسان أن يقرب من الله فليغض بصره، وليحصن فرجه، وليكثر من ذكر الله، وليبتعد عن الطرائق الموصلة إلى مثل هذا المحرم، وليحذر الله في أعراض المؤمنات الغافلات، وليعلم أن قدرة الله عليه أقرب وأعظم من قدرته على من جعلهم الله جل وعلا تحت يديه.

    وقد تقف من مؤمنة على خطأ أو زلة، أو أمر وقعت فيه، فإن جعلته تهديداً لها تقارفها به وتصل إلى مرادك من خلاله فإن الله جل وعلا عليك أعظم وأقدر، وبينك وبينها الموعد، وهو الوقوف بين يدي الرب عز وجل.

    ولا بد لكل أحد من أن يوضع في قبره وأن تحل عنه أربطة الكفن، وأن يخلا بينه وبين ملائكة العذاب أو ملائكة الرحمة، وسيسأل في ذلك المكان، ولن يجد أحداً يغيثه إلا الله، فإن كان عمله خيراً فخيراً، وإن كان شراً فشراً، ثم الوقوف بين يدي الرب تبارك وتعالى ليعرض عليه الكتاب الذي: لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49] .

    وجماع الأمر كله معرفة الله والخوف منه، فإذا كان العبد عارفاً بربه معظماً لخالقه فإنه لا يمكن أن يجرؤ على مثل هذه الأمور، وإن كان ليس هناك في القلب علم بالله ولا توحيد له، ولا معرفة بحق الله جل وعلا؛ كانت هناك من العبد جرأة على المعاصي وانتهاك للحرمات وإتيان لها، غير مبال بحساب ولا عقاب، وهذا مرده بعد ذلك إلى الوبال والخسران، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

    1.   

    تدبر في أمر الله ورسوله بالازدياد من العلم

    ومما قاله الله جل وعلا في كتابه، وعلم به نبينا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114] والعلم حياة للقلوب المؤمنة بالله، فبه يستدلون على معرفة ربهم، وبه يدعون إلى ربهم جل وعلا، وبه يعلمون الخلق، وبه تنار لهم الطرائق، وبالعلم تهدى -بإذن الله- الخلائق، فمن من الله عليه بالعلم فإن نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع).

    وقد أمر الله تعالى نبيه بأن يسأله الازدياد من العلم، وكان الواسطة بينه وبين ربه جبريل، ثم نشأ العلماء فأخذ الصحابة عن نبيهم، وأخذ التابعون عن الصحابة، ثم ما زال الجيل الآخر يأخذ عن الجيل الأول إلى يومنا هذا، وسيبقى إلى أن يأذن الله بقيام الساعة.

    والمقصود من هذا كله أن طلب العلم والسعي فيه وثني الركب بين يدي العلماء من أخلاق نبينا صلوات الله وسلامه عليه التي دل عليها أمته وعلمها ذلك الجيل الذي نعت بأنه أمثل رعيل وأكمل جيل في مدرسة محمد صلوات الله وسلامه عليه.

    هذا ما تيسر قوله، وأعان الله جل وعلا على إيراده.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    1.   

    الأسئلة

    بيان معنى قوله تعالى: (وإخوان لوط)

    السؤال: قال الله تعالى في سورة (ق): وَإِخْوَانُ لُوطٍ [ق:13] فكيف يكونون إخوان لوط وهم كفرة ومكذبون بلوط عليه الصلاة والسلام؟

    الجواب: كلمة (أخ) في اللغة تطلق أحياناً ويراد بها الأخوة في النسب، وأحياناً تطلق ويراد بها الأخوة في الأرض، وأحياناً تطلق ويراد بها الأخوة في الملة، وأحياناً تطلق ويراد بها الشبه، وبكل ورد القرآن، قال الله جل وعلا: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا [الأعراف:85] والمقصود: أخاهم أرضاً.

    وقال جل وعلا: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا [الأعراف:73] والمقصود: أخاهم نسباً.

    وقال الله جل وعلا: وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا [القصص:34] والمقصود: أخي نسباً.

    وقال الله جل وعلا: يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ [مريم:28] والمقصود: أخته شبهاً في التقى والعبادة.

    فقول الله جل وعلا: (إخوان لوط) محمول على أنه كان أخاً لهم في نفس الأرض التي كانوا يسكنونها؛ لأن لوط إنما بعث إلى قوم ليسوا من عشيرته وهذا وجه.

    والوجه الآخر: أن كلمة (أخ) مثل كلمة (صاحب)، فلا يراد بالإضافة أن يقصد بها التشريك، وإنما المقصود التعريف، ومثاله في القرآن قول الله جل وعلا عن نبينا صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب قريشاً: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير:22] فسمى الله نبيه صاحباً لهم، وليس المقصود الصحبة المعروفة، وإنما المقصود أنه كلمهم وله علاقة معرفية بهم.

    فهذا المقصود من قول الله جل وعلا: وَإِخْوَانُ لُوطٍ [ق:13].

    العادة النبوية وشرط حصول الأجر في اتباعها

    السؤال: ما الفرق بين سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعادته، وما المطلوب اتباعه؟

    الجواب: السنة تطلق ويراد بها معان عديدة، فتطلق أحياناً ويقصد بها الموافقة للكتاب، وحين يقول: (كتاب الله وسنتي) فهذه السنة يمكن أن يندرج فيها العادة، أما إذا أطلقت وأريد بها السنة التعبدية التي أمرنا باتباعه فيها فبعض أهل العلم يخرج مسألة العادة منها، فلا يلزم الإنسان بها، ولكن إذا فعلها المرء تعبداً لله فإنه يؤجر عليها.

    مثال ذلك: حب النبي صلى الله عليه وسلم طعام الدباء، فهذا أمر جبلي، فكان أنس رضي الله عنه وأرضاه يأمر أهله إذا صنعوا طعاماً أن يضعوا فيه الدباء، ويقول: فما زلت أحبه -أي: الدباء- منذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكله، فهذا طوع نفسه الجبلية بأن تأخذ بالعادة النبوية، فهذا يندرج في الثواب الذي يؤجر عليه المرء، والعلم عند الله.

    خطوات الإلمام بعلم التفسير

    السؤال: أريد المنهج الصحيح لطالب العلم المبتدئ في التفسير من البداية إلى النهاية؟

    الجواب: النهاية أمرها واسع، ولا سبيل إلى إليها، فقد قال تعالى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف:76]، والبداية هي المقصود الأسمى، ولا أستطيع أن أقدم جواباً عاماً، فمن الصعب أن يقول الإنسان جواباً عاماً؛ لأن طلاب العلم يختلفون في الهمة، ويختلفون في التأصيل السابق، ويختلفون في ما يُعرف من اللغة وفي ما يُحفظ من الأشعار.

    فليس التفسير كتباً تقرأ، وإنما ثمة عدة آلات تدخل فيه:

    أولها: أن يكون هناك تآلف بينه وبين هذا العلم، فيبدأ بثلاثة كتب أو أربعة كتب لمدة سنة أو سنتين يقرأ فيها ولو من غير تركيز، فيقف على أسانيد العلماء، ويعرف مظان المعرفة التفسيرية، ويصبح بينه وبين كلام الله جل وعلا ألفة.

    الثانية: يقرأ كثيراً في كلام العرب وشعرهم القديم حتى يعرف أساليبهم، ويقرأ في التاريخ، ويقرأ في أصول الفقه، فهذه كلها تعين المفسر.

    ثم بعد سنتين أو ثلاث يوسع الدائرة في التفسير، فيأخذ كتباً أكثر، ولو أقام درساً يسيراً فإنه مع مرور الأيام يزداد علمه، والعلم ضرورة فيه أن يكون فيه طول زمان، فلا بد من مرحلة زمنية، قال الشافعي رحمه الله: (وطول زمان)، وهو يذكر ما يعين طالب العلم على أن يصل إلى مراده ومبتغاه، فلا بد من طول زمان.

    وقال ابن شهاب الزهري رحمه الله تعالى: إنما العلم يبنى يوماً بعد يوم مع طول الأيام والليالي، والعجلة لا تنبت شيئاً، والإنسان لا يطير قبل أن يريش.

    فبناء الخطوات تدريجياً يعين -بإذن الله- على أن يفقه الإنسان كلام ربه جل وعلا.

    حكم لبس خاتم في يد وآخر في الأخرى

    السؤال: ما حكم لبس خاتم في اليمين وآخر في اليسار؟

    الجواب: هذا من عادات الناس، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتماً، فلا يتعلق بهذا أجر ولا عقاب، وإنما هو من جنس المباحات، فإذا وقف على حديث بعينه وأراد أن يطبقه عملاً بالسنة فهذا الذي يؤجر عليه.

    درجة خبر ما يذكر به حملة العرش ربهم

    السؤال: ذكر بعض المفسرين أن حملة العرش أربعة منهم يقولون: سبحان حلمك بعد علمك، وأربعة آخرون يقولون: سبحان عفوك بعد قدرتك، فهل هذا سنده صحيح؟

    الجواب: ذكر بعض أهل التفسير أن حملة العرش ثمانية؛ لنص الآية: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17]، ولكنهم اختلفوا: هل هم ثمانية صفوف أو ثمانية أفراد؟

    ولا أعلم في هذا سنداً صحيحاً، وأظنه مأخوذاً من مسلمة أهل الكتاب، أي أن أربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة آخرون يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك.

    بيان معنى قوله تعالى: (فضحكت)

    السؤال: في قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ [هود:71] يقال: إن (ضحكت) بمعنى: حاضت، فعلام استند قائل هذا التفسير؟

    الجواب: القائل بهذا هو الشافعي رحمه الله، وهو حجة في اللغة؛ لأنه سكن في هذيل وأخذ عنهم علم اللغة عشر سنين، والشافعي رحمه الله تعالى إمام عظيم، ومن أجل علماء المسلمين، ولكن قوله هذا لا يقبل؛ لأنه لا يوجد تناسب تؤيده الآية.

    فالله تعالى يقول: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71] وإذا قلنا: (حاضت) فما العلاقة بين الملائكة وبين امرأة واقفة على رءوسهم تحيض؟ والمرأة كانت مستترة خارج الدار واقفة.

    فمقصود الآية -والعلم عند الله-: أن هؤلاء الملائكة مروا على إبراهيم وهم في طريقهم إلى قوم لوط، وقد اتفق المفسرون على أنهم مروا على إبراهيم عليه السلام، وعندما مروا على إبراهيم ذبح لهم عجلاً دون أن يعرفهم؛ لأن إبراهيم لو عرف أنهم ملائكة لما ذبحه لهم، فإبراهيم عليه السلام يعلم أن الملائكة لا تأكل ولا تشرب، ولما كان خائفاً وجلاً منهم قال: قَوْمٌ مُنْكَرُونَ [الحجر:62]، فأخبروه أنهم ملائكة، وأنه لا داعي للخوف ولا داعي للوجل، فأدخل ذلك الانشراح في قلب الزوجة التي كانت خائفة على زوجها؛ لأنها واقفة معه تعينه على إطعامهم وتنظر في شأن هؤلاء الضيفان الذين ارتاب فيهم زوجها، فلما أخبرته الملائكة وقالوا: (لا تخف ولا توجل) تبسمت وضحكت؛ لأن الغم الذي كان قد أتاها انتهى، فضحكت.

    فلما ضحكت كان فرحها بأنهم ملائكة مقدمة لأن يعطيها الله عطية، وهذا أصل من دقائق العلم، وهو أن الله لا يعطي إلا بعد أن يتبين أن المعطى استجدى.

    فلما ضحكت واستبشرت قال تعالى: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71] .

    ومثال هذه القصة في القرآن قصة السحرة، فالله جل وعلا يقول: فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ [الشعراء:38-40] .

    قال الله جل وعلا: فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى [طه:60] فالسحرة والناس ينظرون لم يصبهم كبر بقدر الله، بل احترموا موسى فقالوا: يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ [الأعراف:115] وفي سورة أخرى: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى [طه:65] فاستأذنوه بأدب، فقال لهم موسى: بَلْ أَلْقُوا [طه:66] فألقوا حبالهم وعصيهم فرآها يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66] ثم لما ألقى موسى قال الله: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى [طه:70] فالذي آمن هم السحرة، وأما الجمهور الناظرون فلم يؤمن منهم أحد؛ لأن السحرة كانوا قد قدموا شيئاً بين يدي الله دون أن يشعروا، وهو أنهم تأدبوا مع كليم الله، فكافأهم الله منة منه، وهذه سنة الله جل وعلا في خلقه، فهو يوفق العبد للطاعة ثم يثيبه عليها.

    فهذه المرأة فرحت بأنهم ملائكة فضحكت، قال الله: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71] .

    هذا ما ندين الله به في الآية، ولكن ينبغي أن يعلم أن آراء العلماء تبقى محترمة على الرأس والعين، وقولنا أو قول أي أحد صواب يحتمل الخطأ، وغير قولنا إذا رددناه نراه خطأً يحتمل الصواب، وإن رأينا الحق رجعنا إليه.

    وقد قال عمر في وصيته لـأبي موسى : لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق؛ فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.

    توجيه لمشاهدي القنوات الفضائية

    السؤال: تساهلت بعض الأسر في البيوت المحافظة في إدخال الدشات والقنوات إلى البيت، فهل لكم توجيه في ذلك؟

    الجواب: كلما نشأ الناس على الصلاح، وغض البصر، وتحصين الفرج كان ذلك أتقى لهم عند ربهم، ولا ريب في أن هذا أمر ملحوظ تساهل فيه كثير من الناس، خاصة من يترك تلك القنوات عائمة يبث فيها ما يبث، وقد يكون في البيت كثير من المراهقين والمراهقات، فإن هذا -والعياذ بالله- وراءه الشر المستطير، وينبغي على الذين ينفقون أموالهم في تأسيس قنوات مثل هذه أن يتقوا الله، فهؤلاء -والعياذ بالله- على شفا إثم عظيم، أولئك الذين يسعون في هدم بيوت المؤمنين ونشر الباطل، فينبغي للمؤمنين أن يتجنبوا هذه الطرائق الموصلة -والعياذ بالله- إلى غضب الله وسخطه.

    حد الساحر وحكم توبته

    السؤال: هل للساحر من توبة قبل أن يقدر عليه، وما هو حده إذا قدر عليه؟

    الجواب: حد الساحر قتله، وقد يقبض عليه ويحكم عليه بالقتل ويتوب، وهذا لا يمنع قتله، ويتوب بينه وبين ربه، فالتوبة شيء بين العبد وبين ربه، فلو جاء رجل قد قتل نفساً وحكم عليه بالقصاص فإن إقامة الحد عليه ليس لها علاقة بالتوبة، فأي قاتل يتعلق بخطئه ثلاثة حقوق:

    حق لله، وحق لأولياء الدم، وحق للميت، فأولياء الدم مخيرون بين ثلاثة: بين العفو والقصاص والدية، وحق الله إن شاء غفر وإن شاء عذب، ولكنه يسقط بالتوبة.

    وحق الميت لا يسقط، ففي يوم القيامة يأتي الميت يطالب بحقه، فإن صدقت التوبة أعان الله القاتل يوم القيامة على أن تبرأ ذمته من المقتول.

    فالساحر لو تاب تاب الله عليه على حسب توبته، ولكن إقامة الحدود مسألة أخرى بحسب ما يراه ولي الأمر والقضاة.

    سبل معرفة الله تعالى

    السؤال: ما هي السبل والوسائل التي تجعل العبد أكثر معرفة لله سبحانه؟

    الجواب: لا أحد أعلم بالله من الله، وتدبر ما في القرآن من ثناء الله على نفسه هو المعين الأعظم على معرفة الإنسان لربه تبارك وتعالى، ثم يقرأ ما سطره الأئمة الأخيار في كتب الرقائق، كما في صحيح البخاري ، وما أشار إليه النووي في رياض الصالحين، وما ذكرته بعض كتب العقائد المبنية على منهج أهل السنة.

    قطوف من حياة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي

    السؤال: نود تذكيرنا ببعض المواقف المؤثرة في حياة شيخكم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله؟

    الجواب: الشيخ محمد قد تكلمنا عنه كثيراً رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وفي الجملة أقول: أصله من بلاد شنقيط من موريتانيا، فكتب الله له الهجرة إلى هذه البلاد المباركة فحج، وكان في خيمة بالقرب من أحد الأمراء، وكانت هناك مسألة علمية تُناقش فشارك فيها، ومن خلالها عرف بالملك عبد العزيز رحمه الله تعالى، ثم لما وصل إلى المدينة أكرمه الملك عبد العزيز بأن منحه الجنسية له ولأهل بيته، فمكث بعد ذلك يدرس في الحرم النبوي الشريف، وكان منذ صغره في موريتانيا يطلب العلم.

    وكان له خال يعنى به وهو صغير دون البلوغ، وفي ذات يوم مرض خاله هذا، يقول رحمه الله: كنت أمر عليه وأقول: ليته يموت حتى أستريح من الطلب ومن الدراسة، ولا يدري أن خاله سيكون سبباً في تعليمه، وأن هذا العلم سيجعله الله سبباً في رفعة شأنه.

    ولم آخذ منه مباشرة مع أنه كان جارنا رحمة الله تعالى عليه، ولكن مات وأنا في الثالثة عشرة تقريباً، وكان له مواقف عظيمة، ومن أشهرها: أنه عندما حج عام (1393) من الهجرة كان معه سائق، فرأى السائق في المنام أن نبياً يموت، فلما دنا منه لم ير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح أخبر الشيخ بها، فتغير وجهه، فلما تغير وجهه ندم السائق على أنه أخبره، فقال له: يا شيخ! لعلها أضغاث أحلام. فقال رحمه الله: ليست أضغاث أحلام، بل هي رؤيا، ولكن يكتب الله الذي فيه الخير، وبعدها بأربعة أيام توفي الشيخ.

    وإنما أخذ تفسيرها من كون العلماء ورثة الأنبياء، والسائق لم ير نبياً بعينه، فما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولا صفاته، ولكنه أوهم أن هذا نبي في الرؤيا، ففسرت على أنه موت عالم، وكان -رحمه الله- آنذاك منارة من منارات العلم رحمه الله ورحم أموات المسلمين جمعياً.

    بيان المراد بقول الله تعالى تعبيراً عن نفسه وحده (نحن)

    السؤال: في سورة (ق) قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ [ق:43] فلماذا قال الله عز وجل: (نحن) وهو عز وجل واحد؟

    الجواب: هذا أسلوب عربي في الكلام يسمى أسلوب التعظيم، تستخدمه العرب في كلامها، وهو أنهم إذا أرادوا التعظيم يقولون: (نحن) ولذلك مواضع يقال فيها، فيأتي أحياناً للاختصاص، ويأتي أحياناً للتعظيم، ويأتي لغير ذلك، لكن هذا السياق سياق تعظيم، وليس سياق جمع عددي.

    ونحن نسمع الملك عبد الله -وفقه الله- في الأوامر الملكية يقول: نحن عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية. فهو شخص واحد، ولكن هذا أسلوب عربي في لغة العرب، وجائز قوله في حق الله وفي حق غيره، ولكن يختلف فيه حق الله عن حق غيره، كما تقول: فلان رحيم، والله جل وعلا قال عن نبيه: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] وتقول عن الله جل وعلا: إن ربنا غفور رحيم. إلا ما يتصف به الله غير ما يتصف به الناس.

    حكم المسابقات المجراة في الصحف والمجلات

    السؤال: كثرت في الجرائد والصحف المسابقات التي يكون عليها جوائز عظيمة، كسيارات ونحوها، فهل تجوز مثل هذه المسابقات؟

    الجواب: إذا كانت الجوائز تأخذ من الناس -كما هو حال أكثر المسابقات- ثم بعد ذلك بحيث توضع المسابقة وتكون الكلفة فيها سبعة ريالات للدقيقة الواحدة، فإن كان عدد المشتركين مليوناً وكانت الدقيقة بسبعة ريالات كان الناتج سبعة ملايين، فمجموعة منها ستعطى لشركة الاتصالات، ومجموعة للجريدة التي نشرت الإعلان، ومجموعة يأخذها الراعي للمسابقة، ومجموعة تعطى للناس، إذا كانت كذلك فهي محرمة قطعاً ولا تجوز.

    وهناك نوع آخر من المسابقات لا تؤخذ فيه أموال الناس، إلا أن فيه شبهة يسيرة، وهي قضية الكوبون، فهذه المسابقة صورتها: أن الجريدة تنشر المسابقة وثمة راع للمسابقة قد يكون عنده شركة سيارات، فيأتي بثلاثة ملايين ويتفق مع الجريدة على نشر المسابقة، فنشر المسابقة فيه دعاية للسيارات، والناس لا يدفعون مقابل ذلك شيئاً؛ لأن قيمة الجريدة لم تتغير، وإنما يستفيد أصحاب الجريدة من كون أكبر شريحة من المجتمع تشتريها، فهذه الأموال التي اشتريت بها الجريدة لم تدخل في الجائزة، إذ الجائزة مصدرها آخر، وهو الشركة أو نحوها، وليس مصدرها أموال الناس، فهذه فيها شبهة، ولكنها إلى الجواز أقرب -والعلم عند الله- خاصة في حق من اعتاد أن يشتري الجرائد.

    وبعض الأوروبيين يبيعون سياراتهم بطريقة محرمة، حيث يأتي الواحد بسيارة إلى بعض الموظفين، ويؤتى بمن لهم خبرة بالسيارات فيقومونها، فيقال: هذه السيارة تساوي ثلاثين ألف مثلاً، فيقوم ثلاثون موظفاً يريدونها، فيقولون لكل موظف: ادفع ألفاً، فيدفع ثلاثون ألفاً قيمة السيارة، ثم يقرعون فيأخذها واحد ممن دفع ألفاً، ومن المعلوم أن كل إنسان يشترك يقول: إما أن أخسر الألف أو أكسب السيارة، فتهون الألف، وله أمل في أن يكسب.

    فكلهم يشتركون، ثم تجرى بينهم قرعة، فيأخذ السيارة أحدهم، وصاحب السيارة يأخذ المال ويذهب، وهذا هو الميسر الذي حرمه الله جل وعلا.

    حكم المنقول عن بني إسرائيل

    السؤال: ما هو الضابط في النقل عن بني إسرائيل، وخاصة إذا كانت تلك الأخبار قد ذكرها بعض أهل العلم مثل الحافظ ابن كثير؟

    الجواب: المنقول عن مسلمة أهل الكتاب عن علماء بني إسرائيل جاء فيه حديث: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) والأصل فيه أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

    الأول: ما كان منه معارضاً لما عندنا، فيرد.

    الثاني: ما كان منه موافقاً، فيقبل.

    الثالث: ما كان غير موافق ولا معارض، فيقبل، ولكنه يعتبر من مليح القول لا من متين العلم.

    نصيحة لمغتاب العلماء وطلبة العلم

    السؤال: هل من نصيحة لمن يغتاب العلماء والمشايخ وبعض طلبة العلم، ويقضي مجالسه في نقد فلان وعلان؟

    الجواب: الغيبة -والعياذ بالله- أول طرائق البقاء والانتكاس، وأعني بالبقاء أن الإنسان لا يتقدم، فالإنسان إذا أراد أن يطلب علماً، وأراد أن يهيئ نفسه لمكان ينفع به عباد الله فليجتنب الخوض في أعراض الناس، وقد قيل:

    لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن

    وعينك إن أبدت إليك مساوئاً فصنها وقل يا عين للناس أعين

    فكلنا عورات ومعايب، ولكن الله جل وعلا يستر علينا وعليكم المعايب والعورات إذا لم نخض في عورات الناس ومعايبهم، فإذا خضنا في معايب الناس وعوراتهم سلط الله علينا من يخوض في عوراتنا ومعايبنا، فنسأل الله لنا ولكم السلامة.

    وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768277306