أما بعد:
فهذا لقاء متجدد من لقاءاتنا الموسومة بعنوان: لطائف المعارف، وسيكون عنوان هذا اللقاء في هذا المساء المبارك: أعمام النبي صلى الله عليه وسلم.
لا ريب أن من حسن عناية الأمة بسيرة نبيها صلى الله عليه وسلم أنها عنيت بكثير من حياته عليه الصلاة والسلام وسيرته مع الناس وسيرته الخاصة، ويسمى هذا كله: السيرة العطرة، والأيام النضرة لرسولنا صلى الله عليه وسلم، ونحن ندرك أن نبينا عليه الصلاة والسلام هاشمي عدناني من ذرية إسماعيل، وإسماعيل ابن لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، فعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم بالاتفاق، فهو عليه الصلاة والسلام محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وقد كان له عليه الصلاة والسلام عشرة أعمام، ستة منهم لم يدركوا بعثته صلى الله عليه وسلم، وبما أنهم لم يدركوا بعثته عليه الصلاة والسلام فلا يتعلق بهم الكفر والإيمان، فهم من حيث الجملة داخلون في أهل الفترة، فبقي أربعة من أعمامه عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء الأربعة هم: العباس وحمزة وأبو طالب وأبو لهب ، وقد انقسموا من حيث الجملة إلى قسمين: اثنان آمنا واثنان كفرا، فأما اللذان آمنا فهما: العباس وحمزة ، وأما اللذان كفرا: فـأبو طالب وأبو لهب ، ولكل منهم خبر وله علاقة بالنبي صلى الله عليه وسلم تفصيلها وفوائدها كالتالي:
ولقد علمت بأن دين محمـد من خير أديان البرية ديناً
لولا الملامة أو حذار مسبـة لوجدتني سمحاً بذاك يقيناً
وأبو طالب هو أول من مدح النبي صلى الله عليه وسلم شعراً، وذلك في لاميته الشهيرة والتي منها قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل
ولهذا ثبت ونقل: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وشكت المدينة جدب الديار واستسقى صلى الله عليه وسلم وأجاب الله دعاءه وسقي الناس قال صلى الله عليه وسلم: (لو كان وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل قال صلى الله عليه وسلم: نعم
وأبو طالب لم يرزق الإيمان، لكنه رزق حظاً كبيراً من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ورد فيما بلغ من عظيم شفقته على ابن أخيه أنه لما حوصر بنو هاشم في الشعب كان أبو طالب إذا أمسوا ونام النبي صلى الله عليه وسلم يأتي ويحمل ابن أخيه محمداً بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في مكان ويأتي بأحد أبنائه في مكانه؛ وذلك خوفاً من غدر قريش أن يقتله أحدهم صلى الله عليه وسلم، ولهذا شفع النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي طالب عند ربهونحن نعلم أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة به ثلاثة أقسام: شفاعة في دفع ما يضرن وهي شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف، وشفاعة في جلب ما يسر، وهذه شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن تفتح لهم أبواب الجنة، وشفاعة خاصة به في عمه أبي طالب ، فـأبو طالب أهون أهل النار عذاباً بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له.
وأبو طالب ترك من الذرية طالباً ومات على الشرك، وكان يكنى به وهو أكبر أبنائه، وجعفر هذا أسلم قديماً وهو جعفر بن أبي طالب الصحابي الجليل، وأحد الخمسة الذين يشبهون النبي صلى الله عليه وسلم في هيئته الخلقية، وقد كان بعض قرابته يشبهونه صلى الله عليه وسلم خلقياً منهم: جعفر ، وأبو سفيان بن الحارث ابن عمه وأخوه من الرضاعة، والحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقثم والفضل ابنا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنا العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه.
المقصود من هذا: أن من ذرية أبي طالب طالباً وقد مات على الشرك، وجعفر وعقيل وهذا أسلم متأخراً، وعلي رضي الله عنه وأرضاه، وسيرة علي تغني عن التعريف به، فهذا أبو طالب أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم وأعظم من نصر نبينا صلى الله عليه وسلم.
و(شرف النواء) يعني: النياق الموجودة خارج الدار، فقام حمزة فبقرها، وجب خواصيرها، وأخرج أكبادها، وشوى لقومه وشرب، فجاء علي رضي الله عنه فإذا بالناقتين قد بقرتا وجبت أفئدتهما فبكى، وهو علي الذي له ما له في ساحات المعارك والوقوف أمام الشجعان، ذرفت عيناه عندما رأى الناقتين اللتين كان يعول عليهما كثيراً قد جبتا وبقرتا وخرجت أكبادهما، فذهب للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فخرج عليه الصلاة والسلام ومعه علي وزيد بن حارثة مولاه ودخل الدار التي فيها حمزة وما زال على حاله، وكان حمزة آنذاك قد بلغت به الخمر مبلغاً عظيماً، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يعاتب حمزة على فعله، فأخذ حمزة ينظر في قدمي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يصعد النظر في ركبتيه، ثم في وجهه عليه الصلاة والسلام، ثم قال حمزة : وهل أنتم -يشير إلى النبي وعلي وزيد - إلا عبيد لأبي؛ فلما قال ذلك فقه النبي صلى الله عليه وسلم أن حمزة مخمور لا يدري ما يقول، فرجع خطوات إلى الخلف وهو ينظر إلى حمزة تحسباً من أن يحصل من حمزة شيء لم يكن متوقعاً، وهذا كله لا عتاب على حمزة فيه؛ لأن الخمر آنذاك كانت مباحة، والعبرة بتحريم الله جل وعلا، والدليل على ذلك: أن حمزة رضي الله تعالى عنه بعد ذلك رزق الشهادة في سبيل الله، والنبي صلى الله عليه وسلم توجه بقولة: (سيد الشهداء حمزة)، فنحن لا نقول: إنه ضعيف إيمان معاذ الله فـحمزة سيد آل البيت، لكن هنا نتكلم عن خبر صحيح، وعن أحداث وقعت ونقلت إلينا، والذي نقلها لنا الحسين رضي الله تعالى عنه عن أبيه علي بن أبي طالب ، وكانت بمحضر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
موضع الشاهد: أن حمزة رضي الله عنه وقع منه هذا الأمر بلا تثريب منه؛ لأنه كان مخموراً ثم قدر له أن يموت شهيداً في أحد.
هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، حول أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، رزقني الله وإياكم العافية والتقوى، ووفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر