أما بعد:
فعنوان حلقة هذا اليوم (الدين المعاملة)، وهذا قول ذائع مشهور يحمل في طياته هذه الكثير من الصواب لكن نحذر أموراً يجب علينا أن نبينها للغير.
أولها: أن هذا القول ليس حديثاً نبوياً عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال العلامة الأثري عبد العزيز بن عبد الله بن باز غفر الله له ورحمه: ليس لهذا اللفظ أصل في الحديث، أي: هذا الحديث ليس له أصل، فهي ليست حديثاً نبوياً، قال رحمة الله تعالى عليه: الأفضل أن يقال: الدين حسن المعاملة، أو يقال: حسن المعاملة من الدين.
لكن الذي نستطيع أن نقوله: إن القرآن والسنة دلا على أن من أعظم ما دل الدين عليه حسن التعامل مع غيرنا من الناس، وهذا مما فرضه الله جل وعلا علينا وأمرنا به على طرائق عدة، قال ربنا: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]، والأحاديث في هذا الباب كثيرة سيأتي تباعاً بيانها.
إذاً: يتحرر أننا قصدنا من العنوان أن نغير مفهوماً خطأ عند الناس، ونحن نبقي على صحة المعنى إلى حد كبير، لكن لا يمكن نسبة هذا القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: المدارسة ثابتة في الخبر الصحيح، أن جبريل كان يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دارسه جبريل القرآن يكون أجود من الريح المرسلة، لكن السؤال كما قلتم: ما معنى المدارسة؟
ونقول: المدارسة لها طريقان الطريق الأول: أن يأتي اثنان أو أكثر فيقرأ أحدهما حزباً أو ربعاً من القرآن ثم الآخر يقرأ الحزب أو الربع الذي بعده.
الطريق الثاني: أن يقرأ أحدهما حزباً أو ربعاً معيناً ثم يعيد الآخر قراءة ما قرأه الأول.
قال المحققون من العلماء: وهذه -أي الثانية- هي مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وهي أصح الوجهين.
وقد فهم منها العلماء أن الإنسان إذا وجد من يعينه على الطاعة والخير استعان به، فقد كان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فكان فيه إذكاء لهمة نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وهذا الأمر شبه مفقود في زماننا هذا.
نعم توجد حلقات التحفيظ، ولكنهم يقصدون بها التعلم فقط، يعني: لا ينوون بها المدارسة التي يقصد بها التعبد في رمضان، وإنما يصنعون في رمضان وفي غيره من باب الرد على المتعلم.
الجواب: للعلماء ثلاثة أقوال:
القول الأول: يقول بأنه إذا اجتمع عيد مع الجمعة في يوم واحد كما حصل في عامنا هذا فإنه يبقى العيد عيداً مفروضاً على القول بأنه فرض عين أو سنة مؤكدة، والجمعة تبقى كما هي واجبة، وهذا ينسب إلى جمهور العلماء وهو قول الشافعية والمالكية والأحناف.
القول الثاني: أن من شهد صلاة العيد لم تجب عليه صلاة الجمعة، وهذا القول هو قول الحنابلة وبعض السلف.
ودليلهم على هذا حديث إياس بن أبي رملة الشامي أنه قال: (شهدت
من هنا أخذ الفقهاء كما هو مذهب الإمام أحمد ومن تبعه ومن كان قبله أن الإنسان إذا شهد صلاة العيد لا تصبح الجمعة في حقه واجبة إلا الإمام؛ لأن الإمام إذا سقطت عنه لا يتأتى بعد ذلك لغيره أن يصليها.
ولقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن ماجة عن أبي هريرة أنه قال: (وإنا مجمعون)، أي: أنه صلى الله عليه وسلم صلاها.
القول الثالث: وهو ما نقله أبو داود في سننه عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أنه جمع ما بين العيد والجمعة بكرة ركعتين، ثم لم يخرج للناس إلا مع صلاة العصر أي: أنه لم يصل الظهر.
فروي أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخبر بفعل ابن الزبير هذا فقال رضي الله عنه وأرضاه: أصاب السنة، أي: أن ابن الزبير أصاب السنة، وهذا قول له وجهه وله قوته، لكن الإشكال وهو أنه لم يصل الظهر ولا الجمعة.
هذا الإشكال وجهه الخطابي كما نقله ابن قدامة في المغني أنه محمول على من يرى أن الجمعة تؤدى قبل الزوال فيكون ابن الزبير لم يصل العيد وإنما قدم الجمعة فلما قدم الجمعة سقط الظهر، على خلاف قول الحنابلة الأول في أنه لابد أن يصلي الظهر، فكونه لا تجب الجمعة في حقه لا يعني ذلك سقوط صلاة الظهر عنه.
وحل الإشكال من جانب الخطابي رحمة الله تعالى عليه بهذه الطريقة قوي جداً.
هناك تعليق علمي رصين لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه، فإنه اختار ابن تيمية الرأي الثاني وهو أنه يرخص في ترك الجمعة لكن لا يترك الظهر، ثم عقب على ذلك بقوله: لأنهما عبادتان من جنس واحد اجتمعتا ودخلت إحداهما في الأخرى ثم قال: وإن إيجاب الجمعة على من صلى العيد فيه تضييق على الناس في يوم عيدهم؛ والأصل في العيد السعة والانبساط والسرور.
السؤال: القول الثاني إذا كان له وجاهته على التوجيه الذي ذكرت، وهو أن من صلى الجمعة قبل الزوال تسقط عنه صلاة الظهر؛ لكن هذه الفتوى هل لها وجاهة في هذا الزمن؟
الجواب: هذا قول الخطابي ؛ لكن بعض الفقهاء يقول: إنه إذا صلى العيد أغنت عن الجمعة وبما أنها أغنت عن الجمعة فلا حاجة إلى أن يصلي الظهر؛ باعتبار كأنه صلى الجمعة وإن أخذ به أفراد من العلماء؛ لكن القاعدة العامة أنه تحترم آراء الفقهاء والعلماء، وقد قال بهذا علماء أجلاء سبقونا إلى ربنا، ولكن لا حاجة للتسمية، وأقول دائماً كما قال الشاطبي :
وواجب عند اختلاف الفهم إحساننا الظن بأهل العلم
الجواب: هذا قول للفقهاء إنها سنة مؤكدة، وبعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وشيخنا العلامة ابن عثيمين رحمة الله تعالى عليه كان يرى أنها فرض عين، أو على الأقل كان يميل كثيراً إلى أنها فرض عين، والنبي صلى الله عليه وسلم حافظ على صلاة العيد.
الجواب: التعامل مع الله جل وعلا هو التجارة التي لا تبور، قال الله جل وعلا في وصف عباده الأخيار: يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر:29].
والتعامل مع الله يستصحب المرء فيه أصلين عظيمين: محبته وتعظيمه، ثم يزدلف بعد ذلك إلى بعض المعالم التي من أظهرها الصدق معه تبارك وتعالى.
فالصدق مع الله جل وعلا أعظم ما يعين المرء على التعامل الحق مع ربه جل وعلا، ومن صدق إلى الله فراره صدق مع الله قراره، والله يقول وقوله الحق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، وفي خاتمة سورة المائدة قال الله: قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [المائدة:119].
فأعظم ما ينبغي على المرء صنيعه في تعامله مع ربه أن يكون صادقاً في تعامله مع الله.
الإنسان قد يقدر على أن يخدع ثلة من الناس، بل قد يصل الدهاة إلى خدعة الجماهير كلها، وبعض الناس قد يصل لمرض في نفسه إلى أن يخدع نفسه، لكن الشيء الذي لا يمكن لأحد أن يقدر عليه هو أن يحاول أن يخدع ربه.
فالله جل وعلا لا يمكن أن يخدع، فإن كان محالاً أن يخدع الرب تبارك وتعالى أحد من خلقه: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، وجب بعد ذلك على المنصف العاقل الذي يعرف ما عند الله من الثواب ويعرف ما عند الله من العقاب أن يلجأ إلى الصدق مع الله جل وعلا، قال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
المعلم الثاني: الأدب مع الرب تبارك وتعالى، والأدب مع الله جل وعلا حررناه سلفاً في لقاءات سابقة؛ لكن نقتبس ما ينفعنا في مقامنا هذا.
من الأدب مع الله أن يعلم العبد أن أي مرغوب لا يتحقق إلا بإحسان من الله وفضل، وأي مرهوب لا يدفع إلا بحول الله جل وعلا وطوله، فبقوته وحوله تبارك وتعالى ندفع ما نخاف ونتقي ما نخشى، وبإحسانه جل وعلا وفضله يتحقق لنا ما نؤمل ويحصل لنا ما نريد فإذا صدق المرء بتوكله مع ربه وتأدب مع الله وعلم يقيناً أنه لا يمكن لأحد أن ينفعه إلا ربه ولا يمكن لأحد أن يضره إلا ربه صدق مع الله جل وعلا وتأدب معه في حياته كلها.
ومن الأدب مع الله جل وعلا ألا يأخذ المرء شيئاً لا ينبغي صرفه لله فيعطيه لغير الله جل وعلا، فكما أن الله جل وعلا له ذات لا تشبه جميع الذوات لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فكذلك فيما نصرفه نحن من أعمال، فمنها أمور تعبدية محضة صرفها إلى غير الله شرك، وبعضها قد لا يكون شركاً لكن يكون من الأدب مع ربنا تبارك وتعالى ألا نصرفه لغيره.
دخل المهدي الخليفة العباسي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى رحلاته للحج فإذا فيه الفقيه المدني المعروف ابن أبي ذئب ، فقال أحد حاشية أمير المؤمنين لـابن أبي ذئب : قم، هذا أمير المؤمنين! فقال ابن أبي ذئب رحمه الله: إنما يقوم الناس لرب العالمين.
فأراد بعض الحاشية والحرس أن ينهره وكان منهم رجل يقال له زهير ، فقال المهدي لـزهير : اتركه فقد وقف والله شعر رأسي مما قال!
ابن أبي ذئب وفق في هذا الصنيع في المسجد؛ لأنه بيت من بيوت الله؛ لكن لو كان هذا الأمر خارج المسجد كان ينبغي إجلال السلطان المسلم وسيأتي هذا، لكن الذي يعنينا أن هذا العبد الصالح فرق وهو في بيت من بيوت الله بين ما يمكن صرفه لله على الإطلاق، وما يمكن تقييد الأمر في فعله مع غيره تبارك وتعالى تأدباً مع الله.
والإنسان إذا تأدب مع الله علم أن الأمور تلوح بين الحين والآخر فربما ركن لها قلبه من حيث لا يدري، لكن إذا أراد الله بعبد خيراً كان إقدامه أو إحجامه أو إصراره أو تراجعه لله وحده دون سواه، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162].
المعلم الثالث: الحياء مع الله تبارك وتعالى: ثمة أمور يستحيي العبد أن يراه الله جل وعلا يصنعها، وهي كل ما نهى جل وعلا عنه، لكن من أدمن النظر وتأمل في سير الأخيار من هذه الأمة وجد خصالاً وصفات عظيمة تحلى بها السابقون قبلنا؛ من ذلك أن أبا موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه وأرضاه كان إذا اغتسل لا يقيم صلبه حتى يرتدي ملابسه.
وأنت تعلم أن وسائل الاغتسال في ذلك العصر تعتمد على الاغتراف، فكان أبو موسى يغتسل في الغرفة المظلمة ثانياً جذعه حتى يستطيع أن يغرف، فإذا فرغ من الاغتسال لا يقيم صلبه حتى لا تنكشف عورته، وإنما يتناول ثيابه أولاً.
قال أهل التراجم في وصفه: كان ستيراً حيياً من ربه تبارك وتعالى، وهذه منزلة عالية وإن كان الإنسان غير ملزم بها؛ لكن معلوم أن لله عباداً أصفياء اجتباهم ربهم تبارك وتعالى واصطفاهم فإن ساروا أو تحركوا أو قاموا أو قعدوا فعلوا ذلك كله لربهم جل وعلا، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، وهذا من جنس ولايتهم لربهم تبارك وتعالى ومندرج فيه.
هذه الثلاث إذا صاحبها بعد ذلك سريرة بأن يصنعها العبد بينه وبين ربه؛ ادخرها الله له إلى يوم لقائه جل وعلا.
ومن صدقت نيته وصلحت سريرته وكان له عند الله عمل مقبول فلن يبلغ أحد سعادته إذا لقي الله.
قال الله جل وعلا عن أهل طاعته إنهم يقولون: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقة:19]؛ لأنه فرح مسرور بما فيه فيحب أن يراه الناس، في حين أنه في الدنيا لا يحب أن يرى الناس منه تلك الطاعة؛ لأنه ادخرها ليوم يلقى الله جل وعلا فيه، أحسب فيما أعلم أن هذه الأربعة تحدد معالم التعامل مع رب العزة والجلال.
الجواب: نحن أولاً نهنئها بأنها عرفت الطريق الحق، ونسأل الله جل وعلا لنا ولها الثبات على دينه تبارك وتعالى، لكنني أنصحها بأن الأخوات اللاتي كن معها يوماً من الدهر قبل أن يمن الله عليها بالهداية تتجنب نصحهن؛ لأن النفوس في مثل هذه الحالة قلما تقبل، وقد يسخر الله لأولئك الفتيات غير أختنا في نصحهن، فتقبل وتستمر في القراءة حتى تتقدم في السن قليلاً بإذن الله ورحمته، وبعد ذلك تنصرف إلى أخوات جديدات -إن صح التعبير- تعرج عليهن بالموعظة والنصيحة والتذكير، لكن ينبغي أن يكون ذلك بطرائق مقبولة قدر الإمكان، وباتخاذ وسائل معينة ثم تتدرج مع من تريد أن ترتقي بها، أو تخرجها مما هي فيه من الظلمة.
التدرج في الموعظة أمر محمود؛ لأنه الشيء الذي حبك عقدة عقدة لا يمكن حله إلا عقدة عقدة كما قال عمر بن عبد العزيز لأحد أبنائه وهو ينصحه.
الشيخ: هذه مشاركة من السائل تدل على فقه صاحبها، لكن ينبغي للإخوة الذين يتلقون خطابنا وخطاب غيرنا أن يكون عندهم إدراك لمسألة أن هناك منهجاً تاريخياً للمحدثين؛ لأنك عندما تسأل الشيخ مثلاً كالشيخ: ابن باز ، عبد الرزاق عفيفي رحمة الله تعالى عليهما وهما هما في فضلهما وعلمهما فإنك تسأله عن صحة القصة، فهذا شيء، ولكن صحة القول بالقصة شيء آخر، فصحة القصة أمر، يعني: الجزم بصحة القصة يحتاج إلى إثبات سند؛ لكن أحياناً أكثر ما ينقله العلماء كـالذهبي في السير إنما يطبق عليها منهج المؤرخين.
إني لا أدري ماذا أقول، فأنا أخاف أن أخطئ على غيري، لكن لا أريد أن يسبق لساني فكري، فأقول: توظيف القصة هو المهم، ومثلاً: يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في خبر صحيح أنه لوى وجه الفضل بن عباس لما نظر إلى المرأة، وجابر رضي الله تعالى عنه كان أميناً وهو الذي نقل أن الفضل كان ينظر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حجبه، وقد يأتي إنسان بهذا المعيار فيقول: ما كان لـجابر أن يخبر أن صحابياً ينظر إلى النساء، مع أنه ليس مقصود جابر أن يقول إن هذا كان يفعله أبناء الصحابة أو الصحابة أنفسهم، هذا ليس مقصوداً، لكن الأمانة العلمية تقتضي نقل الأمر بكامله.
ثم إن العقول والآراء تتفاوت في تلقي المعلومة، وهذه معضلة نجدها كثيراً في زماننا، فمثلاً: يختلف الفقهاء في بعض المسائل، فبعض الناس يمنعك من أن تقول الرأي الآخر خوفاً من أن يتكئ الناس عليه، وهذا ليس منهجاً علمياً، ولا أستطيع أن أتجاوز هذا الحد في الكلام خوفاً على ألا أجرح أحداً، لكني أرجو أن يكون الأمر قد اتضح، فإن الإنسان يحمل الخبر عن أخيه محملاً حسناً، ونحن أحياناً نتكلم بناء على عقلية علمية.
فينبغي أن يكون المتلقي ذا قدرة علمية بحيث لا يظلم القائل، ومثاله بوضوح:
السيوطي رحمة الله تعالى عليه في جمع الجوامع ذكر أبياتاً مجزوءة اعتماداً على أن هذا الكتاب ألف لطبقة علمية، فإذا لم توجد طبقة علمية تفهم هذا الكتاب فهذا لا يضير السيوطي ولا يلام عليه، لكن العلم أحياناً ينبغي نشره خاصة عندما نحاول أن نرتقي بالمجتمع فكرياً وعلمياً، وقلت أنا لا أريد أن أكثر من تحرير هذه المسألة خوفاً من أن أجرح أحداً.
الجواب: كل بحسبه، فأحياناً يكون هذا التصرف مقبولاً، كما في فعل أبي هريرة حين أخفى كثيراً مما يعلم رضي الله تعالى عنه وأرضاه، لكن ليس هذا على إطلاقه وليس أصلاً، بل الأصل تعليم الناس وتفقيههم.
ثم إن التلقي يعني: التلقي أمر محمود كما مر معنا في لقاء سابق في هذا البرنامج المبارك وكنا نتدارسه، فمثلاً: استشهدنا بأبيات لشاعر غير محمود، فتأتيك رسائل تقول: كيف تستشهد بكلامه؟ وهذا لا يدل على وعي في التلقي؛ وأحياناً نترحم على شخص ربما كان مشهوراً بعدم صلاحه مثل الحجاج ؛ لكن الترحم لا يوجد ما يمنعه شرعاً، فليس المقصود من الحلقة وإقامتها أن يذكر الحجاج بخير وأن يترحم عليه، لكن عندما يأتي شخص فيسمع للخطبة أو للمحاضرة أو للدرس أو لأي من المشايخ وينتقي هذه الأمور انتقاء وهي غير مقصودة أصلاً، فهذا عنده سقم في فهمه وأحياناً يكون عنده دغل في قلبه.
وقد قلت: أنا لا أريد أن أجرح أحداً، وأنا أقول كلمة حق إن في قلبي سلامة الصدر للسائل عندما تكلم، وأشعر في ثنايا كلامه بروح إيمانية عظيمة، وهذا يعلم الله أنه وقع في قلبي بصرف النظر عما قال بعده؛ لكن لا أوافقه في قوله: إنه سئل عنها فلان، وقال: إنها قصة غير صحيحة.
وأنا لم أقل إنها قصة صحيحة، لكن أنا أتكلم بالمنهج الذي يتكلم به العلماء، وهو أن القصص التاريخية تكون مقبولة ولا يبنى عليها حكم شرعي.
وأحياناً تكون القصة بحيث لا يوجد شرعاً ولا قدراً ما يعارض وقوعها، فإذا لم يوجد شرعاً ولا قدراً ما يعارض وقوعها فليس هناك شيء يمنع من الاستئناس بها.
الجواب: هذا يمكن، للحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله أرصد في مدرجة -طريق- ذلك الرجل الذي زار من يحبه في الله ملكاً يسأله، وهذا أصل في إثبات القضية.
لكن السائل إذا وقع له شيء من هذا أو لغيره فأرى ألا يحدث به أحداً، ولا يخبر به غيره، أحياناً يحصل للعقلاء مواقف هم على يقين أنها وقعت لكن لو قيلت للناس لشك الناس في عقولهم وذموا القائل، والعاقل ينأى بنفسه عن هذا.
فإن أخبر خاصته فلا بأس؛ لكن الإشكال أنه قد ينقلب هذا الخاص يوماً عدواً.
وجاء عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لـعائشة : (أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟)، فوردت لفظة المزمار في حديثين مرة بالمدح ومرة بالذم، فما تقولون في ذلك؟
الجواب: كلمة المزمار في اللغة تأتي على معنيين، تأتي بمعنى آلة اللهو أو الغناء نفسه، وهذا هو معنى قول الصديق رضي الله عنه وأرضاه لما دخل على ابنته عائشة وعندها جاريتان تغنيان بيوم بعاث: (أمزمار الشيظان؟)، فأضافه للشيطان؛ لأن فيه ما يشغل القلب عن ذكر الله.
فالعرب تطلق كلمة مزمار على الغناء وعلى آلة اللهو، والتي هي الدف هنا، وتطلقها كذلك على الصوت الحسن، فإطلاقها على الصوت الحسن هو مراد النبي صلى الله عليه وسلم من قوله لـأبي موسى : (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)، أي: لقد أعطيت صوتاً حسناً تتلو به القرآن كما أوتي داود صوتاً حسناً يتلو به الزبور: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ:10]، إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ [ص:18]، كما هو معروف في القرآن والسنة.
وهذا عام، ولا يوجد دليل على أنه خاص بالنساء، لأنه صلى الله عليه وسلم سمعه وكان حاضراً، لكن هذا الحديث أو هذا الخبر لا يجوز أن تتمسك به بعض القنوات من أنهم يأتون بما يسمى بالفيديو كليب أو غيره ليل نهار بحجة أن الغناء مرخص به، لأننا نقول: الدف مرخص به في أيام العيد.
ونقول: ليست القضية هنا قضية غناء، لكنهم يأتون في (فيديو كليب) بنساء يرقصن وامرأة أو رجل وسطهن يغني، فهذا لا يقال له غناء، بل يقال: هذا فجور، وخنا لا يدخل فيما يسمى بالغناء، فهو كبيرة من الكبائر لا يمكن أن يدخله الترخيص، لأن الترخيص لا يدخل في باب الكبائر لا في عيد ولا في غيره؛ فهم آثمون على كل حال.
أما الترخص في ضرب الدف لمجمع نسائي أو مجمع رجالي -وإن كان ينبغي لأهل الفضل أن يزهدوا فيه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم- فإن هذا لا يمكن لأحد أن يتقدم بين يدي الله ورسوله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه في يوم عيد أو أقر سماعه وقال لـأبي بكر : (دعهما يا أبا بكر)، فلا يمكن لأحد الاعتراض بعد أن يظهر على فتوى النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن عبيد نمتثل ونأتمر لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
الأمر الأول: هل هذا الترخص خاص بأيام العيد أم يمكن أن ينسحب على كل المناسبات؟
الأمر الثاني: أنت ذكرت الفيديو كليب، وهناك بعض الأناشيد تكون على الدف، فهل يأخذ نفس الحكم؟
الجواب: ينسحب على بعض مناسبات الفرح عند بعضهم مثل العقيقة.
أما مناسبة النجاح فهذا لا يتوسع فيه كثيراً.
أما ما يسمى بـ(فيديو كليب إسلامي)، فأنا لا أومن بقضية شيء إسلامي وشيء غير إسلامي، وهذا رأي شخصي في الفيديو كليب، وأعتذر لكل مؤمن ومؤمنة يرى صحة هذا، لكن أنا أقول نشيد مباح ونشيد محرم.
مثلاً: إذا جاء مجموعة من الشباب في يوم عيد وضربوا بالدف فأنا أقول: هذا النشيد مباح لحديث عائشة ، لكن لا أسميه إسلامياً؛ لأن كلمة (إسلامي) توهم أن الإسلام أمر به، والنبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجاريتين ظهره، فهناك فرق بين الموافقة والأمر.
فنحن نقول: مباح، ونقول في غيره: إنه محرم، ثم هذا المحرم يرتقي بعضه إلى كبائر الذنوب كما يحدث في بعض القنوات.
الشيخ: نعرج على سيرة المهدي ونذكر أهمها، فنقول: المهدي خليفة عباسي اشتهر بكثرة توليته، أي: وما دام يكثر من التولية فهو يكثر من العزل؛ لأنه لا يكون تولية إلا بعد عزل، وهذا يدل على قوة الشخصية.
وكان موسوماً بالشجاعة وقيل له: يتعجب الناس من شجاعتك! فقال: لم لا أكون شجاعاً وأنا لا أخاف إلا الله!
وهذا يدل على أن الإنسان يجتمع فيه خير وشر.
وكان المهدي غارقاً بعض الشيء في اللذات والصيد واللهو بحكم أنه ملك، لكنه كان قصاباً على الزنادقة -أي: يقطع لحمهم- يقول الذهبي في ترجمته: إنه كان محبباً إلى الرعية قصاباً على الزنادقة. وهذا ظاهر في سيرته، فكثير من الزنادقة أهلكهم الله على يديه.
كذلك جاء عنه أنه في أحد أيام خلافته هبت ريح شديدة عاصفة سوداء حتى ظن بعض الناس أن القيامة قد قامت، فـسلم -أحد حاشيته وحرسه- ذهب يبحث عن أمير المؤمنين، فذهب إلى الإيوان -يعني: إلى ردهات القصر- فلم يجده، فوجده في أحد بيوت القصر وهو ساجد على التراب رحمة الله تعالى عليه وهو خليفة، لكنه يناجي ربه ويقول: اللهم لا تشمت بنا أعداءنا من الأمم، ولا تفجع بنا نبينا، اللهم إن كان هلاك الناس بسبب ذنب فعلته فهذه ناصيتي بين يديك.
وهذا تسليم عظيم ودلالة على وجود حس إسلامي في قلب هذا الخليفة رحمة الله تعالى عليه، وكذلك قوله لـزهير حارسه عندما دخل المدينة وقال ابن أبي ذئب : إنما يقوم الناس لرب العالمين، فلو كان الخليفة لا يملك حساً إسلامياً لقال: اضرب عنقه، لكنه قال: لقد قف شعر رأسي مما قال أي: أن كلمة ابن أبي ذئب وقعت منه موقعاً.
وأنا أحسب والعلم عند الله أن ابن أبي ذئب قالها من قلبه صادقاً ولم يقلها متاجراً؛ فإن كثيراً من الناس يلمز السلاطين والأمراء لأغراض أخرى، يعني: يريد أن يؤلب العامة، وأن يحرك أشياء مكنونة، ويريد أن يصفي حسابات؛ هذا والعياذ بالله ليس له في الآخرة إلا النار، وهذا لا يقدم عليه إلا إنسان لا يعرف من هو الله، لكن الله جل وعلا أجل وأعظم من أن يتاجر بدينه.
وإذا كان الإنسان يقول القول يتاجر به حتى يرفع مقامه أو حتى يقال ويقال، ثم هو بعد ذلك لا يريد إلا هذا القول من الناس، فإنما يؤجر في الدنيا وليس له في الآخرة شيء، قال الله جل وعلا: لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ [هود:16]، وليس بعد تقديم الروح والنفس شيء، ومع ذلك فإن رسول الله لما قيل له إن الرجل يقاتل كذا يقاتل كذا يقاتل كذا، أخبر أن العبرة بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
والمتتبع لما كتب في هذا الموضوع أو عرض عبر وسائل الإعلام يجد أنه يصنف حسب الذوات، مثلاً: حقوق الوالدين، حقوق الجار، حقوق الأبناء، ونحن نريد أن نطرحها بطريقة أخرى وأن نصنفهم حسب الحقوق؟
الجواب: يظهر لي أن الناس الذين تتعامل معهم يمكن تقسيمهم إلى أقسام:
قوم لهم حقوق عليك.
وقوم عليهم حق لك.
وقوم مكافئون فلا حق لك عليهم ولا حق لهم عليك، أي أن التعامل معهم تعامل منفعي كالتجارة والوظيفة.
وقوم أعطاهم الله جل وعلا فضلاً بطريقة شرعية.
فيمكن تقسيم الناس غالباً إلى خمسة أقسام وقد تزيد، وأنا لا أقصد الحصر.
فلنبدأ بالقسم الأول: وهو من لهم حق عليك، بحيث يجب إعطاؤهم حقهم ولو لم يعطوك حقك.
فحق الوالدين -مثلاً- حق عظيم أقره الله جل وعلا في كتابه، فسواء كان هذان الوالدان على بر أو على فجور، قاما بحقك أو لم يقوما بحقك، فإنه يجب إعطاؤهما حقهما.
وكذلك حق الإنفاق على الزوجة، هذا حق لها لا يلغى إلا إذا نشزت وخرجت من الدار وفق تفصيل الفقهاء.
فمن كان له حق يجب أن نستشعر أن الله جل وعلا أوجب علينا هذا الحق، فنحن نؤديه بصرف النظر عن تلقيه هو لهذا الحق، أي سواء أنكره أم جحده، مدحنا أم ذمنا، وذلك لأن الله جل وعلا أمرني أن أعطيه هذا الحق.
وما دام أن الله أمر بأداء الحق على ما ذكرتم، فهناك سؤال يتعلق بالموضوع، وهو: من كانت عادته حسن الخلق وأداء الحقوق، هل يؤجر عليها أم لابد أن يستحضر النية؟
والجواب: إذا كانت هذه العادة جاءت مع الأيام منبثقة عن أصل شرعي فإنه يؤجر عليها، لكن ينقلون عن المأمون أنه كان يقول: أخاف ألا أؤجر على العفو؛ لأنه كان يحب العفو، هذا من له حق.
فهذا يجب أن نقبل تقصيره، بمعنى أن نعطيه حقه وأن نرفق به، وهنا تأتي قضية الخدم، فالخدم في الغالب لنا حق عليهم؛ لأننا نعطيهم أجرهم فهم أجراء.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إخوانكم خولكم)، وأمرنا ألا نكلفهم ما لا يطيقون، وبعض الناس عياذاً بالله يتصرف وكأنه لن يلقى الله جل وعلا، فعنده كثير من الظلم للأجراء سواء كانوا موظفين تحت يديه أو عمالاً في مكتبه، أو خادمة أو سائقاً أو عامل نظافة أو غير ذلك؛ فهو يجد في نفسه قوة سلطان وجبروت ملكه الله جل وعلا إياه، فيريد أن يستخدم ذلك السلطان والجبروت والقوة والحق في تكليفهم ما لا يطيقون.
مثلاً: ترى في بعض المطارات أن العائلة معها أبناؤها يطلبون من الخادمة -وهي امرأة عورة- أن تأخذ الحقائب من السير الذي يمر، فترى هذه الخادمة تتثنى فينظر إليها الرجال، وليس في العقد بينهم وبينها إلا أن تخدمهم في البيت، وليس للخادمة علاقة بأن تحمل حقائبكم وتضعها، ولو دفعوا مبلغاً زهيداً لذلك العامل المخصص لكان خيراً لهم من أن يلقوا الله جل وعلا وقد أذلوا امرأة بين الناس.
فالخادم والخادمة لا يغرنك منها أنها تعجز عن المطالبة بحقها، فبعضهن تستطيع أن تأخذ حقها بطريقة أو بأخرى لا تخفى على ذوي الألباب، لكن نحن لا نرقب ردة فعلها، فهذا لا ينبغي أن يكون هو الباعث على رفقنا بها، بل نفعل ذلك خوفاً من الله جل وعلا، أي لأن الله جل وعلا سيسألنا عنها. (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أن لديه عمالاً يصنعون له أعمالاً كثيرة، وأنهم أحياناً يبخسونه وهو يرد عليهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنه سيأتي الله بك وبهم يوم القيامة، فإذا كان ما أخذته منهم بمقدار ما أخذوه منك، وإلا اقتص لك منهم أو اقتص لهم منك، فبكى الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، ألم تقرأ قول الله جل وعلا: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47])؟
كل من استظهر في قلبه وتيقن أنه سيلقى الله تردد كثيراً قبل أن يظلم أحداً دونه، ومن لم يرقب يوماً يلقى الله فيه فهو الذي يسرف في الظلم.
فرعون كان جبروته منطلقاً من أنه لم يرقب يوماً لقاء الله، لكن الصالحين من العباد المتقين من أهل الفضل هم الذين يرقبون لقاء الله قبل أن يقدموا على العمل.
وهنا يأتي ما قاله أحد الفضلاء من أن المدرسين مؤتمنون على الطلاب، فلا يجوز التقصير.
فالتقصير الذي يأتي عرضاً لسفر طارئ أو مرض مقعد أو ما أشبه هذا يعذر فيه المرء، لكن عندما يكون ديدن المعلم أن يدخل قاعة الدراسة وهو لا يعبأ بتعليمهم، ثم يعاقبهم على أدنى خطأ دون أن يحاول يوماً إصلاحهم، ويتشفى منهم إذا وضع الأسئلة، أو يريد أن ينتقصهم أو يجعل المسألة تصفية حسابات مع عائلتهم أو أسرتهم.
فنقول له: هذا كله من غياب الخوف من أن تلقى الله جل وعلا، وقد قلت: إنه لابد أن يكون الباعث في كل عمل نأتيه خوفك من لقاء الله، فإن الله جل وعلا أخبر أن يوم لقائه يوم عظيم وقد قال عمر رضي الله تعالى عنه لـابن عباس لما أثنى عليه: وإنني مع ما قلت لو كان لي ملء الأرض ذهباً لافتديت به من هوا المطلع.
فليس لقاء الله بالأمر الهين، والإنسان إذا أخبر أن وزيراً سيزور تلك الدائرة أو مديراً عاماً سيأتيها، وبينها وبين زيارة الوزير أو المدير ساعات أو أيام، يتغير حاله يتغير وضعه يتغير تعامله مع من حوله خوفاً من أن يبلغ ذلك المسئول، فكيف بلقاء الله.
ثم إن الله جل وعلا لا يحتاج أن يبلغه أحد، فالله جل وعلا أقرب شهيد وأدنى حفيظ.
استحضار هذا هو الذي يعين على أن يقوم الإنسان بالواجب الأكمل، فإذا غاب فمن باب أولى أن ترى الجبروت في القلوب والقسوة فيها.
الجواب: هذا إن شاء الله تعالى من أمارات وعلامات القبول ولا نجزم به، لكن الحسنة تقول أختي أختي، فإذا أتبع الإنسان الحسنة بالحسنة دل ذلك -إن شاء الله- على قبول عمله عند الرب تبارك وتعالى، وأنا أسأل الله لأخي التوفيق في الدنيا والآخرة، ونحن في المقام الأول نريد من الإنسان أن يزداد من فعل الخيرات بعد رمضان؛ لأن رمضان أشبه بالنور الذي يبث في القلب، فكلما كان العمل الصالح في رمضان كثيراً كان بقاء ذلك النور إلى العام القادم أكثر.
الجواب: الأفضل أن يدعو الإنسان لنفسه، وجاء في الشرع ما يدل على أن الإنسان يطلب الدعاء من غيره، لكن إذا خشي الفتنة فلا، والفتنة لا يأمن منها أحد.
الجواب: الأصل ضرب الدف في النكاح، وفصل ما بين الحلال والحرام ضرب الدف في النكاح، وهذا يدل على أن الأصل تحريمه فنحن نقول لأخواتنا المؤمنات: من تأتي بأشرطة ليس فيهن إلا الدف، فهذا فعل محمود جيد حسن، أما توسع من يصنع هذا الصنيع في غير الدف فلا أحبذه ولا أراه وهو إلى الحرمة أقرب بل بعض أهل العلم نص على تحريمه.
فالمقصود من ضرب الدف هو إعلان النكاح، والخروج به عما كانت عليه العرب في جاهليتها من السفاح، فيضرب الدف برهة من الليل لا تكون طويلة يعلن فيها النكاح وينشد فيها أناشيد تلائم ذلك الوضع ويظهر فيها الفرح، هذا مما أباحه الله جل وعلا لعباده، قال صلى الله عليه وسلم: (هل كان معكم من لهو؛ فإن الأنصار يعجبهم اللهو)، لكن لا ينبغي بعد ذلك أن يزيد على الشرع ما ليس فيه.
الجواب: يوجد في الناس من هو مكافئ، بمعنى أنه لا يوجد حق له عليك ولا حق لك عليه؛ لكن هنا يأتي الأدب في أن الإنسان يكون متأدباً مع من يسمعه، يقولون عن الخليل بن أحمد رحمة الله تعالى عليه: إنه كان إذا أفاد أحداً شيئاً لم ير أنه أفاده، وإذا استفاد من أحد شيئاً أراه أنه استفاد منه، وهذا أنموذج عال على نهج سلف الأمة والنبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المكافئ.
الإنسان إذا كان سليم الصدر لين الطبع يقول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن ينقاد)، يعني: يقبل الأخذ والعطاء، ويألف ويؤلف.
فهذا في التعامل مع المكافئين لا يرى الإنسان في نفسه علواً ولا ظهوراً على الغير، ويقول الله: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].
فالتعامل مع المكافئ يمكن أن يكون منضبطاً بطرائق محمودة جداً، في أن يكون الإنسان ذا قلب سليم يعرف قدر أخيه ولا يحاول أن يستنقصه كما سيأتي بيانه.
الجواب: أياً كان الأمر فإنه ينبغي على من يتلقى النصيحة أن يتقبلها بقبول حسن، وأن يعلم أن الباعث من أخيه أو من أخته على النصح هو إرادة الخير له، ولا يكون فينا سوء ظن ببعضنا؛ لأنه لا يأنف من النصح أحد، كلنا ننصح وكلنا ينصح بحسب ما أفاء الله جل وعلا عليه من العلم، وقد وقف هدهد بين يدي سليمان فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ [النمل:22].
فليس معنى نصيحتي أنني خير منك، ولو غلب على ظنك أنك خير من فلان فلا يعني ذلك أنك لا تقبل منه شيئاً، فإن المؤمن مرآة أخيه، والمؤمن الحق بإخوانه، وهذا من الولاية التي قال الله جل وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71].
فمن بلغوا في السن مبلغاً وشابوا لهم حق يعرفه من يعرف الفضل، والنبي عليه الصلاة والسلام: (إنما يعرف الفضل لأولي الفضل أولو الفضل).
وقال صلى الله عليه وسلم في الإكرام: (من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)، فولاة أمر المسلمين لهم حق، فإكرامهم من إجلال الله جل وعلا، ومن من الله جل وعلا عليهم بالقرآن كأئمتنا في الحرمين وأمثالهم ممن حفظوا القرآن ونفع الله بهم البلاد والعباد فإكرامهم من إجلال الله، والرجل الكبير كما قلت ينبغي إكرامه.
كما أن الضعفاء لهم حق الإكرام، وأعود لبيئة المطارات، فأقول: أحياناً في الباصات التي تنقل الناس من الصالات إلى المطارات.
يوجد نساء كبيرات في السن أو شابات صغيرات في الباص، فبعض الرجال عفا الله عنا وعنهم يزاحمون في المقاعد وهي محدودة؛ والأصل في مثل تلك الباصات الوقوف، لكنهم يأتون ويجلسون مع أن الشركات المتبنية لهذه الباصات اكتتبت ألواحاً مكتوباً عليها: (هذا خاص بالنساء وخاص بكبار السن) لكن البعض يغلب عليه حب الذات من غير أن يشعر، فعندما يأتي إلى هذه الأماكن لا يفكر بشيء إلا في نفسه، فيأتي ليجلس وهو يرى المرأة واقفة رافعة يديها تخاف أن تسقط.
وهذا لا ينبغي لرجل شهم أن يفعله؛ لكن عندما تغيب بعض آداب الدين ويغلب على الإنسان النظرة الذاتية لمن حوله، يحدث هذا النوع من التعامل؛ نسأل الله العافية.
والإنسان إذا اتخذ طريق الوسطية سلم؛ ونقول: إن من أعظم أودية الباطل الغلو في الأفاضل.
الجواب: يقول الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3].
ولذلك فالمنفعيون لو سألتهم: ما رأيك في سيارة كابرس موديل 2000، كم قيمتها؟
إذا كان ذكياً يقول: أنت بائع أو مشتر؛ لأنه إذا كنت تريد أن تشتريها فلا تدفع أكثر من كذا، وإذا كنت تريد أن تبيعها فيكون جوابه جواباً منفعياً.
المؤمن الحق الذي يرقب الله جل وعلا يضع نفسه في تعامله محل الطرف الآخر، فإذا وضع نفسه محل الطرف الآخر صدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
وهذا هو النموذج الأمثل في التعامل مع الناس، أي أن يحب المرء لأخيه ما يحبه لنفسه، لكن يحصل في أسواقنا في طرائق التعامل ما يظهر الغش والخداع لغياب مراقبة الله جل وعلا.
في التعامل المنفعي كل يريد أن يفوز، وبعض من الناس والعياذ بالله لا يفكر إلا في البيئة التي يعيش فيها، يعني: من كثرة شعوره بالنقص يحب أن يسمع كلمة مدح.
فالمقصود أن الإنسان ينبغي أن يحمل في معاملته مع الناس آداباً إسلامية مستقاة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والأخطاء قد تحدث من الجميع؛ لكن يلاحظ أن من عليهم سيما الصلاح والتقى يحملون أكثر من ذلك، بحيث تنسب أخطاؤهم إلى الدين مباشرة، ونسبتها إلى الدين خطأ، فكل إنسان مسئول عن نفسه، لكن ينبغي للإنسان أن يقدم السورة المثلى لأهل الإسلام، والله تعالى يقول: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3]، والعاقل الذي يعرف الله حقاً يكيل للناس بما يكيل به لنفسه.
السؤال: هناك أمور يجب على المرء أن يراعيها مهما حاول أن يكون حسن الخلق مع الغير، سواء في حديثه أو تعامله، إلا أن هناك ضوابط ينبغي أن يستحضرها دائماً، فنرجو أن تذكرها؟
الجواب: أهمها العلم أن الله ذو حكمة بالغة: إذا علم العبد أن الله ذو حكمة بالغة ارعوى، وساقه هذا العلم إلى أن يتأمل في التعامل مع الناس، فكل قوة إلى ضعف، وحتى الغنى لا يلزم أن يئول إلى فقر، لكن يئول إلى أن تموت وتترك مالك، وبعد لحظة من وفاتك يصير ملكاً شرعياً لغيرك، فاستصحاب.
قبل أيام نشرت الصحف أن بوب دنر هذا مرتزق فرنسي كانت تستخدمه الحكومات الفرنسية السابقة في انقلابات دول وتغيير حكومات وتنقل في كثيراً في دول إفريقيا وبعض الدول الآسيوية، وكان له دور كبير في كثير من الانقلابات التي حصلت، فهو مرتزق مشهور عالمياً وقد توفي مؤخراً.
هذا الرجل استخدمته الحكومات الفرنسية في تغيير عروش وإزالتها مع ذلك أصابه الله جل وعلا قبل أن يموت بمرض الزهايمر الذي يفقد الذاكرة، فصار الناس يحدثونه أنه غير حكومة، فيضحك غير مصدق أنه يسمع هذه المعلومة.
فانظر إلى صنيع الله جل وعلا في خلقه، فهذا كافر لا يفقه ومن حوله عائلة كافرة قد لا تفقه؛ لكن أنت كمسلم عندما تقرأ هذا الخبر في صحيفة ما فاتك تقرؤه بطريقة أخرى ليس كما يقرؤه من لا يرقب لقاء الله.
كل شيء مصيره للزوال غير ربي وصالح الأعمال
فإذا علم الإنسان أن الله ذو حكمة بالغة يرعى الله، يقول الله: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9].
أحياناً يكون المرء عند رجل يعاين الموت وعنده أطفال فيأتيه إنسان أحياناً يقول له: لو وصيت لفلان، لو وصيت لفلان، يريد أن يذهب ماله، فالله جل وعلا يقول له: قبل أن تتلفظ بالمشورة، لهذا الرجل تذكر أبناءك لو تركتهم وهم ذرية ضعفاء كيف سيصبح حالك؟
الأمر الثاني: حفظ اللسان لأن الإنسان العاقل يرى وصف النبي صلى الله عليه وسلم أو وصف القرآن من قبل لأهل الفسق والفجور فيحاول -بل يجب عليه- أن يسعى إلى البعد عنهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال في المنافق: (وإذا خاصم فجر)، فالمسلم في تعامله يجب أن يحفظ لسانه قدر الإمكان.
نعم، كلنا نغضب ويقع منا الخطأ ولسنا معصومين:
فإنا لم نوق النقص حتى نطالب بالكمال الآخرينا
لكن يبقي على الإنسان ألا يستمر في كلامه، فإذا غضب في مجلسه مع أصدقائه أو أقرانه أو أولاده أو بناته فليخرج حتى لا يتلفظ بكلمات يبقى لها أثر سيء في القلب، ويحاول قدر الإمكان أن يحفظ لسانه؛ لأن الكلمة إذا خرجت حاكمتك، أما إن لم تخرج كنت أنت الحاكم عليها.
الأمر الثالث: ألا يحتقر أخاه المسلم: وهذا من الضوابط المهمة، قال صلى الله عليه وسلم: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم).
من طرائق الاحتقار ألا يقول الإنسان لفلان أنت كذا، لكن يحاول أن يبين نقصه أمام الناس، وأسوأ ذلك أن يقع بين الزوجين، فالزوج الذي يحاول أن يعيب امرأته أمام أبنائها وبناتها ليس رجلاً شهماً، وليست امرأة تصلح لأن تكون زوجة تلك التي تحاول أن تنتقص زوجها أمام أبنائه وبناته، فإذا رأت أن الأبناء والبنات يجلون أباهم تحاول أن تنتقصه أمامهم، وقد يكون هناك زوج إذا رأى أن الأبناء والبنات يحبون أمهم ويتعلقون بها يريد أن ينتقصها أمامهم، أو يحصل هذا مع بعض القرابة ومع بعض المعارف، هذا كله قال عنه صلى الله عليه وسلم في كلمة جامعة مانعة: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم).
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر