إسلام ويب

لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكمللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه المادة ذكر الشيخ صوراُ من حياة الصالحين في تعظيم الله، سيما تعظيمه باليمين، وتطرق إلى مسائل وأحكام في اليمين كحم الحلف بغير الله، والسؤال بوجه الله، واللغو في اليمين.
    الحمد لله، الحمد لله القائل: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [القلم:10-16] والصلاة والسلام على رسول الله، سيف النصر الذي قصَّر الله به آمال القياصرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، وأرداهم ظلمهم في الحافرة، ولسان الصدق الذي بلغ نغمة التوحيد لعباد الله الموحدين، وأذن الخير التي استقبلت آخر رسالات السماء؛ فبلغتها البشرية، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما اتصلت أذن بخبر، وما تعلقت عين بنظر، وما غرد حمام على شجر.

    وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    قصة عدي بن حاتم

    فلما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتائبه مشرقة ومغربة؛ تنشر (لا إله إلا الله) في المعمورة، كان من ضمن من أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سليمان خالد بن الوليد سيف الله المسلول، أرسله إلى جبل أجا وسلمى، حيث قبائل طيء، فلما سمعت بمقدم خالد؛ فرت القبائل لا تلوي على شيء، وذهبت بنصرانيتها إلى الشام.

    وكان من ضمن من فر عدي بن حاتم الطائي ابن كريم العرب، وترك أخته في بيته، فنزل خالد وتمركز بجيشه هناك، وسبى سبايا، وأخذ أسارى، وعاد بهم إلى عاصمة الإسلام، إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من ضمن الأسارى: سفانة بنت حاتم الطائي الكريم المشهور، والجواد العظيم، وأنزلهم خالد حول المسجد، وقامت سفانة إلى علي رضي الله عنه وأرضاه، وقالت: اشفع لي إلى ابن عمك، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال علي: إنا لا نشفع إليه، ولكن إذا خرج إلى الصلاة، فسوف ينظر إليكم، فتشفعي عنده واذكري أباك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلم الناس وأبرهم وأوصلهم.

    وخرج صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر ومعه بعض الصحابة، وفي طريقه استعرض الأسارى، فقامت سفانة، وقالت: يا رسول الله! إن أبي كان يحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الدهر، أنا بنت حاتم الطائي كريم العرب، فاعف عني عفا الله عنك. فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، وقال: {خلوا عنها؛ فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، ثم قال: يا هنتاه، لو أن أباك مات مسلماً لترحمنا عليه} ثم أكرمها صلى الله عليه وسلم، وأعادها صيّنة محتشمة إلى ديار أهلها؛ فلقيت أخاها عدي، فقالت: يا قطوع، يا عقوق! تركتني وفررت، جئتك من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً، من عند أبر الناس، وأوصلهم، وأرحمهم.

    فتهيأ عدي ولبس لباسه، وركّب صليب النصرانية على صدره، وأتى إلى المدينة، وتسامع الناس أن ابن حاتم الطائي قادم، أو أظل المدينة ضيفاً؛ فخرجوا في استقباله، واستقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجلسه في بيته، وقدم له مخدةً ليجلس عليها، فأبى وجلس على التراب، فقال له صلى الله عليه وسلم: {أشهد أنك من الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً}.

    وبينما هو جالس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بروح القدس، وإذا بجبريل عليه السلام ينزل بآيات الله البينات، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمناسبة مقدم عدي بن حاتم، وهي قوله تبارك وتعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:30-31] فقال عدي، وعرف أن الخطاب له، وأنه المقصود بلفظ الفحوى "إياك أعني واسمعي يا جارة" فقال: {ما عبدناهم يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم ونظر إليه: بل عبدتموهم، أما أحلوا لكم الحرام فأحللتموه، وحرموا عليكم الحلال فحرمتموه؟ قال: بلى. قال: فتلك عبادتهم}. ثم تنمر له صلى الله عليه وسلم، وقرب منه، وأخذ بتلابيب ثيابه وقال: {يا عدي! أتفر أن يقال: الله أكبر في الأرض؟ هل تعلم أكبر من الله؟ أتفر يا عدي أن يقال: لا إله إلا الله في الأرض؟ هل تعلم إلهاً مع الله؟ فانتفض عدي وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله} وانطلق لسانه يلهج بنغمة التوحيد، وقلبه يرتعد بنغمة لا إله إلا الله.

    والمقصود من هذا كله: أنه لا عظيم إلا الله، ولا يحلف إلا بالله، ولا يتوكل إلا على الله، ومن توكل عليه كفاه، ومن عظَّم الله عظمه الله، ومن امتهن أسماء الله أمتهنه الله وحقره وأذله.

    قصة صاحب بني إسرائيل

    وفي صحيح البخاري في كتاب الوكالة: {أن رجلاً من بني إسرائيل أتى إلى رجل آخر يقترض منه مائة دينار، فأقرضه وسلفه، فقال: هل لك من شاهد؟ قال: ما لي شاهد إلا الله. قال: كفى بالله شاهداً. قال: فهل لك من كفيل يكفلك؟ قال: ما لي من كفيل إلا الله. قال: كفى بالله كفيلاً. فأخذ هذا المال، وسافر به وركب البحر، فلما أتت المدة أتى بمائة دينار، يريد أن يعيدها إلى صاحبها، فوقف على ساحل البحر، وانتظر السفينة فلم تأتِ سفينة، وانتظر ثلاثة أيام، فلما يئس رفع طرفه إلى السماء، ثم قال: اللهم إني اقترضت منه، فقال: هل لك من شاهد؟ فرضيت بك شاهداً، وقال: هل لك من كفيل؟ فرضيت بك كفيلاً، اللهم فبلَّغ هذه الدنانير إليه.

    ثم أخذ خشبة، فنقرها، ووضع فيها الدنانير، ووضعها على ظهر ماء البحر، فسلط الله الريح؛ فأخذت هذه الخشبة، وساقتها إلى الساحل الآخر، وخرج ذاك الرجل صاحب الدين في ذلك اليوم، يقول لأهله: علني أتعرض للسفن، أركب إلى صاحب المال الذي جعل بيني وبينه الله شهيداً وكفيلاً. فانتظر سفناً فلم تأتِ سفينة، فقال: لقد يئست، وحسبي الله ونعم الوكيل.

    ثم نظر إلى الخشبة، فقال: آخذ هذه إلى أهلي لتكون حطباً لهم. فلما أتى بها إلى البيت كسرها؛ فإذا الدنانير فيها، وإذا الرسالة، والمبايعة، فقال: من استكفى بالله كفاه، ومن توقى بالله وقاه}.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089206205

    عدد مرات الحفظ

    782744705