الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعــد:
أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن أبعد الناس عن الله أكثرهم معصية، وإن أقربهم إليه تبارك وتعالى أكثرهم طاعة، وإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، إنما نسبهم التقوى وصلتهم القربى، ومعين قربهم تقوى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
وعود الله لعباده المؤمنين
التجاء العبد إلى الله في الشدة وكفره بالنعمة في الرخاء
إجابة الله عباده المؤمنين في الشدة
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
شرطا الكرامة
عباد الله: في الحديث السابق كرامة من كرامات الأولياء، وكرامات الأولياء أثبتها
أهل السنة والجماعة؛ لكن بشرطين كما يقول شيخ الإسلام وعلم الأعلام
ابن تيمية رحمه الله في المجلد الحادي عشر من
فتاويه قال: يشترط في الكرامة شرطان:
الشرط الأول: أن تكون على طاعة، أو تكون ثمرة ونتيجة لطاعة، فتحصل على يد رجل طائع لله عز وجل؛ لا فاجر ولا كاهن ولا مشرك ولا ساحر ولا منجم؛ لأن هؤلاء أعداء الله وأعداء رسله عليهم الصلاة والسلام، وقد يحدث لهم خوارق وأمور تخالف عادات الناس، وأمور يحدثها الله عز وجل فتنة وابتلاء لهم.
فلا بد للكرامة أن تكون على طاعة، وأن يكون صاحبها على الكتاب والسنة، قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا تغتروا بالعبد ولو طار في الهواء وسار على الماء حتى توازنوا عمله بالكتاب والسنة. أو كما قال.
والشرط الثاني: أن تستغل هذه الكرامة في مرضاة الله، وفي رفع دعوة الله عز وجل، وفي نصرة دينه وحماية أوليائه. والله عز وجل يجعل الكرامات للأولياء بسبب إخلاصهم.
قصة الإسرائيلي الذي أودع الدنانير في خشبة في البحر
وقد ورد في
صحيح البخاري في كتاب الوكالة: أن رجلاً من بني إسرائيل لقي آخر فاستسلفه ألف دينار، فقال له ذاك الرجل: ما أعرفك فهل لك من شاهد، قال: ما أجد شاهداً، قال: ابحث عن شاهد، قال: ليس لي من شاهد إلا الله، قال: كفى بالله شاهداً بيني وبينك، قال: فهل لك من كفيل يؤدي عنك المال -أو يغرم المال أو يكفلك في حضورك؟- قال: ليس لي من كفيل، قال: ابحث عن كفيل، قال: والله لا أجد كفيلاً إلا الله، قال: كفى بالله كفيلاً. فأخذ الألف دينار وذهب بها وركب البحر، فلما ركب البحر ونزل في قريته مكث ما شاء الله من الأعوام، فلما أتى الموعد أخذ الألف دينار ليردها إلى صاحبها، فأتى إلى شاطئ البحر فلم يجد سفينة ولا قارباً؛ فبقي على شاطئ البحر ثلاثة أيام يسأل ويبحث حتى أيس من السفن والقوارب، وفي الأخير تذكر أن الضامن هو الله، وأن الكفيل هو الله، وأن الشاهد هو الله، فأخذ عوداً من خشب فنقر العود وأدخل فيه الدنانير ثم كتب عليه رسالة، وجعل العود في البحر وقال: اللهم إنه استشهدني فلم أجد شاهداً إلا أنت وطلبني كفيلاً فلم أجد كفيلاً إلا أنت، اللهم فأدِّ هذا المال إليه، ثم ضرب العود في البحر، فساقه علام الغيوب -الحافظ الحكيم وأسرع الحاسبين، الشاهد والكفيل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وكفى بالله وكيلاً وكفى بالله كفيلاً- حتى وصل إلى الشاطئ الآخر. وخرج ذاك الرجل في نفس الموعد يتحرى لأن بينه وبين ذاك الرجل موعداً، فرمى البحر بهذه الخشبة إلى الرجل فأخذها وقال: آخذها حطباً لأهلي، وأيس من ذاك الرجل، فلما ذهب إلى بيته كسر الخشبة فوجد فيها ألف دينار ووجد الرسالة فقال: كفى بالله وكيلاً وكفى بالله شهيداً} وهذه كرامة.
كرامة صاحب عقد المرجان
وذكر
ابن رجب في
طبقات الحنابلة عن
أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي قال: " ونقل عن رجل من الصالحين أنه قال: سافرت يوماً من الأيام إلى
مكة حاجاً قال: فانتهت نفقتي وانتهى طعامي وزادي، وأصبح بي من الضر والجوع شيء لا يعلمه إلا الله، قال: فذهبت ألتمس الطعام والشراب والزاد في
مكة، فبحثت في الأرض في مزبلة هناك فانكشف لي عقد ثمين فيه در وجواهر، كل جوهرة تساوي الآلاف من الدنانير -عقد يساوي ميزانية هائلة- قال: فحملت العقد وبي من الفرح مالا يعلمه إلا الله، قال: وذهبت به حتى دخلت الحرم، وإذا برجل ينادي من وجد لي ضالة وصفها كذا وكذا قال: فإذا هو العقد الذي هو عندي، قال: فتقدمت فسألته فأتى بأوصاف هذا العقد، قال: فاتقيت الله فدفعت له العقد قال: فوالله ما ناولني درهماً ولا ديناراً.
قال: ثم ذهب وتركني، قال: فلما انتهيت ركبت البحر في سفينة قال: فلما أصبحت في السفينة جاءتنا ريح شديدة لا يعلم قوتها إلا الله، فكسرت السفينة، وغرق أصحابي جميعاً، وبقيت على خشبة ثلاثة أيام بين الموت والحياة، وأنا أسبح الله وأذكره، قال: فرمت بي الخشبة على جزيرة، قال: فنزلت الجزيرة فدخلت مسجداً هناك في القرية، فأتيت فوجدت مصحفاً أقرأ فيه، فقال أهل القرية: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قالوا: علمنا القرآن ونعطيك أجراً، قال: فعلمتهم القرآن، قالوا: أتجيد الخط؟ قلت: نعم. قالوا: علمنا الكتابة، قال: فلما استأنست بهم قالوا: إن هنا ابنة صالحة يتيمة، وقد كان أبوها من الصالحين، نريد أن تتزوجها، قال: فلما تزوجتها ورأيتها وإذا بذاك العقد الذي وجدته في مكة في نحرها، قلت: يا أمة الله! أريني العقد، قال: فسلمتني العقد! فوالله الذي لا إله إلا هو، إنه ذاك العقد؟ قلت: ما خبر هذا العقد، قالت: حججت مع أبي سنة كذا وكذا وقد جمع أمواله ودنانيره ودراهمه واشترى هذا العقد، فهو مالنا وميراثنا وكنزنا، قالت: ثم ضاع منه فوجده رجل من الصالحين فسلمه لأبي؛ فكان أبي كلما صلى صلاة يقول: اللهم وفق بين ابنتي وذاك الرجل الصالح، قال الرجل: فوالله الذي لا إله إلا هو، إني أنا الرجل الذي وجدت العقد ".
إن من يحفظ الله يحفظه، ومن يستهدِ بالله يهدِه، ومن يستكفِ به يكفِه. وهذه من السنن الكونية الخلقية القدرية، ومن السنن الأمرية الشرعية التي أوردها الله في الكتاب والسنة، ولا يضيع إلا مَن ضيَّعه الله، فاستهدوا بالله يهدكم، واستحفظوا الله يحفظكم، واستكفوا به يكفكم، وتوكلوا عليه يكفكم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
خاتمة
عباد الله: وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً 
[الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {
من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه يا رب العالمين، اللهم اجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك؛ برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم وفق أئمتنا لما تحبه وترضاه، اللهم أعنهم على تحكيم كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ونصرة دينك.
اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.