إسلام ويب

التوسل بالأعمال الصالحة (2)للشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في قصص الأولين عبرة، ونحن في هذا الدرس مع قصة من قصص بني إسرائيل، وفيها من العظات والعبر والدروس المتعلقة بالعمل والاعتقاد شيئاً مفيداً، إنها قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار.
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.

    أما بعــد:

    أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن أبعد الناس عن الله أكثرهم معصية، وإن أقربهم إليه تبارك وتعالى أكثرهم طاعة، وإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، إنما نسبهم التقوى وصلتهم القربى، ومعين قربهم تقوى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

    يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا      وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه

    كم نطلب الله في ضر يحل بنا      فإن تولت بلايانا نسيناه

    ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا      فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه

    ونركب الجو في أمن وفي دعة      فما سقطنا لأن الحافظ الله

    وعود الله لعباده المؤمنين

    أيها الناس: يقص علينا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أحسن القصص، ومنها قصة قوم سلف بهم الدهر، ووقعوا في ورطة من الورطات، وفي نكبة من النكبات، وفي مصيبة من المصائب، فما أنجاهم الله إلا بعد أن توسلوا بأعمالهم الصالحة.

    والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وعد المؤمنين بالهداية، فقال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] والله تبارك وتعالى وعد المؤمنين بالنصر فقال: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52] والله تبارك وتعالى وعد المؤمنين بالتثبيت فقال: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27] والله تبارك وتعالى وعد المؤمنين بالحياة الطيبة في الدنيا وبالنعيم المقيم في الجنة فقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].

    يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه قال: قال عليه الصلاة والسلام: {انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم...}:

    أي: من الأمـم السالفة التي جعل الله أخبارهم عبرة لنا فقال: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3] علنا نفهم أو نعقل، وقال: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ [يوسف:111] لكن لمن كان له قلب.. لمن كان له عقل.. لمن كان يعتبر.

    التجاء العبد إلى الله في الشدة وكفره بالنعمة في الرخاء

    {... انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى كهف في الجبل، فآووا إلى الغار وقد أمطرت السماء، فانطبقت صخرة من الصخرات على فم الغار فسدَّته...}:

    يا ألله! لم يبق منجى ولا ملتجى ولا مفر من الله إلا إليه، ومن الذي ينجي العبد في الأزمة إلا الله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].

    فأصبحوا في ورطة لا يعلمها إلا الله، لا أنيس، ولا قريب، ولا ولد، ولا صاحب، ولا عشيرة، ولا قبيلة.

    جلس الثلاثة وضمهم الليل الدامس، وليس عندهم من الطعام والشراب ما يكفيهم، وهم في صحراء مقحلة وقفر، إن صوتوا لا يسمع صوتهم إلا الله، وإن بكوا لا يسمع بكاءهم إلا الله، وإن صاحوا لا يسمع صياحهم إلا الله، فتشاوروا.

    والعبد إذا ضاقت به الضوائق أخلص التوحيد لله الواحد الأحد. والعجيب أن العبد وقت الرخاء يتمرد على الله، ويعصيه ويتعدى حدوده، وينتهك حرماته إلا من رحم الله، لكن إذا أُخِذَ بزمامه وشد عليه خناقه عاد إلى الواحد الأحد: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65].

    فالشاب قوي البنية، الصحيح، المتكامل العضلات يفجر إلا من رحم الله، ولا يصلي مع الجماعات إلا من وفق الله، ولكن إذا أصبح في المستشفى على السرير الأبيض عاد بقلبه إلى الواحد الأحد.

    إجابة الله عباده المؤمنين في الشدة

    فتشاور الثلاثة ماذا يفعلون، فقال أحدهم: {... والله لا ينجيكم من مكانكم هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم...}:

    إن كنتم أحسنتم في الرخاء فالله يجيبكم في الشدة؛ لأن الله يجيب من يطيعه في الرخاء وقت الشدة.

    أما رأيتم يونس بن متى عليه السلام يوم ضاقت به الحِيَل، وأُلْقِي في اليم، يوم أصبح في ظلمة الليل فرد إلهامه ورشده إلى الله فقال: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] فقال الله عنه: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144].

    {... إنه لن ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم...}:

    ومعنى ذلك: أن لهم رصيداً من الأعمال الصالحة وقت الرخاء، أما الذي ليس له رصيد من العمل الصالح فبماذا يدعو ويتوسل؟ أيقول لله: أنا فلان بن فلان من آل فلان؛ الأسرة العريقة على مر التاريخ؟ أو أبي كان أميراً أو وزيراً أو تاجراً؟ ليس بين الله وبين خلقه نسب، بل النسب التقوى، ولذلك لما أدرك الموت شيخ الطغاة فرعون قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] ففعل في الدعاء كما فعل يونس؛ لكن شتان ما بين الرجلين، ذاك عبد صالح وهذا عبد فاجر، فقال الله لفرعون: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91] أنسيت جرائمك يا لعين؟! أنسيت خبائثك على مر التاريخ يا خبيث؟! لا تنفعك الشهادة في هذا الموضع، فأهلكه الله ومزقه وأرداه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522151

    عدد مرات الحفظ

    777108877