إسلام ويب

فضل السواكللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، وجاء الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيه قولاً وفعلاً، وبأساليب شتى، فتارة يحذر من تركه بالإخبار عن بني إسرائيل أنهم تركوا السواك فزنت نساؤهم، وتارة يقول: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وفي هذا الدرس تفصيل لهذه السنة وما يتعلق بها.

    1.   

    السواك: فضائله وأحكامه

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد..

    فمعنا في هذا الدرس بابٌ من أبواب كتاب الجمعة، وهو (باب السواك) وما ورد فيه، وفيه إحدى وعشرون مسألة:

    فضل السواك، عند الوضوء وعند الصلاة، وعند دخول البيت، وعند القيام من النوم، وبين الناس.

    تسوكه صلى الله عليه وسلم في مرض موته.

    التسوك بسواك الغير.

    صاحب سواكه صلى الله عليه وسلم والمتكفل به من الصحابة.

    الأراك خير السواك.

    التسوك بالإصبع وما ورد فيه.

    السواك للصائم وتفصيل هذه المسألة وتحقيق ما ورد فيها من خلاف.

    بنو إسرائيل وتركهم للسواك.

    التيامن في السواك.

    غسل السواك.

    فضل ماء السواك.

    متى يتأكد السواك؟

    ثم التسوك بالريحان وشجر العطور، وما ذكر أهل العلم في ذلك.

    ثم أسنانه صلى الله عليه وسلم من آثار التسوك، وما ورد في شمائله في هذه الشعيرة.

    فوائد السواك.

    متى يجتنب السواك أو متى يترك؟

    ثم نختم الباب إن شاء الله بالأحاديث الصحيحة في باب السواك، والأحاديث الحسنة، والضعيفة.

    1.   

    نبذة من حياة علي بن أبي طالب

    وقبل أن نبدأ في هذا الدرس أحب كما هو الغالب في مثل هذه الدروس أن نتعرض إلى صحابي واحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ونحرص أن يكون هذا الصحابي أحد الذين لهم أحاديث في هذا الباب، وهو أبو الحسن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، وربما سلف معنا في مناسبات ماضية، لكنه لا يستغنى عن سيرهم دائماً وأبداً، وتكرر وتعاد ودائماً تمر على الأسماع لما جعل الله لهم من صلاحٍ وخيرٍ وزهدٍ وبركة، وله حديثٌ في هذا الدرس سوف يمر معنا رضي الله عنه، فمن الجميل والمفيد أن نتعرض لبعض شمائله رضي الله عنه وأرضاه.

    نشأة علي بن أبي طالب

    هو أبو الحسن علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد السابقين إلى الإسلام، بل هو أسبق فتىً في تاريخ الدعوة المحمدية إلى رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، كفر أبوه بالله العظيم وأبى أن يقول لا إله إلا الله، وأتى عليٌ رضي الله عنه وأرضاه فانطلقت لسانه بلا إله إلا الله وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [آل عمران:27] فخرج علي رضي الله عنه من صلب أبي طالب الكافر الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله. مات أبوه فأتى عليٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! الشيخ الضال قد مات فماذا أفعل به؟ لم يقل أبي؛ لأنه لا يتشرف بأبوة كافر، ولم يقل: أبو طالب لأنه لا يكنى مثله لأن التكنية مدحٌ وتبجيل.

    أكنيه حين أناديه لأكرمه      ولا ألقبه والسوءة اللقبُ

    ولكن قال الشيخ الضال، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يواريه بالتراب، لا غسل، ولا تكفين، ولا صلاة، ولا تشييع، ولا استغفار، لأن مصيره سيء. أما علي رضي الله عنه فبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضع من ثدي النبوة، ويسمع الحكمة ويلقنها للناس.

    علي ينام على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة

    ولما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى مكة أراد أن يترك علي بن أبي طالب هذا الأسد في براثنه يتركه في فراشه، فأمره أن ينام على فراشه، وذهب صلى الله عليه وسلم، ولما أحدقوا ببيته جعل الله عليهم عمى وسكراً فلم يروه لما خرج، ونثر التراب على رءوسهم وهو يقول: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً [يس:9] فلما خرج صلى الله عليه وسلم ترك علياً فأحدقوا به فلم يخف رضي الله عنه وأرضاه، ولحق بالرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، والأمر الذي يميزه به بين الناس شجاعته النادرة وزهده وصدقه وإخلاصه مع الله تبارك وتعالى.

    علي ومرحب اليهودي

    أما شجاعته فحدث عن الليث ولا حرج، اسمه حيدرة، سمته أمه: حيدرة، وحيدرة اسمٌ من أسماء الأسد، فإن للأسد عند العرب تسعة وتسعين اسماً، من أسمائه حيدرة، فكانت أمه تلاعبه وتسميه: حيدرة، وتهدهده، فلما عاش نسي الأسماء إلا حيدرة، استخدمه في أوقات الأزمات وفي ساعة الصفر، وعند احتدام الخطر.

    خرج مرحب اليهودي من حصنه في المدينة، في خيبر ولمع بسيفه وسط المسلمين وقد ألقى الدروع عنه، وهو يناشد المسلمين.. من يبارز؟ من يبارز؟ ومرحب هذا يهودي ماكرٌ فاجر ولكنه من أشجع الناس، أخذ يرتجز ويلاعب سيفه بيده ويقول:

    أنا الذي سمتني أمي مرحب      شاكي السلاح بطل مجرب

    إذا الحروب أقبلت تلهب

    فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن توسم في أصحابه وكلهم أحجم لأنهم يعرفون الخطر، ولأن المسألة معناها أن ينهزم الإنسان أو يقتل في مثل هذا المكان أمام الناس، الذي يتواجد فيه جماهير تشجع وتنظر جميعاً رجالاً ونساءً وأطفالاً إلى المتبارزين الاثنين، فقال صلى الله عليه وسلم: {من يبارز؟} فقال علي رضي الله عنه: أنا يا رسول الله، فسكت صلى الله عليه وسلم، فقال: في الثانية: {من يبارز؟ فقال: أنا، فقال الثالثة: من يبارز؟ فقال: أنا، قال: اخرج} فخرج وسل سيفه وهو شابٌ كالأسد وهو يقول:

    أنا الذي سمتني أمي حيدرة     كليث غابات كرية المنظرة

    أكيلكم بالسيف كيل السندرة

    فلما التقى هو ومرحب، اعترضت بينهما شجرة وأخذا يتصاولان كالليثين فرأى علي رضي الله عنه أن من الحكمة أن يقطع دابر الشجرة ليبقى ذاك مجرداً في العراء، فقطعها علي رضي الله عنه بأول ضربة ثم ثنى الثانية فقتل بها مرحباً، فكبر الناس.

    ولذلك يقول محمد إقبال في هذا المشهد:

    ومن الألى دكوا بعزم أكفهم      باب المدينة يوم غزوة خيبرا

    أم من رمى نار المجوس فأطفأت      وأبان وجه الصبح أبيض نيرا

    ومن الذي باع الحياة رخيصةً      ورأى رضاك أعز شيءٌ فاشترى

    وعاد رضي الله عنه وأرضاه منتصراً.

    علي وعمرو بن ود

    وفي معركة الخندق أتى عمرو بن ود، وهو أشجع العرب على الإطلاق، يسمى: بيضة البلد، أي أنه كان الرجل الوحيد في الشجاعة بين العرب في الجاهلية، فأتى يقول: من يبارز؟ من يبارز؟، فدعي علي رضي الله عنه؛ فخرج له، فقال عمرو بن ود لـعلي: لا أريد أن أقتلك لأنك شاب صغير، وقال علي: [[وأنا والله أريد أن أقتلك لأنك كافر]] فأخذا يتصاولان حتى غطى الغبار عليهما، ثم انكشف الغبار فإذا علي على صدر ذاك الكافر قد قتله.

    علي في بدر

    وتأتي مرات وكرات وفي بدر كان علي يقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج:19] فتدمع عيناه، ويقول: أنا أول من يجثو عند الله يوم القيامة للخصوم، أنا ومن بارزني يوم بدر (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) أي المسلمون والكافرون في بدر، فلما أتى يوم بدر دعا صلى الله عليه وسلم؟! بعد أن سمع صياح القرشيين وهم يقولون: من يبارز؟ من يبارز؟ يا محمد، أخرج لنا ثلاثة من أصحابك، فقال: الأنصار أهل المدينة رضي الله عنهم وأرضاهم قالوا: نخرج لهم يا رسول الله، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم استحى أن يكون أول القتلى من الأنصار، فأراد أن يجعله في قرابته ليري الناس أنه يؤثر صلى الله عليه وسلم، وأنه يتحمل المعضلات، فجعلهم كلهم من أبناء عمومته المتبارزين، فقال: {قم يا حمزة، قم يا علي بن أبي طالب، قم يا أبا عبيدة بن الحارث} فقام الثلاثة فقتلوا الثلاثة المشركين.

    مكانة ومنزلة علي عند النبي صلى الله عليه وسلم

    وفي تبوك خرج صلى الله عليه وسلم ورأى أنه سوف يـبقي علي بن أبي طالب بعده عند أزواجه وأهله، صلى الله عليه وسلم لأنه شجاعٌ يحميهن من المنافقين والكفار واليهود، فلما أبقاه وجلس مع القوم في مجالسهم وقالوا لـعلي: {ما أبقاك صلى الله عليه وسلم إلا استثقالاً منه -انظر إلى الكلمة الكاذبة الآثمة، يستثقل صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ميمنته دائماً وسيفه الذي يصول به، ولكن الكلمة تؤثر في النفس- فقال علي رضي الله عنه: الله المستعان!! أيستثقلني رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: نعم، ما تركك إلا لأنك قد أثقلت عليه، فأخذ عليٌ رضي الله عنه سيفه وسلاحه وخرج ولقي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصحراء، فقال: يا رسول أتركتني استثقالاً مني، إن الناس يقولون ذلك، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، وقال: أتركتك استثقالاً منك؟! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي} فرضي الله عنه وأرضاه، وكانت هذه الكلمة من أعجب الكلمات في حياته، وعاد إلى المدينة.

    علي فاتح خيبر

    وفي فتح خيبر لما عجزوا عن فتحها فقام صلى الله عليه وسلم من الليل فبشرهم، فقال: {لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله} قال عمر: [[فما أحببت الإمارة في حياتي إلا يومئذٍ]] وفي الصباح كلٌ ينتظر أن تسلم له الراية وكلٌ ينتظر أن يدعى ليعطى العلم، فدعا صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال: أين أبو الحسن؟ فأتي به وهو لا يرى مد يده لأن به رمد رضي الله عنه في عينيه، وهو يقاد قوداً حتى أوقف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم فتفل صلى الله عليه وسلم في عينيه فإذا هو يرى كل شيءٍ على حقيقته، فقال صلى الله عليه وسلم: {خذ هذه الراية واذهب على رسلك، وليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن أبوا فقاتلهم، واستعن بالله ولا تعجز وعليك أن تدعوهم إلى الله، فلأن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك من حمر النعم}.

    تولي علي للخلافة وموته شيهداً

    وانطوت أيام علي رضي الله عنه فكان صادقاً ثابتاً أميناً حتى تولى الخلافة رضي الله عنه وأرضاه فكان من أزهد الناس، وأعبدهم وأخطبهم، رجل الكلمة الذي يؤديها حارة إلى القلوب رضي الله عنه وأرضاه، يحرك بكلماته الناس، ويؤثر في القلوب، ويقود الناس إلى الله عز وجل.

    فلما أراد الله عز وجل أن يرفع قدره رزقه الشهادة في آخر حياته، خرج يصلي صلاة الفجر وهو بـالكوفة في العراق، فأخذ يوقظ النائمين في المسجد، وأتى إلى الخارجي الخبيث، اللعين عبد الرحمن بن ملجم، وهو قد وضع سيفه تحت بطنه عمداً ونام عليه على بطنه فركله علي رضي الله عنه برجله ولا يدري أنه سوف يقتله، وقال: [[قم إن هذه ضجعة يبغضها الله، إنها ضجعة أهل النار]] أي: نومة أهل النار على وجوههم، فقام الرجل، وأما علي رضي الله عنه فقام يصلي سنة الفجر فقام هذا الخبيث بسيفه الذي قد سمه شهراً كاملاً، أدخل السيف في السم حتى أصبح السيف أزرقاً، ثم أتى إلى جبهة الإمام فضربها بالسيف فقال علي رضي الله عنه: [[الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون! الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:156-157]]] فحمل إلى بيته ووضع على فراشه، فأُتي بـعبد الرحمن بن ملجم هذا القاتل، فقال علي رضي الله عنه: [[ما لك قاتلك الله قتلتني؟ قال ابن ملجم: إني أقسمت أن أقتل بهذا السيف شر الناس! قال علي: والله لنقتلنك بهذا السيف فأنت شر الناس]] فقتل ابن ملجم بسيفه لأنه شر الناس، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لـعلي في حياته صلى الله عليه وسلم: {أتدري من أشقى الناس؟ قال: لا يا رسول الله، قال: أشقى الناس عاقر الناقة والذي يقتلك}.

    ولما أُتي لـعلي بلبنٍ رضي الله عنه وأرضاه وهو مريض قال له ابنه الحسن: [[يا أبتاه! اكتب وصيتك فإنا نخاف أن تموت هذه الليلة لأننا نرى المرض قد اشتد عليك]] فقال علي: [[والله لا أموت هذه الليلة، والله لا أموت من المرض، ولا أموت حتى تدمى هذه وأشار إلى لحيته، ومن هذه وأشار إلى جبهته]].

    رضي الله عن علي وعن أصحابه وأقرانه من الصحابة وحشرنا معهم في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.

    1.   

    أحاديث السواك وأحكامه

    يقول الإمام البخاري في كتاب الجمعة، وقد أسلفنا أن هذا الحديث في هذا الدرس سوف يكون عن السواك وما ورد فيه من أحاديث صحيحة، وحسنة، وضعيفة، وعن أقوال أهل العلم، وعن ما جاء فيه من فضلٍ وسنة، وأوقاتٍ وتأكيد ونهي، إلى غير تلك من المسائل التي سوف تعرض بإذن الله، ومدار هذا الدرس على ثلاثة أحاديث:

    الحديث الأول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة).

    والحديث الثاني: حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكثرت عليكم في السواك، أكثرت عليكم في السواك).

    والحديث الثالث: حديث حذيفة قال: (كان النبي إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك).

    وقد أسلفنا أن في هذا الدرس إحدى وعشرين مسألة:

    المسألة الأولى: فضل السواك وما جاء فيه من آثار

    من أفضل السنن التي أتى بها صلى الله عليه وسلم سنة السواك، ولا يحافظ على السواك إلا من يحافظ على سنته صلى الله عليه وسلم، وهو من أحسن ما يتجمل به الناس، ولذلك كانت العرب في جاهليتها أو بعضهم يستاك ويعدونه من أشرف الخصال، وأوصت امرأة جاهلية ابنتها فقالت: عليكِ بالماء البارد والسواك فإنه هو جمال المرأة.

    والسواك أعجب وأجمل وأفيد من الطيب، ومن أنواع العطور، ومن جمال الملابس، ومن كل ما تجمل به الرجل أو المرأة، قال صلى الله عليه وسلم: {السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب} رواه الترمذي وابن خزيمة والإمام أحمد وهو حديث صحيح. مطهرة: مصدر أي أنه يطهر به الفم من الأذى والقذر والروائح كما سوف يأتي.

    ويقول صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة} وفي لفظ {عند كل وضوء} وذلك لفضله ولشدة ما ورد فيه.

    وفي حديثٍ عند البيهقي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {صلاة بسواك خيرٌ من سبعين صلاة بلا سواك} وهذا الحديث ضعيف ولو أن ابن القيم يقول: لا مانع أن يكون هذا الحديث صحيحاً، وأن العبد إذا تسوك وأتى الله بروائح طيبة، وأزال الأذى من فمه يضاعف الله له الأجر والمثوبة، هكذا قال، ولكن الأحاديث لا تصحح بالاستقراء أو بالاستنباط ولا تصحح بالسياقات، ولا بالقرائن وإنما تصحح بالسند، والرجال، وبما قيل فيها على علم الدراية والرواية، فهذا الحديث ضعيف كما سوف يمر معنا.

    المسألة الثانية: فضل السواك عند الوضوء

    ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء} هذا لفظ في صحيح البخاري، وبعضهم علق هذا اللفظ، ولكنه صح من كلامه صلى الله عليه وسلم أن السواك مع كل وضوء وارد ومسنون ومستحب، فمن السنة للمؤمن أن يتسوك عند كل وضوء لأنه من الأمور التي تستحب عند الوضوء، لأن الوضوء إزالة نجسٍ وحدثٍ وقذر، وكذلك السواك، وعند أحمد في مسنده عن علي رضي الله عنه: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم تمضمض ثم تسوك بإصبعه} أي: أدخلها في فمه يتسوك بها صلى الله عليه وسلم، وهذا سوف يأتي في مسألة التسوك بالإصبع.

    المسألة الثالثة: فضل السواك عند الصلاة

    أمر به صلى الله عليه وسلم، وذهب إسحاق بن راهويه وبعض أهل الظاهر، إلى أن السواك واجبٌ عند كل صلاة، والصحيح عند الجمهور أن السواك سنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صرف الأمر من الوجوب إلى السنية بقوله: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة} فاقتضت المشقة أن ينفي صلى الله عليه وسلم الأمر، فلوجود المشقة انتفى الأمر وانتفى الوجوب عن الأمة بذلك، وهذا من تسهيله وتيسيره للأمة.

    المسألة الرابعة: السواك عند دخول البيت

    وأما السواك عند دخول البيت، فقد قال شريح بن هانئ: {سألت عائشة رضي الله عنها ماذا كان يبدأ به صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ -ما هي السنة التي يبدأ بها صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: كان يبدأ صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بالسواك} لأن السواك طهارة، ولأنه سوف يتحدث مع أهله، ولأنه عبادةٌ وسنة، لهذا كان صلى الله عليه وسلم يتسوك حينما يدخل بيته.

    وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    المسألة الخامسة: استحباب السواك عند القيام من النوم

    عن حذيفة في الصحيح: {كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك} ولكن في مسند أحمد {من الليل والنهار} وحديث عائشة: {ما استيقظ صلى الله عليه وسلم في ليلٍ أو نهار إلا تسوك عليه الصلاة والسلام} والسبب أن النائم تتغير رائحة فمه بالمتغيرات، فكان من الجميل والمستحب عند المسلم أن يتعاهد فمه ليزيل الروائح التي علقت به من آثار الطعام وكذلك بعد المنام، فكان عليه الصلاة والسلام أنظف الناس، وأجملهم وأحسنهم، فكان إذا استيقظ بدأ بسواكه، بل العجيب في ذلك أنه كان يوضع له صلى الله عليه وسلم سواكه عند رأسه، وماء الوضوء فإذا استيقظ بدأ بالسواك ثم توضأ، ولا عليك أن تتوضأ ثم تستاك، أو تستاك ثم تتوضاً؛ والأمر في ذلك فيه سعة إن شاء الله.

    المسألة السادسة: السواك بين الناس

    بعض أهل العلم يرى أن السواك من باب إزالة الأذى، فهل يجمل بالمسلم أنه إذا جلس بين الناس أن يتسوك في المجلس؟ أو جلس في مكتبه؟ أو جلس في الفصل مع زملائه؟ أو جلس في المسجد مع الناس؟ أو في محفل عام أن يخرج السواك ويتسوك؟ هل هذا يتعارض مع الآداب العامة؟ لأن هذا فيه إزالة قذر، فهل في الأمر شي؟ الصحيح أنه من السنن المستحبة ومن أشرف الخصال، وأنه لا شيء فيه، فيجوز للمسلم أن يتسوك أمام الناس، وفي مجامعهم، وإنما قلت هذا الكلام لأن بعض أهل العلم يقولون هذا، حتى إذا رأوا الرجل يتسوك وهم جلوس يقولون: ماذا حدث؟ تتسوك أمامنا! ويقول أحدهم لبعضهم وهو يدرسهم في الفصل: أدخل هذا السواك وإذا ذهبت إلى بيتك فتسوك. وهذا مخالفٌ لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يتسوك بين أصحابه، قال أبو موسى في الصحيحين: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مع الناس وسواكه على طرف لسانه وهو يتهوع يقول: {أع أع} عليه الصلاة والسلام، وقد قلصت شفتاه} والسواك على شفتيه قد قلصت أي أنها ضمرت من السواك أو أن السواك دخل على الشفة، فجعلها تتقلص بسبب أن سواكه صلى الله عليه وسلم على طرف لسانه، وإنما يقول: {أع أع} يتهوع لأنه كان صلى الله عليه وسلم يسوك لسانه طولاً وعرضاً فاقتضى ذلك أن يتهوع عليه الصلاة والسلام، فدل على أن السواك من أشرف الخصال حتى لو كان بين الناس، قال عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، يوصي أبناءه الخلفاء الملوك، قال: إذا جلستم مع الناس فتسوكوا عرضاً، ولم يقل طولاً. يقول أهل العلم أنه هكذا وأنه لا يتسوك طولاً لأنه ليس لائقاً في العادة، وسوف تأتي هذه المسألة وهي هل يتسوك طولاً أو عرضاً، وهل يتسوك باليمين أم باليسار؟

    المسألة السابعة: تسوكه صلى الله عليه وسلم في مرض موته

    من حرصه صلى الله عليه وسلم على تطبيق السنة، وعلى النظافة والطيب أنه في مرض موته الذي ألم به صلى الله عليه وسلم لم ينس السواك، كان رأسه في حضن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقد ألم به مرض الموت وقد اقتربت منه سكرات الموت، فدخل عليها أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر الذي دفن في مكة، ومرت به وهو في المقبرة كما روى الترمذي فلما رأت قبره بكت طويلاً لأنه كان لبيباً وفياً معها صادقاً، وكان يخدمها كثيراً، وهو الذي ذهب بها يعمرها، أي يأخذ معها عمرةً من التنعيم فلما مرت به عند مقبرة (ريع الحجون) في مكة بكت طويلاً وتمثلت بقول متمم بن نويرة في أخيه:

    وكنا كندماني جذيمة برهةً     من الدهر حتى قيل لن يتصدعا

    وعشنا بخيرٍ في الحياة وقبلنا     أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا

    فلما تفرقنا كأني ومالك      لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

    وهذه من أعجب القصائد، بل هي سيدة القصائد أو سيدة المراثي عند المسلمين، يقول: بكت عيني اليمنى -كان أعور-:

    بكت عيني اليمنى فلما زجرتها      عن الجهل بعد الحلم اسبلتا معا

    يقول نهيت اليمنى أن تبكي وقلت لها: افعلي كاليسرى لا تبكي، فبكت اليسرى قبل أن تتعظ اليمنى، إنما الشاهد أن عبد الرحمن دخل على عائشة في مرض موته صلى الله عليه وسلم، فلما رآه صلى الله عليه وسلم -وهذا في الصحيح- ما استطاع أن يتكلم صلى الله عليه وسلم؛ لأن المرض اشتد عليه صلى الله عليه وسلم فأخذ يبده نظره، يبده: أي يعمد بنظره إلى عبد الرحمن كأنه يقول: هات!

    قلوب العارفين لها عيونٌ      ترى ما لا يراه الناظرونا

    تكلم عليه الصلاة والسلام بعينيه فأتت عائشة فأخذت السواك من فم أخيها فقضمته قالت: {قضمته أي أزالت ما تسوك به، ولو لم تزله لتسوك عليه الصلاة والسلام من تواضعه ولينه ويسره ثم سلمته للنبي صلى الله عليه وسلم فأخذه بيده فتسوك كأشد ما كان يتسوك في الحياة الدنيا} فهو لم يتركه حتى في مرض موته صلى الله عليه وسلم، ولذلك يستحب ولو في أحرج المواقف أن تتعاهد هذه السنة المطهرة منه صلى الله عليه وسلم.

    المسألة الثامنة: حكم التسوك بسواك الغير

    هذا وارد، ولكن النفوس لا تقبل إلا من قريب عزيز، كزوجة مثلاً، لهذا كانت عائشة تقول: {كان صلى الله عليه وسلم يعطيني سواكه لأغسله} وقبل أن تغسله تبدأ به فتتسوك لأن آثاره صلى الله عليه وسلم مباركة، فهذا الأمر وارد عند أهل العلم، وقد ناقشوا هذه المسألة؛ هل الأثر المستعمل يقاس على الماء المستعمل؟ هل هو طاهر أم لا؟ أو يصبح طاهراً في نفسه غير مطهر لغيره؟ هل يقاس السواك في ذلك بهذه المسألة؟

    ولذلك عقد البخاري في كتاب الوضوء (باب استعمال فضل وضوء الناس. وقال أمر جرير بن عبد الله البجلي) أهله أن يتوضئوا بفضل سواكه أو كما قال.

    وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: {أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبر، فدفعته إلى الأكبر منهما} فهذا الأمر وارد، والرسول صلى الله عليه وسلم تسوك بسواك عبد الرحمن صهره صلى الله عليه وسلم ابن أبي بكر، فلا لائمة في ذلك، ولذلك عقد البخاري (باب: دفع السواك إلى الأكبر) يعني الأكبر فالأكبر، لكن قد تتأذى أو تأبى النفوس ذلك.

    المسألة التاسعة: صاحب سواكه صلى الله عليه وسلم

    الرسول صلى الله عليه وسلم خُدم من أصحابه رضوان الله عليهم وأرضاهم ولهم الشرف أن يخدموه، ولذلك كان شرف ابن مسعود في الحياة الدنيا بعد تبليغه للرسالة، وخدمته للرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون تجهيز السواك وإحضاره ومهمة البحث عنه منوطة به ومسندة إليه، فكان هو الرجل المعروف الذي يحضر السواك للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يقول أبو الدرداء لأهل العراق [[أليس فيكم صاحب السواك، والنعلين والوساد؟!]] أو كما قال، فكان رضي الله عنه يصعد الشجر فيأخذ للرسول صلى الله عليه وسلم السواك أو يأخذ من أصول الأراك وهو أحسن ما يتسوك به، وتعرفون في السير أنه صعد شجرة فهبت الريح، ومالت بجسمه النحيل الخفيف الهزيل، لكنه يحمل قلباً كبيراً نبيلاً شريفاً قوياً، فتضاحك الصحابة من دقة هذا الجسم، فقال صلى الله عليه وسلم: {أتعجبون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد} فـابن مسعود كان صاحب سواكه صلى الله عليه وسلم.

    المسألة العاشرة: الأراك خير سواك

    تفنن أهل الأدب في ذلك، وقالوا: لا نرى إلا أنه السواك الذي يقدم على كل نبتٍ من نبات الأرض، ومدح شعراؤهم من يتسوك بالأراك، وعدوه من أعظم الخصال، وفيه ميز، وقد أثبت أهل الطب في هذا العصر أن الأراك من أعظم المواد في قتل الجراثيم وفي إزالة أمراض الفم، وإزالة القذى والأذى والروائح المنتنة منه، بل هو بلسمٌ شافٍ، وألف بعضهم في ذلك كتباً، ودل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح {من أخذ شيئاً من غير حقه طُوِقَهُ من سبع أرضين، قالوا: يا رسول الله، ولو كان شيئاً يسيراً؟ قال: ولو كان قضيباً من أراك} قال بعض أهل العلم: أي مسواك، وفي بعض الآثار أنه كان ينتقي له صلى الله عليه وسلم من الأراك أسوك أو سوك على وزن كتب، قال ابن قتيبة: تُنطق سوك على وزن كتب.

    المسألة الحادية عشرة: حكم التسوك بالإصبع

    قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما في الطبراني: {يا رسول الله الرجل يذهب فوه -أي: تسقط أسنانه- ماذا يفعل؟ -أي هل يتسوك؟- قال: نعم، قالت: كيف يا رسول الله؟ قال: ليتسوك بإصبعه} وهذا الحديث ضعفه ابن حبان، والصحيح أنه ضعيف وسوف يأتي معنا.

    وفي المسند عن علي قال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل يديه، ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً ثم غسل وجهه ثلاثاً...} وقال في المضمضة {فتمضمض بإصبعه صلى الله عليه وسلم} وهذا الحديث قد مر معنا في دروس ماضية، وهذا الحديث يقبل التحسين، ولو أن بعض أهل العلم قد ضعفوه كما سوف يأتي.

    المسألة الثانية عشرة: حكم السواك للصائم

    هل يتسوك الصائم؟ وهل السواك لا يخدش عليه صيامه؟ وهل يفرق بين السواك الرطب والسواك اليابس؟ وهل يتسوك أول النهار وآخر النهار، أم أول النهار فقط؟ أم ماذا؟

    الصحيح في ذلك أن الصائم يستحب له أن يتسوك أول النهار وآخره بالسواك الرطب واليابس، وأنه لا شيء فيه، ولا حرج، بل هو أفضل وهو السنة، والدليل على ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء أو عند كل صلاة} وجه الاستدلال بهذا الحديث في هذه المسألة أنه عمم المقال هنا، فهل هو في اختصاص الحال؟ أو اختصاص بعض الوقت؟ لأن العموم في الزمان كالعموم في الأفعال والأفراد. فعمم صلى الله عليه وسلم عند كل صلاة، ولم يقل إلا للصائم في أول أو في آخر النهار، والدليل الآخر: حديث عامر بن ربيعة، في سنن الترمذي، قال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي ولا أعد يتسوك وهو صائم} هذا الحديث حسن رواه الترمذي، فدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يتسوك أول النهار وآخره، وأما حجة الذين قالوا بالسواك أول النهار وترك السواك آخره فلهم حجتان اثنتان: دليلٌ نقلي من المصطفى صلى الله عليه وسلم، ودليلٌ عقلي وهو تنظير، وهؤلاء هم الشافعية.

    فعندهم حديث وهذا من باب النقل، وعندهم تنظير وهذا من باب العقل، والعالم إذا أعوزه الدليل النقلي فعليه أن يأخذ دليلاً عقلياً ليحاج به. وهذه مسألة في أصول الفقه.

    فأما دليلهم النقلي فقوله صلى الله عليه وسلم: { استاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي}.

    وأما دليلهم العقلي فهو التنظير، قالوا: يقول عليه الصلاة والسلام: {ولخلوف} قال القاضي عياض: بضم الخاء لا بفتحها (خُلوف) {ولـخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك} فقالوا: الخلوف هذا وهو رائحة من الفم، إذا تسوك العبد فإنها تزول، فلا يتسوك في آخر النهار، لأنه سوف يزول هذ الخلوف الذي يحبه الله.

    والرد عليهم: أما بالنسبة للحديث الذي استدلوا به فلا يصح فقد رواه البيهقي وفي سنده من لا يعتمد، ولا يصحح حديثه ولا يقبل؛ لأن حديثه ضعيف ضعفه أهل العلم وعدد من الحفاظ، وأما قولهم إنه يزيل الخلوف، فالرد عليهم وهو رد ابن القيم حيث يقول: إن الخلوف يأتي من المعدة، ولا يأتي من الفم، والله ليس في حاجة -يعني لهذه الروائح التي يأتي بها العبد- بل الله عز وجل طيب يحب الطيب، جميلٌ يحب الجمال، يحب الروائح الطيبة، أما الخلوف هذا فإنه يأتي بسبب الجوع، ينبعث من المعدة إذا خلت من الطعام، فلا دخل للفم فيه، وهذا رد موجه، وصحيح يؤخذ به، فاقتضى أن السواك في أول النهار وفي آخره سيان، وهناك حديث {استاكوا إذا كنتم صياماً أول النهار ولا تستاكوا بعد العصر} لكنه ضعيف كأخيه السابق، وورد عند ابن ماجة: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستاك أول النهار وآخره} وقد علقه البخاري في صحيحه من كلام ابن عمر، قال: وقال ابن عمر: {كان صلى الله عليه وسلم يتسوك أول النهار وآخره} وهذا الحديث أورده البخاري معلقاً.

    وللفائدة نقول: الحديث المعلق هو الذي سقط من أول إسناده مما يلي المحدث شيخه فأكثر، أو سقط السند كله فهذا معلق.

    والمرسل -على المناسبة- هو: أن يُسقَط الصحابي من السند ويصل التابعي الحديث بالرسول صلى الله عليه وسلم.

    ومرسل منه الصحابي سقط     وقل غريب ما روى راوٍ فقط

    والمنقطع؟ ما سقط من سنده راوٍ فأكثر، ويشمل المعلق والمعضل والمرسل ويشمل ما سقط منه السند كله أو سقط راوٍ واحد أو أكثر رواته فهذا يسمى منقطعاً.

    والحديث المعضل؟ هو: ما سقط منه راويان بموضع ما على التوالي، يعني الرجل وشيخه، الرجل وتلميذه، فهذا معضل.

    والحديث المقطوع -وهو غير المنقطع- وهو ما وقف على التابعي فمن بعده.

    والموقوف: ما وقف على الصحابي.

    والمرفوع: هو المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وما هو الحديث المدبج؟ نعم، هو أن يروي الرجل عن آخر والآخر عنه.

    وما روى كل قرينٍ عن أخه      مدبجٌ فاعرفه حقاً وانتخه

    وبقي فيه مسائل وأحكام، ولكن ليس هذا المقصود من الدرس وإنما توقفنا لأنه عرض لنا هذا العارض، فأردنا أن نوضحه أكثر.

    المسألة الثالثة عشرة: بنو إسرائيل وتركهم للسواك

    بنو إسرائيل تركوا السواك، والرسول صلى الله عليه وسلم شنع عليهم، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للصحابة: {ما لكم تأتوني قلحاً! استاكوا فإن بني إسرائيل تركوا السواك فزنت نساؤهم} نسأل الله العافية، ولذلك قال ابن عباس: [[يا عجباً لأحدكم أيريد أن تتجمل له زوجته وهو لا يتجمل لها!]] وكثير من الناس يريد من المرأة أن تتجمل وهو لا يتجمل لها، ويريد أن تتطيب وهو لا يتطيب، فلها من الحقوق مثل ماله، فاقتضى ذلك أن يعتنى بالسواك، ولذلك لو ألف مؤلفٌ كبير في السواك لما أنصف، ولو بيع بأغلى الأثمان لكان رخيصاً، لأنه من أعظم خصال الرجل، وتركه يؤدي إلى الأذى وإلى تأذي المنادى من رائحة الفم، والمحادث والمسار، فعلى المؤمن أن يعتني بهذه الخصلة، وأن تكون نصب عينيه.

    المسألة الرابعة عشرة: التيمن في السواك

    قالت عائشة: {كان صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وفي طهوره وفي شأنه كله} هل قالت: في هذا الحديث وفي سواكه؟ لا. قالت وفي شأنه كله، هل ثبت في سواكه؟ نعم، ثبتت عند أبي داود من طريق إبراهيم بن إسماعيل قال: {وفي سواكه وفي شأنه كله} ما هو الذي نفهمه من التيمن في السواك؟ هل المقصود باليد اليمنى أو من يمين الفم؟ من يمين الفم، هذا قول بعض أهل العلم، ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يرى أنه يمين الفم، التيمن هو يمين الفم، وأن السواك باليسرى، لكن يبدأ باليمين، يقول: "يحمل على هذا المحمل" وسبقه إلى ذلك ابن تيمية شيخ الإسلام في المجلد الحادي والعشرين الصفحة 108 من الفتاوى يقول: بل القواعد أو الظواهر الشرعية تدل على أن السواك باليسرى، ثم أتى بتنظير على أن السواك من باب إزالة الأذى، فهو كالاستنجاء والاستجمار والاستنثار، فتزال هذه كلها باليسرى فيتسوك العبد باليسرى، ولكنه لم يأت بدليل، وهو ليس معصوماً، إنما المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم، وهنا من باب التبيين فالسؤال الذي يقول: لماذا لم يأت ولو حديثٌ واحد منه صلى الله عليه وسلم يذكر أنه تسوك صلى الله عليه وسلم باليسرى؟ أنا أدري أنه سوف يرد راد ويقول: لماذا لم يأت حديث أنه تسوك باليمنى؟ يعني مسكوت عنه، فما هو الجواب؟

    نقول: إن الأصل استخدام اليمنى دائماً، الرسول صلى الله عليه وسلم يستخدم اليمنى دائماً، مثلاً يقولون: كتب الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة، هل ننتظر حتى يقولون كتب بيمينه صلى الله عليه وسلم، لا. لأن الناس يكتبون بأيمانهم، أو صافح صلى الله عليه وسلم وفد الأزد. هل يقال: صافحهم بيمينه صلى الله عليه وسلم؟ يمينه هذه لا دلالة لها إذا أتت كما يقول أهل العلم إنما هي للتأكيد، يقول عز من قائل: وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ [الأنعام:38] هل يطير الطائر بغير جناحيه، لكن هذه جاءت لا مفهوم لها إلا للتأكيد، ولا طائر يطير بجناحيه، وإلا فإنه لو قال: (ولا طائر يطير إلا أمم أمثالكم) لفهم بأنه بجناحيه فالمعهود أنه صلى الله عليه وسلم يستخدم اليمنى دائماً، فلا ننتظر حتى يقول لنا قائل: كان يتسوك بيمينه لأنه سوف يسألنا: وأين دليلكم أنتم أنه يتسوك بيمينه صلى الله عليه وسلم؟

    لكن نقول المعهود الذي ينقل وهو معروف ومشهورٌ من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه يتسوك بيمناه، وأما اليسرى فإنها خلاف العادة، ولذلك لو أشار صلى الله عليه وسلم باليسرى، قال: رأيته أشار باليسرى لأنها خلاف العادة، أو قال: رأيته شرب واقفاً صلى الله عليه وسلم، لكن هل نقل إلينا؟ قال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم أكل جالساً، لأنه معروف أنه يأكل وهو جالس صلى الله عليه وسلم، أو يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نام على جنبه، أجل أين ينام؟! أو رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يمشي على رجليه، لأنه معروف هذا، فاقتضى أنه ليس باليسرى فيبقى على اليمنى.

    والأمر الثاني: أنه من باب التكريم، فإن كان من باب التكريم فهو يستاك باليمنى وهو رأي النووي وابن حجر والشافعية، أنه باليد اليمنى وهو الذي يظهر والله أعلم، وهو من الأحسن والأطيب أن يتسوك خاصة عند الصلاة وعند قراءة القرآن باليمنى وعندما يقابل الناس لأن اليسرى لها مواطن، وإذا قابل الناس وهو يتسوك باليسرى فإن فيه شيء وفيه غضاضة، والأولى أن يتسوك باليمنى هذا ما ظهر لي في هذه المسألة.

    ونقول: إذا كان في المجامع وعند الصلاة فإنه يتسوك باليمنى لطهارة اليمنى، ولأنه يقابل الناس، فكأنها الأحسن، ولو تسوك باليسرى فليس عليه شيء والمسألة أسهل من ذلك، لكن من باب مناقشة المسائل بالتعمق والتدقيق فيها، فإن بعض أهل العلم مثل ابن تيمية وهو شيخ الإسلام الذي لم تشغله القضايا الكبرى عن القضايا الصغرى بل تكلم فيها لأن بعض الناس الآن يقول: الناس صعدوا سطح القمر وأنتم محاضرة من المغرب إلى العشاء في السواك وما ورد فيه! وهذا نقول له: إن من جلالة هذا الدين أن يأتي بهذه الأحاديث كلها، ومعلم الخير صلى الله عليه وسلم عالج أكبر المسائل والمشاكل وأعظم مهمات الدين كما عالج هذه الصغار، أما هؤلاء فلم يجلسوا معنا ولم يصعدوا سطح القمر!

    ثم إن بعض الناس يقول: المسألة ليست مسألة سواك، المسألة مسألة عقيدة.

    لا. مسألة سواك وثياب ولحية وغيرها، هذا الدين كما أتى به صلى الله عليه وسلم، أما تكلم صلى الله عليه وسلم في أكثر من عشرين حديثاً في السواك؟ بلى، هل شغله التكلم عن السواك أن يبلغ دعوة الله، وأن يصلح الأمة ويجمع شملها ويرفع راية الجهاد؟ لم يشغله ذلك، فاقتضى أن يعطي كل مسألة حقها ولا بأس بالتخصص والتعمق حتى في صغار المسائل.

    المسألة الخامسة عشرة: غسل السواك

    هذا نقوله من باب التلطيف، تقول عائشة رضي الله عنها: {كان صلى الله عليه وسلم يناولني سواكه فأغسله} فاقتضى أن من السنة أنه كلما مر على السواك وقت طويل على استخدامه فللعبد أن يغسله وينظفه حتى يعود نظيفاً إلى فمه، لأن بعض الناس يظن أنه إذا تسوك فإن السواك لا يأتيه شيء، يعني أنه لا يتأثر فيربطه بعمامته، ويبقى مدة طويلة جداً وهو يقول: السواك لا يتأثر والحمد لله، حتى يحمر ويبيض ويسود، حتى تنظر إليه وكأنه ليس بشجر ولا بحديدٍ ولا بنحاس، فاقتضى أن يغسل بالماء وبالنسبة للفرشاة أو ما يستعمل بدل السواك فهذه ليست واردة ولا ينصح بها، لأنها تؤثر على اللثة ولا تزيل جميع أمراض الأسنان كما قال أهل الطب، ولكن السواك أشرف وأرفع وأنبل وأفيد وأحسن، لا لأنه سنة فحسب، لكن للفوائد التي من ورائه.

    المسألة السادسة عشرة: فضل ماء السواك هل يتوضأ به؟

    إنما ذكرته لأن البخاري ذكره، فقال: وأمر جرير بن عبد الله أهله أن يتوضئوا بفضل سواكه أي: أنه أتى بإناء فوضع فيه ماءً ثم وضع السواك فيه، فهل له أن يتوضأ بهذا الماء، هل يعد هذا الماء مستعملاً؟ الجواب: يجوز له أن يتوضأ به ويغتسل به ولا شيء فيه؛ لأنه طاهر، والماء على الصحيح قسمان: نجس وطاهر، أما أنه طهور ونجس وطاهر، فهذا ليس عليه دليل كما يقول ابن تيمية لعدم وروده في السنة.

    ففضل السواك يتوضأ ويغتسل به، وقد وضع جرير بن عبد الله سواكه في فضل ماء ثم توضأ به، وكذلك هي السنة، فلا شيء فيه بإذن الله، فليفهم ذلك، فالماء المستعمل الذي يخرج من المتوضئ إذا توضأ.. لك أن تتوضأ به أنت، وإذا وقع على وضوئك فلا يُبطل وضوءك وليس كما يقوله بعض أهل الفقه، أو بعض أهل المذاهب، لا، بل تتوضأ به وليس عليك حرج.

    المسألة السابعة عشرة: متى يتأكد استحباب السواك؟

    يتأكد في مواطن عند القيام من النوم -وقد أسلفنا ذلك- لتغير الفم، وعند تغير الفم بطارئ يطرأ على الإنسان فيجد فمه متغيراً، فليباشر بالسواك.

    وعند الوضوء: إذا أتى يتوضأ إما قبل الوضوء وإما بعده، وكان بعض الصالحين إذا أتى ليتوضأ تسوك ثم توضأ.

    وعند الصلاة: أي عند القيام إلى الصلاة أو عند الإقامة ليكون ملابساً للحالة الراهنة التي يقوم الناس فيها، إذا أقيمت الصلاة فليبدأ الإنسان بالتسوك.

    وعند تلاوة القرآن: وفي بعض الأحاديث أن الملك من الملائكة إذا قام العبد يقرأ أو يصلي وضع فمه على فمه، فعليه أن يعتني بهذا الأمر.

    وعند طول السكوت، لأن السكوت يغير رائحة الفم، فليتسوك.

    وعند كثرة الكلام، لأن بعض الناس إذا جلس أزعج أو أرعد وأزبد، وتكلم طويلاً ولو لم يكن فيه فائدة، كالتحدث عن حادث سيارة، أو بيت سقط على أهله، أو رجل تزوج، فأتى بقصة الزوج من أولها إلى آخرها، من صلاة الفجر إلى قرب وقت صلاة الظهر، فاقتضى ذلك أن يتسوك وأن يتعاهد هذا، قالوا: من كثرة الكلام، وكذلك الجوع الشديد كالصائم.

    وبعد الطعام، قال ابن عمر كما في كتاب الزهد للإمام أحمد: [[لئن أتسوك بعد الطعام خير لي من وصيف]] أي من خادم، ومن سنن الصالحين بعد الطعام ثلاثة أمور:

    غسل اليدين، وحمد الله، والسواك والتخلل بالمخاليل، هذه وأما حديث {حبذا المتخللون من أمتي} فلا يصح حديثاً، بل إنه حديث ضعيف أو واهٍ مكسر الأضلاع.

    المسألة الثامنة عشرة: حكم السواك بالريحان

    يحذر ابن القيم من السواك بالريحان ومن بعض العطور، أي من بعض الشجر التي فيها عطور كالزهور لأنها تورث الجذام أو البرص!! فيحذر منها. والسنة أن يتسوك ببعض الأشجار، كالأراك، وكالعرعر، وكالطرفاء وما يدخل في ذلك، أما أبو نوس والزهور والرياحين فإن ابن القيم يقول: أثبت أهل الطب أنها تورث الجذام، أو البرص بالفم.

    المسألة التاسعة عشرة: أسنانه صلى الله عليه وسلم وما ورد فيها

    قال: أسنانه كانت كأنها البرد عليه الصلاة والسلام من كثرة ما يتسوك، وقيل: كان إذا تبسم تبسم عن مثل الجمان، والجمان هذا دقيق اللؤلؤ أو أشرف اللؤلؤ، جمان منظم، وهذا أمدح ما يمدح به الناس، لذلك كان الشعراء في الجاهلية يمدحون بها كما كان في الإسلام، كما يقول خالد بن يزيد بن معاوية: وقد ذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمته:

    تبسمت فأضاء الليل فالتقطت     حبات منتثر في ضوء منتظم

    لا حرج أن ينشد ويقال ويستشهد به، ولسنا بأروع من ابن برير الذي عبأ تفسيره بهذه الشواهد ولا من الذهبي وابن تيمية.

    يقول: يعني عجباً من هذا العقد التي انتثر فأضاء الليل لما تبسمت، فلما أضاء الليل قال: قامت تلتقط الدر وهي تتبسم في ضوئها، وهذه من قصيدة لـخالد بن يزيد من أعظم القصائد يسميها الذهبي: (الطنانة الرنانة).

    فأسنانه صلى الله عليه وسلم كانت كأنها البرد، مما أعطاه الله، لأن الله كمل صورته باطناً وظاهراً، وأصلح مظهره ومخبره، فوجهه أحسن الوجوه، وفمه أحسن الأفواه، وأسنانه أحسن الأسنان عليه الصلاة والسلام، صلح باطناً وظاهراً.

    محاسنه هيولى كل حسنٍ     ومغناطيس أفئدة القلوب

    المسألة العشرون: فوائد السواك

    عدها ابن القيم حتى أربى بها حول الثلاثين، وابن حجر يوافق على ثمانية عشرة، وأما غيرها ففيها كلام، فمن فوائده:

    يزيل رائحة الفم، ويطرد النوم، وهذا مجربٌ بالاستقراء في الغالب، فمن غلبه النوم أو أراد أن يذاكر بعد صلاة الفجر فعليه أن يستخدم السواك كثيراً، فإنه ينشط ويطرد النوم؛ ولذلك القائم ليصلي في الليل عليه بالسواك.

    وينهي البلغم، وهذا مجرب، لذلك أكثر الناس بلغماً الذي لا يتعهد السواك أي لا يستخدم السواك كثيراً.

    ثم يعين على إخراج الحروف، ولذلك كان من السنن لمن يتلو القرآن أن يتسوك قبل أن يتلو القرآن ليعين على مخارج الحروف ويخرجها بقوةٍ وبرشد، كذلك يرضي الرب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للحديث المتقدم عند ابن خزيمة والترمذي وأحمد {مطهرة للفم مرضاة للرب}.

    أيضاً يبيض الأسنان وهذا معروف لا يستشهد ولا يستدل عليه.

    كذلك ذكر ابن القيم وكثير من الأطباء أنه يساعد على الهضم، فمن تعشى فأكثر وأغلقت الصيدليات أبوابها فليقم وليأخذ السواك وليدر في بيته وليستعن بالله وليكثر من ذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ليهضم طعامه، فهذا مجرب.

    وتضاعف به الصلاة، وقد مر معنا الحديث الضعيف: {صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بلا سواك} رواه البيهقي وضعفه.

    ويعين على التلاوة والذكر وهذا أمر معروف فإن الذاكر يستعين بالسواك على ذكر الله عز وجل. فهذه بعض فوائد السواك وإلا فهي كثيرة جداً ومن أراد التوسع فليرجع إلى كلام ابن القيم وابن حجر.

    المسألة الحادية والعشرون: مواطن يجتنب فيها السواك

    مواطن يجتنب فيها السواك ولا يستاك العبد فيها، هذه المواطن ثلاثة:

    أولها: في أثناء الصلاة، فهو محرم في أثناء الصلاة، وإنما قلت هذا لينبه لأن بعض الناس قد يجهل بهذا الحكم، فيظن أن قوله صلى الله عليه وسلم: { عند كل صلاة} أي قبل الصلاة وأثناء الصلاة وبعد الصلاة، فيتسوك في الصلاة، وقد يأتي جاهل لم يسمع بهذا الحديث فيفعل ذلك، ولذلك تكلم بعض الناس في حياته صلى الله عليه وسلم في أثناء الصلاة، فالتسوك أثناء الصلاة محرم.

    ثانيها: في أثناء استماع خطبة الجمعة، وهذا وارد عند كثير من الناس، الخطيب على المنبر وهو يتسوك بالسواك، وهذا من باب اللغو واللهو واللعب، والتشاغل عن الخطيب ولا يؤمن أن يفوت عليه أجر الحضور في الصلاة والخطبة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {من مس الحصى فقد لغى} ومس الحصى ليس لأجلها إنما العلة التشاغل، والذي يأخذ السواك يوم الجمعة والخطيب يخطب كالذي يمس الحصى ويتشاغل ما الفرق بينهما؟ فلا يفعل في أثناء الخطبة، لكن للمسلم أن يتسوك بين الخطبتين، إذا جلس الخطيب يخرج سواكه ويستخدمه لأنه ليس وقت خطبة، ولا وقت استماع، فليتنبه لهذا الأمر، لأنه مشهور ونرى كثيراً من الناس أثناء الجمعة يخرج بعضهم سواكه ويتسوك وينظر إلى الصفوف، ويفكر، ويشرد ذهنه، فلا ينبغي له ذلك، لأن مس الحصى كالتشاغل بالسواك، هما سيان.

    ثالثهما: في أثناء تلاوة القرآن، فله أن يتسوك قبل التلاوة لكن إذا أخذ المصحف وأصبح يقرأ القرآن فلا يتشاغل عنه بالتسوك، وهذا فيه كراهة؛ لأن فيه تشاغل وتلهٍ عن القرآن.

    إذاً؛ هي ثلاثة مواطن:

    1- في أثناء الصلاة وهو محرم.

    2- في أثناء خطبة الجمعة واستماعها من المأموم وهو محرم أيضاً، وربما يكون فيه شقٌ من الكراهة، إن لم نقل بالتحريم، لكن التحريم وارد، لأنه كمس الحصى.

    3- عند أو في أثناء التلاوة، وهو يتلو كتاب الله عز وجل نظراً لأنه ينافي التدبر، ويُتشاغل به عن سماع كتاب الله.

    الأحاديث الصحيحة والحسنة والضعيفة في السواك

    بقيت مسألة وهي: ما هي الأحاديث التي وردت في كتاب أو في باب السواك بحد ذاته؟ أقول: الأحاديث فيه على ثلاثة أضرب، أحاديث صحيحة، وأحاديث حسنة، وأحاديث ضعيفة.

    فالصحيح ما اتصل رواته بنقل العدل الضابط، الثقة عن مثله إلى آخر السند، وخلا من شذوذٍ وعلةٍ قادحة.

    وأما الحديث الحسن: فهو ما رواه العدل الخفيف الضبط -ليس التام- عن مثله إلى آخر السند.

    والحديث الضعيف: ما لم تكن شروطه كشروط الصحيح والحسن.

    أ- الأحاديث الصحيحة في فضل السواك:

    فأما الأحاديث الصحيحة في باب السواك فهي على حد علمي خمسة أحاديث وربما تزيد، لكن التي جمعتها خمسة أحاديث، فليتـنبه لها.

    أولاً أحاديث عائشة ولها حديثان وحديث لـأبي هريرة، وحديث لـأبي موسى، وحديث لـحذيفة.

    فأما حديث عائشة الأول: فقالت: {كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك} رواه مسلم عن شريح بن هانئ، والحديث الثاني لـعائشة: قوله صلى الله عليه وسلم: {السواك مطهرة للفم مرضاة للرب} رواه الترمذي وأحمد وابن خزيمة، وهو حديث صحيح.

    والحديث الثالث: لـأبي هريرة: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة،} وفي رواية: {مع كل وضوء} رواه البخاري ومسلم.

    والحديث الرابع: حديث حذيفة: {كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك} رواه البخاري.

    وحديث أبي موسى: {أتيت إلى رسول صلى الله عليه وسلم وسواكه على طرف لسانه وقد قلصت شفتاه وهو يتهوع يقول: أع أع} هذا الحديث صحيح رواه البخاري.

    واعلموا أن السواك في الحمام لا بأس به، ولم يرد نهيٌ فيه، وهو من باب إزالة الأذى، فللمسلم أن يتسوك في الحمام.

    هذه خمسة أحاديث صحيحه عنه صلى الله عليه وسلم تحفظ بطريق التبويب أو بطريق المسانيد، أن تذكر في هذا الباب تقول: لـعائشة حديثان، ولـحذيفة حديث، ولـأبي موسى حديث، ولـأبي هريرة حديث، فتبقى محفوظة إن شاء الله ومعلومة.

    ب- الأحاديث الحسنة في فضل السواك:

    وأما الأحاديث الحسنة في هذا الباب فهي ثلاثة أحاديث، هي في درجة الحسن.

    الحديث الأول: حديث عائشة: {كان صلى الله عليه وسلم لا يستيقظ من نومٍ ليلاً أو نهاراً إلا تسوك} رواه أحمد، وأبو داود وسنده حسن.

    والحديث الثاني: حديث عامر بن ربيعة الذي مر معنا: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي ولا أعد يتسوك وهو صائم} رواه الترمذي وأحمد وأبو داود ودرجته حسن.

    الحديث الثالث: حديث علي رضي الله عنه وأرضاه قال: {توضأ صلى الله عليه وسلم فمضمض ودلك أسنانه بإصبعه عليه الصلاة والسلام} رواه أحمد وهو حديثٌ حسن.

    جـ- الأحاديث الضعيفة في فضل السواك:

    وأما الأحاديث الضعيفة بحفظ الله فهي أربعة أحاديث في كتاب أو في باب السواك.

    أولها حديث {صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بلا سواك} رواه البيهقي والحاكم في المستدرك وفي سنده محمد بن إسحاق، وعلة محمد بن إسحاق التدليس، صاحب سيرة ابن إسحاق، وقد دلس في هذا الحديث، والتدليس: أن يوهم السامع أنه سمع هذا الحديث من شيخ قد سمع منه ولكنه لم يسمع هذا الحديث، فيقول: عن فلان، فيظن الناس أنه سمع هذا الحديث لأنه دائماً يسمع منه، فيدلس والتدليس هو التمويه والزخرفة.

    والحديث الثاني: حديث عائشة الذي رواه ابن ماجة، وهو ضعيف عن عائشة {من خير خصال الصائم السواك}.

    والحديث الثالث: {إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي} رواه البيهقي وسنده ضعيف، أو في سنده رجل ضعيف.

    الحديث الرابع: قالت عائشة: {قلت يا رسول الله: الرجل يذهب فوه أيستاك؟ قال: نعم، قلت: كيف يصنع؟ قال: يدخل إصبعه في فيه} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ويغني عنه حديث علي الحسن في التسوك بالإصبع، وهذا الحديث ضعيف رواه الطبراني، وفيه عيسى بن عبد الله الأنصاري ضعفه ابن حبان.

    فلتفهم هذه الأحاديث الصحيحة والحسنة والضعيفة، ومن أراد أن يحقق مسألة فعليه أن يجمع النصوص ثم يصححها، ثم يجمع أقوال أهل العلم، ثم يرجح ثم يخرج بالقول الصحيح من المسألة هذا هو الصحيح.

    وفي ختام هذا الدرس نتوجه إلى الله سبحانه أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن ينفعنا بما علمنا، وألا يجعل علمنا وبالاً علينا، وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يفقهنا في ديننا.

    اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768255001