إسلام ويب

حب الأنصارللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد وجد في الناس من يبغض ويقاتل ويسب الأنصار، وقد تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أن من علامة النفاق بغض الأنصار، ومن علامة الإيمان حبهم.

    وتحدث الشيخ في درسه هذا عن مناقب الأنصار، ومواقفهم الشجاعة ضد الكفر والشرك، وذكر بعض عظمائهم وعلمائهم وشهدائهم الذين برزوا في مجال العلم والشجاعة والفداء، والشعر.

    كما تعرض الشيخ لعقيدة أهل السنة والجماعة في الأنصار، وتكلم عن واجب الأمة الإسلامية نحوهم.

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    معنا هنا -بإذن الله وعونه وتوفيقه- موضوع خطير وشائق في نفس الوقت، وهذا الموضوع عقد له الإمام البخاري باباً منفصلاً، فقال: (باب: علامة الإيمان حب الأنصار رضوان الله عليهم وأرضاهم).

    ثم قال رحمه الله تعالى: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني عبد الله بن عبد الله بن جبر، قال: سمعت أنساً عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق: بغض الأنصار) وإذا كنا أسلفنا الحديث معكم في مشروع حفظ حديث في كل جلسة، وسبق معنا حديث في الجلسة الماضية الذي رواه الترمذي وأحمد: (أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فدلني على باب جامع أتمسك به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) وهذا الحديث حسن، وهو من قواعد هذا الدين، ولا بأس أن نأخذ في هذا الأسبوع هذا الحديث العظيم الذي هو حديث ولاء، وحديث عقيدة، وحديث محبة، لمن نصر الله ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال أنس: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار) فجعله البخاري في أمور الإيمان، ليجعله من العقيدة، وليدخل أعمال القلوب في مسمى الإيمان كما هو من عقيدة أهل السنة والجماعة، وسوف يطول -إن شاء الله- الحديث مع الأنصار، ومع حياتهم، لنتقرب بحبهم إلى الله الواحد القهار.

    فإن الله سبحانه وتعالى قد امتدحهم في أكثر من آية، وامتدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ثبت عنه عليه أفضل الصلاة والسلام أنه رأى امرأة مقبلة، فقال: (ممن هذه المرأة؟ قالوا: من الأنصار، قال: والله الذي لا إله إلا هو! إنهم لمن أحب الناس إلي) ولذلك يقول الله تبارك وتعالى في سورة التوبة: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة:117] فجعل الأنصار بعد المهاجرين.

    موقف أبي بكر مع الأنصار

    لما اجتمع -الأنصار- في سقيفة بني ساعدة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت لم يعين خليفة -على الصحيح من أقوال أهل العلم- لكنه لمحَّ ولم يُصِّرح صلى الله عليه وسلم، وعرض ولم يبين، فقدم أبا بكر رضي الله عنه، وامتدحه على المنبر قبل أن يموت بليالٍ عليه أفضل الصلاة والسلام بليالٍ وقال: {لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت -والخوخة الباب الصغير بين البيتين أو الدارين- إلا خوخة أبي بكر} ويقول: {والله لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن صاحبكم - يعني: نفسه صلى الله عليه وسلم - خليل الرحمن} وثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم: { سمع عمر يُصلي ويُكِّبر قال: من المكبر؟ قالوا: عمر، قال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر}.

    فيقول عمر بعدها: [[رضيه صلى الله عليه وسلم لأمور ديننا، أفلا نرضاه لدنيانا]] ثم يقول عمر عن نفسه: [[والله لئن أقدم فيضرب عنقي في غير حد من حدود الله، لكان أفضل من أن أتقدم أمة فيهم أبو بكر رضي الله عنه]].

    والمقصود من هذا أن الأنصار اجتمعوا -رضوان الله عليهم جميعاً- في سقيفة بني ساعدة، ولم يكن معهم أحد بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان قصدهم من هذا الاجتماع هو أن ينصبوا خليفة منهم -أي: يكون من أهل الأنصار- فلما بقي جثمان الرسول الله في البيت وسلم عليها أبو بكر، أتى عمر فقال: [[يا أبا بكر! دعنا ندرك الأنصار؛ لئلا يختلف في أمر هذه الأمة]].

    قال عمر: [[وكنت قد زوَّرت كلاماً في صدري -أي: هيأت كلاماً- حتى أتكلم به إلى الأنصار -أي: أعرض لهم قضية الخلافة، أنها لابد أن تكون في قريش وفي المهاجرين- قال: فمضيت أنا وأبو بكر، وأبو بكر لم يهيئ كلاماً]]؛ لأنه كان مشغولاً رضي الله عنه، ظل يتكلم في الناس في المسجد، وأخبرهم بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهدأ من روعهم، وسكَّتهم، فانشغل بهذه الأمور عن تهيئة خطبة للقاء الأنصار، قال عمر: فدخلت أنا وأبو بكر على الأنصار، فوجدناهم يجتمعون على سعد بن عبادة رضي الله عنه، وهو مريض، وهم يختلفون فيمن يُولون الخلافة بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم.

    قال عمر: وكان في أبي بكر رضي الله عنه حدة - سرعة في بعض الأمور- كنت أُداريه -وهذا ثابت- وكنت قد زوَّرت كلاماً في صدري لأتكلم، قال: فأسكتني أبو بكر رضي الله عنه، ثم تكلم، قال عمر: [[والله ما ترك كلمة زورتها في صدري إلا أتى بأحسن منها]] ثم قال: أنتم أهل الدار! وأنتم الأنصار، منا الأمراء ومنكم الوزراء، يأبى الله على المؤمنين إلا أن تكون الإمرة في هذا الحي من قريش، ثم أخذ يستلينهم بالكلام ويدعو لهم بما قدموا للإسلام والمسلمين من خدمة ونفع، وفي الأخير رضوا، فقال أبو بكر: يا عمر! مد يدك لأبايعك، فقال عمر: والله لا أتقدم أُمةٌ أنت فيها، فقال أبو بكر: رضي الله عنه في صدق -لأنهم لا يريدون الحياة الدنيا، ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً- فقال: يا أبا عبيدة! مد يدك لأبايعك، فقال: والله لا أبايع وأنت فينا، فبايعوا أبا بكر رضي الله عنه ثم بايعه الناس.

    تقديم المهاجرين على الأنصار في القرآن

    قال أبو بكر رضي الله عنه: [[إن الله قدَّمنا قبلكم في القرآن، فقال: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ [التوبة:117]]] ثم يقول سبحانه وتعالى بعد أن مدح المهاجرين: وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9] هؤلاء هم الأنصار رضوان الله عليهم.

    من كان يريد الله والدار الأخرة فعليه أن يحبهم من قلبه، ونشهد الله على محبتهم، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما أتى بهذا الحديث؛ لأنه خاف وخشي من قوم يأتون -فيما بعد- يبغضون الأنصار -وفعلاً وقع ذلك- وحدث أن قوماً سلوا السيف على الأنصار وقتلوا أبناء الأنصار، سلبوا أبناء الأنصار الماء البارد، ومنعوهم إياه، واستبيحت المدينة ثلاثة أيام.

    ولذلك أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يثبت للأمة ووللناس أن من الإيمان حب الأنصار، وأن من النفاق بغض الأنصار، فالله سبحانه وتعالى قدمهم قبل غيرهم، وأخرهم على المهاجرين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088465590

    عدد مرات الحفظ

    776888938