إسلام ويب

دروس في التوبةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المعلوم أن الذنب لا يسلم منه أحد؛ ولهذا فالإنسان بحاجة ماسة إلى التوبة صباح مساء، والتوبة الصادقة لها علامات، ومنها: أن يحافظ صاحبها على الأوقات، وأن يعيش مع السنة، وأن يكثر من ذكر الله تعالى، مع ندمه الشديد على ما سلف.

    ثم تطرق للحديث عن أمور ووصايا للجندي المسلم، وذكر منها: مراقبة المولى جل ذكره، وحسن الخلق مع الناس، والحرص والتزود من العلم الكفائي، والإكثار من نوافل العبادة ونحوها من الآداب.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

    ثم أما بعـد:

    شكر الله لسيادتكم، وشكر الله لكم اجتماعكم، وجمعنا بكم في دار الكرامة.

    أخٌ زار إخوانه، ومحبٌ زار أحبابه؛ ليتدارس معهم الرسالة التي أرسل بها محمدٌ عليه الصلاة والسلام، فهي رسالتي ورسالتكم، ومهمتي ومهمتكم، ومسئوليتي ومسئوليتكم، لا تصلح أنت، ولا أصلح أنا، ولا نتآخى ولا نتآلف إلا بهذه الرسالة الخالدة، قال تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لأنفال:63].

    كان الناس قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام أمواتاً أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل:21] كانوا يأكلون ويشربون، ويغنون ويرقصون ويطبلون؛ ولكنهم أموات، كانوا يخونون ويغشون، ويزنون ويغدرون ويرابون؛ ولكنهم أموات، فلما أتى محمدٌ عليه الصلاة والسلام كتب في قلوبهم النور هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2]

    أنا وأنت بحاجة إلى هذا النور، أن نستلم هذا النور، وأن نمضي في أفياء هذا النور، وأي قلبٍ لا يصل إليه هذا النور؛ فسوف يبقى أعمى في الدنيا والآخرة، لا يجد سعادة، ولا يجد نجاحاً، ولا يجد فوزاً، فلا إله إلا الله كم لرسالته عليه الصلاة والسلام من إشراق! ولا إله إلا الله كم عمَّر الله بدعوته من قلوب! ولا إله إلا الله كم أحيا بدعوته من أرواح!

    يا إخوتي في الله: عنوان هذه الجلسة والمحاضرة " دروسٌ في التوبة".

    نحن نحتاج إلى التوبة صباح مساء؛ لأننا أذنبنا وقصرنا مع الله، وأخطأنا، المتكلم والسامع، ولكننا عرفنا أن لنا رباً سبحانه وتعالى، يأخذ بالذنب ويغفر الذنب، فقلنا: نستغفر الله، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].

    يفتق الثوب؛ فيذهب به إلى الخياط، وتتعطل الآلة؛ فيذهب بها إلى المهندس، ويمرض المريض؛ فيذهب به إلى الطبيب، ولكن قلوبنا إذا تعطلت ومرضت وفتقت إلى أين يذهب بها؟ إلى الله الواحد الأحد، فلا يصلح القلوب إلا الله، ولا يشرح القلوب إلا الله، ولا ينور القلوب إلا الله نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:35].

    والقلوب تفزع، والقلوب تقسو وتصدى، والقلوب تقفل فلا ترى نوراً ولا حكمةً، ولا هداية ولا رسالة.

    كان عليه الصلاة والسلام يقول: (يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك) والله يقول: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11] ويثبت قلبه على النور، وحاجتنا أول ما نحتاج؛ بل هي أول المنازل وآخر المنازل التوبة النصوحة.

    ثلاث قضايا في التوبة

    واعلم يا مسلم: أن هناك ثلاث قضايا في التوبة:

    القضية الأولى: أنه لا يغفر الذنب إلا الواحد الأحد، ولو اجتمع ملوك الدنيا ومسئولوها، وزعماؤها وعلماؤها على أن يغفروا لك ذنباً واحداً ما استطاعوا، يقول تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ آل عمران:135].

    القضية الثانية: أنه مهما أتيت من ذنب ثم تبت إلى الله غفر الله ذنوبك وإن كانت جبالاً من الخطايا وسيلاً من السيئات، وتستغفر وتتوب وتعزم على أنك صادق؛ يغفرها الله سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

    القضية الثالثة: أن الصغائر تجتمع على العبد حتى تهلكه، كمثل نظرة، وسماع أغنية، ولمحة، وقليلٌ من السيئات تجتمع فيتدكدك تحتها العبد، ويسحق والعياذ بالله! في الصحيحين: {أن رجلاً من بني إسرائيل أذنب على نفسه ذنباً عظيماً -كان مؤمناً موحداً، ولكن أذنب وأخطأ- فلما أتته سكرات الموت قال لأبنائه: إذا مت فاجمعوا لي حطباً، وأشعلوا فيه النار ثم أحرقوني، ثم اسحقوني وذروني علَّ الريح أن تذهب بي في كل مكان، فجمعوا له حطباً وأحرقوه وسحقوه وذروه فذهب به الريح في كل مكان} ولكن من الذي يجمعه؟! هو الواحد الأحد، قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] وقال: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:78-79] جمعه الله بكلمة (كن) فكان أمامه، وظن هذا الرجل أن الله لا يستطيع أن يجمعه: {.. قال: يا عبدي! ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب! خفتك وخشيت ذنوبي، قال: يا ملائكتي أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة} رحمة الله واسعة، وفضله عظيم، لكن يوم يعرف العبد أن رحمة الله واسعة وفضله عظيم.

    أحوال الناس مع الذنوب

    والناس قسمان -ولا يسلم من الذنب أحد-: منهم من يذنب ويتوب ويستغفر، يتوضأ، ويصلي الخمس، ويراجع حسابه مع الله، يبكي، ويندم، ويتصدق، ويتوب، ويأتي بنوافل، فيغفر الله ذنبه إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] ومنهم من يذنب ولكن يركب رأسه، ويغلبه هواه؛ فيتردى أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] ولو رأيتهم يوم تركوا الصلوات الخمس، ووقعوا في المعاصي والفواحش، ووقعوا في المخدرات، وعقوا الوالدين، وقطعوا الأرحام، لرأيت أمراً عجيباً!

    المنافق والفاجر يرى ذنوبه كأنها ذبابٌ، قال به هكذا فطار، والمؤمن يرى ذنوبه كأنها جبلٌ يريد أن يسقط عليه، مات قلب الفاجر من الإعراض والعصيان.

    شبابٌ رأيناهم في بعض الأمكنة كالسجون، تركوا صلاة الفجر ثم وقعوا في المخدرات، قالوا: ما وقعنا في هذه السيئات إلا لما تركنا صلاة الفجر والصلوات الخمس.

    وصف الله الصلاة بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكن متى تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر؟ يوم تكون صلاة، لا تكون لعبة في أيدي بعض الناس، يقدم عمله، ووظيفته، ومسئوليته على صلاته، واهتمامه بعمله أعظم من اهتمامه بصلاته، يقدر المسئول -وهذا مطلوب- أعظم من ربِّ البشر، ويخاف من البشر أعظم من خوفه من ربِّ البشر، ويوقر، ويقدر، ويحترم البشر أعظم من تقديره وتوقيره واحترامه لربِّ البشر: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً [النساء:108].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088459674

    عدد مرات الحفظ

    776856721