إسلام ويب

أخطاؤنا تحت المجهرللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الاستفادة من الأخطاء، والنظر إلى الماضي بعين العبرة والاتعاظ؛ مطلب حميد لابد منه لترشيد المسيرة.

    وفي هذه المحاضرة سبعة عشر خطأً مما يقع فيه الدعاة في عصرنا، وقد ذكرت هذه الأخطاء مع كيفية نشوئها وأسباب وجودها، وأردفت بذكر الحلول المناسبة للتخلص منها.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    وأشكركم على حضوركم، وأشهد الله على حبكم فيه، وأسأل الله الذي جمعنا في هذا المكان الطيب الطاهر أن يجمعنا بكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

    وأشكر فضيلة الشيخ عبد الوهاب الناصر على دعوته لزملائه وإخوانه، ينظمهم عقداً في دروس للتوعية والوعي، ثم أشكر باسمكم جميعاً شاعر الصحوة الإسلامية، الدكتور عبد الرحمن العشماوي وحق لي أن أقرب له المنبر هذه الليلة وأقول له: اهجهم وروح القدس يؤيدك، فهو حساننا، وحق له أن يدافع عن هذا الدين بسهامه الماضية المصيبة، سدد الله طريقه وثبت قدمه.

    وقبل أن آتي إلى المحاضرة "أخطاؤنا تحت المجهر" معي مقطوعة عنوانها: يا قلعة التوحيد.

    إذا ما التقينا فالشهور دقائق      وإما ابتعدنا فالدقائق أشهر

    يقولون نجد العامرية أرضنا      نعم ودموعي في ثرى نجد تعصر

    فلا خيمي من قيس ليلى تشوقني     فشوقي رعاك الله من ذاك أكبر

    هيامي بجيل مسلم من جدوده     بلال وسعد والمثنى ومعمر

    هنا العلم والتاريخ والمجد والنهى      ومنها العلا تبدو وتسمو وتزأر

    فيا قلعة التوحيد لست رخيصة     ولو حاول العذال فيك وأكثروا

    بها أنبت الله الإمام محمداً      له في جبين الدهر نور ومنبر

    فيا ابن وهاب العقيدة كلما      ذكرناك كان الفضل والبر ينشر

    عنوان المحاضرة: "أخطاؤنا تحت المجهر".

    وأقصد بهذه الأخطاء ما يقع فيها أمثالي من المقصرين، على أن هناك محاضرة قبل أسبوعين كانت بعنوان: "فن الدعوة" هي تمهيد ومقدمة لهذه المحاضرة، ولكن أرجو ألا يظن شخص أو فئة من الفئات أو طائفة أني أقصدها، فأنا أقصد نفسي، وأنا شهيد على نفسي هذه الليلة، كما قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [النساء:135].

    فحق علي أن أشهد على نفسي هذه الليلة أني مقصر، وأن لي أخطاءً، سوف أعرضها عليكم، عليَّ أن أجد منكم الناصح اللبيب. والحقيقة أننا بحاجة لتشخيص أخطائنا: أولاً: لأنه واجب شرعي، والمؤمنون نصحة.

    والأمر الثاني: لئلا يأتي غيرنا، فيشخص لنا أخطاءنا، فنحن بأنفسنا نعرِّف الناس أن لنا أخطاءً، فإن من عرف عيب نفسه عرف كيف يعالجه ويداويه.

    الثالث: إن عقلاء الأمم ونبلاء الناس يداوون أخطاءهم على مر التاريخ.

    إذاً فلا تثريب علينا أن نذكر أخطاءنا، يغفر الله لنا ولكم وهو أرحم الراحمين، ولست في التاريخ أول من نقد نفسه، يقول شاعر جاهلي عصري:

    أأنا العاشق الوحيد فتلقى     تبعات الهوى على عاتقيا

    ما هي أخطاؤنا؟

    إنها كثيرة لأنا لسنا معصومين.

    تحت المجهر، أي مجهر؟

    إنه مجهر الكتاب والسنة، مجهر محمد عليه الصلاة والسلام، حسب ما يتصوره المجتهد المقصر في أن يلتمس الحق والصواب.

    من الأخطاء قلة الإنصاف

    من أخطائنا -نحن مسيرة الصحوة- قلة الإنصاف.

    وسوف أعرض سؤالاً في الأخير: لماذا لا أقصد في حديثي هذا غير الملتزمين أو المستقيمين أو الناهجين نهج الحق؟

    إن العدل نفقده كثيراً في أحكامنا، وفي أقوالنا، وفي لقاءاتنا، يقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ [النساء:135] ويقول عز اسمه: ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].

    والمعنى قولوا العدل واحكموا به، ولا يحملنكم شنآن الآخرين وعداوتهم، على أن تجحفوا في الحكم، فإذا كان الحكم لك، فلا تثنِ على نفسك، وإذا كان الحكم على عدوك، فلا تثرب على عدوك أو تنسى حسناته. والله يقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ [النحل:90]

    والعدل يكون في الأحكام، والصدق يكون في الأخبار كما قال ابن كثير في قوله سبحانه وتعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً [الأنعام:115] قال: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام.

    وقال سبحانه: فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا [النساء:135] فاتباع الهوى يحملنا على أن نجور، فترانا نضخم الحسنات إذا كانت لنا، ونصغر الحسنات إذا كانت لغيرنا، ونصغر سيئاتنا، ونكبر سيئات غيرنا.

    وقال سبحانه وتعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام: وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ [الشورى:15] فهو عادل عليه الصلاة والسلام في أحكامه، بل قال صلى الله عليه وسلم كما في سنن النسائي: {وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا} فلا يقول صلى الله عليه وسلم إلا كلمة الحق؛ مع عدوه ومع صديقه، وهذا منهج افتقدناه على مستوى الجماعات والأفراد.

    وسوف أعرض أمثلة من سيرته عليه الصلاة والسلام، لنرى العدل في قوله وأحكامه.

    في الصحيح أنه {أتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بشارب خمر، فقام الصحابة فضربوه وعزروه، وقال أحدهم: أخزاه الله! ما أكثر ما يؤتى به في شرب الخمر! فقال صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذلك، لا تعينوا الشيطان على أخيكم، فو الذي نفسي بيده! ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله} فاحتسب له صلى الله عليه وسلم حسنة حب الله وحب رسوله عليه الصلاة والسلام.

    أيضاً حاطب بن أبي بلتعة في الصحيحين سرب أخبار السرية للكفار، وهي جريمة كبرى، فلما أُتي به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ليحاكمه، قال عمر: {يا رسول الله! دعني لأضرب عنق هذا فقد نافق، قال: يا عمر! وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} فاحتسب له عليه الصلاة والسلام حسناته التي قدمها في بدر، ولم ينسها صلى الله عليه وسلم.

    وكان أهل السنة والجماعة منصفين، يحكمون بالعدل ويقولون به، ومن قرأ تراجمهم وجد ذلك.

    وأوضح مثال على ذلك ما يفعله شيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي وابن كثير، والبرزالي والمزي، وغيرهم كثير، حينما يتكلمون عن الأشخاص، وقد تكلم الذهبي عن قتادة بن دعامة السدوسي، الذكي العملاق، الذي أصيب ببدعة جزئية يسيرة في القدر، فذكر بدعته، وقال: لا نقره على بدعته، مع العلم أنه رأس في الزهد ورأس في التفسير، ورأس في العلم، فما أحسن الإنصاف! وما أحسن أن نذكر الحسنة بجانب السيئة!

    ذكر البخاري في كتاب الأدب المفرد، والألباني يرفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، والظاهر أنه من كلام علي لا من كلام محمد صلى الله عليه وسلم يقول: [[أحبب حبيبك هوناً ما، فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما]] إن العاطفة في حب الناس، أو في الحكم على الناس، توقفنا أمام طرفين غير مقبولين، إما المدح المفرط، أو الذم المفرط، وكلا الطريقين خطأ.

    فعين الرضا عن كل عيب كليلة     كما أن عين السخط تبدي المساويا

    إصدار الأحكام الجائرة

    نحن أهل السنة كما نزعم ونسأل الله أن يجعلنا منهم، وأن يحشرنا معهم، لا بد أن نضبط عباراتنا، وكلامنا، وأن نؤسسه على تقوى من الله ورضوان، حتى لا نأثم في الدنيا ولا في الآخرة.

    وإن هناك من يصدر أحكام الكفر والفسق، وأهل السنة لهم ضوابط في الإيمان والفسق والكفر، لكن ما أسرع أن تسمع أحداً يقول: إن فلاناً كافر فاسق، خارجي مبتدع! بسبب مقولة قالها، أو كلمة لم يُسأل هو عن قصده فيها، ولم يجلس معه، ولم يحاور، ولكنا نلقي الأحكام على عواهنها، وهي خطيئة كبرى، ويجب أن نتنبه لهذا الأمر.

    وأنا لا أدافع عن المبتدعة هذه الليلة، فأسأل الله أن يبعدنا عنهم، لكنها حقائق نعيشها، وأضرب لذلك مثلاً:

    مات موسيقار مشهور قبل فترة، وأمره إلى الله، يمكن أنه يصلي الخمس، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقوم بأركان الإسلام، لكنه مغن ومطرب، ويحضر حفلات محرمة، وقد سمعت كثيراً من الناس يقولون: إلى النار وبئس المصير! وهل نحكم نحن على مصائر الناس؟! وهل يكفي هذا لتكفيرنا لمثل هذا الرجل؟! ربما كانت له من الحسنات ما يغفر الله له بها في الآخرة، وأنا لا أبرر عمله المخطئ والمعصية الظاهرة التي يفعلها من الغناء المحرم، فقد أجمع أهل العلم على تحريمها.

    لكن ما هي الأمور التي تستوجب دخول النار عند أهل السنة والجماعة؟ وهل يستحق هذا أن يقال عنه: إنه في النار.

    وتسمع آخر يرد على كاتب مفكر فيقول: زائغ مرتد قاتله الله! إنها كلمة صعبة.

    أيضاً يُلاحظ هذه الفظاظة في تعاملنا فيما بيننا وفي أحكامنا على بعضنا، وفي عدم العفو الذي يجب أن نصدره نحو البعض منا، ولكن تتلاشى هذه الفظاظة لتصبح تميعاً في قضايا المعتقد مع المبتدعة، كـمعتزلة العصر، كمرتزقة الفكر، كالمتهوكين في الأدب، كالحداثيين والعلمانيين، فلا تجد لأحد رداً عليهم، ولا يذكرهم بسوء، وقد سلموا منه، ويبتعد عن الخوض معهم، وأما على إخوانه، فيرى القذى الصغير كالنخلة، وهذا خطأ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [المطففين:1-4].

    إن بعض الناس يدعو إلى تأليف القلوب مع الرافضة، أو مع العلمانية، وإيجاد الحلول والأعذار لهم، أما مع إخوانه فلا يعذرهم في مسائل تقبل الاجتهاد، وهي من قبيل اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد.

    وفي ختام هذه الفقرة، أدعو إخواني جميعاً، وليدعوا معي إلى مذهب أهل السنة والجماعة، نرحب بالجهاد في أفغانستان، أو في غير أفغانستان على منهج أهل السنة والجماعة، وقد طالب العلماء والدعاة -كما رأيتم- في منشورهم قادة المجاهدين بهذا، ولعل الله أن يفتح على قادة المجاهدين في السماع لهذا وامتثاله، وأسأل الله أن يسددهم وأن يجمع كلمتهم على الحق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088462250

    عدد مرات الحفظ

    776869276