أي: ما أرسلناك -يا محمد- إلا مبشراً ونذيراً، أي: مبشراً أهل الطاعة بالجنة والرحمة والرضا، ومنذراً أهل المعصية والخلاف بالعذاب الهون وبالنار خالدين فيها أبداً.
ومعنى ذلك أن الهداية ليست بيده، كما قال تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، وكما قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، فما على الرسول إلا البلاغ المبين، فيبين ويبلغ عن ربه ما أمر به من طاعته ووحدانيته والعمل بدينه والخوف من عذابه، ويبين حقيقة الحياة بعد الموت، والجنة والنار، وكل ما أمر الله بأن يعتقد ويعمل به من أمور الدين، وكذلك كل ما يجب تركه.
أي: قل يا رسولنا لهؤلاء بأن الذي تدعو إليه من بشارة ونذارة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، لا تطلب عليه شيئاً من أموالهم، ولا تطلب على ذلك أجرة من مال أو غيره، فأجرك على الله، بل إنك تسعى لأن يمتلكوا ويستغنوا ويأخذوا الغنائم والفيء من أعداء الله عند حربهم وقتالهم والظفر بهم.
وقوله تعالى: إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا[الفرقان:57] وهذا استثناء منقطع، أي: ولكن من شاء أن ينفق من تلقاء نفسه في سبيل الله، كالإنفاق على المجاهدين والمحتاجين من غير الصدقات والنفقات الواجبة فذلك له، ولا تصده عن عمله، ولا تقطعه عما يريد من أجر أو ثواب، على أن ذلك ليس لك، ولكنه في سبيل الله، وسبل الله كثيرة كما قال الإمام مالك ، فهؤلاء الذين يريدون أن ينفقوا من أموالهم للجهاد وللدعوة وعلى الفقراء لهم أجر ما أنفقوا، فليس ذلك المال لك؛ إذ لا حاجة لك إليهم ولا إلى أموالهم، وإنما تعمل ما تعمل طاعة لله، وتنفيذاً لأمر الله، وثوابك وأجرك على الله.
فهؤلاء الذين ظنوا يوماً أنك تريد الملك عليهم وتريد الأموال لتكون أغناهم قد جربوا ذلك وعرضوه عليك فأبيت إلا أن تكون عبداً لله، فلا تطلب الأجر والثواب إلا منه، فقد عرضوا عليه صلى الله عليه وسلم أموالهم، وعرضوا عليه سلطانهم، وعرضوا عليه بناتهم، وعرضوا عليه أطباءهم وكل ذلك قد أباه وامتنع عنه، وقال: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه).
فالله يقول له: قل لهؤلاء المشركين: إنك لا تريد بعملك ولا بدعوتهم إلى الله مالاً ولا تريد منهم سلطاناً ولا تريد منهم جاهاً، وإنما أجرك وثوابك على الله، ولكن من آمن منهم إن أراد أن ينفق في سبيل الله في جهاد أو علم أو دعوة أو غير ذلك فله ذلك، وليس لك من ذلك شيء إلا دعوتهم إلى الله وتبليغهم دين الله.
يقول الله لنبيه: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58] في عملك هذا، وفي مثابرتك على دعوة الناس إلى دين الله، وإلى توحيد الله، وإلى ترك الأوثان والأصنام والشرك، فتوكل على الله خالقك الحي الذي لا يموت. وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ [الفرقان:58]، احمده واشكره واذكره آناء الليل وأطراف النهار، فليكن توكلك عليه لا على أحد غيره، فأنت في غنى عن أولئك كلهم: عن أموالهم، وعن دنياهم، وعن سلطانهم، وتوكل في عملك، فاجعل الله وكيلك ومرجعك تئوب إليه وتنيب، فإليه المآب وإليه المرجع، فليكن توكلك عليه لا على أحد غيره مهما كان عظيماً، وسبح بحمد ربك واحمده واشكره على ما أولاك إياه وما أكرمك به، حيث علمك ما لم تكن تعلم، وكان فضل الله عليك عظيماً.
وقد ختم البخاري صحيحه بهاتين الكلمتين العظيمتين، حيث روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، فالنبي عليه الصلاة والسلام يحظ الخلق على أن يحمدوا ربهم، وعلى أن يسبحوا بحمده، ويشكروه على نعمه الظاهرة والباطنة التي لا يحصيها إلا هو، ويسبحوه، وينزهوه، ويقدسوه، ويعظموه، فهو أهل لكل ذلك جل جلاله وعز مقامه.
فهاتان الكلمتان خفيفتان على اللسان، فلا تحملان اللسان شططاً ولا تعباً، ولكنهما مع ذلك ثقيلتان في الميزان يوم القيامة بأجرهما وثوابهما وما أعد الله لقائلهما؛ لأن معناهما: توحيد الله وتعظيم الله.
وعندما نحمده تعالى نحمده على آلائه، ونشكره على ما أعطانا إياه، وأعظم عطائه لنا وأعظم نعمه علينا هو الإسلام،وكفى بها نعمة.
والخطاب في الآية للنبي عليه الصلاة والسلام، وهو خطاب لكل الخلق من أتباعه من المؤمنين والمسلمين، وحض لهم على أن يكثروا من ذكر الله، ويكثروا من حمد الله، ويكثروا من تسبيح الله آناء الليل وأطراف النهار، فقد كان صلى الله عليه وسلم يذكر الله على جميع أحواله، وبذلك أمره ربه.
يقول تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58]، فهو الحي الدائم، وهو الذي يحيي وهو الذي يميت، وهو موجد الحياة وواجب الوجود، وكل حياة لسواه إنما هي حياة محدثة من خلقه ومن عطائه، فهو الحي الأبدي وحده جل جلاله.
والتوكل على الله يكون بعد العزم وبعد اليقين، فيعمل المرء عمله ولا يعتمد فيه على أحد من الخلق، وهكذا أمر الله نبيه صلوات الله وسلامه عليه، وأمر بأمره المؤمنين جميعاً، ومن يرجع إلى الذي لا يموت يجد دائماً حصناً حصيناً مرجعاً وناصراً ومعيناً.
أما من توكل على الخلق فلن يحصل له ذلك، فمهما كان المخلوق قوياً وذا سلطان وذا جاه فإنه ميت يوماً، ومن اعتمد على من يموت فقد اعتمد على باطل، وتوكل على ميت، والتوكل على الميت موت في نفسه، وليس كذلك التوكل على الحي الذي لا يموت جل جلاله.
يقول تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ [الفرقان:58] أي: نزه ربك، وأكثر من حمده، فالحمد له وحده، وهو الذي نقوله في كل ركعة من صلاتنا في الفرائض منها والنوافل، فأول ما نبتدئ صلاتنا بقولنا: (الحمد لله رب العالمين) أي: الحمد كله الذي لا يستحقه غيره، فالحمد بكل أنواعه هو لله رب العالمين ومدبرهم جل جلاله وعلا مقامه.
أي: كفى به محصياً، وكفى به محيطاً بذنوب خلقه وعباده، وكفى به خبيراً، فهو يعلم كل أعمالنا، وكل ما يصدر عنا، فيحاسبنا على ذلك يوم القيامة، فإن كانت هناك ذنوب مع التوحيد فإنه تعالى إن شاء غفر وإن شاء عذب بقدر الذنوب، وإن كانت هناك ذنوب مع الشرك فالله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وهذا تحذير من الله، يحذرنا نفسه جل جلاله وعلا مقامه، وذلك أن جميع ذنوبنا هو خبير بها مطلع عليها، يعلم جليلها وحقيرها، وكبائرها وصغائرها، فإذا نحن علمنا ذلك علم يقين اتخذنا لذلك عدته، فأقلعنا عن الذنوب، واستغفرنا ربنا مما مضى، وتبنا لما هو آت، ورجونا أن يغفر الله ذنوبنا وألا نعود إليها قط بمقدار طاقتنا وجهدنا.
فهذا تحذير من الله لنا بأنه يعلم كل ما يصدر عنا، والكلام هنا في الذنوب والآثام والمعاصي، فهو تحذير من الله تعالى لكل المشركين وعصاة الموحدين.
قال تعالى: وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا [الفرقان:58] (خبيراً) منصوب على التمييز، أي: كفى بالله خبيراً، وكفى بالله عليماً، وكفى بالله مطلعاً على جميع ما يصدر عنا، حتى إذا علمنا ذلك وتيقناه عملنا بمقتضى ذلك، فتبنا إليه وأنبنا، وجددنا التوبة، وعملنا عملاً صالحاً، عسى الله أن يغفر لنا ما مضى.
هذه صفة الذي يعلم ويطلع على ذنوبنا كبارها وصغارها، فالله جل جلاله هو الخالق لهذه السماوات السبع العلى وخالق الأرضين السبع وما بينهما من كواكب ونجوم وغيرها مما يعلمه الله تعالى.
وهو تعالى خالق الملائكة في السماوات، قال صلى الله عليه وسلم: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما من موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو قائم) ومعنى ذلك أن السماوات العلى في كل بقعة منها بمقدار قدم عليها ملك يعبد الله، فهو في عبادته قائم أو ساجد يذكر الله تعالى بأنواع ذكره، وأكثر ما يقولون: (سبوح قدوس، رب الملائكة والروح).
وقد خلق الله تعالى كواكب لا يحصي عددها إلا هو، وهي تعد بملايين الملايين.
والسماء في اللغة: ما علاك، وهي في القرآن بهذا المعنى، وبمعنى السماء التي هي جرم من الأجرام، فلها باب وعليه بوابون وحراس، ولذلك فإن نبينا عليه الصلاة والسلام حين عرج به إلى ربه وقف به جبريل عند باب كل سماء يستفتح، فيقول له الملك المكلف: من؟ فيقول: جبريل. فيقول: أمعك أحد؟ فيقول: نعم، محمد. فيقول: قد أذن له؟ فيقول: نعم، فيفتح له الباب.
وما بين كل سماء وسماء مقدار خمسمائة عام، ولا ندري أهذه الأعوام من أعوام الدنيا أم من أعوام الآخرة، فالله ذكر لنا من أنواع الأيام اليوم من أيام الدنيا، فالسنة فيها اثنا عشر شهراً، وكل شهر ثلاثون يوماً، وكل يوم أربع وعشرون ساعة.
وفي الأرض نفسها أقطار يصل اليوم فيها إلى ستة أشهر لا ليل فيها، والليلة إلى ستة أشهر لا نهار فيها، كما في القطب المتجمد الشمالي.
وذكر تعالى لنا اليوم في الآخرة، فهو كألف سنة من أيام الدنيا، واليوم في العروج إلى الله مقداره خمسون ألف سنة.
فالأعوام التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام فيما بين كل سماء وسماء لا ندري أهي من أعوام الدنيا، أم من أعوام الآخرة، أم من الأعوام التي يعرج فيها الملائكة إلى الله، كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وفي علم النجوم وعلم الأفلاك يذكرون السنة الضوئية، أي: يحسبون المسافة بين الأفلاك بسرعة الضوء في الثانية، فبعض النجوم تشع نوراً لا يصل إلى الأرض إلا بعد كذا وكذا سنة، ويحسبون في ذلك المليارات من السنوات الضوئية أحياناً، ولا يعلم جنود ربك إلا هو، ولا يحصي الأنجم إلا هو، وخلق الله الواسع وفضاء الله المتسع لا يعلمه إلا خالقه جل جلاله، فالله هو الخالق لكل ذلك، وقد خلق كل ذلك في ستة أيام.
وكل الكواكب غير الأرض مخلوقة من نوع ما كونت منه الأرض، وما فوق ذلك الله أعلم به، وكل ذلك خلق الله.
فما هو هذا الاستواء ؟ وما هو هذا العرش؟
طالما أكثر في ذلك المكثرون، وطالما حكى الحاكون، وكل ما يقال في ذلك مما هو غير مستند لآية أو لحديث هو ضرب من القول ومن الفلسفات التي لم يأت عليها من الله سلطان، كتفسير الاستواء بالتمكن والتسلط، وتفسير الكرسي بالقدرة والإرادة.
والعرش ثابت ذكره في الكتاب، وثابت ذكره في الأحاديث المتواترة المستفيضة.
وعرش الرحمن هو أعلى شيء من خلق الله، فالسماوات العلى فوقهن الكرسي، وفوق الكرسي العرش، والسماء الأولى أكبر من الأرض، والثانية أكبر من الأولى، والسابعة أكبر مما قبلها، والكرسي أكبر من السموات، فما السماوات السبع أمام الكرسي إلا كسبعة دراهم ملقاة في ترس، وما الكرسي بالنسبة إلى العرش إلا كحلقة ملقاة في صحراء كما قال صلى الله عليه وسلم، ثم أشار النبي عليه الصلاة والسلام بيده إلى أن عرش الرحمن كالقبة فوق مخلوقاته.
وهذا يشير إلى أن الأرض كروية، وقد قال ذلك علماء المسلمين قبل أن يقوله هؤلاء، وقد نقل فيه الإجماع عن المسلمين لنصوص الكتاب والسنة، قال ذلك ابن حزم ، وقاله الغزالي ، وقاله الرازي .
وذكروا من نصوص القرآن قوله تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ [الزمر:5]، فكلمة (يكور) تدل على ذلك، وكذلك الحديث الصحيح الذي فيه أن عرش الرحمن على سماواته كالقبة، وعلى هذا أجمع علماؤنا، فنفي ذلك وإنكاره إنكار للإجماع وخروج عن الإجماع، والنصوص تؤكد ذلك، وما أخذ هذا إلا من النصوص.
وأما الاستواء فلا نقول فيه ما قاله علماء الكلام من فلاسفة المسلمين كالأشاعرة والماتوريدية والمعتزلة وسائر فرق علم الكلام، ولكننا نقول ما قال الإمام مالك ، ونقل ذلك عن بعض السلف، من التابعين والصحابة رضوان الله عليهم، فقد جاء إلى الإمام مالك رجل فسأله فقال: يا أبا عبد الله ! ما معنى (الرحمن على العرش استوى).
فأطرق ملياً ثم رفع رأسه فقال له: الاستواء معلوم -أي: لغة-، والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة. ونادى: يا شرطي! أخرج هذا من المسجد.
وكان هذا السؤال في المسجد النبوي، فعد مجرد السؤال عن هذا بدعة؛ لأن هذا شيء لم يبحث فيه السلف؛ لأننا أمرنا بأن نعلم عن الله صفاته العالية، ونعلم عن الله أسماءه ونعوته المقدسة، وكل أسمائه جل جلاله حسنة عالية، أما كيفية الله وكيفية علوه وكلامه واستوائه فذلك أمر لم يشرع البحث فيه.
والباحث فيه نقرأ عليه قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، ونقرأ عليه قوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، فلا يشبه خلقه في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وكل ما خطر ببالك فالله بخلافه، ولكننا نثبت له تعالى ما أثبته لنفسه في كتابه، وما أثبته نبينا في سنته صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأما الكيف فغير وارد، فإن سألت عن الكيف فكأنك تسأل ماذا يشبه؟ فالسؤال في الأصل فاسد، وما كانت مقدمته فاسدة كانت نتيجته فاسدة، ولغتنا أضيق من أن تتسع للمعاني العلوية السماوية، وما كانت الألفاظ الإلهية إلا قوالب لتقريب المعاني للإنسان، أما كيف ذلك فالله أعلم به، حتى قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ما ذكر في الآخرة ليس منه في الدنيا إلا الأسماء. أي: أن كيفية ما فيها لا يعلمها إلا الله تعالى.
فالأسماء تقريب للمعاني، فنسمي ما فيها بالأسماء التي سماها الله في كتابه ونبيه عليه الصلاة والسلام في سنته، وتحقيق ذلك الله أعلم به.
فإذا كان هذا في خلق الله مما في الجنة ومما في النار، فكيف بما يتعلق بذات الله؟! ولا نقول كما قال أقوام: الله جل جلاله ليس داخل العالم ولا خارج العالم، ولا فوق العالم ولا تحت العالم، إذاً أين هو؟! فهذه صفة المعدوم.
وهذا كلام ما أنزل الله به من سلطان، وهو كلام لا يقبل بحال من الأحوال، فالذي ليس في السماء ولا فوقها، ولا في الأرض ولا تحتها، ولا في الأكوان ولا خارجها إنما هو العدم.
ولكننا نقول ما قال الله، فقد قال تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف:84]، وقال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].
وهكذا نثبت لذاته العلية ما أثبته، ونقول ما قاله الإمام مالك : الاستواء معلوم، أي: في اللغة العربية، وباللغة العربية نزل كتاب الله، أما الكيفية فنجعلها، وهذا ما لم يبينه الله لنا ولا نبيه عليه الصلاة والسلام، فالكلام في هذا عبث قد يوصل إلى الكفر من حيث لا يشعر الإنسان.
وقد يكون المعنى كما قال بعض المفسرين: فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان:59] أي: القرآن، فالقرآن فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وفصل ما بينكم، فالله جل جلاله هو الخبير وهو العليم، فهو الذي أخبرنا، وهو الذي علمنا أن أسماءه الحسنى كثيرة، وقد حصرها النبي صلى الله عليه وسلم في تسعة وتسعين، وورد أنها تتجاوز الألف، ولا يحصيها إلا الله، أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110]، فبأي اسم دعوناه كقولنا: يا الله، يا رحمن، يا لطيف، يا خبير، يا عفو، يا قادر فإنه يحصل المقصود، فكل ذلك من أسماء الله وصفاته.
واسم الجلالة هو (الله)، والأسماء الأخرى يسمى الناس ببعضها، وقد وصف ببعض ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أن من الأئمة الأربعة الإمام مالكاً ، والمالك هو الله، ولكننا قد نصف بالملك المخلوق، فنقول: هو مالك، وأقول: أنا مالك هذا، أي: ملكته الآن وقد كان مملوكاً لغيري، وسيكون مملوكاً لغيري، فأنا وما أملك لله
فجرت العادة بذلك وذلك كان بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإقراره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر