قال تعالى:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ 
[السجدة:4] .
يخبرنا الله جل جلاله في هذه الآية من سورة السجدة المباركة المكرمة كيف خلق الخلق، فقال: (الله) أي: وحده، (الله الذي خلق السموات) أي: الأولى والثانية إلى السابعة وما بينهما، (والأرض) الأولى والثانية إلى السابعة وما بينها، وما بين السموات والأرض من أنجم وكواكب وأقمار وشموس، مما لا يحصي عدده إلا الله.
وبيننا وبين السماء خمسمائة عام، وهي أطباق، ولها أبواب، فعندما أسري بنبينا عليه الصلاة والسلام كان جبريل يطرق كل باب في كل سماء، فيقال: من؟ فيقول: جبريل، فيقال: ومن معك؟ فيقول: محمد، فيقال: هل أذن له؟ فيقول: نعم. فيفتح الباب، والوصول إلى السماء لا يقوله عاقل ولم يدعه أحد، وما وصل الناس اليوم إلا إلى بعض الأفلاك التي هي مصابيح في سماء الدنيا، وإن كان كل ما علا فهو سماء في لغة العرب.
المراد بالستة الأيام
معنى قوله تعالى: (ثم استوى على العرش...)
معنى قوله تعالى: (ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع...)
قال تعالى:
مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ 
[السجدة:4] أي: ما لكم أيها الناس وأيها الخلق مهما طلبتم وسعيتم وراء الشريك والكفر بالله ولي من دون الله، فلا ناصر لكم ولا راحم لكم من دونه، فليس لكم من دون الله من يتولاكم، ولا من ينصركم، ولا من يأخذ بأيديكم، ولا من يغفر ذنوبكم، فلا نصير إلا الله، ولا ولي إلا الله، فأسلموا تسلموا.
فقوله تعالى:
مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ
[السجدة:4] .
أي: ليس لهم ولي ولا ناصر غير الله، ولن يشفع فيهم أحد بغير إذن الله، بأن يأذن لخلقه ملائكة أو رسلاً أو صالحين بالشفاعة، فيشفع الملائكة، ويشفع النبي، ويشفع الأب، ويشفع الولد، ويشفع الصالح، ويشفع الشيخ والتلميذ، ولكن بعد إذن الله، وبعد إرادة الله، وبعد أن يأذن الله لمن شاء أن يشفع أو يتكلم، وإلا فلا شفيع بغير إذنه.
قال تعالى: (أفلا تتذكرون) هذا استفهام تقريري.
قال تعالى:
يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ 
[السجدة:5] .
قوله تعالى: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض)، أي: يأمر ملائكته، فملك الموت للموت، وملك الرياح للرياح، وملك الأجنة للأجنة، وملك الأنهر للأنهر، وقد جعل الله لكل عمل جنوداً قائمين به وجعل عليهم جندياً كبيراً مسئولاً، كما كلف بعض البشر بدعوة الناس إليه ودفع الشرك والأوثان، والإيمان بالله وباليوم الآخر، فالله يدبر أمر السماء وأمر الأرض خلقاً ورزقاً، وحياة ومماتاً، من السماء إلى الأرض.
معنى قوله تعالى: (ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة...)
وقوله تعالى:
ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ 
[السجدة:5] أي: ثم بعد تدبير الأمر في السموات والأرض تعرج الملائكة إليه جل جلاله إلى سدرة المنتهى.
قال تعالى:
ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
[السجدة:5]، فالصعود إلى السماء خمسمائة عام، والهبوط منها خمسمائة عام، وهذا بالنسبة إلى البشر، أما بالنسبة للملائكة فهذه الألف سنة تكون كيوم من أيامنا، فيقطعون ألف عام في يوم.
فالملائكة تصعد إليه جل جلاله لتبلغه عملها وما كلفت به، ومن المعلوم أن لكل إنسان ملكين عن اليمين وعن الشمال، يحصي من عن اليمين الحسنات ويحصي من عن اليسار السيئات، وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار...)، فهؤلاء يذهبون إلى ربهم بما كتبوا خلال ذلك اليوم في ليله ونهاره ثم يأتي غيرهم، ولذلك قال تعالى:
إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا
[الإسراء:78]، فقرآن الفجر تشهده الملائكة، فالملائكة عندما يصعدون إلى ربهم في يوم كان مقداره ألف سنة من أيامنا يذهبون من عندنا ونحن نتلو القرآن، ويأتي الفوج الثاني عند الفجر ونحن نقرأ القرآن، فيشهدون لنا عند ربهم، فيقولون: أتينا فلان ابن فلان وهو يقرأ القرآن، وتركناه وهو يقرأ القرآن، فهي شهادة ما أزكاها من شهادة وما أعلاها من شهادة! فهو يقرأ القرآن بين طرفي النهار، فتلك شهادة يفوز بها من شهد له بها.
قال تعالى:
ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 
[السجدة:6].
أي: أن خالق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، الذي يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما نعد في أيامنا، والذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض (عالم الغيب والشهادة)، أي: هو عالم الغيب والشهادة، والإشارة إليه جل جلاله بأنه هو عالم الغيب يعلم ما غاب عن الخلق، ويعلم الشهادة، ولا فرق عنده بين الشهادة والغيب، يعلم كل ذلك علماً يقينياً، علم الخالق الرازق المدبر، في الوقت الذي لا يعلم ذلك سواه.
معنى قوله تعالى: (العزيز الرحيم)
قال تعالى:
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 
[السجدة:6] العزيز الذي لا يذل ولا يغلب، القاهر في كل شيء جل جلاله، الرحيم بمن لا يحاول أن يغالبه أو يشرك به أو يعاند رسله، أو يخرج عن طاعته، رحيم به يدخله الجنة، ويغفر ذنبه، ويرضى عنه.