إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب [40-46]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن أباً لأحد من الرجال، وقد أبطل تبنيه لزيد بن حارثة قولاً وفعلاً حين تزوج زينب بنت جحش التي كانت زوجة لزيد، والله تعالى يأمر المؤمنين أن يكثروا من ذكره وتسبيحه، فإن الذكر زاد القلوب والأرواح، وبه يستحق العبد أن يذكره الله ويصلي عليه هو وملائكته.
    قال الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40].

    بعد أن أبطل الله تعالى التبني الذي كان قبل الإسلام وكان ممن فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأبطله بالقول وأبطله بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5]، وقال: فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5].

    والله جل جلاله أمر نبينا عليه الصلاة والسلام بعد أن أبطل بنوة زيد ، وطلق زوجته أن يتزوج زينب ؛ لكي يكون إبطال البنوة أمراً إلهياً عملياً، فكان عملاً نبوياً.

    فأكد الله ذلك في هذه الآية الكريمة فقال: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].

    أي: لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم أباً لأحد من الرجال، فلم يكن أباً لـزيد ولا لغير زيد من الرجال، وإنما كان أباً لمثل القاسم والطيب ، والطاهر ، والحسن ، والحسين وكانوا جميعاً أطفالاً، فالثلاثة الأولاد الذين من صلب النبي صلى الله عليه وسلم: القاسم ، والطيب ، والطاهر ماتوا أطفالاً فلم يبلغوا الحلم؛ أما والداه الحسن والحسين فهما ولدا بنته وهما سبطاه، فقد قال عن الحسن : (إن ابني هذا سيد) ولكن مع ذلك مات عليه الصلاة والسلام وهما صغيران، وإنما كبرا بعد ذلك.

    وإنما نفى في عصر زيد وفي الوقت الذي نزلت فيه هذه الآية أن يكون أباً لرجل، والآية من سورة الأحزاب التي لا نزال ندرسها وهي سورة مدنية، وغزوة الأحزاب التي كانت مناط هذه السورة كانت في السنة الخامسة من الهجرة، أي: نزلت هذه السورة الكريمة في السنة الخامسة من الهجرة.

    والنبي عليه الصلاة والسلام مات في بداية السنة الحادية عشرة من الهجرة، فكان الحسن والحسين لا يزالان في الطفولة لم يصلا حد المراهقة.

    فلم يكن محمد صلى الله عليه وسلم أباً لـزيد ، هذا هو المقصود من الآية، وأن زيداً يدعى لأبيه، فإن لم تعلموا أباه فادعوه بالأخوة الإسلامية، وبأنه مولى الإسلام، وهكذا كان سالم الذي تبناه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة لا يعرف له أب.

    فعندما أبطلت البنوة قيل عنه: سالم مولى أبي حذيفة ودعي زيد بن حارثة باسم أبيه؛ لأنه كان معروفاً، فأصبح يعرف بـزيد بن حارثة .

    قوله: وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].

    ولكنه كان منذ أرسل ونادى في هذه البطاح المقدسة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة هو رسول الله وخاتم رسله وأنبيائه أرسل للناس كافة عربها وعجمها، من عاصروه ومن سيأتون بعده وإلى يوم القيامة.

    نهاية كل من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم

    إن كون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، أي: طبع فكان خاتمهم، لا نبي بعده، وإذا نفى الله النبوة فقد انتفت الرسالة؛ لأن كل رسول نبي وليس العكس.

    والنبي من أوحي إليه بالشرع ولم يؤمر بتبليغه.

    والرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بالتبليغ، وهو لن يكون رسولاً حتى يكون نبياً، فإذا انتفت النبوة الخاتمة عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن باب أولى ختمت الرسالة كذلك به، فلا نبي ولا رسول.

    هذا مما أجمع عليه المسلمون ولم يتنازع فيه مسلمان، ومن خرج عنه كان كافراً مرتداً حلال الدم، فمن العقيدة الرئيسية التي يجب أن يؤمن بها كل مسلم وكل إنسان أراد الدخول في الإسلام أن محمداً رسول الله أن يشهد أنه خاتم الأنبياء والرسل، وكل من ادعى النبوة بعده أو الرسالة بعده فهو ضال مضل كاذب فاجر كافر حلال الدم.

    وقد ادعى مسيلمة الكذاب النبوة في الحياة النبوية، وكذبه حاله وسيرته وأضاليله وأباطيله، ثم قضي عليه أيام خلافة أبي بكر ، وادعى الأسود العنسي النبوة قبل الوفاة النبوية فقاتله أهل اليمن فهلك كافراً.

    ومن المعجزات التي شهدناها بعد مرور ألف وأربعمائة عام على الإسلام أنه لم يدع النبوة أحد خلال هذه القرون الأربعة عشر، ومن ادعاها كذبته حاله، وأتى بسخيف من القول والعمل، وعلم الحاضر والغائب من أتى بعده بأنه ضال مضل، ومن ذلك منذ ثمانين سنة في بداية هذا القرن ادعى دجال هندي الذي سمى نفسه غلام أحمد أي: عبد أحمد، فكان عبد الشيطان وكان عبد الإنجليز وكان جاسوساً خبيثاً لعيناً، ادعى أولاً أنه مجدد، ثم ادعى بعد ذلك أنه نبي، ثم ادعى بعد ذلك الألوهية، ووضع لنفسه خزعبلات وكلاماً مضحكاً سخيفاً سماه قرآنه وكتابه، ومع ذلك وجد من الناس قلة آمنت به ولا تزال، ولم يوجد إمام حاكم في الهند يؤدبه وأتباعه، فيفصل جسده عن رأسه هو وكل من آمن به واعتقد نبوته.

    وفعلت دولتنا هنا حسناً عندما منعت هؤلاء الأخباث القاديانيين بقرار من رابطة العالم الإسلامي كما يمنع الكفار من الدخول لمكة والمدينة، وكانوا قبل يأتون ويزعمون الإسلام ويحجون، وهم ليس لهم دين ولا حج ولا صلاة، وإنما هم كفرة ودجالون ضالون.

    وفي هذه القرون الأربعة عشر كل من ادعى فيها النبوة وهم قلة معدودة على الأصابع كشفوا وافتضحوا في حياتهم؛ لأنهم كذبة فجرة، فكان عليه الصلاة والسلام هو النبي الخاتم والرسول الخاتم، وهذا مما علم من الدين بالضرورة، وكل من اعتقد خلاف ذلك يعتبر كافراً مرتداً حلال الدم، هذا نص القرآن ونص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تجاوزت حد التواتر عن جماهير من الأصحاب رضوان الله عليهم، وكمل ذلك وأتمه إجماع المسلمين بجميع فرقهم على ذلك، من عهد الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين إلى يومنا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

    فعن أنس بن مالك ، وأبي موسى الأشعري ، وأبي هريرة الدوسي وعن جماهير من الصحابة قالوا: قال عليه الصلاة والسلام: (إنما مثلي ومثل الأنبياء قبلي كقصور بنيت فأتم بانوها بناءها وأحسنوا وأتقنوا، إلا موضع لبنة، فدخل الناس ينظرون في هذه القصور، فقالوا: ما أجملها وما أتقنها إلا مكان هذه اللبنة، قال عليه الصلاة والسلام: فكنت أنا تلك اللبنة).

    فبه تم الأنبياء وختم المرسلون، وأرسل النبي عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب وأبا موسى الأشعري أميرين على اليمن وقال لهما: (بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا، فإني أرسلت مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله وخاتم النبيين).

    وقال عليه الصلاة والسلام: (لا نبي بعدي ولا رسول).

    وقال عليه الصلاة والسلام: (إني لخاتم الأنبياء عند الله وآدم لا يزال منجدلاً في طينته)، أي: كان في علم الله الأزلي أن محمداً سيظهر وهو آخر الأنبياء والرسل، وآدم لم ينفخ فيه الروح، بل كان لا يزال هيكلاً من تراب مطروحاً على الأرض، بقي مدة أربعين عاماً قبل أن ينفخ الله فيه من روحه، وقبل أن يقول له: كن بشراً فكان، ونبوة النبي عليه الصلاة والسلام خاتمة ورسالته خاتمة، وهذا معلوم من الدين بالضرورة.

    وقال عليه الصلاة والسلام: (خصصت بصفة، كان الناس قبلي يبعثون إلى أقوامهم خاصة وأرسلت إلى الناس عامة، وكنت خاتم الأنبياء والمرسلين) وهذه الخصائص النبوية قد تجاوزت المائتين جمعها الإمام السيوطي في كتابه (الخصائص) في مجلدين.

    فقوله: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] أي: لا رسول إلا بعد أن يكون نبياً، فكونه لا نبي بعده أي: لا رسول كذلك، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً؛ لأن النبي قد يكون كلف بشرع وأوحي إليه به ولم يؤمر بالتبليغ، كإسحاق ابن إبراهيم أبي النبي وأبي الأنبياء وأبي العرب عليه وعليهم جميعاً صلاة الله وسلامه.

    فكان إسماعيل وهو جد النبي الأعلى نبياً رسولاً، وكان إسحاق نبياً فقط ولم يؤمر بالتبليغ، وهو جد أنبياء بني إسرائيل، أما إبراهيم الذي حاول أحفاد القردة والخنازير أن ينتسبوا إليه، ويقولون عنه: قال لنا وقال عنا وأمر بنا. وقد قال الله: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا [آل عمران:67]، هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ [الحج:78] وشريعتنا تعتبر تجديداً لشريعة إبراهيم في الأصل وفي السماحة وفي اليسر، مع ما كلف الله به خاتم أنبيائه من تمامها، لتصلح لكل عربي وعجمي من عاصره ومن أتى بعده وإلى يوم القيامة.

    وقوله: وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40] أي: كان الله عليماً بمحمد قبل أن يخلقه، وبآدم قبل أن يصنعه، وبالناس برهم وفاجرهم، كان الله جل جلاله عليماً بكل شيء، الخالق لكل شيء، المعلم لرسله ولأنبيائه ما يهدون به أنفسهم وأتباعهم من المؤمنين الموحدين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530912

    عدد مرات الحفظ

    777158861