أي: قل -يا رسولنا-: لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله.
والسماء: ما علاك، وهي تلك السماوات التي هي طبق عن طبق، وبين الأولى منها وبين الأرض خمسمائة عام، كما قال صلى الله عليه وسلم.
فهذه السماوات فيها الملائكة وكبيرهم جبريل عليه وعليهم السلام، فكل من في السماوات وكل من في الأرض جميعاً لا يعلمون الغيب، فلا يعلم الغيب إلا الله، ولا يعلم الغيب ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وما ورد عن الأنبياء من الغيوب فليس ذلك إليهم ولا من تلقاء أنفسهم، ولكن الله علمهم، كما قال ربنا: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن:26-27]، كما أعلم نبينا صلى الله عليه وسلم بما كان ويكون إلى قيام الساعة، وما يؤمن به المرء غيباً آمن به نبينا شهوداً، كما في ليلة الإسراء عندما أسري به إلى بيت المقدس، طرد الله عنه القردة والخنازير وعبد الطاغوت، وقد صلى بجميع الأنبياء والمرسلين إماماً، وكان ذلك إشارة لإمامته ورئاسته وسيادته عليهم صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك ما كان صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب بغير تعليم الله له، فقد عاش بين قومه أربعين عاماً، وكان كما قال الله له: وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت:48] أي: ما كنت تقرأ كتاباً ولا تخطه بيمينك، ولا تدري ما الإيمان ولا الكتاب، ولكن الله علمك وهداك بعد ذلك، ونبهك وأرسلك بعد ذلك، وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113].
وكان ذلك أعظم معجزة له صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد عاشره قومه أربعين سنة، وهو لا يعلم شيئاً، وإذا به يصبح يوماً وقد عَلم علم الأولين والآخرين كما علمه الله جل جلاله، وكان ذلك من علم الله.
فهؤلاء المشركون لا يشعرون ولا يدركون كيف سيبعثون، بل والمؤمنون كذلك لا يدرون ولا يشعرون كيف سيبعثون، كالنائم عندما ينام، فهو يحرص على أن يتابع نومه ليدرك ذلك، فلا يشعر إلا وقد استيقظ مع الصباح، ولا يعلم كيف نام.
وهكذا الإنسان لا يشعر بأنه كان نطفة في رحم أمه، وأنه كان قبل ذلك في صلب أبيه، ولا يذكر كيف ولد ولا كيف رضع، ولا كيف حبا، ولا كيف مات، وهكذا يوم القيامة لا نشعر إلا ونحن وقوف بين يدي رب العزة جل جلاله حفاة عراة غرلاً، وقد دهشت عائشة فقالت: (الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: يا
يوم يقول كل واحد من الأنبياء والرسل: نفسي نفسي! حينما يستشفع، فما بالك بغيرهم، والذي لا يقول: نفسي نفسي هو خاتمهم صلى الله عليه وسلم وحده، فهو الذي يجيب ويقول: (أنا لها، أنا لها)، ويذهب فيخر ساجداً بين يدي العرش، ويلهم إذ ذاك بما يلهمه الله إياه.
وكما لا نشعر كيف خلقنا فإننا سنبعث بعد ذلك، ولا نشعر كيف بعثنا، ولكنا نعلم ذلك علماً كما أخبرنا به الله في كتابه، وأخبرنا به رسوله في سنته صلى الله عليه وسلم، فصدقنا ذلك وعلمناه علم يقين، وآمنت به جوارحنا وجميع خلايا أجسامنا، ولو كشف لنا الغطاء لما ازددنا إلا يقينا بما علمناه عن ربنا، وتعلمناه من نبينا.
ادارك علمهم في الآخرة، وهو العلم الذي أضاعوه في الدنيا، ومما يدل أن الآية متعلقة بالمشركين وحدهم قوله تعالى: وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ [النمل:21-66]، فهذا العلم كان يجب عليهم أن يعلموه في دار الدنيا، بأن يعلموا بأن هناك بعثاً ونشوراً، وبأن هناك عودة إلى الحياة بعد الموت دائمة للمؤمن والكافر، وما جهلوه في الدنيا سيعلمونه في الآخرة.
يقول تعالى: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ [النمل:66]، أي: تدارك علمهم وتتابع، واتصل، وأصبحوا يعلمون أن الآخرة حق، بعد أن عاشوا في واقعها، وبعد أن عاشوا فيما كانوا ينكرونه، فأصبح علمهم متداركاً، وأصبح علماً يقينياً، ولكن هذا العلم جاء بعد فوات الأوان، ولن يفيدهم، فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فهؤلاء آمنوا بعد أن بعثوا، وبعد أن زال التكليف، فأخذوا يتمنون الأماني بأن يعودوا إلى الدنيا مرة أخرى، ولكن هيهات هيهات، فعقارب الساعة لا ترجع إلى الخلف، واليوم الذي يذهب لن يعود.
قال تعالى: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا [النمل:66] بل هم لا يزالون -وهم في الحياة الدنيا- في شك من الآخرة، فما أبلغتهم به أنبياؤهم، ونزلت به كتب ربهم، ورأوا عليه الأدلة القاطعة لم يزدهم إلا كفوراً وجحوداً وتكذيباً.
قال تعالى: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:66]، فهم لا يزالون في شأن الآخرة عمياً لا يبصرون ولا يدركون ولا يعون، فقلوبهم لم تعِ الحق، فهم -كما وصف الله تعالى- كالأنعام، بل هم أضل؛ إذ الأنعام تفيد بما في بطونها وبظهورها وبألبانها وبأشعارها وأوبارها وأصوافها.
لا يزال الكفار على إصرارهم، وليس المراد بهم كفار قريش، ولا كفار العرب فحسب، بل الكفار الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم، والذين جاءوا بعده إلى يوم القيامة، فكلهم على دين واحد، وملة الكفر واحدة، فكلهم يقولون هذا، ويشكون في البعث، ويسخرون إذا سمعوا بأن مؤمناً يعتقد بأن الإنسان بعد الموت سيبعث مرة أخرى، وسيقوم مرة أخرى، وسينطق مرة أخرى، وعندما تخاطبهم بالمنطق ولغة العقول يعرضون ويهزون الأكتاف جهلاً وتقليداً.
يقول تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ [النمل:67] قالوا هذا لنبينا وقالوه للأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام، فلم تتصور عقولهم السخيفة أننا إذا متنا سنبعث كما كنا، فقالوا: أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ [النمل:67].
قال لهم ذلك اليهود والنصارى بعد أن بدلوا وغيروا كتابيهم، فقال الوثنيون عباد الأحجار والمخلوقات: لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا [النمل:68]، وهو أننا سنعيش بعد الموت، وسنعود بعد التراب إلى ما كنا عليه من قبل في دار الدنيا، وعدنا هذا نحن وآباؤنا من أنبياء سابقين، وسمعنا هذا عن آبائنا كذلك، قبل أن يقوله النبي عليه الصلاة والسلام، وينزل به القرآن الكريم.
ثم عادوا فقالوا: إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [النمل:68]، فهذه عقيدتهم، وهذا إصرارهم على الشرك والكفر.
يقولون: إِنْ هَذَا [النمل:68] أي: ما هذا، فـ(إن) نافية، أي: ليس هذا إلا أساطير، فما هو إلا خرافة وحكاية سطرت وكتبت في القصص وأحاديث الأولين، رواها الآباء عن الأجداد والأبناء عن الآباء، وليس هذا الذي يقرأ في الكتاب المنزل عليك كما تقول إلا ترداداً لذلك، وهذا ما لا يزال يقوله الكفار إلى اليوم من يهود ونصارى ومجوس.
فمن النصارى واليهود من لا يزال يقول: إنما البعث بعث الأرواح، والأرواح عندهم شيء لا وجود له.
وقد كنت في متحف حكومي في لبنان، وإذا بصاحب المتحف يخرج لي صليباً ويقول: هذا الصليب مضى عليه قرون، فقلت: كم؟ قال: أكثر من عشرة قرون، والصليب شعار النصارى، فقلت له: صدق الله، وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا به عن الله؛ إذ قال الله عن عبدة الأوثان: يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [التوبة:30] فهم في كفرهم كانوا مقلدين قردة، والصلب هو الفداء فيما يزعمونه، وقد وجد الصليب في وثنيين سبقوهم، وكفار تقدموهم.
فالله تعالى يقول: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ [النمل:69]، فانظروا كيف كانت عاقبة قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط الذين عاشوا على أرض سدوم التي هي جزء من فلسطين، ومكانها يسمى اليوم بالبحر الميت، فهذا البحر ميت لا يعيش فيه سمك ولا دواب، ورائحته كريهة.
فأرض قوم لوط قد قذفت ورميت بالحجارة المنضدة من جنهم وبئس المصير.
وقبل سنوات قريبة أرسل ملاحدة مرتدون من الشيوعيين في أرض روسيا بعثة استكشافية، فقالت هذه البعثة: لقد ظهرت القنبلة الذرية قديماً، فلابد من أن قوم لوط ضربوا بقنبلة ذرية، فأصبحت الأرض هكذا. وهذا صحيح، ولكن الضارب لهم هو ربنا جل جلاله.
وهكذا فعل بقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وبـفرعون وقومه، وإذا جاء فعل الله لا يبقى للبشر فعل ولا عمل.
ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على إيمان قومه، وعلى إسلام من يدعوهم إلى الإسلام، ولذلك قال الله له: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3]، أي: لعلك مهلكها، ولعلك مفنيها، وقال له: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر:8] فلا تُضع نفسك تحسراً وتؤلماً وتوجعاً عليهم، وهنا يقول له: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ [النمل:70] إن عوملوا بما عوملت به الأمم السابقة التي كفرت بالله وبأنعمه، وتلك سنة، فكل من فعل ذلك يعاقب بما عوقب به المشركون قبل.
فالله يقول لنبيه: قد صدر أمر الله في عقوبة هؤلاء والبطش بهم، والقضاء عليهم، كما فعلنا بمن سبقهم من الأمم الكافرة، فلا يأخذك حزن من أجلهم.
وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ أي: فلا تضق نفسك، ولا تتبرم بمكرهم وشركهم وكفرهم، وقد كانوا يتآمرون عليه، فتارة بالقتل، وتارة بالسجن، وتارة بالنفي، وتارة بالشتائم والتكذيب واتهامه بالرغبة في الحكم والسلطان والنساء والجاه وجمع الأموال، ولكن الله ناصر عبده، والعاقبة كانت له، ومع ذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يحزنه ذلك، وكان يتمنى إيمانهم بعد أن فعلوا معه الأفاعيل، وقالوا الأقاويل، ونصره الله عليهم نصراً عزيزاً مؤزراً، فجمعهم ثم قال: ما ترون أني فاعل بكم؟ فقالوا له: أخ كريم وابن أخ كريم.
نسوا شتائمهم، ونسوا كلامهم وكفرهم وجحودهم، فقال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، فأطلقهم مما كان ينبغي أن يكون؛ إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يقول له الله جل جلاله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وقال عن نفسه بأمر الله: (إنما أنا رحمة مهداة)، فما كان يريد عذاب قومه، ولا البطش بقومه، ولكنه إذا أمر فلابد من أن ينفذ أمر الله وإرادة الله، فقاتل من قاتل، وقتل من قتل، ونفى من نفى، وصادر من صادر، وقطع رءوس من أمره الله بقطع رءوسهم، وقد قال الله له: وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [النور:54]، وقال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، فالنبي مأمور بأن يبلغ رسالة ربه، وكتاب ربه، ودين ربه، أما أن يهديهم ويجبرهم على الإسلام فلا، فالهداية بيد الله وحده.
يقول هذا الكفار وقد أشركوا بالله، واستبعدوا أن يعودوا بعد التراب والفناء إلى ما كانوا عليه من أجسام كاملة، وأرواح متحركة، فهددوا بالويل وبالثبور، بعد أن فهموا قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم بأمر الله: سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ[النمل:69]، فستعاملون معاملتهم، وسيبطش بكم بطشهم، فأخذوا يستعجلون العذاب ويقولون: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ[النمل:71].
وقد قال هذا قومه صلى الله عليه وسلم، وقاله الأقوام السابقون للأنبياء الذين سبقوه، حيث قالوا: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ أي: الوعيد بالضرب وبالبطش وبالسحق وبالعقوبة وبالنقمة.
فقال الله لهم: قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ[النمل:72].
و(عسى) في القرآن للتحقيق، أي: قد تحقق وسيتم بعض ما تستعجلون، فقوله تعالى: (ردف) أي: قرب وأتى، وأصل الرديف من هو وراءك، يقال: أردف فلان فلاناً، أي: أركبه خلفه، أو جاء له تابعاً.
أي: عسى أن يكون قريباً ما استعجلتموه من عذاب ونقمة وبطش، فلا تستعجلوه، فهو آت لا محالة، ومصيبكم في الدنيا قبل الآخرة لا محالة، فقد حدث هذا بالسابقين، أخذوا بغزوة بدر بين قتيل وشريد وأسير، وطردوا من مكة المكرمة بعد أن دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن آمن أطلق من العقوبة، ومن أبى إلا الكفر أجل أربعة أشهر، ثم بعد ذلك طوردوا، ونزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28] بعد أن كانوا سادة البلد وقادتها وموجهيها، وهم الذين حاولوا إبعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، ومنعوه من أن يدخلها معتمراً إلا بعد سنة، فإذا بهم أذلاء بين يديه، ففعل بهم كما شاء، ولعذاب الله أشد وأنكى.
يقول ربنا وهو يمتن ويتفضل ويتكرم على عباده: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ [النمل:73].
إن ربك -يا رسولنا- ذو إفضال وذو امتنان وذو إحسان إلى عباده المؤمنين وغيرهم، ولكن أكثر هؤلاء الخلق، وأكثر هؤلاء البشر، وأكثر هؤلاء المتفضل عليهم لا يشكرون النعمة، ولا يجعلون لها قيمة، ولا يرفعون بها رأساً، ولا يحمدون الله، وهكذا الجحود والكفر.
أي: إن ربك وخالقك جل جلاله يعلم أحوال هؤلاء الذين معك، فيعلم منافقهم وكافرهم، وصادقهم وكاذبهم، يعلم ما يكنون في أنفسهم ويجعلونه مكنوناً مستوراً مخفياً.
ويعلم ما يعلنون، أي: وما يظهرونه ويتجاهرون به هل هو كما يظهرونه ويعلنونه، هو النفاق والكذب والدجل، فالله تعالى محيط بهم، محيط بأعمالهم، سميع لأقوالهم، وهذا في مقام التهديد والوعيد، فالله يعلم كل أحوالهم هما أخفوا وما أعلنوا، فلا يطمعوا يوماً في أن يظهروا لك شيئاً لا وجود له لتعتقده؛ لأن الله الخالق يعلم منهم ما خفي وما أعلن.
فما من قضية، وما من مسألة، وما من شيء غائب عن النفس لا يعلمه أحد، غائب عن تصورنا، وعن علمنا، وعن معرفتنا، إلا يعلمه الله، فلا شيء غائب عنه، فهو تعالى يعلم الغائب، ويعلم الحاضر، وكل ذلك مدون في كتاب مبين في اللوح المحفوظ، جفت الأقلام، ورفعت الصحف بما كان ويكون إلى قيام الساعة.
فالذي أعلنوه، والذي أخفوه، وما غابوا عنه ولم يعلموه، أو تظاهروا بالغيبة عنه هو عند الله في اللوح المحفوظ مكتوب مبين واضح، وعلى أساسه يتصرف جند الله من الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر