إسلام ويب

تفسير سورة الأحقاف [29-32]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من سنة الله سبحانه وتعالى أن يرسل إلى خلقه من يدعوهم إلى عبادته والتزام أمره واجتناب نهيه، ولما كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسالات وكان هو آخر المرسلين بعثه الله للخلق كافة عربهم وعجمهم وإنسهم وجنهم، وكما آمن له من الإنس أقوام كذلك آمن معه من الجن مثلهم.
    قال الله جل جلاله: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29].

    أي: واذكر يا محمد يوم صرفنا إليك طائفةً من الجن سمعوا منك القرآن وآمنوا بك وتدبّروا قولك وبلغوا دينك، ومعنى ذلك: يا معشر العرب! ويا معشر أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم! لا يزال فيكم الكثير ممن لم يؤمن، ولا يزال فيكم من هو مصر على الكفر، فهذه الجن قد سمعت القرآن وتدبّرته وآمنت به، وآمنت بالرسول الذي أتى به، فهم ضُرب بهم مثلٌ لمن أصر على الكفر من بني آدم.

    قوله: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ [الأحقاف:29] أي: وإذ أرسلنا إليك وبعثنا ووجّهنا إليك نفراً أي: جماعة من الجن، والجن: خلق من خلق الله خُلقوا من نار كما خلق الإنسان من تراب، وكما خلق الملائكة من نور.

    فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا [الأحقاف:29] فلما حضرت هذه الطائفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسوا في حضرته وبين يديه لسماع القرآن أخذ بعضهم يقول لبعض: أَنْصِتُوا [الأحقاف:29] أي: اسمعوا وعوا ولا تشتغلوا باللغو وبضياع الوقت، بل أنصتوا لما يقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29] أي: فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من إسماع هذا النفر من الجن تلاوة القرآن وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29] أي: رجعوا إلى قومهم مخوِّفين بما سمعوه من كتاب الله، وبما هدد وأوعد من أشرك بالله ومن بقي على الكفر والوثنية، إذ يعذّبه الله عذاباً لا يعذّبه أحداً مثله.

    قصة النفر الذين حضروا لسماع القرآن من الجن

    يقول ابن عباس رضي الله عنهما: كان ذلك عند ذهابه عليه الصلاة والسلام للطائف ليدعوهم إلى الله وينشر بينهم الدين، ففي بطن نخلة في الطريق إلى عكاظ أخذ يصلي صلاة الغداة -أي: صلاة الصبح- وإذا بنفر من الجن حضروا ليسمعوا القرآن وهو يقرؤه في الصلاة، ومن المعلوم أن الجن كانوا يسترقون السمع في السماوات، فيسمعون الكلمة الحق من الملائكة ينصتون إليها سارقين للسمع فيزيدون عليها تسعاً وتسعين كذبة، فيذهبون إلى كهنتهم ورهبانهم وحاخاماتهم، ويوهمونهم أنهم أتوهم بالحق، يفعلون ذلك كذباً وزوراً وافتراء ونشراً للأكاذيب على عادة الجن في عداء الإنسان، وإذا بهم يوماً حاولوا الذهاب والعلو إلى السماوات وإلى الأجواء ينصتون كعادتهم، وإذا بهم يُضربون بشهب من السماء وبنيازك نارية تقتل من تقتل وتشرّد من تشرّد، وإذا بكبيرهم إبليس يقول لهم: ما هذا إلا لحدث عظيم، اذهبوا واضربوا في مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ماذا حدث؟ وإذا بهم وهم في طريقهم إلى أرض تهامة إلى الطائف يسمعون ويرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ويتلو عند صلاة الصبح، فأنصتوا وتدبّروا وكانوا بين سبعة وتسعة أنفار، فذهبوا إلى كبيرهم وقصوا عليه ما سمعوا فقال لهم: إذاً: هذا الحدث الذي قطع بينكم وبين ما تسمعون، وهذا نبي جديد قد بُعث، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرهم ولم يحضروا بين يديه أولاً، وإنما أوحي له بذلك، قال تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [الجن:1] فالنبي قد قال عليه الصلاة والسلام أي: قل يا محمد! أوحى الله إليّ أنه استمع طائفة من الجن لهذا القرآن واستمعوا لهذه الرسالة النبوية وعلموا الحقيقة، وقد رأوا ما الذي حدث وما الذي حال بينهم وبين السماء وما ينصتون إليه، ثم رجعوا إلى قومهم ينذرونهم ويخوفونهم ما سمعوا من كتاب الله، وما سمعوا من رسالة النبي عليه الصلاة والسلام، فقولهم: مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29] جمع منذر، أي: مخوفين مبلّغين مهددين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088486708

    عدد مرات الحفظ

    776961801