معنى قوله تعالى: (خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها)
معنى قوله تعالى: (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج)
معنى قوله تعالى: (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق)
قال تعالى:
يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ 
[الزمر:6] قص علينا سبحانه قصة آدم وكيف خلقه من تراب، وكيف نفخ فيه من روحه وكيف أسجد له ملائكته، ثم هنا أكد لنا كيف خلق زوجته وأنها خلقت منه، ثم كيف خلقنا نحن.
فقوله:
يَخْلُقُكُمْ
[الزمر:6] أي: خلقنا من مني كما خلق جميع الخلق من البشر سوى آدم وحواء.
قوله: (خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) أي: في أطوار، خلقنا نطفة ثم علقة ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم خلق العظام ثم كساها اللحم، ثم نفخ فيها الروح ثم خرج الإنسان في هذا الوجود وليداً ضعيفاً.
واستمر الإنسان منتقلاً من طور إلى طور: الرضاع ثم الطفولة والتمييز، ثم الفتوة واليفوعة، ثم الشباب، ثم الكهولة، ثم الشيخوخة، ثم الموت.
فهو إلى قوة ثم إلى ضعف، أتى بنا من العدم وسننتهي بالعدم، وهو عدم مؤقت، إذ لا نسميه عدماً إلى الأبد، وإنما هي نقلة من دار إلى دار، فنحن كنا عدماً لا وجود لنا، وإن كنا في صلب أبينا آدم ولكننا لا ندري.
ولذلك نبينا عليه الصلاة والسلام عندما أسري به صعد السماء الأولى وقال له جبريل: هذا أبوك آدم، فسلم عليه النبي عليه الصلاة والسلام، فوجد أبانا آدم إذا التفت يميناً ضحك، وإذا التفت يساراً بكى، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام قال: ما هذا؟ قال: إذا التفت يميناً رأى ذريته وأولاده المنعمين في الجنة فسره ذلك وأضحكه، فإذا التفت يساراً رأى المعذبين من أولاده وسلالته في النار فساءه ذلك وبكى.
فنحن كنا في أصلاب آبائنا الأولين وأمرنا بعبادته سبحانه ونحن في أصلابهم، فقال: ألست بربكم؟ فأجاب الجميع: بلى.
قالها من سيكون مؤمناً ومن سيكون كافراً، قالها المؤمن عن رضاً وقالها الكافر عن كراهية، ولكنه قهر على أن يقول: بلى.
فقوله:
يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ
[الزمر:6] خلقنا في البطون، وآدم خلق من التراب، وحواء خلقت من ضلع آدم، وعيسى خلق من بطن أمه ولكن بلا أب.
قوله:
خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ
[الزمر:6] أي: أطواراً من نطفة، إلى علقة، إلى مضغة، إلى إلى، إلى أن يكون الفرد منا بشراً سوياً في هذا الوجود ذكراً أو أنثى، شقياً أو سعيداً. ما الرزق؟ ما الحياة؟ ما الأجل؟ كل ذلك يكون مسجلاً قبل خروج الجنين من رحم أمه.
قال تعالى:
فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ
[الزمر:6] أي: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة.
والمشيمة هي تلك الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الجنين وهو في رحم أمه، فتلك ظلمات، وخرجنا من الظلمات إلى النور.
وكنا نجهل كل شيء ولا نعلم شيئاً.
معنى قوله تعالى: (ذلكم الله ربكم له الملك ...)
قال تعالى:
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ 
[الزمر:6].
(ذلكم): اسم الإشارة (ذا) و(كم) مضافة، وهي تكون بحسب المخاطب، فإذا خاطبت المفرد المذكر قلت: ذاك، وإذا خاطبت المفردة المؤنثة قلت: ذاك، وإذا خاطبت المثنى قلت: ذاكما، وإذا خاطبت جماعة الذكور قلت: ذاكم، وإذا خاطبت جماعة الإناث قلت: ذاكن.
والإشارة هنا إشارة بعيدة أي: ذلكم يا أيها السامعون! هذا الذي خلقنا من نفس واحدة وخلق أمنا من آدم ثم خلقنا جميعاً من أبينا وأمنا، وخلقنا أطواراً حتى خرجنا إلى هذا الوجود؛ ذلكم الذي فعل ذلك هو الله.
فقوله:
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ
[الزمر:6] أي: خالقنا ورازقنا ومنشئنا، القائم علينا جل جلاله بأمره وبنهيه.
قوله:
لَهُ الْمُلْكُ
[الزمر:6] له ملك السماوات والأرض وما بينهما، له الكون كله، وهو الدائم الذي لا يفنى، وكل ملك سواه فان، وفي الحقيقة إنما هي أسماء زمنية تنتهي بزمنها، لا نملك مع الله شيئاً لا ولداً ولا عقاراً، ولا رزقاً ولا مالاً، ولكن الله المالك لكل شيء، وإنما ذلك عارية في أيدينا في الحياة الدنيا.
قال تعالى:
لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ
[الزمر:6] معنى ذلك: هل هذه الصفات، وأن الله هو الخالق الرازق تجعل الناس يصرفون العبادة إلى غيره؟ هل الأولياء الذين اتخذوا أوثاناً من دون الله يقدرون على ذلك؟
الجواب: الله وحده القادر على كل شيء، وهو الموصوف بكل كمال، المنزه عن كل نقص.
إذاً: الجواب دوماً: الله ربنا لا إله لنا غيره ولا إله للخلق كلهم غيره.
فَأَنَّى تُصْرَفُونَ
[الزمر:6] أي: إلى أين تصرف وجوهكم؟ ألا ترون أنكم تصرفون وتدفعون عن الإيمان بالله، وعن تصديق أنبيائكم، وعن عبادة ربكم مدة حياتكم إلى لقائه.
فقوله:
فَأَنَّى تُصْرَفُونَ
[الزمر:6] أي: فكيف تصرفون عن عبادته ويلعب بكم أئمة الضلال والشرك والوثنية؟
معنى قوله تعالى: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم)
معنى قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)
قال تعالى:
وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى 
[الزمر:7] من عدل الله جل جلاله وكرمه أنه لا يعاقب أحداً بذنب أحد، والوازرة: مرتكب الوزر، والوزر: الإثم نفسه.
فلا تؤخذ نفس بذنب غيرها، بل من أذنب فذنبه على نفسه، لا يذنب الولد بذنب أبيه ولا بذنب ابنه، ولا الصاحب بصاحبته، ولا الصاحبة بصاحبها، فكل مسئول عن نفسه، وهذه قاعدة عامة في دستور الإسلام.
فأولاد المشركين إيمانهم لهم، وكفرهم لهم، وكفر آبائهم وشرك آبائهم لا يضرهم.
وقد أمرنا الله بأن نربي أولادنا على الإيمان والتوحيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) .
فإذا مات الأبوان ولم يربيا وليدهما على الصلاة وهو ابن سبع، ولم يضرباه عليها وهو ابن عشر، ثم شبَّ على ترك الصلاة يكون الذنب عليه، إذ يعذب تارك الصلاة من الولد والبنت، ويعذب الأبوان، ولا يعذب الأبوان بذنب ولديهما ولكنهما أمرا أن يعلماه الصلاة ويضرباه عليها فلم يفعلا، وبذلك يكون قد جنيا على أنفسهما حيث تركا ما أمرهما الله بأن يفعلاه مع أولادهما.
وكذلك العلماء إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، سئلوا عن ذلك وحوسبوا، لا لأنهم يتحملون أوزار غيرهم ولكنهم أمروا بأن يفعلوا ذلك تهديداً للناس وتعليماً فلم يفعلوا.
وقد ذم الله اليهود من قبل فقال عنهم:
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
[المائدة:78-79].
جعل الله عدم أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ذنباً في حد ذاته، فلعنهم بذلك وعاقبهم، فالله سبحانه يقص علينا قصص بني إسرائيل لنحذر أن نسير على منهجهم حتى لا نقع فيما وقعوا فيه.
فإذا وقعنا عوقبنا عقوبتهم، وهذا الذي حدث، إذ خرجنا عن أمر الله وخالفناه، وخرجنا عن طاعة الله وطاعة رسوله، فسلط الله علينا هؤلاء الأعداء عقوبة منه، لأننا تركنا الله وكتابه وتركنا نبيه وسنته، خاصة ونحن أخذنا ندعو بدعوة الفلاسفة واليهود والملاحدة أمثال ماركس ولينين ، والبهائية والوجودية والاشتراكية، وجميع الفرق الضالة المضلة.
فنحن عندما نترك الاقتداء برسول الله وخلفائه الراشدين وأئمتنا الهادين المهديين، ونسعى لطاعة اليهود وللعمل على أديانهم ومذاهبهم نكون قد استحققنا العقوبة من الله، وتزداد العقوبة عندما يظهر بعضنا العبودية لهم والتعلق بهم والتفاخر باتباعهم والعمل على ألوهيتهم وعلى طاعتهم أكثر من طاعة الله ورسوله، وتلك لعنة لعن الله بها من فعلها وسعى لها ورضيها وعمل لها ودعا إليها.
فالراضي بالمنكر والساكت سواء، والساكت عن الحق شيطان.
معنى قوله تعالى: (ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم ...)
قال تعالى:
ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ 
[الزمر:7].
وبعد هذه الحياة وأوامر الله لنا ونواهيه، وأوامر رسول الله لنا ونواهيه؛ يكون الموت، وبعد الموت نعرض على الله فيحاسبنا وينبئنا بما عملت أيدينا، يوم تشهد على الإنسان يده وفخذه ولسانه، حتى إذا أنكر أو كذب شهدت عليه أعضاء الجسد بأنه فعل كذا وكذا.
فقوله: (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ)، أي: نرجع إلى ربنا يوم القيامة، يوم العرض على الله.
قوله: (فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي: فيخبرنا بأعمالنا، وقد كلف الله بنا ملكين: ملكاً عن اليمين يكتب الحسنات، وملكاً عن اليسار يكتب السيئات، ويعطى الإنسان كتابه، فأما الصالح فبيمينه، وأما الضال فبيساره، وفي تلك الساعة يعلم هل هو من أهل الجحيم أو من أهل الجنة.
قال تعالى: (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) أي: عليم بما خفي من أعمالنا ونياتنا وأقوالنا وخواطر نفوسنا، فما تحدث به نفسك وما يخطر ببالك من خواطر ولم ينطق بها لسانك ولم يكتبها منك قلم، فالله عليم بها.
فما في صدورنا مما انطوت عليه وأخفته، من الخواطر والضمائر والأسرار يعلمها الله، يعلم من أضمر خيراً ومن أضمر شراً، ولكن الله جل جلاله لا يعاقب الإنسان إلا بما صنع وقال، إلا أن يكون منافقاً يظهر الكفر ولا ينطق بالإيمان، فإن نفاق العقيدة هو الشرك، بل هو أقبح من الشرك، قال تعالى:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ
[النساء:145] .