أما بعد:
فهذه الحلقة السادسة في سلسلة الحديث عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، وهذه الحلقة خاصة بعلامات الساعة، وكل حلقة من حلقات الدار الآخرة تمثل مرحلة هامة من مراحل الموت وما بعده.
ندعو الله في بداية هذه الحلقة أن يجعل برحمته جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل ربنا برحمته بيننا شقياً ولا محروماً.
اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسَّرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً لأهله.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، واجعل هذه الدروس في ميزان حسناتنا جميعاً يوم القيامة، اللهم ثقل بها موازيننا، واجعلها حجة لنا لا حجة علينا، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين، إنك يا مولانا على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، وصل اللهم وسلم وبارك على البشير النذير سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
تكلمنا في الحلقتين السابقتين عن الأسباب الموجبة لعذاب القبر، وعن الأسباب المنجية من عذاب القبر، ورأينا أن الحلقة التي كانت خاصة بأسباب وموجبات عذاب القبر، كان الكلام فيها صعباً على النفوس، ولكن عندما جاءت منجيات عذاب القبر خففت منها شيئاً، ولكن القضية ليست قضية علمية بحتة، وإنما نحن في هذا المسجد نبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى.
وقلنا: إن الكلام في مسألة الدار الآخرة لا اجتهاد فيه، وإنما أخذناه من فم الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، فكل مسائل الدار الآخرة مأخوذة من نصوص الكتاب والسنة، ولا إفتاء فيها أبداً.
علامات الساعة كثيرة، وحلقة طويلة جداً، ونحن مربوطون بوقت محدد، فلكيلا يطول الحديث ندخل فوراً في حلقة اليوم إن شاء الله، فاللهم! يسر لنا يا معين.
علامات الساعة تنقسم إلى قسمين: علامات صغرى، وعلامات كبرى.
وهناك فرق بين علامات الساعة الصغرى، وعلامات الساعة الكبرى.
الفرق الأساسي الجوهري: هو أن علامات الساعة الصغرى إذا ظهرت كلها فباب التوبة لا يزال مفتوحاً أمام المسلم.
أما علامات الساعة الكبرى إذا ظهرت منها أول علامة أغلق باب التوبة، نعوذ بالله من ذلك، اللهم تب علينا يا رب قبل أن تظهر علامات الساعة الكبرى.
إذاً: الفرق الجوهري الأساسي: أن علامات الساعة الصغرى إذا ظهرت فما زالت هناك فسحة أن يعود المذنب ويتوب العاصي والمنحرف، وأن يسترشد الضال، لكن إذا ظهرت أول علامة من علامات الساعة الكبرى فقد أغلق باب القبول، وأغلق باب التوبة، لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158].
علامات الساعة الكبرى تسع علامات نؤجلها الآن، ونتكلم عن علامات الساعة الصغرى، جمعتها لكم بفضل الله عز وجل من الكتب والأحاديث الصحيحة، مما يقرب من (642) كتاباً، وجمعت فيها بفضل الله عز وجل ما لا يقل عن (1242) حديثاً، لكن أخذنا عينات؛ حتى لا يطول بنا الشرح.
وجمعت لكم من علامات الساعة الصغرى (95) علامة، وأنا في حالة من الرعب كلما أعدت عليكم حلقات الدار الآخرة، وهذه ثالث مرة، فقد شرحتها لكم أول مرة في سنة (1974م)، وفي المرة الثانية في سنة (1987م)، وهذه المرة الثالثة، وأنا كلما أعدتها حدث لي رعب؛ لأن الخمسة والتسعين علامة رأيت أنها كلها قد ظهرت، نسأل الله السلامة، لم يبق إلا أن نصبح في الصباح وقد ظهرت بعض علامات الساعة الكبرى.
وقد يحزنني من تفوته دروس الدار الآخرة؛ لأن العبد إذا مات قامت قيامته الصغرى، فأنت لو مت لا تحتاج علامات ساعة لا صغرى ولا كبرى؛ لأنك إذا مت انفصلت عن الحياة ودخلت في مرحلة أخرى من مراحل العمر ألا وهي حياة البرزخ، وعالم البرزخ عالم لا يعلمه إلا الله، فيدخل الإنسان أول منازل الآخرة بعد موته.
هذه علامات الساعة الصغرى كما جاءت في أحاديث الصادق الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كل الكلام الذي سوف أشرحه لحضراتكم من نصوص أحاديث صحيحة نقحتها على مدى سنوات ثلاث، قبل أن أبدأ في حلقات دار الآخرة عكفت على علم الحديث الذي درسته وأدرسه، ونقحت هذه الأحاديث جميعاً بحيث لا تجدون أبداً حديثاً ضعيفاً فيها؛ لأن أمانة العلم تقتضي هذا المشهود.
يقول الله عز وجل في سورة الأنبياء: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ [الأنبياء:1]، هذا الاقتراب يدل على القرب.
وقال تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18] يعني: هم منتظرون أن تأتيهم الساعة.
ويقول ربنا عز وجل: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، هذه الآية فيها تقديم وتأخير، والتقدير: انشق القمر واقتربت الساعة؛ لأن انشقاق القمر كان قبل قيام الساعة وسبب انشقاق القمر أن المشركين ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا محمد! لو شققت لنا القمر لآمنا بك، قال: يا رب! شق لهم القمر، فكان نصف القمر على جبل أبي قبيس والنصف الآخر على الجبل المقابل له، فقيل له: هل آمنتم؟ قالوا: إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ [المدثر:24] أي: سحرنا محمد؛ لأنه ساحر، ماذا تقول لقلوب قد أوصدت وأغلقت، اللهم! فهمنا وعلمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا، وتب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، ووفقنا لما تحبه وترضاه.
وعلامات الساعة الصغرى (95) علامة، لكن بعض العلماء قد يقول لك: هي عشرون، وآخر يقول: هي ثلاثون، لكني جمعتها لك من أحاديث كثيرة.
وقال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا [النازعات:42] يعني: متى ستقع الساعة ومتى يوم القيامة؟ ومتى ربنا يأخذنا ويحاسبنا؟ فِيمَ [النازعات:43] يجوز أن تقول: فيمه وتسكت، وهذه اسمها هاء السكت، فقوله: (فيمه) أي: أنت علامة من علامات الساعة يا محمد، وهذه فائدة علم القراءات، وسيدنا الحبيب هو آخر الرسل ليس بعده رسول.
قد يقول قائل: يا أخي من ألف وخمسائة سنة لم يحصل شيء، نقول: إنما الأيام أيام الله، وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ [الحج:47].
فنحن من ألف وخمسمائة سنة كم لنا في هذه الدنيا؟ لنا يوم ونصف من ساعة بعثة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لو قعدنا ثلاثة أربعة أيام خمسة أيام فهذه خمسة آلاف سنة، ولو قعدنا أسبوعاً فهذه سبعة آلاف سنة، ولو قعدنا شهراً فهذه ثلاثون ألف سنة.
إذاً: الأيام ليست أيامك.
ثم قال: أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت.
قال: أخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: أخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل
)، يعني: أنا وأنت في عدم المعرفة سواء، ثم قال له: (أخبرني عن أماراتها) يعني: علامات الساعة.قال له: (أن تلد الأمة ربتها)، هذه ثاني علامة، يعني: الأم بعد ما كانت هي المطاعة في البيت، تأتي بنتها فتحكم عليها وتنكد على أمها، وهذا حاصل وواقع.
ثم قال: (وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) من قبل ترى القصر ويقال لك: هذا قصر فلان باشا، أما الآن فترى القصر فيقال لك: هو ملك فلان السباك، أو الزبال.
كذلك قبل ستين سنة تقريباً في المملكة والحجاز ودول الخليج ترى الرجل يسكن في خيمة وأرجله مشققة من الصحراء، يمشي حافياً، وإن بنى له حاجة كانت عبارة عن عشة مثل الكوخ، لكن الآن اذهب إلى الرياض أو جدة، وانظر، تقول: نحن في باريس، تجد الحفاة العراة قد تطاولوا في البنيان.
فمن نسي نعمة الله عليه ولم يؤد شكرها نزعها الله منه فأعطاها لمن يستحق، وقد كان المصريون سادات العالم منذ آلاف السنين، فوصل بهم الحال اليوم إلى أن استدانوا، وسوف يأتي يوم من الأيام وتنقلب الأمور وتتعدل، إذا اتقى المصريون ربهم، فتعاد موازين القوى مرة أخرى، ويأخذ المال من يحسن إدارة المال.
وسمي المال مالاً؛ لأنه مال بالناس عن الحق، ولو أن أهل الخليج وأهل الحجاز أخرجوا زكاة أموالهم كما أمر الله عز وجل إلى فقراء المسلمين في أنحاء العالم؛ لما ظل مسلم فقيراً أبداً في الدولة المسلمة؛ لأن الله جعل قوت الفقير في مال الغني، فما جاع فقير إلا بتخمة غني.
يعني: هذا جبريل سألني هذه الأسئلة لأجل أن تتعلموا أمر الدين، هكذا قال المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وفي المقابل أن يمر الرجل بقبر أخيه فيقول: يا ليتني كنت مكانك.
يعني: أن يمر المؤمن بقبر أخيه فيقول: يا ليتني كنت مكانك؛ من كثرة الفتن التي رآها، أما اللكع ابن اللكع فيعيش سعيداً في الدنيا، والإنسان المستقيم التقي المؤمن الورع فإن الدنيا بالنسبة له سجن يريد أن يتحرر منه، اللهم حررنا من سجن الدنيا إلى سعة الجنة يا رب العالمين.
العلامة التي تليها: كان سيدنا مصعب بن عمير شاباً مرفهاً في مكة، وكان يلبس الفاخر من الثياب، لكن تبدل حاله بعد الإسلام؛ لأن أهله أخذوا منه الثروة والأموال، فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الحال قال: (كيف بكم إذا جاء عليكم زمن يغدو أحدكم في حلة، ويروح في أخرى، وتوضع أمامه صحفة، وترفع أخرى) يعني: يلبس الصبح لبساً، وبعد الظهر لبساً آخر، وتوضع الأطباق على السفرة وترفع أخرى، قالوا: (إذاً نتفرغ لأمر الله يا رسول الله) يعني: لا ننشغل بأمر الرزق ما دامت الأموال كثيرة والحمد لله، فقال: (لا أنتم اليوم خير منهم يومئذ) يعني: أنتم في هذه الأيام أفضل من الأيام التي تفتح فيها الدنيا ويكثر فيها المال.
ولذلك جاء في الأثر: أن من الذين يدخلون الجنة بدون حساب رجلاً ينادي على أهله: ائتوني بشرابي، فيأتونه بالماء، لكن اذهب عند المصري المسلم فأول ما تقعد يقول لك: هل تحب الشاي أم القهوة أم العصير.. وغير ذلك؟ مع ذلك تجده يقول لك: ها نحن صابرون على الضنك الذي نحن فيه.
يا أخي! أنت كمسلم تحمد الله على أن ربنا وسع عليك، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى علياً كرم الله وجهه، وهو يغمس اللقمة في الخل ثم في الزيت، قال: يا ابن أبي طالب طعامان في طعام واحد، إنك لمسرف يا علي .
والنتيجة: (ويكثر الجهل) هذه النتيجة حتمية، الآن تجد من يلبس عمامة حمراء والناس تستفتيه في مسألة الطلاق وغيرها.
وكان هناك من قبل نوعان من لباس الرأس وعليهما شال: طربوش غامق بزر أسود للعالم، وطربوش (شرباتي) فاتح بزر أزرق للمقرئ، وأنت عندما تنظر إليه تقول: هذا مقرئ وهذا عالم، أما في وقتنا فقد صار كله عاماً، (يكثر القراء ويقل العلماء، ويكثر الجهل)، حتى قال صلى الله عليه وسلم: (فيرفع العلم) وجاء في الحديث: (إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً، ولكن بقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
العين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها الاستماع، ويصدق هذا كله أو يكذبه الفرج.
فيكثر الزنا، ويشرب الخمر، كل الفنادق ذات الخمسة نجوم فيها خمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يصير لكل خمسين امرأة قيم واحد؛ لأننا صعبنا الحلال، فصار الحرام يسيراً، فالشاب عندما يفكر في الزواج، هذه مسألة من رابع المستحيلات، من أين البيت؟ من أين يفرشه؟ من أين الشبكة؟ من أين المهر؟ من أين المؤخر؟ من أين تكاليف العرس؟ من أين الفندق؟ من أين السجاد والثلاجة والفريزر؟ فيأتي آخر إلى هذا الشاب فيقول له: لماذا تتعب نفسك؟ تعال أزوجك زواجاً عرفياً لا تدفع فيه ربع جنيه، فهذه الجامعات مليئة بالفتيات اذهب واختر واحدة منهن، واترك الباقي علي أنا.
من إحدى الجامعات فقط وصلتني رسالة تحت عنوان: مشكلة الزواج العرفي بين الطلبة والطالبات، وعددها (742)، هذا الذي وصلني، فكم وصل الإخوة العلماء الباقين، والتي لم تصل وإنما فاحت ريحها.
أقول: إن الحلال صار صعباً، وصار الحرام أمره ميسور، فكثر الزنا وكثرت الفواحش.
نقول: يسروا أمر تزويج الشباب والفتيات، وإلا فسوف يحاسبنا الله جميعاً، وولي الأمر الذي يصعب على العريس مسألة الزواج ولا يتقي الله في ابنته التي عنده فهو قاطع رحم، فقد جاء في الحديث: (إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
نريد أن نيسر أمر تزويج الشباب والشابات، ليس ضرورياً خمس غرف أو سبع غرف، بل يكفي غرفة أو غرفتان وصندوق توضع فيه الملابس.
كذلك أصحاب الأموال يتصدقون ويزوجون الشباب، وهذه تعتبر صدقة جارية لهم، تظل إلى قيام الساعة إن شاء الله تعالى.
ثم قال: (والأمانة مغنماً) تضع عند أخيك أمانة يأكلها عليك، الأب يوصي الابن الأكبر ببقية إخوته وأخواته بألا يأكل حقهم، فإذا مات الأب، قام الأخ الأكبر الذي لم يترب على تقوى الله وانفرد بالثروة وبالتركة، وأكل نصيب إخوته، فليعلم هذا أنه إنما يأكل في بطنه ناراً وسوف يصلى سعيراً.
ثم قال: (والمال دولاً) أي: يتداوله الأغنياء فيما بينهم.
ثم قال: (وأن يعق الرجل أباه ويبر صديقه) تجد الولد في النادي يقول للمدرب: يا كبتن، والكبتن هذا بينه وبينه خمس ست سنين فقط، وعندما يكلم أباه يقول: أنت أصلك لا تفهم.
ثم قال: (وأن يطيع زوجته ويعصي أمه) يقول لك: إن أمي لا تغضب علي إن عصيتها؛ لأنها تحبني، لكن زوجتي تحبني بينما لو عصيتها تغضب، نقول لهذا: وأمك عندما تغضب عليك، وتبكي للصبح، أين تذهب أنت من دمعتها حتى تصبح؟ تذهب إلى أين من الأم التي إن ماتت ناداك ربك: عبدي! ماتت التي كنا نكرمك من أجلها، فاعمل صالحاً نكرمك من أجلك.
لو أن واحداً مات أبوه وهو غير راض عنه، أو ماتت أمه وهي غير راضية عنه، فإنه بقي له أن يبر ويزور أقاربه، وكذلك يدعو لهما، ويتصدق عنهما، ويستقيم هو على طريق الله، كل هذا يصل ثوابه إلى أبيه وأمه بعد موتهما وفي حياته هو.
بر بوالديك وإن ظلماك، واصبر عليهما، وكن معهما إن كبرا في السن على قدر عقليهما. (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، إن البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان).
ثم قال: (وارتفعت الأصوات في المساجد) مثل ما يحصل من النساء الآن؛ لأنهن لا يتقين الله عز وجل، ولا يعرفن حرمة المسجد، وكما قالت عائشة : (لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما صنعت النساء من بعده لمنعهن من الذهاب إلى بيت الله عز وجل)؛ نسأل الله الهداية للجميع.
لا نريد أن ترتفع الأصوات في المسجد، حتى قال العلماء: إن قراءة القرآن يوم الجمعة بدعة، كل مسجد يأتون له بمقرئ من المرتزقة، ولو عدنا للكتاب والسنة لرأينا أنها بدعة من البدع، ولو دخل الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى مسجد يقرأ فيه هذا المقرئ القرآن لنهاه، ولقال له: اترك الذي يصلي يصلي، واترك الذي يقرأ القرآن لوحده يقرأ، واترك الذي لا يعرف أن يقرأ القرآن يذكر الله ويستغفر الله سبحانه.
والعودة إلى الحق خير من التمادي في الباطل، فوددنا أن تصير المساجد كمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الحبيب المصطفى وأيام صحابته.
لماذا تبتدعون في دين الله؟ لماذا تؤلفون في دين الله؟ التأليف في دين الله حرام، والزيادة في الدين كالنقص فيه، يجب أن نعود إلى المنابع الأولى لسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
إذاً: لابد أن نخفض الأصوات في المساجد، وأن نتقي الله ونعرف أن هذا بيت الله، ويجب أن تكون فيه السكينة والهدوء.
ثم قال: (وزعيم القوم أرذلهم)، أي: أن مدير المدرسة مكروه، أو الوزير في الوزارة مكروه، أو مدير المصنع مكروه، أو مدير المستشفى مكروه، أو مدير المؤسسة مكروه، فسبحان الله! نريد الناس تحب الناس، الناس إذا اتقوا رب الناس رزقهم الله حب الناس.
ثم قال: (وأكرم الرجل مخافة شره) يعني: الناس تكرم بعض الناس ليس لأنه أهل للكرم، وأهل للاحترام، بل لأنه قليل أدب، ولسانه طويل، فهم يكرمونه مخافة شره.
ثم قال: (ولبسوا الحرير)، هذه من علامات الساعة، فيحرم أن نجلس على الحرير وأن نلبسه، هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: (واتخذت القينات والمعازف) القينات: جمع قينة، والقينة هي الرقاصة، عندك الآن رقص شرقي ورقص غربي (وروك أند رول) و(التشه تشه تشاه) و(المط مط ماه) والخيبة المتلتلة والبلاء الأزرق، ويقول لك: هناك يا أستاذ رقصة الباليه، ويقول لك: هناك السباحة التوقيعية، يعني: يرقصون في الماء، يعني: الخيبة في البر وفي البحر، وهناك مدارس للرقص، ويقول لك: كل هذا دليل على حضارة الشعوب، والإسلام ليس دليلاً على حضارة الشعوب! يعني: هؤلاء الذين جاءوا إلى المسجد ليصلوا ويستمعوا إلى العلم لا يدل عملهم هذا على الحضارة حسب زعمهم، مع أن هؤلاء سبب نزول رحمة ربنا على العباد، اللهم اجعلنا من أسباب رحمتك لعبادك يا رب العالمين! واجعلنا من عمار بيوتك في أقصى الشمال وأقصى الجنوب يا رب العالمين.
قال: (أن يلعن آخر هذه الأمة أولها)، يعني: هؤلاء الذين يخوضون في الصحابة من الرافضة وغيرهم.
إذا ظهرت هذه العلامات فانتظروا خسفاً من السماء أو مسخاً وريحاً حمراء، وبلايا تتابع وراء بعضها، نسأل الله العفو والعافية.
يعني: الجزيرة العربية تتحول إلى مروج خضراء، فقد كانت خضراء ثم تحولت إلى صحراء، وها هي الآن ترجع خضراء، فالقمح الآن يزرع في السعودية وتصدر منه، ونحن في بلد النيل نستورد القمح، وهذا من مضحكات الزمن، بلد فيها إحدى عشرة كلية زراعة، وكم ألف خريج منها، وكم فلاح عندنا، والماء موجود، ومع ذلك نستورد القمح، كل هذا بسبب الذنوب.
فتحت البنوك الربوية، وانتشرت الفوضى في المجتمع، والآفات تأكل الزرع، كان ينام بعد العشاء ويقوم الفجر، والآن يسهر قدام التلفزيون حتى الساعة الثالثة، وينام ولا يقوم إلا في الظهر، ومع ذلك نريد أن ينزل الخير.
وفي الحديث الذي رواه مسلم : (لا تقوم الساعة حتى ينحسر نهر الفرات عن كنز من ذهب، أو عن جبل من ذهب يتقاتل الناس عليه، يقتل من كل مائة تسعة وتسعون لا ينجو إلا واحد، يقول: ربما أنا الذي أفوز بالكنز) الذهب أنواع معروفة، هناك ذهب أبيض، وذهب أسود، وذهب أصفر، والذهب الأصفر الذي تلبسه النساء، والذهب الأبيض هو القطن، والذهب الأسود هو البترول.
وسئل أبو حنيفة : في كم يوم تختم القرآن؟ قال: في الصلاة أم في خارج الصلاة؟ قالوا: هذا له ختمة في الصلاة وختمة خارج الصلاة، قالوا: في الصلاة؟ قال لهم: في صلاة الليل، أم في صلاة النهار؟
إذاً: كانت عندهم بركة في الوقت، أما في وقتنا فقد نزعت البركة من الوقت، ومن الأعمار، ومن الرزق، نسأل الله أن يعيد البركة إلينا مرة أخرى.
أول علامة من هذه الثلاث: أن تكلم السباع الإنس، كان هناك يهودي اسمه أهبان وكان معه قطيع من الغنم يرعاها في المدينة، فطلع عليه ذئب وخطف عليه نعجة من النعاج، وجرى الذئب بالنعجة وجرى أهبان وراءه، فترك الذئب النعجة، وأقعى، أي: قعد على المؤخرة ورجليه الخلفيتين، وقال: يا أهبان ألا أدلك على خير من ذلك؟ فـأهبان تعجب وقال: ذئب يتكلم! فقال الذئب: أعجب منه نبي بين هذه النخلات هاجر من مكة إلى يثرب، يحدث الناس بما مضى، وبما هو آت، إن آمنت به دخلت الجنة.
فقال له: من يرعى الغنم؟ قال له: لا تخف سأرعى لك غنمك حتى تعود، فذهب أهبان وقال لجماعة من أقاربه: هناك رسول بعث، وهاجر من مكة إلى يثرب، قالوا: اسمه محمد وهو الآن في دار بني النجار، فذهب أهبان إلى الحبيب ونظر إليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أهبان ! ماذا قال الذئب لك؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. ورد هذا في الحديث الصحيح.
أيضاً من علامات الساعة: أن تكلم الرجل عذبة سوطه أي: طرف السوط، وهذا لم يحدث في زمن الصحابة، لكن في عصرنا قد تسمع المذياع أو المسجل.
أيضاً من العلامات: أن يحدثه فخذه بما أحدث أهله من بعده، ممكن تجعل المسجل أو سماعة الهاتف في مكان مخفي وتسجل امرأتك وتسمع ما تقوله امرأتك في غيابك.
كذلك: الآن الهاتف فيه شاشة، فالمتصل عليك ينظر إليك عبر هذه الشاشة أثناء الاتصال عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:5] هذا كله أمام علم الله لا شيء.
أيضاً: من علامات الساعة: لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل، والفحش هو الكلام القبيح، والكلام القبيح منتشر في كل مكان.
أما البخل فهو موجود.
يعني: الناس المحترمة المؤدبة تختفي وتظهر التحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم.
فمثلاً: تجد شخصاً أدخله أبوه الشرطة بالرشوة وتخرج ضابطاً في القسم، فتراه واضعاً رجلاً على رجل مع أن سنَّه (22) سنة، فيأتيه واحد عنده (70) سنة مثل جده، ويقول له: يا ابني، فيقول له هذا الضابط: يا حاج، هذا لو علموه الأدب كان قال له: تفضل يا والدي استرح، صحيح أن هناك ناساً طيبين، لكن مثل هذا يعلمونه كيف يعامل الناس، هناك حصة اسمها: علاقات عامة، مثل: المتهم بريء حتى تثبت إدانته، لكن يبدو نحن في دول الإسلام أننا متهمون حتى تظهر براءتنا.
فمن الواجب على المسلم أن يحسن معاملة كبير السن، ويحسن معاملة أهل العلم.
فهذه العلامة لم نرها، ولكن قد يكون المسخ معنوياً، مثل: البراءة التي تبخرت من وجوه أطفالنا، والحياء الذي ضاع من وجوه بناتنا، ربما كان هذا نوعاً من أنواع المسخ (قالوا: يا رسول الله! لماذا يمسخون قردة وخنازير، قال: باتخاذهم القينات والمعازف، وشربهم الخمر، ولبسهم الحرير وأكلهم الربا).
كيف كان يعامل أمته؟ انظر كيف كانت حياته هو والصحابة وامض على طريقهم.
أيضاً: يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يتقاتل الناس على المال والدنيا لا على الدين).
أي: أن الناس يتخاصمون على الأموال، ويذهبون إلى المحاكم، لكن لا تجد شخصاً رفع قضية على آخر بأنه سب الدين، أو أنه لا يصلي، أو أنه سب عالماً من العلماء؟ بل كل القضايا والمشاكل والقتال والمقاتلة على الأرض، ومنابع البترول، والأموال، والتركة، والثروة والبيت، نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.
مرجت عهودهم، تجد الرجل يقول الكلمة ويقول لك: أنا ما قلت.
خطب المطعم بن عدي عائشة بنت أبي بكر لابنه، وهو أحد أكابر العرب، وذلك قبل أن يخطبها رسول الله، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة ، فقال أبو بكر : إن المطعم بن عدي قد خطبها لابنه، لكن إن ترك فهي لك، فذهب أبو بكر إلى المطعم بن عدي وقال له: ذكرت ابنتي لابنك، هل ما زلت عند رأيك وعند كلامك؟ فقالت امرأة المطعم بن عدي : يا أبا بكر ! لا نعطي ابننا لابنتك فيكفر بدين آبائه وأجداده ويدخل في دين محمد، فـأبو بكر كأنه لم يسمع كلامها، قال: ماذا قلت يا مطعم ؟ قال له: الرأي ما سمعت، ففرح أبو بكر ؛ لأن السيدة عائشة ستكون زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم.
يعني: الواحد في سنة (1900م) مثل خمسين من الصحابة.
ثم قال: (إنكم تجدون على الخير أعواناً وهم لا يجدون) أي: أن أبا بكر يجد معه عمر ، وعمر يجد معه عثمان ، وعثمان يجد معه علياً ، لكن أنت يا فلان لا تجد معك إلا شخصاً ييئسك من رحمة الله، ويقنطك من فضل الله، ويجعلك تشهد شهادة الزور.
ثم قال: (ولا يستحيا من الحليم) أي: لا يجد من يسمعه.
ثم قال: (قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب) يعني: تجد الواحد عندما يرفع سماعة الهاتف بدل أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تجده يقول: ألوه، وتجد الرجل عندما يتكلم يجعل الطاء تاء، والكاف غير موجودة، والقاف كافاً.
كذلك نحن في جميع أنواع العلوم متأخرون، لكن الكوافيرات المصرية ستذهب لتشترك في المسابقات وسيحصلن على المرتبة الأولى.
ثم قال: (وأن يكون السلام للمعرفة) من علامات الساعة أنه إذا عرفك سلم عليك، وإذا لم يعرفك لا يسلم عليك، وهذا حاصل. يا رجل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بثلاثين حسنة، ولك في الرد أربعين حسنة، وإن لم يرد فإن الله يرد، يا ليت كل الذين ألقي عليهم السلام لا يردون السلام، قال ابن مسعود : إن الذي يرد هو الله رب العالمين.
من علامات الساعة: (وحتى يتدافع الناس الإمامة فلا يجدون من يصلي بهم).
يقال: تقدم يا فلان وصل بالناس، قال: أنا لا أعرف، كل هذا بسبب قلة العلم، ولذلك تجد الرجل يقول: يا أخي صليت على ميت فكبرت وقرأت الفاتحة ثم ركعت لوحدي، مع أن صلاة الجنازة ليس فيها ركوع. نقول لهذا وأمثاله: لو تعلمت من الفقهاء والعلماء كيفية صلاة الجنازة كان أولى بك.
هن كاسيات وفي نفس الوقت عاريات، فهي كاسية من وجهة نظرها ومن وجهة نظر زوجها، فالرجل الديوث يرى امرأته تلبس الفستان المزركش الضيق وتخرج به، هذه كاسية في عرفها وعرف زوجها، لكن في حقيقة الأمر هي عارية.
ثم قال: (مائلات) يعني: تتمايل في مشيتها، وسيدنا عمر يصف بنت الرجل الصالح التي جاءت لسيدنا موسى قال: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص:25] قال سيدنا عمر : جاءت غير خراجة ولا ولاجة، وإنما جاءت تلسع. يعني: جاءت تسير كسير الرجل.
وقوله: (مميلات)، يعني: تميل نظر الرجال وقلوبهم إليها.
وقوله: (شعورهن كأسنمة البخت)، الأسنمة: جمع سنام، والسنام الذي يكون على الجمل، وهناك جمل له سنامان.
وأيضاً: تزين المساجد وتزخرف، هذا أحمر وأخضر وأصفر، وآيات قرآنية على الجدران، وغير ذلك.
جاء في الحديث: (إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم).
إن شاء الله نذكر بقية علامات الساعة الصغرى، ونبدأ بعد ذلك في علامات الساعة الكبرى.
وجزاكم الله خيراً وأشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر