إسلام ويب

دليل الطالب كتاب الحج [1]للشيخ : حمد الحمد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحج فريضة من فرائض الله وركن من أركان الإسلام، وكذلك العمرة واجبة، لكن إنما يجبان على المرء بشروط إذا اختل منها شرط سقط الوجوب، ومن الشروط ما هو شرط صحة، ولهذا ينبغي أن يتفقه المسلم في أحكام الحج وشروطه وواجباته وحكم الاستنابة فيه حتى يعبد الله على بصيرة.

    1.   

    تعريف الحج وحكم وجوبه

    تعريف الحج

    إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فأشكر أولاً القائمين على إدارة الدعوة في دولة قطر على إقامة مثل هذه الدورات التي يتفقه فيها المسلم بدينه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، أسأل الله أن يبارك في الجهود، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال إنه مجيب الدعاء.

    وبين أيدينا كتاب الدليل وقد تدارسنا منه في الأعوام السابقة ما سبق كتاب الحج من أبواب العبادات، ونتدارس إن شاء الله تعالى في هذه الدورة كتاب الحج.

    والحج في اللغة: هو القصد.

    وفي الاصطلاح: قصد بيت الله لعمل مخصوص في زمن مخصوص، ويتضح ذلك بذكر مسائل الحج وأحكامه إن شاء الله تعالى.

    وجوب الحج

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهو واجب مع العمرة في العمر مرة]، الحج واجب وهو ركن من أركان الإسلام وأحد مبانيه العظام، قال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97] .

    وقال عليه الصلاة والسلام فيما ثبت في الصحيحين: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً).

    وتارك الحج لا يكفر عند جماهير العلماء، خلافاً لمن ذهب إلى ذلك من السلف، لكن جمهور السلف وعليه الأئمة الأربعة: أن تارك الحج لا يكفر.

    ويكفر هو من جحد وجوبه؛ لأنه منكر ما تواترت به الأدلة، فإن فرضية الحج قد تواترت بها الأدلة من الكتاب والسنة، وأجمع على ذلك أيضاً علماء الأمة فهو منكر للإجماع أيضاً، فهو منكر للإجماع ومنكر لما هو ظاهر من الدين قد تواترت به النصوص، وأما الذي يتركه فإنه لا يكفر.

    وأما ما رواه الترمذي من قوله عليه الصلاة والسلام: (من وجد زاداً وراحلة ولم يحج فسواء عليه مات يهودياً أو نصرانياً)، فالصواب وقفه على عمر ، فهو من قول عمر رضي الله عنه، ومعناه المراد منه: الترهيب من ترك الحج، ولا يدل على أن تاركه كافر لكن تخشى عليه سوء الخاتمة نسأل الله العافية.

    وهو واجب في العمر مرة، فقد جاء عند الخمسة إلا الترمذي وأصله في مسلم، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا. فقالوا: يا رسول الله أفي كل عام؟ قال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، الحج مرة وما زاد فهو تطوع)، وعلى ذلك فلا يجب الحج في العمر إلا مرة واحدة.

    وجوب العمرة

    وهنا قال رحمه الله: (مع العمرة) وهذا هو المشهور في المذهب وأن العمرة واجبة على كل مكلف، ويدل على ذلك ما ثبت في مسند أحمد وابن ماجة : أن النبي عليه الصلاة والسلام قالت له عائشة رضي الله عنها: (على النساء جهاد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة).

    وفي سنن أبي داود أن الصبي بن معبد قال لـعمر رضي الله عنه: (إني كنت أعرابياً نصرانياً فأسلمت فرأيت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما فقال: هديت لسنة نبيك). وهذا يدل على أن من هديه عليه الصلاة والسلام وجوب العمرة، ولذا قال عمر مقراً له في قوله: (مكتوبين علي) فقال: (هديت لسنة نبيك عليه الصلاة والسلام).

    وعمرةُ القارن والمتمتع تجزئه عن عمرة الفريضة، فمن حج قارناً أو حج متمتعاً فاعتمر وتحلل الحل كله ثم حج فإن هذه العمرة تجزئه عن عمرة الإسلام، وعلى ذلك فيجب على المكلف أن يعتمر، وتجزئه عمرة القران وعمرة التمتع عن عمرة الإسلام.

    والمذهب: أن العمرة واجبة مطلقاً يعني: على كل مكلف، فدخل في ذلك أهل مكة.

    والمنصوص عن الإمام أحمد وهو اختيار الموفق ابن قدامة : أن العمرة لا تجب على المكيين وإنما تجب على الآفاقيين، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه كما في مصنف ابن أبي شيبة : أن أهل مكة لا تشرع لهم العمرة؛ وذلك لأن العمرة هي الزيارة، وأهل مكة هم أهل المحل وعمرتهم إنما هي الطواف بالبيت، وعلى ذلك فتجب على الآفاقيين دون أهل مكة.

    1.   

    شروط وجوب الحج

    الشرط الأول الإسلام

    قال المصنف رحمه الله: [ وشرط الوجوب خمسة أشياء: الإسلام، والعقل، والبلوغ، وكمال الحرية ].

    شرع المؤلف في ذكر شروط الحج فقال: [الإسلام]، أي: فالكافر لا يصح منه النسك، قال تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54] ، فإذا كانت النفقة ذات النفع المتعدي لا تقبل فأولى من ذلك الحج؛ لأن الغالب فيه النفع اللازم.

    والكفار يؤاخذون يوم القيامة على فروع الشريعة فيؤاخذون على تركهم الحج، وذلك ليزيد عذابهم وإن كانوا لو فعلوا ذلك لم يصح منهم لاختلال شرطه وهو الإسلام.

    فالشرط في صحة العمل هو الإيمان وهؤلاء لم يؤمنوا، واختلال هذا الشرط من عندهم، ولذا فإنهم يؤاخذون على ما تركوه من فروع الشريعة.

    الشرط الثاني العقل

    قال: [والعقل]. العقل شرط فلا يصح النسك من المجنون.

    وأما الصبي وإن كان لم يعقل كالذي ولد للحظة، أو كان دون سن التمييز، فإن حجه يصح عند جمهور العلماء، فقد رفعت امرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام صبياً وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم. ولك أجر) رواه مسلم في صحيحه.

    فالصبي يصح حجه لكنه لا يجزئه عن حجة الإسلام، ويكون تطوعاً له، وهذه المسألة في الصبي غير المميز من المسائل التي يفارق الحج فيها غيره من العبادات، فالصلاة لا تصح من الصبي غير المميز، فإن ابن سنتين وابن ثلاث وابن أربع وابن خمس وابن ست لا تصح صلاتهم؛ لأن المميز هو من أكمل سبع سنين، فمن كان دون ذلك فإن عباداته لا تصح سوى الحج.

    كما أن الحج -وهذا سيأتي- لا يبطل برفضه بخلاف سائر العبادات، أي: لو أن رجلاً رفض نيته في أثناء الحج قال: أنا أريد أن أرجع إلى بلدي ولا أريد أن أكمل الحج، فهذا الرفض لا يعتد به، فلا يبطل برفض نيته، أما سائر العبادات فإنها تبطل، فالذي يتوضأ إذا قطع نيته أثناء الوضوء بطل وضوءه، والذي يصلي إذا قطع نيته في أثناء الصلاة بطلت صلاته.

    إذاً هذه من الفروق بين الحج وغيره، لقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196].

    إذاً الصبي ولو ولد للحظة يصح حجه لكن لا يجزئه ذلك عن حجة الإسلام، ولا يصح حجه إلا بإذن وليه؛ وذلك لأن الحج عبادة ذات عقد يلزم به المال لما فيه من هدي، وفدية على من أتى محظوراً ففيه مال، والصبي لا يتصرف بشيء من ماله إلا بإذن وليه، وعلى ذلك فلا يصح حجه إلا بإذن وليه.

    ثم إن كان الطفل عاقلاً -يعني: مميزاً- أحرم عن نفسه، وإن كان غير مميز أحرم عنه وليه، ويجوز أن يحرم عنه أجنبي بإذن وليه، يجوز أن يحرم عنه أجنبي بإذن وليه.

    ويفعل الصبي كل ما يقدر عليه كالوقوف بعرفة، وما لا يقدر عليه يفعله عنه وليه كالرمي.

    وقد جاء في ابن ماجة -والحديث في سنده ضعف- أن جابراً رضي الله عنه قال: (حججنا مع النبي عليه الصلاة والسلام ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم) وعليه العمل عند أهل العلم كما ذكر هذا ابن المنذر وحكاه من فعل ابن عمر رضي الله تعالى عنه.

    وإذا حمله وليه في الطواف فهل يجزئ هذا الطواف عن المحمول فقط، أو يجزئ عن الحامل والمحمول؟ قولان لأهل العلم:

    المشهور في المذهب: أنه يجزئ عن المحمول فقط، فمن حمل صبياً أو شيخاً كبيراً أجزأ ذلك عن هذا المحمول فقط.

    والقول الثاني في مذهب أحمد واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي واستحسنه الموفق وهو مذهب الأحناف: أنه يجزئ عنهما معاً مع النية، فمن حمل صبياً ونوى في نفسه الطواف وقد نوى لهذا الصبي الحج بأن أحرم عنه إن كان غير مميز، وإن كان مميزاً قد أحرم عن نفسه فإن هذا يجزئ عنهما معاً، وهذا هو الراجح؛ لأن كليهما قد طافا بالبيت ونوى، فكلاهما قد حصل منه طواف وحصلت منه نية مجزئة.

    الشرط الثالث البلوغ

    قال: [والبلوغ].

    البلوغ شرط في وجوب الحج، فلا يجب الحج إلا على البالغ.

    وقد ثبت في سنن أبي داود والبيهقي وغيره: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (رفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ)، فهؤلاء الثلاثة وهم: النائم والمجنون والصبي قد رفع عنهم قلم التكليف.

    وقد جاء في مستدرك الحاكم -والحديث صحيح- أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أيما صبي حج ثم بلغ فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى).

    وعلى ذلك فالصبي إذا بلغ عليه أن يحج حجة أخرى فلا تجزئه هذه الحجة عن حجة الإسلام.

    الشرط الرابع كمال الحرية

    قال المصنف رحمه الله: [ وكمال الحرية ].

    فالعبد لا يجب عليه الحج، وإن حج لم تجزئه عن حجة الإسلام؛ لكن حجته تصح له تطوعاً للحديث المتقدم: (وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى).

    قال المصنف رحمه الله:[ لكن يصحان من الصغير والرقيق، ولا يجزئان عن حجة الإسلام وعمرته ].

    نعم، يصحان من الصغير والرقيق تطوعاً كما تقدم، ولذا قال: (ولا يجزئان عن حجة الإسلام وعمرته).

    قال المصنف رحمه الله:[ فإن بلغ الصغير أو عتق الرقيق قبل الوقوف أو بعده إن عاد فوقف في وقته أجزأه عن حجة الإسلام ].

    قلنا: إن الصبي إن حج فإن عليه حجة أخرى يحجها إذا بلغ، لكن إذا كان قد بلغ في حجته أثناء وقوفه بعرفة، أو بعد انصراف الناس إلى مزدلفة ثم إنه عاد فوقف بعرفة والوقت باق؛ فإنه يجزئه، وذلك إذا لم يكن قد سعى قبل ذلك بين الصفا والمروة إذا كان مفرداً أو قارناً.

    هذا صبي ذهب إلى مكة مع أهله فأحرم من الميقات ثم طاف طواف القدوم ولم يسع بين الصفا والمروة وكان مفرداً أو قارناً، ثم وقف بعرفة وأثناء الوقوف بعرفة بلغ، أو بلغ ليلة مزدلفة حيث استيقظ قبل الفجر وقد احتلم فرجع إلى عرفة وأدرك الوقوف بها قبل أذان الفجر، فتصح له هذه الحجة فرضاً، ويكون بذلك قد أتى بالفريضة.

    ومثل ذلك العبد؛ فلو أن رجلاً أعتق عبده بعرفة فإنها تجزئه عن حجة الإسلام، ولو أنه أعتقه ليلة مزدلفة ثم إن العبد عاد إلى عرفة ووقف فيها قبل أذان الفجر ليلة النحر؛ فإنه يكون بذلك مدركاً لحجة الإسلام.

    قال المصنف رحمه الله:[ ما لم يكن أحرم مفرداً أو قارناً وسعى بعد طواف القدوم ].

    إذا كان إحرامه على صفة الإفراد أو صفة القران وطاف طواف القدوم يوم مجيئه، ثم سعى بين الصفا والمروة قبل الوقوف بعرفة، ثم بلغ الصبي أو أعتق العبد يوم عرفة فلا تجزئه عن حجة الإسلام؛ لأنه شرع في الأركان حين سعى سعي الركن بعد طواف القدوم؛ وذلك لأن هذا السعي يجزئه عن سعي حجه، وعلى ذلك فلا تجزئه هذه عن حجة الإسلام.

    قال المصنف رحمه الله:[ وكذا تجزئ العمرة إن بلغ أو عتق قبل طوافها ].

    أما العمرة فإنها تجزئه إن بلغ أو عتق قبل طوافها، فإذا أحرم صبي من ميقات ذي الحليفة مثلاً، وقبل أن يصل إلى مكة بلغ، وكذلك العبد إذا أعتق، فتجزئه هذه العمرة عن عمرة الإسلام، لكن لو أنه أعتق بعد أن انتهى من شوط واحد أو شوطين لم تجزئه عن عمرة الإسلام، بل تكون نفلاً.

    إذاً: إذا أحرم الصبي أو العبد بالعمرة، ثم إن الصبي بلغ أو العبد أعتق قبل الشروع في الطواف فإن ذلك يجزئ عن عمرة الإسلام، وأما إذا كان ذلك بعد شروعه في الطواف فإن هذه العمرة لا تجزئه عن عمرة الإسلام.

    الشرط الخامس الاستطاعة

    قال المصنف رحمه الله: [ الخامس: الاستطاعة، وهي ملك زاد وراحلة تصلح لمثله ].

    أن يملك زاداً وراحلة، فقد جاء في الترمذي : أن النبي عليه الصلاة والسلام قيل له: (ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة) والحديث حسنه الترمذي وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية فهو حديث حسن.

    قول المؤلف: (تصلح لمثله) هذا في الزاد والراحلة، وقال صاحب الزاد وهو احتمال في المذهب: (صالحين لمثله) أي: الزاد والراحلة، وهذا أرجح.

    وعلى ذلك فلو أن رجلاً وجد زاداً لا يصلح لمثله أو وجد راحلة لا تصلح لمثله في العرف فلا يجب عليه أن يحج حتى يستطيع، بأن يجد زاداً يصلح لمثله وراحلة تصلح لمثله.

    فلو أن رجلاً ثرياً أراد أن يحج فلم يجد حجزاً في الطائرة وهناك سيارات تذهب بالناس وهو لم يعتد ركوب مثل هذا النوع، فهذا عليه حرج في ركوبه، والله جل وعلا يقول: مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].

    أو وجد مثلاً حملة عندها طعام لا يصلح لمثله كالشعير لم يؤمر بالحج.

    والحمد لله أن الناس اليوم يكادون يشتركون في الأطعمة وفي الراحلة، فلا تجد فرقاً كبيراً بين طعام الغني وطعام الفقير؛ لكن لو قدر أنه لا يجد إلا التمر أو لا يجد إلا الشعير أو نحو ذلك وكان هذا الطعام لا يصلح لمثله، فلا يؤمر بالحج حتى يجد زاداً وراحلة صالحين لمثله؛ وذلك لأن الله جل وعلا قد رفع عن هذه الأمة الحرج، قال جل وعلا: مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].

    قال المصنف رحمه الله:[ أو ملك ما يقدر به على تحصيل ذلك ].

    إذا لم يكن معه زاد ولا راحلة؛ لكنه يملك نقوداً أو دراهم أو ذهباً يمكنه أن يحصل به راحلة يستأجرها وطعاماً يتقوت به، فهذا لا يملك زاداً ولا يملك راحلة؛ لكنه يملك دراهم يمكنه أن يشتري بها ما شاء من الطعام وأن يركب ما شاء من السيارات أو غيرها.

    اشتراط كون الزاد والراحلة فاضلين عن الحاجة

    قال المصنف رحمه الله:[ بشرط كونه فاضلاً عما يحتاجه من كتب ومسكن وخادم ].

    هذا رجل لم يحج لأنه ليس عنده ما ينفقه على نفسه في الحج، لكن عنده بيت يسكنه، فهل نأمره أن يبيع هذا المسكن؟ الجواب: لا، قال تعالى: مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].

    عنده سيارة يركبها، قد تكون هذه السيارة تساوي خمسين ألفاً وتناسبه في العرف، فلا نقول: بع سيارتك لتحج.

    كذلك لو كان عنده كتب يقرؤها مثل طالب في الجامعة عنده كتب أو طالب علم عنده كتب يقرؤها فلا نأمره أن يبيع هذه الكتب؛ لأنه يحتاج إليها.

    ولا نأمره ببيع أثاث بيته ليحج.

    فلابد -كما قال المؤلف- أن يكون فاضلاً عما يحتاجه من كتب ومسكن وخادم.

    ولو أن رجلاً عنده سيارتان في البيت وإحدى السيارتين يمكنه أن يستغني عنها فإننا نأمره ببيعها، وكذلك لو كان له بيتان أو عنده كتب زائدة أو نحو ذلك، ويكون ذلك فاضلاً عن حاجته، يعني: عنده بيت يسكنه وبيت فاضل عن حاجته، لكن لو كان يؤجر البيت الثاني وينفق الأجرة على أهله فلا يؤمر ببيعه.

    إذاً: يؤمر ببيع الفاضل عن حاجته ليحج بيت الله؛ لأنه قادر.

    قال المصنف رحمه الله:[ وأن يكون فاضلاً عن مؤنته ومؤنة عياله على الدوام ].

    أي: أن يكون فاضلاً عن نفقته ونفقة عياله على الدوام.

    فلو أن الرجل له راتب قدره خمسة آلاف وهذا الراتب ينفقه على نفسه وعلى عياله ولا يفضل منه شيء، فلا نأمره بالحج، لكن لو كان عنده ما يزيد على حاجته في النفقة أو حاجة عياله فيجب عليه أن يحج ويعتمر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) رواه أبو داود وغيره، فلا يؤمر بأن يضيع أولاده ليحج أو يعتمر.

    1.   

    وجوب الحج على الفور

    قال المصنف رحمه الله:[ فمن كملت له هذه الشروط لزمه السعي فوراً إن كان في الطريق أمن ].

    أي: من كملت له هذه الشروط لزمه السعي إلى الحج فوراً وليس له أن يتراخى، وقد جاء في سنن أبي داود ما يدل على ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: (من أراد الحج فليتعجل) وهو حديث حسن لغيره.

    وقال: (من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل)، فهذا يدل على وجوب المبادرة في أداء الحج على من حصل له إحصار، وأولى من ذلك حج الفريضة، ولأن أصح قولي الأصوليين: أن الواجبات على الفور.

    وقول المصنف رحمه الله:[ إن كان في الطريق أمن]، أي: لكن إن كان الطريق ليس بآمن فلا يجب عليه أن يحج؛ لأن الله جل وعلا قال: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار).

    1.   

    حكم من عجز عن الحج

    استنابة العاجز في الحج

    قال المصنف رحمه الله:[ فإن عجز عن السعي لعذر ككبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم نائباً حراً ولو امرأة يحج ويعتمر عنه من بلده ].

    إذا عجز عن السعي لعذر وكان هذا العذر لا يرجى زواله، ككبير لا يقدر على التنقل بين المشاعر وركوب الراحلة، أو مريض لا يرجى برؤه في العادة، أو محبوس لا يرجى خروجه، فهؤلاء يجب عليهم أن يقيموا نائباً يحج عنهم ويعتمر.

    ولا يشترط أن يكون هذا النائب ذكراً، إن كان المستنيب ذكراً بل يجزئ الذكر أن ينيب المرأة والعكس، ولذا قالت الخثعمية للنبي عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيحين- (إن فريضة الحج على العباد قد أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: حجي عنه).

    فهنا هذا الرجل شيخ كبير ولا يستطيع الركوب على الراحلة، فأذن لها النبي عليه الصلاة والسلام أن تحج عنه.

    ومثله المريض الذي لا يرجى برؤه، وأما إذا كان يرجى برؤه فليس له أن ينيب، ومثل ذلك أيضاً المحبوس الذي يرجو الخروج من الحبس فهذا كذلك ليس له أن ينيب، ومثل ذلك أيضاً من يعيش في بلاد فيظل سنوات كثيرة لا يسمح له بالحج حتى يأتيه دوره، وقد يجلس عشر سنوات، هذا ليس له أن ينيب بل ينتظر حتى يؤذن له ويحج بيت الله.

    حج النائب من بلد العاجز

    وقول المصنف رحمه الله: (يحج ويعتمر عنه من بلده).

    أي: فإذا كان من أهل مصر وهو في مصر فإنه ينيب من مصر ومن نفس المدينة أيضاً.

    والقول الثاني في المسألة وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي قال: بل له أن ينيب ولو من مكة، وهذا هو الراجح؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال للمرأة: (حجي عنه) ولم يقيد ذلك بكونه من بلده، فالنص مطلق فيجب أن نبقيه على إطلاقه، ولأن الانتقال من بلده إلى مكة ليس مقصوداً في الأصل، بل المقصود هو أداء النسك، وإنما وجب عليه أن ينتقل من بلده لأنه فيها وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وعلى ذلك فالصحيح ما اختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي : وهو أن له أن ينيب من غير بلده من يحج عنه.

    حكم ما إذا زال عذر العاجز عن الحج وقد استناب من يحج عنه

    قال المصنف رحمه الله:[ ويجزئه ذلك ما لم يزل العذر قبل إحرام نائبه ].

    هذا الرجل أناب في عمرة فريضة أو حج فريضة، ثم إنه شفي قبل شروع النائب في النسك، يعني: وهو في الطريق قبل أن يحرم من الميقات، فقد زال العذر فلا تجزئه حجة النائب عن حجة الإسلام، ولا تجزئه عمرة النائب عن عمرة الإسلام.

    وأما إذا زال العذر بعد شروعه، أي أن النائب قال: لبيك حجاً عن فلان، أو قال: لبيك عمرة عن فلان، أو لبيك عمرة وحجة عن فلان ثم شفي هذا المريض الذي كان لا يرجى برؤه أو أطلق المحبوس فهنا تجزئه عن حجة الإسلام وعن عمرة الإسلام.

    وذلك لأن البدل إذا شرع فيه أجزأ ذلك عن الأصل الذي كان معجوزاً عنه، فمن عجز عن الأصل وانتقل إلى البدل وشرع فيه ثم قدر على الأصل لم يلزمه.

    هذا رجل قال: أنا لا أقدر على إطعام عشرة مساكين فنقول له: صم ثلاثة أيام، فلما شرع في اليوم الأول أتاه إرث مال كثير يستطيع أن يكفر منه كفارات كثيرة فلا نؤمره الآن أن يعود ويطعم عشرة مساكين، لأنه قد شرع في البدل والبدل يجزئه.

    فهنا هذا النائب قد شرع في البدل فأجزأ ذلك عن حجة الإسلام وعمرة الإسلام.

    حكم من مات ولم يستنب من يحج عنه

    قال المصنف رحمه الله:[ فلو مات قبل أن يستنيب وجب أن يدفع من تركته لمن يحج ويعتمر عنه ].

    من مات ولم يحج فيجب أن يخرج من تركته؛ لأن هذا دين في ذمته، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام للمرأة التي سألته كما في البخاري عن أمها التي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت: أفتحج عنها؟ قال: (أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: اقضوا الله فالله أحق بالقضاء)، وهذا دين فيجب وفاؤه.

    شرط النائب في الحج

    قال المصنف رحمه الله:[ ولا يصح ممن لم يحج عن نفسه حج عن غيره ].

    الذي لم يحج عن نفسه الفريضة ليس له أن يحج عن غيره، فقد جاء في سنن أبي داود : (أن النبي عليه الصلاة والسلام سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة قال: هل حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)، فإذا حج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه كانت الحجة له.

    هذا رجل أخذ دراهم ليحج بها عن أحد الناس ولم يكن قد حج عن نفسه، نقول: هذه الحجة تكون له تجزئه هو عن حجة الإسلام ولا تجزئ المستنيب.

    1.   

    اشتراط الزوج أو المحرم لوجوب الحج على الأنثى

    قال المصنف رحمه الله:[ وتزيد الأنثى شرطاً سادساً وهو: أن تجد لها زوجاً أو محرماً مكلفاً ].

    المرأة تزيد شرطاً سادساً، وهو أن تجد لها زوجاً يحج بها، ولا يجب ذلك عليه، ولا يجب أن ينفق عليها في هذه الحجة؛ وذلك لأن الله يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].

    فإن ذهب معها وأنفق على نفسه أو أنفق عليها فهذا فضل منه ولا يجب عليه ذلك.

    أو أن تجد محرماً كالأب أو الأخ أو العم فلا بد أن تجد زوجاً يذهب بها أو محرماً، ولا بد أن يكون هذا المحرم مكلفاً؛ لأن الصبي والمجنون لا يحفظ ولا يصونها فلا يحصل به المقصود.

    وقد جاء في الصحيحين: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم. فقال رجل: يا رسول الله! إني قد اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وإن امرأتي قد خرجت حاجة، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: انطلق فحج مع امرأتك).

    وجاء في الدارقطني أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تحجن امرأة إلا مع ذي محرم).

    والمرأة إن حجت بلا محرم خشي عليها الإثم وصح حجها وأجزأها ذلك عن حجة الإسلام.

    والمرأة التي لا تجد محرماً لا يجب عليها الحج، فهذا شرط في وجوب الحج، ولذا إذا ماتت لم يخرج ذلك من تركتها؛ لأنه لم يجب عليها الحج شرعاً إلا بوجود محرم لها، فالمرأة لا يجب عليها الحج حتى تجد محرماً.

    قال المصنف رحمه الله:[ أو محرماً مكلفاً وتقدر على أجرته وعلى الزاد والراحلة لها وله ].

    فالواجب عليها ألا تحج إلا مع ذي محرم، وعليها في الأصل النفقة لها وله إلا أن يتبرع لها محرمها بذلك.

    قال المصنف رحمه الله:[ فإن حجت بلا محرم حرم وأجزأها ].

    إن حجت بلا محرم حرم، لكن ذلك يجزئها عن حجة الإسلام.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    766445097