إسلام ويب

حياة الجهاد والمجاهدينللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه أنه قد أُلبس سوارين من ذهب، فحرك يده ثم نفحهما فطارا، فكان تأويل الرؤيا بأنها القضاء على كذابَيْن ظهرا في زمانه صلى الله عليه وسلم. وقد أوردت هذه المادة -بالإضافة إلى قصص من جهاد هَذين الكذابَيْن (مسيلمة الكذاب والأسود العنسي)- دروساً وعبراً من حياة أحد مجاهدي القرن العشرين، وهو الشهيد: عبد الله عزام. فجاءت المادة غنية الموضوع -الجهاد والمجاهدين- حيث استلهمت من القصص السابقة روح الجهاد، التي خبت واختفت، وأصبح واجباً على الأمة بعثها من جديد.
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    أما بعــد:

    عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

    وإني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في ظل عرشه ومستقر رحمته، وأسأله أن ينصر المجاهدين في فلسطين وفي أفغانستان ، وفي كل مكان، وأن يتقبل صيامنا وصيام المسلمين وقيامنا وقيام المسلمين إيماناً واحتساباً، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، ولا تجعل من بيننا شقياً ولا محروماً، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين.

    أحبابي الكرام! وحديثي الآن عن حياة الجهاد والمجاهدين من سلفنا الصالح وإخواننا الذين جاهدوا في سبيل الله، وهناك شخصية مجاهدة قد لا يسمع عنها المسلم كثيراً، ولكن له دورٌ كبيرٌ في تحدي الطواغيت، وهو المجاهد أبو مسلم الخولاني رضي الله عنه وأرضاه، وهذا المجاهد الكبير على شباب هذه الأمة أن يعرفوه، ويعرفوا موقفه أمام أعتى طاغوت في زمانه.

    رأى الرسول صلى الله عليه وسلم رؤيا في منامه أنه قد ألبس سوارين من ذهب، سوارين: حلقتين من ذهب واحدة في يمينه، وواحدة في شماله كأنهما السلسلة، ولكن من ذهب، فحرك يده ثم نفخهما فطارا من يده صلى الله عليه وسلم، فماذا كان تأويله لهذه الرؤيا؟ فأولها بأنها القضاء على كذابين متنبئين ظهرا في زمانه صلى الله عليه وسلم، أولهما مسيلمة الكذاب ، والثاني الأسود العنسي ، مسيلمة ظهر في اليمامة ، والعنسي في اليمن ، وكلاهما ادعى النبوة.

    السوار الأول مسيلمة الكذاب

    أما مسيلمة ، فهو شاعر يأتيه شيطان يزخرف له بعض الكلمات والألفاظ، ويقول له: هذا قرآن مثل قرآن محمد، وأنت نبي ورسول إلى نصف الأرض، ومحمد صلى الله عليه وسلم رسول إلى نصفها الآخر، وأرسل مسيلمة -كما تعلمون- مبعوثه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه نصف الأرض، وكان بيد النبي جريدة نخل، سعفة نخل، فقال: (لو سألني نصف هذه الجريدة، ما أ عطيته إياها)، يظهر الحق ويزهق الباطل؛ لأن كل باطل، وكل كذاب يفضحه الله ويكشفه، والرسول صلى الله عليه وسلم من معجزاته أنه مؤيد صادق كل الذي أخبر عنه تحقق، والذي لم يتحقق، سيتحقق لأنه الصادق الأمين.

    أما مسيلمة الكذاب ، فكانت نهايته يوم أن طغى وبغى وتجبر، وسمى نفسه برحمان اليمامة، وكما تعلمون أن الرحمن هو الله، وهو من أسماء الله الذي لا يجوز أن يتسمى بها مخلوق، الرحمن سمى نفسه الرحمن، فسمى النبي مسيلمة بالكذاب، مسيلمة الكذاب .

    فضل حبيب وأمه نسيبة في جهاد مسيلمة

    أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم شاباً في أعمار شبابنا اسمه حبيب ، أمه نسيبة العامرية رضي الله عنها، فجاءه حبيب ، وقال: يا مسيلمة ! يا كذاب! ابتعثنـي إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأدعوك إلى الإسلام، لأنك كافرٌ مرتدٌ، فقال له مسيلمة : أتؤمن بمحمد؟ قال: صلى الله عليه وسلم، قال: أتؤمن بي؟ قال: لا أسمع، احتقاراً له، فأمر مسيلمة جنوده، فقطعوا أطراف حبيب أربعة قطع، قطعوا رجليه من الركبتين، وقطعوا يديه من المرفقين، وأخذ ينـزف الدم، فلما يئس منه وعجز على أن يجعله من أتباعه، وخاف على من معه أن يتأثروا بثباته، أشعل ناراً، وألقى حبيباً في النار، فاستشهد، والله سبحانه وتعالى يختار ويصطفي الشهداء من هذه الأمة ليكونوا رموزاً للدعاة والمجاهدين كمؤمن آل ياسين إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [يس:25]، فذبحوه قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس:26-27]، وتعلمون بقية القصة.

    مسيلمة هذا لما أحرق حبيباً ، أقسمت أمه نسيبة على أن تثأر له، فلما دارت معارك الردة بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه سيف الله المسلول، استأذنت نسيبة أبا بكر لكي تجاهد، قال: مثلك لا يرد يا أم عمارة ، فأنت جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، وشهد لك بذلك، مثلك لا يرد يا أم عمارة ، فجاهدت وحاصرت مسيلمة ، ونفحته بالسيف وجاء عبد الله ابنها وأجهز عليه، وجاء وحشي وشكه بالحربة في صدره، ومات وتحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم في مسيلمة ، لكن يد نسيبة قطعت في هذا الجهاد، ولما عادت إلى المدينة رأى النساء يدها المقطوعة، فضحكن على يدها المقطوعة، فبلغ ذلك عمر -في عهد عمر - فجمع الناس، الصلاة جامعة، ثم خطب فيهم قائلاً: [بلغني أن بعض الناس يضحكون من يد نسيبة ، ويحكم تضحكون من امرأة سبقها بعضها إلى الجنة]، وهذه الكلمة صارت قاعدة تقال لمن يتجرأ على العلماء الذين ماتوا من علماء هذه الأمة، ويستبيح أعراضهم، ويسلب أعراضهم، ويقدح فيهم، ويتكلم عليهم بما لا يليق، وعلماؤنا وفقهاؤنا يقولون: احذروا، فإن لحوم العلماء والمجاهدين مسمومة، لها سهام ترتد على من يعيبهم ويشينهم ويغتابهم، ورب علماءٍ تكلم الناس فيهم، وهم قد حطوا رحالهم في الجنة منذ سنين.

    إذاً: كيف تضحكون من امرأة سبقها بعضها إلى الجنة، فلما قال هذا، أخرجت يدها إلى النساء، ولم تبالِ، وأخذت تفتخر بيدها المقطوعة حيث إن الافتخار في الإسلام مكروه إلا في مواطن الجهاد وآثار المجاهدين.

    ويذكرني هذا بافتخار أحد رجالات هذا البلد، وهو الرجل المحسن: عبد الله بدي أبو عبد العزيز متعنا الله ببقائه حيث أني لما ذهبت إلى أفغانستان وشهدت الجرحى والشهداء أُجْريت عملية لأحد الجرحى وهو بين الحياة والموت، فاستخرجت منه شظية كبيرة، قطعة من الحديد دخلت في لحمه وكسرت عظمه ونفذت إلى جوفه، واستخرجت هذه الشظية الكبيرة وفيها قد التصق قميصه والبارود والدم واللحم، فأخذتها معي، لأن الأطباء عادةً يستخرجون هذه الشظايا ويلقونها في علب النظافة وتتكوم أكواماً كبيرة منها شظايا صغيرة ومنها شظايا كبيرة، أخذت هذه الشظية في جيبي، وأحضرتها معي إلى الكويت ، ويقدر الله سبحانه وتعالى أنني زرت هذا الرجل - أبا عبد العزيز - وهي في جيبـي، وأخرجتها قال: ما هذا؟ قلت: هذه شظية شهيد نحسبه كذلك، استخرجت من جسده فيها دمه، وفيها بقايا قميصه ملتصق.

    فقال: تبيعها بألفي دينار؟ قلت: نعم، أبيعها، وأجعل قيمتها للمجاهدين في أفغانستان ، ماذا ستفعل بها؟

    قال: إنها أغلى شيءٍ عندي الآن، وكان ابنه بجوارنا، فقال: يا ولدي إذا مت، اجعل هذه -شظية الشهيد- في قبري داخل كفني لعل الله يوم القيامة يجمع بيني وبينه وبين ذرات لحمه ودمه، والشظايا التي دخلت، ثم يشفعه، فتصيبني شفاعة الشهيد، فأدخل معه في الجنة بهذه الشظية إلى منازل الشهداء.

    هذا أيها الأحباب، هذا الفهم، هذا المطلب السامي لا يتبادر إلى كل إنسان، فكثير من الناس يسمع عن هذه الشظايا، ويسمع عن هذه الأمور يرميها يلقيها، لكن وفق الله هذا العبد إلى هذا الأمر، فتقرب إلى الله بهذه العبادة.

    السوار الثاني الأسود العنسي

    نعود -أيها الأحباب- إلى السوار الثاني، القيد الثاني الذي نفخه النبي فطار، طار! نفخة هواء طيرته! نفخة هواء من فم الرسول طيرته، صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ولو كان هواء إلا أنه خارج من قاعدة حق، ومن فم طهور، ولربما نفخة من إنسان صالح تشفي بإذن الله، تبطل سحراً، تدفع عيناً، تخرج مساً، الساحر إذا نفث، ينعقد الخبث والسحر، والمؤمن إذا نفث قد يطير طواغيت من السحر، نفث النبي على هذا السوار في الرؤيا، فطار مسيلمة الكذاب ، وجاء دور الأسود العنسي .

    الأسود العنسي هذا ساحر قبيح الشكل، مدمن خمر، زير نساء، أرعب الناس، يقتل بالظنة، اجتمع تحته المرتزقة واللصوص وقطاع الطرق، وجاء إلى المسلمين في المدن التي حوله، وذبح منهم، وحرق منهم، وطرد منهم، وفر الناس، وأخذ يغتصب الزوجات، فشكل المسلمون فرقة خاصة للقضاء عليه، وهم يعلمون أنه ساحر، ويعلمون أنه يحضر الجن، ولكن لا يعلم الغيب إلا الله، لا الجن يعلمون، ولا السحرة يعلمون.

    دليل على عدم نفاذ السحر إلا بإذن الله

    والدليل على ذلك أنني كنت يوماً من الأيام أحاضر في إحدى الدول العربية، وبينما أنا أتقدم لخطبة الجمعة وإذا بعض الشباب المسئولين عن تنظيم المسجد يستقبلوني ويقول: يا شيخ لا تدخل المسجد، قلت: لم؟ قال: موجود تحت المنبر في الصف الأول أسحر إنسان موجود في بلدنا، وأكثر إنسان عيان يصيب بالعين، ما ندري ما الذي أدخله في مسجدك لخطبة الجمعة، هذا ما جاء إلا لشر، قلت: كيف لا أدخل لأخطب؟! الناس مجتمعون، وأنتم أعلنتم، أدخل وأتوكل على الله!! وإنما ليكن واحد عن يمينه وواحد عن شماله وواحد من خلقه، وقُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]، فارتقيت أخطب على المنبر، فأخرج من جيبه ورقة بيضاء -وهو تحتي أنظر عليه- وقلماً، وأخذ يرسمني وأنا أخطب بجسمي هكذا برأسي وجسمي، ثم ردد كلمات في نفسه ما أدري ماذا قال، وأخذ القلم وشخط فيه على رأسي ورقبتي، ونظر، فلم يحدث شيء، فعاد الشخط مرة ثانية، فلم يحدث شيء، فعاد الشخط مرة ثالثة، فلم يحدث شيء، فوضع القلم والورقة وجلس في مكانه إلى أن انتهت الخطبة، فتبين حقيقة قوله تعالى: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102]، وهذه أصل أصيل في عقيدتنا كمسلمين (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء، لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، وخرج هذا الساحر ذليلاً خاسئاً، أخزاه الله ينظر الناس إليه باحتقار وازدراء.

    وقد اختار الأسود العنسي الساحر لنفسه قصراً حصيناً ككثير من زعماء اليوم، وطواغيت هذا الزمان ينتقون لهم سراديب تحت الأرض، أو قصوراً يبنونها بين الجبال حتى لا تصلهم الدبابات، ولا حتى الطيارات، أو يبنون حول قصورهم مسلح إسمنت ضخم بحجم عشرين وخمسين متراً ومهما كان هناك من القصف والتدمير فلا يصل لهم، ولكن كل هذا لا ينفع إذا أذن الله لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ [يس:75] .. وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ [إبراهيم:45]، فالأمثال شاهدة من ضمن هذه الأمثال الأسود العنسي سكن في قصر واختطف امرأة مسلمة خيرة صالحة اغتصبها معه في القصر، ويأمرها أن تحضر له الخمر، وتحضر له الطعام، وبعدما يعمل سحره وهمهمته ودمدمته، ويحضر الجن والشياطين، ويذبح لهم الذبائح-والعياذ بالله- يأتي إلى غرفته هذه ويشرب الخمر حتى ينكفئ على وجهه، فيأتيه الشيطان يوحي له بعض العبارات وبعض الألفاظ يوهمه بأنه هو رجل نبي، وأنه صالح، وأنه مرسل.

    ضلالات بعض الفرق المبتدعة

    وهذا موجود حتى في زماننا هذا، هناك فرقة اسمها البهرة ، هذه الفرقة عندها من البدع ما لا يعلمه إلا الله، فيهم عوام العوام قد يصلون معنا في مساجدنا، وليس عندهم علم بهذه البدع، ولكن علماءهم ومن شاهد هؤلاء العلماء وانساق لهم عندهم ضلالات عجيبة، وهي موجودة مسجلة في فيلم فيديو رآها منكم من رآها، أو لم يرها، لكن رئيسهم له عرش محفة ضخمة مزخرفة ملونة ولها ثمانية قوائم حتى يشبهونها بعرش الرحمن، لماذا ثمانية قوائم؟ لأن الله أخبر في كتابه الكريم أنه يحمل عرش ربك فوقهم يومئذٍ ثمانية، قال: إذاً العرش له ثمانية قوائم، وجعلوا رجالاً أشداء يحملون العرش، ويقولون بأن هذا عرش سيدنا ومولانا ورئيسنا، وفجأة وبينما الناس هم قاعدون ينتظرون، آلافاً مؤلفة، وهم موجودون هنا أيضاً، موجودة منهم فرقة في الكويت لهم معبدهم، ولهم أماكنهم، وغير ذلك.

    الشاهد: فجأة يظهر هذا الزعيم لابساً اللبس الأبيض على رأسه طرطور، أو طربوش، ويحمله ثمانية من تحته على هذا العرش، فيخر كل واحد موجود في هذا المجلس له ساجداً، ويتلون هذه الآية وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17]، فيسجدون كلهم.

    وهناك من الفرق الضالة التي عنده أشد من هذا موجودة في زماننا هذا، وجاليات تعيش في بلادنا ومنتشرة في بلاد العالم، لكن لو فتحت الجواز، تجد الإسلام ضحية، ديننا ضحية لمثل هؤلاء، مكتوب في الجواز: الديانة مسلم، وهو أكفر من مسيلمة الكذاب ، نعم، هناك فرق عجيبة، هناك مجموعة موجودة تسمى بالفرقة البرلوية هؤلاء يعتقدون أن محمداً في كل جلسة من جلساتهم يزورهم، فيجلس معهم ويحدثهم، ويجتمعون للجلسة المحمدية، وفجأة يقوم واحد منهم ويطفئ الأنوار ويسرج الشموع، ويقول: حضر النبي صلى الله عليه وسلم، فكلهم يقومون، تبحث يميناً، وتبحث شمالاً أين هو؟ لا تراه، ثم يفسحون له في الوسط، وتحس أن المقعد الذي في الوسط كأن مخلوقاً جلس عليه -والعياذ بالله- وإذا هو جني وشيطان ومارد مشرك يحضر ويوهمهم بأنه هو النبي، وأنه جاء من الله، ويبدأ الجن الموجودون يلبسون معظمهم، فيركبون عيونهم على عيونهم حتى يبدءون يشاهدون هذا الجني المارد العفريت الذي حضر وجلس يدعي بأنه هو الرسول، ويبدأ يحدثهم ويفتي لهم ويبين لهم، ويعطيهم الكلمات والعبارات، ويعتقدون عقيدة تامة بأن الذي يحضر هذا هو النبي، وهذا ضلال وبدعة عظيمة يعيشها ناس من زماننا هذا، يذهبون إلى القبور، ويستغيثون بالموتى في هذه القبور.

    فإذاً: عندما أذكر حادثة الأسود العنسي هذه أمور ليست من الأمور الفانية المنتهية، وإنما تجدها في كل زمان تتجدد، ولها أتباع، ولها دعاة، ولا ينجو يوم القيامة إلا الفرقة الناجية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها أصحابه يوم أن قال: (التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي)، فـأهل السنة والجماعة هم الناجون.

    نهاية الأسود العنسي

    نعود إلى قصة الأسود العنسي هذا، فجاءت هذه الفرقة ودرست موقع القصر، فوجدوا أن غرفة هذا الرجل تطل على واد فيه صخور وعرة وصعبة، بنى غرفته فوقها بحيث أنه لا يصل إليها أحد، لكن الفرقة الإسلامية، الكمندوز الإسلامي، ما عندها شيء عسير أو شيء صعب؛ لأنه متوكل على الله وقوي بإيمانه، فتسلقوا الصخور وجاءوا إلى هذا الجدار فثقبوه، ثم إلى غرفته فثقبوها، ودخلوا، فوجدوا زوجته المسلمة المؤمنة المخطوفة المغصوبة موجودة في الغرفة، فلما عرفتهم، استبشرت بهم خيراً وقالت: الحمد لله هو يأتي بعد كذا، ويجلس على هذا السرير، ويشرب الخمر إلى أن يسكر يأتيه شيطانه بعد ذلك ينكب على وجهه ويذهب في غيبوبة، أو في نوم، فقامت وخبأتهم, وكان معهم السيوف والخناجر، وجاء عدو الله يمشي وله همهمة ودندنة وهينمة ونمنمة يذكر تعاويذه وحوله الشياطين يراهم -والعياذ بالله- ودخل، وهو لا يعلم ما خبأه القدر له، فجلس على سريره ومكان ملكه، وأخذ يأكل اللحم، ويشرب الخمر إلى أن ألقي على وجهه، فقاموا إليه بالسيوف والخناجر، وضربوه وقتلوه، وانتهى وجوده.

    كرامة المجاهد أبي مسلم الخولاني

    قصة أبي مسلم الخولاني مع هذا الذي هو موضوع حديثنا اليوم، أبو مسلم الخولاني ممن ثبت على عذاب هذا الطاغوت كثبات سحرة فرعون عندما آمنوا وأمر بتقطيعهم، الأسود العنسي المجرم لما رأى ثبات أبي مسلم الخولاني رضي الله عنه وأرضاه وتحديه، جمع الناس، وقال: تعتقدون في هذا أنه على حق -يقصد أبا مسلم الخولاني - إن كان على حق سينجيه الحق، وإن كان على باطل سيحترق، ثم أمر بإشعال نار هائلة، جمعوا له الحطب من الوديان، وكسروا الأبواب، وأصبح إذا مر عليها الطائر، ينشوي ويلتهب ويقع فيها لعظم لهبها، ثم أحضروا أبا مسلم الخولاني وربطوا يديه ورجليه، ووضعوه في المقلاع، ثم نسفوه على لهيبها ولظاها وجمرها، وهوى في وديانها وهي تلتهب، ووقف الناس ينتظرون، وبدأت النار تخبو وإذا بهذا الرجل يخرج من الطرف الثاني ماشياً على قدميه قد فكت النار وثاقه، عليه ثيابه لم تحترق يدوس بقدميه الحافيتين على الجمر، وهو ينظر إلى الناس ويبتسم، فخاف الأسود العنسي من هذا المشهد، وخاف أن يؤمن الناس، ويعودوا إلى دينهم ويكفروا به، فأخذ يتهدد ويتوعد: .... ومن تبعه أقتله، وبدأ من حوله من هتافة التهريج وهم موجودون أمام كل طاغوت يدعون باسمه ويسبحون بحمده، فسكت الناس وخاف الناس، ومشى أبو مسلم الخولاني والناس ينظرون إليه، وعرى الطاغوت بقدرة الله، وأبو مسلم الخولاني يقرأ وهو مقذوف في هذه النار الآيات التي ذكرها الله عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] وواصل مشيه، والناس يتبعونه من المؤمنين الموحدين حتى وصل إلى المدينة المنورة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ودخل المسجد وصلى فيه ركعتين، وسمع به عمر ، فجاءه يجري، فلما رآه قال: أنت أبو مسلم الخولاني ؟ قال: نعم. قال: أنت الذي قذفت في النار، وخرجت سليماً؟ قال: نعم، فالتزمه عمر على صدره، وقال: [الحمد لله الذي جعل في أمة محمد مثل إبراهيم عليه السلام ألقي في النار، فأنجاه الله من النار].

    هذه القصة -أيها الأحباب- تعطينا الثقة بالله، واليقين بأن الله على كل شيء قدير، وإنما هذه الأمور إنما تقوم بأسباب، ومسببات، يملك خواص هذه الأسباب الله، فعلينا أن نثق بهذا الرب جل جلاله، والدليل المحسوس المشهود أن الأسباب يملكها الله أن الانتفاضة والجهاد في فلسطين تدخل عامها الثالث ورمضانها الثالث، ولم تستطع حكومة يهود القضاء عليها، في موازين الخبراء العسكريين والطواغيت الجبارين الذين يسحقون الشعوب في موازينهم وحساباتهم، هذا مستحيل، مستحيل أطفال بحجر يدخلون رمضانهم الثالث يصومونه أمام الصواريخ والدبابات والرشاشات والمدرعات والغازات السامة والتجويع والضرب والتقتيل وحتى الآن لم يستسلموا، بل ستسمعون الأخبار كل يوم لا يزدادون إلا قوة وصلابة وجهاداً وثباتاً وصوماً وتأييداً وتمكيناً من الله رب العالمين.

    واليهود أصبحوا يجلبون اليهود، مليون يهودي من روسيا ، والآن يفكرون نقل ربما أربعة ملايين من أوروبا واثنا عشر مليوناً من أمريكا ، ومع هذا الانتفاضة ماضية حجر يواجه الدورية، وحجر يواجه الدبابة، كيف يحدث هذا يا إخوان؟ نحن شاهدنا طواغيت أبادوا شعوباً.

    استالين أباد في عهد حكمه ستة ملايين مسلم موحد شهداء ذهبوا إلى الله في عهد الثورة البلشفية، لكن الله عندما أراد نصرة أقصاه بطفل صغير وحجر صغير لم يقاوم لحظة، ولم يقاوم سنة، وإنما سنين إن الله على كل شيء قدير، هذه آية شاهدة بينة أن الله حق وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088523070

    عدد مرات الحفظ

    777117048