أما بعــد:
عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
وإني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في ظل عرشه ومستقر رحمته، وأسأله أن ينصر المجاهدين في فلسطين وفي أفغانستان ، وفي كل مكان، وأن يتقبل صيامنا وصيام المسلمين وقيامنا وقيام المسلمين إيماناً واحتساباً، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، ولا تجعل من بيننا شقياً ولا محروماً، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين.
أحبابي الكرام! وحديثي الآن عن حياة الجهاد والمجاهدين من سلفنا الصالح وإخواننا الذين جاهدوا في سبيل الله، وهناك شخصية مجاهدة قد لا يسمع عنها المسلم كثيراً، ولكن له دورٌ كبيرٌ في تحدي الطواغيت، وهو المجاهد أبو مسلم الخولاني رضي الله عنه وأرضاه، وهذا المجاهد الكبير على شباب هذه الأمة أن يعرفوه، ويعرفوا موقفه أمام أعتى طاغوت في زمانه.
رأى الرسول صلى الله عليه وسلم رؤيا في منامه أنه قد ألبس سوارين من ذهب، سوارين: حلقتين من ذهب واحدة في يمينه، وواحدة في شماله كأنهما السلسلة، ولكن من ذهب، فحرك يده ثم نفخهما فطارا من يده صلى الله عليه وسلم، فماذا كان تأويله لهذه الرؤيا؟ فأولها بأنها القضاء على كذابين متنبئين ظهرا في زمانه صلى الله عليه وسلم، أولهما مسيلمة الكذاب ، والثاني الأسود العنسي ، مسيلمة ظهر في اليمامة ، والعنسي في اليمن ، وكلاهما ادعى النبوة.
أما مسيلمة الكذاب ، فكانت نهايته يوم أن طغى وبغى وتجبر، وسمى نفسه برحمان اليمامة، وكما تعلمون أن الرحمن هو الله، وهو من أسماء الله الذي لا يجوز أن يتسمى بها مخلوق، الرحمن سمى نفسه الرحمن، فسمى النبي مسيلمة بالكذاب، مسيلمة الكذاب .
مسيلمة هذا لما أحرق حبيباً ، أقسمت أمه نسيبة على أن تثأر له، فلما دارت معارك الردة بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه سيف الله المسلول، استأذنت نسيبة أبا بكر لكي تجاهد، قال: مثلك لا يرد يا أم عمارة ، فأنت جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، وشهد لك بذلك، مثلك لا يرد يا أم عمارة ، فجاهدت وحاصرت مسيلمة ، ونفحته بالسيف وجاء عبد الله ابنها وأجهز عليه، وجاء وحشي وشكه بالحربة في صدره، ومات وتحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم في مسيلمة ، لكن يد نسيبة قطعت في هذا الجهاد، ولما عادت إلى المدينة رأى النساء يدها المقطوعة، فضحكن على يدها المقطوعة، فبلغ ذلك عمر -في عهد عمر - فجمع الناس، الصلاة جامعة، ثم خطب فيهم قائلاً: [بلغني أن بعض الناس يضحكون من يد
إذاً: كيف تضحكون من امرأة سبقها بعضها إلى الجنة، فلما قال هذا، أخرجت يدها إلى النساء، ولم تبالِ، وأخذت تفتخر بيدها المقطوعة حيث إن الافتخار في الإسلام مكروه إلا في مواطن الجهاد وآثار المجاهدين.
ويذكرني هذا بافتخار أحد رجالات هذا البلد، وهو الرجل المحسن: عبد الله بدي أبو عبد العزيز متعنا الله ببقائه حيث أني لما ذهبت إلى أفغانستان وشهدت الجرحى والشهداء أُجْريت عملية لأحد الجرحى وهو بين الحياة والموت، فاستخرجت منه شظية كبيرة، قطعة من الحديد دخلت في لحمه وكسرت عظمه ونفذت إلى جوفه، واستخرجت هذه الشظية الكبيرة وفيها قد التصق قميصه والبارود والدم واللحم، فأخذتها معي، لأن الأطباء عادةً يستخرجون هذه الشظايا ويلقونها في علب النظافة وتتكوم أكواماً كبيرة منها شظايا صغيرة ومنها شظايا كبيرة، أخذت هذه الشظية في جيبي، وأحضرتها معي إلى الكويت ، ويقدر الله سبحانه وتعالى أنني زرت هذا الرجل - أبا عبد العزيز - وهي في جيبـي، وأخرجتها قال: ما هذا؟ قلت: هذه شظية شهيد نحسبه كذلك، استخرجت من جسده فيها دمه، وفيها بقايا قميصه ملتصق.
فقال: تبيعها بألفي دينار؟ قلت: نعم، أبيعها، وأجعل قيمتها للمجاهدين في أفغانستان ، ماذا ستفعل بها؟
قال: إنها أغلى شيءٍ عندي الآن، وكان ابنه بجوارنا، فقال: يا ولدي إذا مت، اجعل هذه -شظية الشهيد- في قبري داخل كفني لعل الله يوم القيامة يجمع بيني وبينه وبين ذرات لحمه ودمه، والشظايا التي دخلت، ثم يشفعه، فتصيبني شفاعة الشهيد، فأدخل معه في الجنة بهذه الشظية إلى منازل الشهداء.
هذا أيها الأحباب، هذا الفهم، هذا المطلب السامي لا يتبادر إلى كل إنسان، فكثير من الناس يسمع عن هذه الشظايا، ويسمع عن هذه الأمور يرميها يلقيها، لكن وفق الله هذا العبد إلى هذا الأمر، فتقرب إلى الله بهذه العبادة.
الأسود العنسي هذا ساحر قبيح الشكل، مدمن خمر، زير نساء، أرعب الناس، يقتل بالظنة، اجتمع تحته المرتزقة واللصوص وقطاع الطرق، وجاء إلى المسلمين في المدن التي حوله، وذبح منهم، وحرق منهم، وطرد منهم، وفر الناس، وأخذ يغتصب الزوجات، فشكل المسلمون فرقة خاصة للقضاء عليه، وهم يعلمون أنه ساحر، ويعلمون أنه يحضر الجن، ولكن لا يعلم الغيب إلا الله، لا الجن يعلمون، ولا السحرة يعلمون.
وقد اختار الأسود العنسي الساحر لنفسه قصراً حصيناً ككثير من زعماء اليوم، وطواغيت هذا الزمان ينتقون لهم سراديب تحت الأرض، أو قصوراً يبنونها بين الجبال حتى لا تصلهم الدبابات، ولا حتى الطيارات، أو يبنون حول قصورهم مسلح إسمنت ضخم بحجم عشرين وخمسين متراً ومهما كان هناك من القصف والتدمير فلا يصل لهم، ولكن كل هذا لا ينفع إذا أذن الله لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ [يس:75] .. وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ [إبراهيم:45]، فالأمثال شاهدة من ضمن هذه الأمثال الأسود العنسي سكن في قصر واختطف امرأة مسلمة خيرة صالحة اغتصبها معه في القصر، ويأمرها أن تحضر له الخمر، وتحضر له الطعام، وبعدما يعمل سحره وهمهمته ودمدمته، ويحضر الجن والشياطين، ويذبح لهم الذبائح-والعياذ بالله- يأتي إلى غرفته هذه ويشرب الخمر حتى ينكفئ على وجهه، فيأتيه الشيطان يوحي له بعض العبارات وبعض الألفاظ يوهمه بأنه هو رجل نبي، وأنه صالح، وأنه مرسل.
الشاهد: فجأة يظهر هذا الزعيم لابساً اللبس الأبيض على رأسه طرطور، أو طربوش، ويحمله ثمانية من تحته على هذا العرش، فيخر كل واحد موجود في هذا المجلس له ساجداً، ويتلون هذه الآية وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17]، فيسجدون كلهم.
وهناك من الفرق الضالة التي عنده أشد من هذا موجودة في زماننا هذا، وجاليات تعيش في بلادنا ومنتشرة في بلاد العالم، لكن لو فتحت الجواز، تجد الإسلام ضحية، ديننا ضحية لمثل هؤلاء، مكتوب في الجواز: الديانة مسلم، وهو أكفر من مسيلمة الكذاب ، نعم، هناك فرق عجيبة، هناك مجموعة موجودة تسمى بالفرقة البرلوية هؤلاء يعتقدون أن محمداً في كل جلسة من جلساتهم يزورهم، فيجلس معهم ويحدثهم، ويجتمعون للجلسة المحمدية، وفجأة يقوم واحد منهم ويطفئ الأنوار ويسرج الشموع، ويقول: حضر النبي صلى الله عليه وسلم، فكلهم يقومون، تبحث يميناً، وتبحث شمالاً أين هو؟ لا تراه، ثم يفسحون له في الوسط، وتحس أن المقعد الذي في الوسط كأن مخلوقاً جلس عليه -والعياذ بالله- وإذا هو جني وشيطان ومارد مشرك يحضر ويوهمهم بأنه هو النبي، وأنه جاء من الله، ويبدأ الجن الموجودون يلبسون معظمهم، فيركبون عيونهم على عيونهم حتى يبدءون يشاهدون هذا الجني المارد العفريت الذي حضر وجلس يدعي بأنه هو الرسول، ويبدأ يحدثهم ويفتي لهم ويبين لهم، ويعطيهم الكلمات والعبارات، ويعتقدون عقيدة تامة بأن الذي يحضر هذا هو النبي، وهذا ضلال وبدعة عظيمة يعيشها ناس من زماننا هذا، يذهبون إلى القبور، ويستغيثون بالموتى في هذه القبور.
فإذاً: عندما أذكر حادثة الأسود العنسي هذه أمور ليست من الأمور الفانية المنتهية، وإنما تجدها في كل زمان تتجدد، ولها أتباع، ولها دعاة، ولا ينجو يوم القيامة إلا الفرقة الناجية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها أصحابه يوم أن قال: (التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي)، فـأهل السنة والجماعة هم الناجون.
هذه القصة -أيها الأحباب- تعطينا الثقة بالله، واليقين بأن الله على كل شيء قدير، وإنما هذه الأمور إنما تقوم بأسباب، ومسببات، يملك خواص هذه الأسباب الله، فعلينا أن نثق بهذا الرب جل جلاله، والدليل المحسوس المشهود أن الأسباب يملكها الله أن الانتفاضة والجهاد في فلسطين تدخل عامها الثالث ورمضانها الثالث، ولم تستطع حكومة يهود القضاء عليها، في موازين الخبراء العسكريين والطواغيت الجبارين الذين يسحقون الشعوب في موازينهم وحساباتهم، هذا مستحيل، مستحيل أطفال بحجر يدخلون رمضانهم الثالث يصومونه أمام الصواريخ والدبابات والرشاشات والمدرعات والغازات السامة والتجويع والضرب والتقتيل وحتى الآن لم يستسلموا، بل ستسمعون الأخبار كل يوم لا يزدادون إلا قوة وصلابة وجهاداً وثباتاً وصوماً وتأييداً وتمكيناً من الله رب العالمين.
واليهود أصبحوا يجلبون اليهود، مليون يهودي من روسيا ، والآن يفكرون نقل ربما أربعة ملايين من أوروبا واثنا عشر مليوناً من أمريكا ، ومع هذا الانتفاضة ماضية حجر يواجه الدورية، وحجر يواجه الدبابة، كيف يحدث هذا يا إخوان؟ نحن شاهدنا طواغيت أبادوا شعوباً.
استالين أباد في عهد حكمه ستة ملايين مسلم موحد شهداء ذهبوا إلى الله في عهد الثورة البلشفية، لكن الله عندما أراد نصرة أقصاه بطفل صغير وحجر صغير لم يقاوم لحظة، ولم يقاوم سنة، وإنما سنين إن الله على كل شيء قدير، هذه آية شاهدة بينة أن الله حق وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81].
وقد ذكر لي عبد الله عزام بأنه رأى بعينه الطائرات تنثر مثل الدخان، تنثر هذا الجراد الذي هي من الألغام، تنزل مثل الجراد، يقسم أنه وقف يجاهد أياماً طويلة هو ومن معه أمام مدينة جلال أباد ويصعد إلى الجبال، ويهبط إلى المغارات، ويجري في الوديان، ويرتقي على الصخور ويدوس ولم يصب هو ومن معه بلغم واحد، كيف يحدث هذا؟ يعني: هذا رجل يجري هكذا دون تحديد، يعني: ما ينظر حتى إلى مواضع قدمه عند الهجوم، وعند الكر والفر، وعند الذهاب والإياب في الليل والنهار ما ينظر أين يضع رجله، يجري فقط، من الذي حمى مواقع أقدام عبد الله عزام قبل أن يكتب الله له الشهادة، من؟ الله سبحانه وتعالى حتى إذا ما جاءته الشهادة كرامة من الله ولا يقول أحد: والله هذا لأنهم ما حرسوه، وما أخذ بالأسباب، لأن الله وكله إلى نفسه معاذ الله!
إن حمزة سيد الشهداء رضي الله عنه وأرضاه يفل فلول الكافرين والله ينظر إليه سبحانه وتعالى وخلف صخرة يلبد عبد حبشي اسمه وحشي بحربة يطعنه بها غدراً، فيخر على وجهه شهيداً.
إذاً: السيوف ما نالت منه بأيدي عتاولة قريش وحربة صغيرة بيد مملوك صغير نالت منه.
إذاً: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً [آل عمران:145]، ولو اجتمع طواغيت أهل الأرض كلهم على أن يقدموا ثانية في هذا الكتاب المؤجل، أو يؤخروا ثانية، والله ما استطاعوا.
عضوة الكونجرس الأمريكي -امرأة يهودية- تقول: إن أخطر رجل من العرب الآن هو ذاك الذي على أرض بيشاور والذي يصلح بين المجاهدين المسمى بـعبد الله عزام ، هكذا صرحت أمريكا ، الكونجرس الأمريكي صرح بهذا، امرأة مثلت الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي، صرحت بأن أخطر رجل موجود هو عبد الله عزام ، لهذا قتلوه.
وتعاونوا على قتله لخطورته، وإذا نحن أردنا أن نقوم بهذا الدور، فهو ليس بالدور العسير، وهو إصلاح ذات البين، إذا رأيت مسلمين متعادين، أصلح بينهم تشيع المحبة، تشيع الأخوة، تشيع المودة، تصلح بين الزوج وزوجته، بين العم والعمة، بين الأخ والأخ، بين الوالد والولد، بين الجار والجار، هذا دور حيوي يكفل للأمة النصر، وقد يكون أمضى سلاح تضرب به العدو هو أن نكون كلنا متحدين.
تخيل هذا المجلس والموجودين الآن في المسجد لو أحد من الناس وقف الآن، وقال: يا شيخ، يا شيخ، وبدأ يشوش علي فلا أستطيع أن أتكلم، ويقوم رجل ثان يقول له: اسكت، يقول له واحد ثالث يؤيده، يقول له: لا، أنت اسكت، هذا مع الحق، وتبدأ معركة، والدرس يضيع، والروحانية تضيع، والمقصد من هذا المجلس يضيع، ويظهر ناس ما بين مؤيد ومعارض، وما بين غضبان وزعلان، وما بين شاتم وملاعن.
إذاً رأيتم كيف أثر الوحدة، وأثر المودة والمحبة والأخوة والتآلف الذي يجب أن يعيش عليه المسلم.
من الذي ينجو منها؟ من الذي ينجو من عذاب القبر؟ من الذي ينجو من الفزع الأكبر؟ من الذي ينجو من هذا العصر، وهذا البلاء؟
الشهيد، الشهيد، إذا كتب الله الشهادة للإنسان، فهي منحة لا تقدر بثمن.
تأخر الحارس الخاص وسيارة المجاهدين، فركب في سيارة ابنه إبراهيم ، ومعه ابنه محمد القادم من الأردن منذ يومين معه زوجته، وركب معهم ابنه حذيفة ، ثم نزل حتى ينتظر سيارة أبي الحارث -الحارس- ومشى بسيارته، وإذا هناك ملعون منافق بيده جهاز لاسلكي يراقب عند الباب يخبر عن تحرك سيارة الشهيد، وفي بالوعة قد وضعوا أكثر من خمسة وعشرين كيلوا متفجر ينسف والعياذ بالله منطقة كاملة، وبجهاز خاص فجروه، وتقطعت السيارة، والحديد تطاير، وعبد الله عزام جالس على الكرسي الخلفي ما فيه جرح، والله ما فيه جرح، الذين شاهدوه لما أخذوه بعد ذلك رأسه أصابه غصن شجرة، فانجرح جبينه قليلاً، أما جسمه ما فيه جرح إلا أن الضغط الهائل الذي حدث في داخل السيارة من التفجير فجر جميع عروقه من الداخل، فنـزل الدم من أذنه، ومن أنفه، ومن فمه، وهو حي جالس، ويقول: الأولاد، يعني: ماذا صار في الأولاد، الأولاد تقطعوا قطعاً، ما سلم منهم إلا نصف الصدر والوجه، وبعض الأعضاء، والباقي وجد على بعد مائتي متر أو ثلاثمائة متر على الأشجار على أسلاك الكهرباء، وعبد الله عزام يحملونه ودمه يصب، وظل يصب ست ساعات متواصلة، كيف حدث هذا؟ تقارير الأطباء يقول: لم تمر علينا حالة كهذه، الدم ما يتجلط يسيل ست ساعات! وجاء الطبيب قبل الدفن وضع السماعة على قلبه وضع السماعة قبل ساعة، وضع السماعة قبل ساعتين، وضع السماعة قبل ثلاث ساعات يسمع شيئاً ليس ضربات قلب، ولكن يسمع شيئاً داخل الجسم أشبه ما يكون بأنين واحد حزين أنين داخل الجسم، أنين مثل: أزيز المرجل، أشبه ما يكون بأنين الذين يحزنهم القرآن.
السلف الصالح رضوان الله عليهم عندما يقرءون يكون لهم أزيز كأزيز المرجل، أو دوي كدوي النحل، وظلت السماعة تنقل هذا الأزيز المنبعث من صدره إلى أن دفن، حملوه ووضعوه في الخيمة، وجاء الناس يصلون عليه بدمائه ورائحة المسك تفوح من كل مكان، من دمائه، تحولت دماؤه إلى مسك، ودماء أولاده تحولت إلى رائحة الحناء الزكية، وبينما الناس ينظرون إليه فتح عينيه، وهو ينظر إليهم، ثم أغمضها، ولما وضعوه في لحده ألحدوه في قبره، أغلقوا اللحد، والابتسامة بائنة على وجهه كأنه حي، لولا أن الطبيب قرر أنه مات، ليس هناك دقات قلب، لو كانت هناك دقات قلب، ما أذن بالدفن، لكن لا دقات للقلب، والدم قد نزف، وهو ميت أكيد إلا أنه ظهرت له كرامات من حياة الشهداء الخاصة أظهرها الله سبحانه وتعالى له، جاء الخبراء إلى السيارة، تحولت المكينة كلها تحولت إلى خردة الجهة الأمامية من السيارة إلى المقعد الأمامي إلى أقدام عبد الله عزام إلى الزجاج الخلفي هذا كله تطاير ما بقي شيء منه باستثناء صندوق السيارة الخلفي وبعض الكرسي الخلفي الذي كان عليه الشيخ، والحديد الذي حوله، والذي فوقه، وعن يمينه، وعن شماله، والذي أمامه كله تطاير!! لِمَ لمْ يتطاير هو؟ من الذي كان يحرس جثمانه وسلمه؟ هل كان بينه وبين الله عهد ألا يمس جسمه كافر، أو شظية كافر؟ ما تدري هذا حدث عند الصحابة رضي الله عنهم.
إذاً: العهد الذي بينه وبين الله أبره الله، عبد الله عزام لم يمسه حديد السيارة، ولا حديد المتفجر وناره وباروده وحريقه، هذه آية من الله بينة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل روحه وروح الشهيدين من أبنائه في عليين، وأن يرزقنا الشهادة كما رزقه بعد طول عمر وحسن عمل مقبلين غير مدبرين في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعل قبورنا وقبور المسلمين روضة من رياض الجنة، وأن يمدنا وإياهم بالروح والريحان والنور والإيمان والبر والرضوان.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر