وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين.
أما بعد:
قال المصنف رحمه الله تعالى في ضمن سياقه للآيات: [وقوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [التحريم:2]، وقوله: وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:18] ].
ثم ساق جملة من الآيات في صفة العلم، ثم قال: [وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:58]، وقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وقوله: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58] ].
الصفة الأولى: أنه الحاكم، وفعيل بلغة العرب تأتي بمعنى فاعل.
والصفة الثانية: أنه المحكم لكل شيء، وأيضاً من المعروف أن فعيل في لغة العرب تأتي بمعنى مفعل.
والصفة الثالثة: الحكمة، وهذا مأخوذ من اسمه الحكيم، وقد سبق أن الأسماء يؤخذ منها صفات لله سبحانه وتعالى.
ويمكن أن نتحدث عن صفتين منها، الأولى: صفة الحكم، والصفة الثانية: صفة الحكمة، وأما صفة الإحكام فقد أشرنا إلى شيء منها عند حديثنا عن صفة العلم، وسيأتي مزيد الحديث عنها بإذن الله تعالى عند الحديث عن صفة الخلق لله سبحانه وتعالى.
والحكم ينقسم إلى قسمين: وكذلك الحال في الإرادة والقضاء والأمر، جميع هذه المصطلحات الشرعية تنقسم إلى قسمين.
فالحكم ينقسم إلى قسمين: حكم شرعي، وحكم كوني، ولهذا عندما يتحدث علماء أصول الفقه عن الأحكام الشرعية يقسمونها إلى قسمين: أحكام تكليفية، وأحكام وضعية، الأحكام الشرعية تأتي من الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه وتعالى الذي يشرع للناس الأحكام، ولا يمكن أن يشرع الله عز وجل شيئاً للناس إلا وفيه مصلحة وخير عظيم لهم.
ويمثل هذا النوع -الحكم الشرعي- قول الله عز وجل: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [يوسف:40] فالحكم هنا هو شرع الله عز وجل ودينه، وما أمر الله عز وجل به من الأوامر الشرعية، وهذه الأوامر متعلقة بحياة الإنسان العملية، والاعتقادية، والسياسية، والمالية، وبالعلاقات الشخصية، كما قال الله عز وجل: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]، ويقول الله عز وجل في سورة الممتحنة بعد أن ذكر جملة من الأحكام، قال: ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ [الممتحنة:10].
فهذا هو القسم الأول من الحكم وهو الحكم الشرعي، والحكم الشرعي هنا موافق لما يحبه الله ويرضاه، والعباد قد يفعلون ما أمر الله عز وجل به وقد لا يفعلون، وهذا سيأتي الحديث عنه -إن شاء الله- مفصلاً في الكلام على القضاء والقدر.
أما النوع الثاني من الحكم فهو: الحكم الكوني، يقول الله عز وجل عن أحد إخوة يوسف أنه قال: فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [يوسف:80]، ويقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة:1].
وهذا الحكم هنا موافق لصفة الخلق والإبداع ونحو ذلك.
فمن ذلك: أن الحكم لله عز وجل وحده لا شريك له، فلا يجوز للإنسان أن يشرك مع الله عز وجل حكماً آخر، ولهذا يقول الله عز وجل: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف:26]، الله عز وجل له الحكم، وهو الذي يشرع للناس، فلا يصح أن يشرك أحد مع الله عز وجل شريكاً في حكمه، والآية السابقة التي ذكرناها وهي قول الله عز وجل: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [يوسف:40] تدل على هذا المعنى، فإن العبادة حق خالص لله سبحانه وتعالى، فقد جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما كان رديفاً للنبي صلى الله عليه وسلم على حمار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً).
إذاً: إخلاص العبادة حق لله عز وجل، والحكم من العبادات، كما يدل على ذلك قول الله عز وجل: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [يوسف:40]، فهذا دليل على أن الحكم من هذه العبادات التي أمر الله عز وجل أن لا يشرك فيه معه أحد غيره.
فالذين يظنون أن السياسة لا علاقة لها بالدين ظنهم باطل، فإن السياسة الشرعية نوع من أنواع العبادة لله عز وجل، وأما السياسة الباطلة فتارة تكون شركية، وتارة تكون معصية وفسوقاً، وتارة تكون بدعة إذا كانت مخالفة لشرع الله عز وجل، وكل بحسب ما يعمل الإنسان.
ولهذا كان الدين جزءاً من أجزاء السياسة، وهي داخلة في عموم قول الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].
فالذين يظنون من الدعاة إلى الله عز وجل أنه لا علاقة للدعوة بالسياسة، أو لا علاقة للدين بالسياسة فهؤلاء يظنون خطئاً، وأخطئوا خطئاً كبيراً جداً في فهمهم لحقيقة الدين، فإن الدين شامل لحياة الإنسان كلها، شامل لأمواله، لعلاقاته، لسياساته، لأموره العامة والخاصة، ولكل أوضاعه، وهذا هو معنى قول الله عز وجل: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] على أحد التفسيرين في الآية، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة كل شيء حتى الخراءة، عندما يذهب الإنسان إلى الخلاء علمه صلى الله عليه وسلم ماذا يعمل؟ وكيف يفعل؟ وماذا يقول؟ ماذا يقول عند نومه؟ وماذا يقول إذا استيقظ؟ وعلم الإنسان كيف ينظف فاه بالسواك عندما يأتي إلى الصلاة، وشدد في ذلك صلى الله عليه وسلم حتى أنه قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).
هل تظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم الناس هذا الأمر وترك أمورهم العامة، وما معنى الغزوات إذاً التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما معنى الجهاد في سبيل الله الذي شرعه الله عز وجل وحث عليه؟ وما معنى البراءة من المشركين ومعاداتهم؟ وما معنى أحكام الجزية واسترقاق الأسرى؟ ما معنى هذه الأحكام الشرعية الواضحة لو كان هذا الجانب ليس من دين الله عز وجل، لاشك أن أي إنسان يعرف أحكام الله عز وجل، وأن الله أمر بالحكم بالشريعة، وأمر بالجهاد في سبيل الله، وأمر بالإغلاظ على المشركين وقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة:73]، أي إنسان يدرك هذه الأشياء جميعاً يعلم أن الله عز وجل ما أهمل السياسة، وإنما بين فيها الأحكام، وبين فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحكام من قوله وفعله، وأمر الله عز وجل أن يكون الحكم له سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.
ومن أشمل ما صدر في هذا الموضوع كتاب الدكتور عبد الرحمن المحمود : الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه، وهو من أنفع الكتب وأنفسها وأجودها في جمع مسائل هذا الباب، وفي ترتيبها، وفي صحة الرأي فيها.
ويقول الله عز وجل: لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88]، والحصر يدل على الاختصاص، ويقول الله عز وجل: أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:62]، ويقول الله عز وجل: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، ولهذا حكم الله عز وجل يجب اتباعه في كل شيء، سواء في أمور العقائد أو الأعمال العامة أو الخاصة، لابد أن يتبع الإنسان حكم الله سبحانه وتعالى.
وقد صنف العلماء في هذا الباب مصنفات، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية له كتاب يسمى: (أقوم ما قيل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل)، وهو موجود ضمن مجموع الفتاوى في المجلد الثامن، وكذلك موجود ضمن مجموعة الرسائل والمسائل التي حققها الشيخ محمد رشيد رضا في مجلدين.
وممن ألف في هذا الباب أيضاً: ابن القيم رحمه الله فله كتاب اسمه: (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل).
وممن ألف أيضاً: الشيخ محمد بن ربيع المدخلي له كتاب اسمه: (الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى).
وهناك رسائل كثيرة متعلقة بهذا الباب، لكن هذه من أبرز هذه الرسائل.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: الباب الثاني والعشرون في إثبات حكمة الرب تعالى في خلقه وأمره، وذكر الغايات المطلوبة له بذلك، والعواقب الحميدة التي يفعل لأجلها ويأمر لأجلها.
ثم ذكر الأدلة التي تدل على حكمة الله عز وجل، وميزة هذا الفصل: أنه وزع هذه الأدلة التي حصرها وجعلها على شكل أنواع، في كل نوع من الأنواع مجموعة من الأدلة.
فمثلاً يقول: النوع الأول: التصريح بلفظ الحكمة وما تصرف منها، كقوله تعالى: حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ [القمر:5]، وكقوله: وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [النساء:113]، وقوله: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269].
النوع الثاني: إخباره أنه فعل كذا لكذا، يعني: الإتيان بلام التعليل، كقوله تعالى: ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [المائدة:97]، وموطن الشاهد قوله: ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا [المائدة:97].
وقوله أيضاً: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12].
ومن ذلك أيضاً: قول الله عز وجل: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الحديد:29] إلى آخر الآيات التي ذكرها.
وفرق أيضاً في هذا النوع بين لام التعليل ولام العاقبة، فإن لام التعليل هو فعل الشيء لعلة معينة، لكن لام العاقبة، مثل قول الله عز وجل: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص:8] يعني: آل فرعون ما التقطوه من أجل أن يكون لهم عدواً وحزناً، لكن المقصود باللام هنا العاقبة، وبين ذلك، قال: فإن ما بعد اللام في هذا ليس هو الغاية المطلوبة، ولكن لما كان الفعل منتهياً إليه، وكانت عاقبة الفعل، دخلت عليه لام التعليل، وهي في الحقيقة لام العاقبة.
ثم ذكر أنواعاً أخرى قال: النوع السادس: ذكر ما هو من صرائح التعليل وهو من (أجل)، كقوله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32] وهذا صريح في أن الله عز وجل فعل هذا الفعل من أجل ذلك. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32].
قال: النوع الثاني: ذكر الحكم الكوني أو الشرعي عقيب الوصف المناسب له، فتارة يذكر (بأن)، وتارة يقرن (بالفاء)، وتارة يذكر مجرداً، فالأول كقوله تعالى: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:89-90]، وهكذا ذكر مجموعة كثيرة.
النوع العاشر: إخباره عن الحكم والغايات التي جعلها في خلقه وأمره؛ كقوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22]، وذكر مجموعة كثيرة من الأنواع التي فيها إثبات حكمة الله عز وجل، وأن الله عز وجل يخلق الشيء لحكمة.
إذاً: حكمة الله عز وجل ثابتة ولا شك فيها من ناحية العقل والشرع، والأدلة القرآنية مليئة بذلك، ولهذا كان من الأدلة الشرعية الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فالقياس دليل من الأدلة الشرعية وهو دليل معتبر، والقياس المراد به هو قياس الفرع الذي يراد أن يحكم فيه على أصل محكوم فيه سابقاً؛ لوجود علة بينهما، وهذه العلة صحيحة وواضحة، والقياس دليل من الأدلة الشرعية اتفق عليه أهل العلم جميعاً، ولم يخالف فيه إلا الظاهرية، واعتبرت مخالفة الظاهرية في القياس من البدع التي عندهم، ومنها أيضاً: إنكار مفهوم المخالفة والموافقة.
ابن حزم مثلاً يرى: أن الله عز وجل عندما قال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23] إلى قوله: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23].
فهو هنا نهي عن التأفف، ومفهوم الموافقة: النهي عن الضرب؛ لأنه أعظم وأشد، فيقول ابن حزم رحمه الله: لا يمكن أخذ النهي عن الضرب من هذه الآية؛ لأن هذه الآية غاية ما فيها النهي عن التأفف، ولاشك أن هذا خطأ كبير في فهم النصوص، ولهذا نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على أن هذه من بدع الظاهرية.
إذاً: القياس دليل مبني على العلة، وهذا دليل على أن الله عز وجل يشرع أحكامه لحكم وعلل حميدة ومفيدة، ولهذا فإن الذين أنكروا الحكمة والتعليل تورطوا في فهم للقياس، وكما أنهم يتحدثون في علم الكلام كذلك منهم يتحدثون هنا في أصول الفقه.
المعنى الأول: حكمة تعود على الرب سبحانه وتعالى يحبها ويرضاها.
والثاني: حكمة تعود على العبد فيها منفعة له ونعمة يفرح بها، ويتلذذ بها، وينشرح صدره لها.
هذه هي الحكمة التي يثبتها أهل السنة، فالله عز وجل عندما خلق الخلق وشرع الشرائع والأوامر فإنه خلقهم لحكمة، وقبل أن يخلقهم علم هذه الحكمة، وخلق الخلق لها، وكذلك قبل أن يشرع الشرائع شرعها لحكمة سبحانه وتعالى، هذه الحكمة التي في المخلوقات والمأمورات تعود إلى الله عز وجل وعباده، فأما معنى عودها إلى الله عز وجل فمعناه: أنه خلقها سبحانه وتعالى، وهو يعلم المصلحة المترتبة عليه، وهو يحب ما أمر به سبحانه وتعالى، وله في خلقه أيضاً حكمة عظيمة؛ حتى المخلوقات التي ظاهرها أنها ضرر وشر، ولهذا جاء في الدعاء المعروف: (والشر ليس إليك)، ومعنى الشر ليس إليك مع وجود بعض المخلوقات الشريرة في الحياة: أن الشر لا يعود إلى فعل الله عز وجل، وإنما يعود إلى مفعوله، يعني مخلوقه، وهو سبحانه وتعالى ما خلق شيئاً من الخلق -حتى إبليس- إلا لحكمة عظيمة ومصلحة متعلقة بالخلق.
فمثلاً: إبليس خلقه الله سبحانه وتعالى ابتلاء واختباراً للناس حتى يرى سبحانه وتعالى من يصدق المرسلين، ويتبع كلامه سبحانه وتعالى، ويعصي عدوه، ويجاهده، ويصبر على هذا الجهاد، بل قد يترتب عليه أنه يموت في هذا السبيل، وهذه لا شك أنها من أعظم الحكم وأجل الغايات، بل فيها من ظهور أسماء الله عز وجل وصفاته الشيء الكثير.
ففيها مثلاً: ظهور صفة العفو والمغفرة للعباد المخطئين.
وفيها أيضاً: ظهور صفة التجاوز والمسامحة.
وأيضاً: ظهور صفة المعية الخاصة لعباده المؤمنين، فكل ما خلق الله عز وجل من خلق فإنه خلقه لحكمة تعود عليه من جهة، وتعود على الخلق من جهة أخرى.
ولهذا تحدث ابن القيم رحمه الله كثيراً في هذا الكتاب -شفاء العليل- عن هذه القضية، حتى المخلوقات الشريرة المعروفة فإنها لحكمة عظيمة وهدف كبير، وقد بينا طرفاً من هذه الحكمة من أكبر الشر وهو إبليس عليه لعنة الله، وأما المأمورات فليس فيها شر؛ لأن مأمورات الله عز وجل كلها مصالح ومنافع للعباد علمها من علمها، وجهلها من جهلها.
إذاً: حكمة الله عز وجل تكون في خلقه وأمره.
فنفاة الحكمة وهم الأشاعرة يقولون: إن الله عز وجل لا يفعل الفعل لحكمة، وإنما يفعله لمحض المشيئة والإرادة، فإذا قال لهم أحد: إن الحكم واضحة في مخلوقات الله عز وجل. قالوا: هذه الحكم ليست قبل الفعل، وإنما هي بعد الفعل، وثمرة من ثمرات هذا الفعل، وأما الفعل فإن منشأه الأساسي محض المشيئة والإرادة وليس لحكمة أو غاية قبل الفعل.
أما مثبتو الحكمة فهم طائفتان:
الطائفة الأولى: المعتزلة: فقد أثبتوا الحكمة، وقالوا: إن الله عز وجل خلق الخلق لحكمة، لكن قالوا: إن هذه الحكمة تعود إلى العباد ولا تعود إلى الله عز وجل بوجه من الوجوه.
وقالوا كذلك: إن هذه الحكمة التي نعلمها بعقولنا واجبة على الله عز وجل، وهذا أصل عندهم يسمونه: إيجاب الأصلح على الله سبحانه وتعالى؛ فإنهم يرون أنه إذا كان الأصلح لهذا العبد أن يوفق لعمل من الأعمال، فيجب على الله أن يفعل هذا العمل. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، ولهذا يسميهم السلف الصالح: معطلة الصفات مشبهة الأفعال؛ لأنهم شبهوا الله عز وجل بخلقه في الأفعال.
الشاهد: أنهم حين أثبتوا الحكمة قالوا: إن هذه الحكمة ليست راجعة إلى الله، وإنما هي راجعة إلى العبد، يعني: هذه المصلحة والغاية راجعة إلى العبد وليست راجعة إلى الله سبحانه وتعالى.
والسبب في ذلك: أنهم ينفون الصفات، ويقولون: إن الله سبحانه وتعالى ليست له صفات، ويثبتون الأسماء على أنها أعلاماً محضة فقط، ولا تتضمن شيئاً من الصفات، وحتى العلم ينفونه، ويقولون: عالم بلا علم، فإذا قيل لهم: هل هو جاهل؟ قالوا: لا، علمه هو ذاته علمه هو ذاته. هكذا يقولون ويسفسطون.
وأما السلف الصالح رضوان الله عليهم فإنهم أثبتوا الحكمة، وقالوا: إن الله عز وجل يفعل الفعل لحكمة عظيمة، وهذه الحكمة التي خلق الخلق من أجلها، أو أمر بالشرع من أجلها تعود إليه؛ فهو يحبها سبحانه وتعالى ويرضاها، وتعود إلى العباد من ناحية أنهم يفرحون بها، ويلتذون بها، وتطمئن نفوسهم إليها.
والسبب الذي جعل الأشاعرة ينفون حكمة الله عز وجل أنهم قالوا: إن حكمة الله عز وجل لو أثبتناها للزم من ذلك أن الله عز وجل يفعل لغاية، قلنا: وما الذي يضر في هذا؟ إذا كان يفعل لغاية فهذا من الكمال، قالوا: لا، معنى هذا أن الله محتاج لهذه الغاية. ونحن نقول لهم: لا يلزم أن الله عز وجل محتاج لهذه الغاية التي خلق الخلق لأجلها؛ لأنه خلق مخلوقات كثيرة وهو غير محتاج إليها.
ثم إنكم أردتم الفرار وخفتم من إلصاق النقص بالله عز وجل بفهمكم السيئ فألصقتم به النقص بأوضح ما يكون؛ حيث قلتم: إنه يعمل لغير حكمة.
ولهذا وصل الأمر بالأشاعرة أنهم قالوا: إن الله عز وجل قد يدخل الصالحين النار، ويدخل الكفار الجنة، وأن هذا تحت مشيئة الله عز وجل، لو شاء لأدخل الصالحين النار، وأن هذا من إثبات قدرة الله.
ونحن نقول: نعم، الله عز وجل قدير، لكن قدرته مرتبطة أيضاً بحكمته فهو قدير حكيم، وليس كل فعل يقدر عليه الرب سبحانه وتعالى لابد بالضرورة أن يفعله.
أضرب لكم مثالاً في المخلوقات: أنت الآن إنسان عندك قدرة محدودة، تستطيع أن تنزع ثيابك وتمشي أمام الناس عريان، وهذا الأمر سهل وضمن قدرتك، لكن هل تستطيع أن تفعل؟ لا. لم؟ لأنه يوجد شيء آخر يمنعك من ذلك.
والله عز وجل -وله المثل الأعلى سبحانه وتعالى- قدير وقدرته عامة لكل شيء، لكنه يفعل الفعل لحكمة سبحانه وتعالى لا كما يظن هؤلاء أنه لا يفعل لحكمة، وإنما هو بصرف الإرادة كما يظنون ويزعمون.
بقي أن الأشاعرة الذين نفوا صفة الحكمة لله عز وجل نفوها في كتبهم المتعلقة بعلم الكلام، فلما جاءوا إلى كتبهم المتعلقة بأصول الفقه وبالأحكام وبالفقه ونحو ذلك تورطوا؛ لأنهم يثبتون القياس، فنجد عدداً كبيراً من الأشاعرة يثبتون القياس، مثلاً الفخر الرازي له كتاب اسمه: (نهاية العقول)، وله أيضاً: (معالم أصول الدين)، و(الأربعين في أصول الدين)، و(المطالب العالية)، وغيرها من الكتب الكلامية، يقرر فيها ما يقرره أصحابه من نفي الحكمة، لكن له كتب في أصول الفقه مثل (المحصول)، وهكذا الغزالي له (المستصفى)، و(الاقتصاد في الاعتقاد)، ولهم كتب في علم الكلام، ولهم كتب أيضاً في علم أصول الفقه، فلما جاءوا إلى أصول الفقه وأرادوا أن يقرروا الأدلة الشرعية بدءوا يحددونها أولاً: القرآن، وثانياً السنة، وثالثاً الإجماع، ورابعاً القياس، ولما عرفوا القياس قالوا: هو قياس فرع غير محكوم فيه على أصل محكوم فيه لعلة. قلنا: أنتم تنفون العلة في أمر الله وخلقه فكيف تثبتونها هنا؟ فتورطوا.
ولهذا أراد بعضهم الإجابة عن هذه المسألة فقال: إن العلة المقصودة في القياس هي علة معرفة وليست علة باعثة، فرد عليهم بأن الغزالي في (المستصفى) يقول: إن العلة في الأصول هي الباعثة على الحكم، فبعضهم أراد أن يخرج، قال: هذه العلة التي حصلت بعد الفعل وليس قبل الفعل، قيل: هذه لا تسمى علة بل تسمى ثمرة ونتيجة، فتورطوا فيها وتناقضوا تناقضاً كبيراً، ولهذا بعضهم في كتبه الكلامية حاول أن يثبت التعليل.
وقد انتقد الشاطبي رحمه الله في كتابه الموافقات فعل الغزالي والرازي وتذبذب بهما في ذلك، وبين أن أصلهما هو نفي الحكمة والتعليل في أفعال الله سبحانه وتعالى.
ويمكن أن يراجع في ذلك رسالة قيمة بعنوان: (مقاصد الشريعة وصلتها بالأدلة الشرعية) للدكتور محمد اليوبي ، تحدث فيها عن مقاصد الشريعة، وأنها مبنية على العلة، فإن استخراج مقاصد الشريعة هو معرفة لحكمة الله عز وجل في أمر العباد.
فمثلاً: الضروريات الخمس، وهي: حفظ العقل والنفس والدين والعرض والمال كل هذه مستنبطة من الأدلة الشرعية ومن التعليلات الشرعية الواردة في الكتاب والسنة.
السمع والبصر صفتان ثابتتان لله سبحانه وتعالى، والمصنف هنا لم يذكر في الاستدلال على هاتين الصفتين إلا دليلين.
(كان) هنا -كما يقول النحويون وأهل العربية-: تدل على الاستمرار والثبات الدائم، ولهذا عندما يبحث العلماء في أصول الفقه مسألة أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل مجرد الفعل يدل على استمرار، يذكرون في خضم هذه المباحث مسألة مهمة جداً وهي: أنه صدر الفعل بقوله: (كان)، فهو يدل على الاستمرار قطعاً، وإذا صدر الفعل بكان فهو يدل على الاستمرار؛ لأن من معانيها الاستمرار والثبات، فقوله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:134] تدل على الثبات والاستمرار.
وبعض أهل العلم قالوا: إنها بمعنى صفة الله عز وجل؛ لظنهم أنها تدل على الماضي، وإذا راجعتم كلام النحويين وكلام أهل العربية؛ فإنكم ستجدون أنهم يقررون أن (كان) تدل على الاستمرار.
روى البخاري رحمه الله حديثاً عن عائشة رضي الله عنها معلقاً، وهو: أن عائشة رضي الله عنها قالت: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات! فأنزل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1]).
والبخاري لم يكمل الحديث، وتمام الحديث كما هو معلوم: (أن
ثم ساق حديثاً بإسناده عن أبي موسى قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنا إذا علونا كبرنا، فقال: أربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً.. وإنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً) وهذا هو موطن الشاهد: (تدعون سميعاً بصيراً قريباً).
فقوله: (كنا إذا علونا كبرنا) هكذا كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا علا نشزاً كبر، وإذا نزل سبح، فكانوا يرفعون أصواتهم، فقال: (أربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً.. تدعون سميعاً بصيراً قريباً).
وساق أيضاً بإسناده عن عبد الله بن عمرو : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! علمني دعاءً أدعو به في صلاتي فقال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لي من عندك مغفرة، إنك أنت الغفور الرحيم).
هذا الحديث يبدو للناظر من أول وهلة أنه لا علاقة له بباب إثبات صفة السمع والبصر، فما هو وجه الدلالة؟ أو لماذا جاء البخاري رحمه الله بهذا الحديث في إثبات صفة السمع والبصر؟
يمكن أن نقول: إن هذا الدعاء يدل على صفة السمع من جهة أنه لو لم يكن الله عز وجل يسمع هذا الدعاء لما كان للدعاء فائدة، ولما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء، هكذا استدل البخاري رحمه الله بهذا الحديث على أن الله عز وجل يسمع.
ولهذا يقول ابن عقيل الحنبلي رحمه الله: إن هذا الحديث يدل على مجموعة من الصفات:
أولاً: وجود الله عز وجل؛ لأنه لو كان غير موجود لما صح دعاؤه.
ثانياً: السمع؛ لأنه لو لم يكن سميعاً ويسمع بسمع لما كان هناك دعاء.
ثالثاً: الغنى؛ لأن الفقير لا يدعى.
رابعاً: الرحيم؛ لأن القاسي والظلوم الذي ليس عنده رحمة لا يدعى.
خامساً: يدل على أن الله عز وجل عليم سبحانه، ويدل على مجموعة من الصفات ذكرها رحمه الله تعالى، وكل ذلك استنبط من الدعاء.
ثم أيضاً ساق حديث عروة : أن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن جبريل عليه السلام ناداني قال: إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك).
هذا جزء من حديث طويل: سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم عن أشد ما وجد من قومه، فذكر لها قصة، وهذا جزء منها وهو محل الشاهد: (إن الله قد سمع قول قومك، وما ردوا عليك) فهذه الأحاديث والآيات التي ساقها الشيخ جميعاً تدل على إثبات صفة السمع لله سبحانه وتعالى.
التحقيق في هذه المسألة: أن صفة السمع والبصر لها جانب ذاتي، ولها جانب فعلي، فأما الجانب الذاتي فهو باعتبار أصل الصفة؛ فإن أصل الصفة: أن الله عز وجل سميع بصير، فهي ذاتية بهذا الاعتبار، بمعنى: أن الله عز وجل ليس أصماً وليس أعمى كما هو عكس هاتين الصفتين. وأما باعتبار تعلقها بالمسموعات وتعلقها بالمبصرات فهي فعلية، ولهذا لا تعلق للسمع والبصر بالمعدوم، بل السمع والبصر يتعلق بالشيء بعد وجوده، فالسمع يتعلق بالمسموعات بعد أن توجد، والبصر يتعلق بالمبصرات بعد أن توجد.
السمع والبصر قدر زائد على مجرد العلم والإدراك، فالعلم والإدراك صفة، والسمع والبصر صفتان زائدة على مجرد العلم، ولهذا ذكر العلماء رحمهم الله: أن تفسير السمع والبصر بالعلم تأويل؛ لأن السمع والبصر قدر زائد على العلم؛ لأن الأعمى قد يعلم أن الأرض خضراء وهو لم يرها، والأصم قد يعلم مثلاً بالشيء وهو لم يسمعه، فهذا يدل على أن السمع والبصر كما قال الحافظ رحمه الله قدر زائد على مجرد العلم والإدراك، وأما من فسره بالعلم والإدراك فهو تأويل لهاتين الصفتين لله سبحانه وتعالى.
نعم. إن إبصار الله عز وجل يكون بعينين سبحانه وتعالى، وقد نص على ذلك الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى في كتابه التوحيد؛ فإنه قال: نحن نقول: لربنا عينان يبصر بهما ما تحت الثرى.. إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.
ويدل على ذلك قول الله عز وجل: لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] فالله عز وجل يرى ورؤيته هي بصره، ويقول الله عز وجل: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14]، ويقول سبحانه وتعالى: فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105] إلى آخر الآية.
الجواب: منفعة الخلق في خلق إبليس هو الابتلاء؛ لأنه إذا وجد من يوسوس، ووجد من يرد هذه الوسوسة بالجهاد. فهذا جميعاً يدل على أثر صفة من صفات الله عز وجل، وهي العفو والمغفرة ونحو ذلك.
والمقصود من قوله: (ليعلم) أي: ليوجد الدفع من الإنسان، فيكون له المغفرة، وليس المقصود مجرد العلم.
الجواب: لا يلزم أن تعرفها، لكننا ننبه عليها اتقاء لشرهم، فنحن لسنا في حاجة إلى ذكر كلام أهل الكلام، ومناقشة أهل الكلام، وإنما نحن نذكرهم من أجل الرد عليهم، ولكثرة الفساد الذي سببوه بسبب العقائد التي عندهم.
الجواب: لا شك أن التحاكم إلى أعراف القبائل، بمعنى: أن يكون هناك دعوى، ويستمع لها، ونحو ذلك، فلا شك أنها من التحاكم إلى غير الشرع، ولهذا لو رجعتم إلى كتاب تحكيم القوانين للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ستجدون أنه ينبه على هذه المسألة، وأنها من التحاكم إلى الطاغوت، وكذلك نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة.
الجواب: الحكم الكوني معناه: أن الله عز وجل أراد وقدر وحكم بوجود هذه المخلوقات التي في الكون، وأنه ليس هناك شيء من الأشياء قد قدرها الله عز وجل إلا وقد حكم بها، ولا يمكن أبداً أن يحصل شيء في كون الله عز وجل وهو لم يحكم عليها.
نكتفي بهذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر