يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء].
إذاً الأولياء المعنيون في كلامنا هذا هم أهل التقوى وأهل الإيمان، ممن جمع بين أمرين: الأمر الأول: صحة الاعتقاد، والأمر الثاني: صحة العمل، فليس من أولياء الله عز وجل من كان صاحب عقيدة باطلة وفاسدة، وكذلك ليس من أولياء الله عز وجل من كان فاسد الأخلاق أو مرتكباً للنواهي ومفرطاً في الأوامر.
إذاً الأولياء المقصودون هنا هم: أهل السنة والجماعة فعلاً وحقيقة، وليس انتساباً ورسماً فقط، فالفاسق والعاصي والمبتدع لا يدخلون في الأولياء.
أما عقيدة أهل السنة في كرامات الأولياء فهم يعتقدون أن كرامات الأولياء جارية على أيدي أولياء الله سبحانه وتعالى، وهي أمور خارقة للعادة والطبيعة والجبلة، وهي داخلة ضمن معجزات الأنبياء، ومعنى قولنا: داخلة ضمن معجزات الأنبياء يعني: أن هذه الكرامات تدل على صحة وصدق الأنبياء، فلو لم يكن مصدقاً بالأنبياء ومؤمناً بحقيقة دينهم لما صح أن يكون ولياً، ثم لما صدق بصحة الأنبياء أجرى الله عز وجل على يديه هذه الكرامات، إذاً فهذه الكرامات فرع من معجزات الأنبياء، ولهذا قال بعض العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم حصلت له جميع معجزات الأنبياء، وذكر بعض أهل العلم ممن شرح العقيدة الواسطية نماذج لبعض المعجزات التي صارت للأنبياء ولم تعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذاته، مثل: إلقاء إبراهيم عليه السلام في النار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلق في النار، لكن قلنا: إن كل معجزة من معجزات الأنبياء فقد أجراها الله عز وجل معجزة لرسوله صلى الله عليه وسلم سواء كانت منه هو صلى الله عليه وسلم أو وقعت كرامة لأحد الأولياء من المسلمين المتبعين له عليه الصلاة والسلام، فمعجزة إبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار حصلت كرامة لـعبد الله بن ثوب المكنى بـأبي مسلم الخولاني فإنه ألقي في النار، والذي ألقاه الأسود العنسي، فلم يحترق، ومعجزة انفلاق البحر لموسى عليه السلام حتى جرى على اليبس حصلت للعلاء بن الحضرمي ، فإنه دعا الله عز وجل وخاض في الماء حتى قطع النهر ولم يغرق أحد لا من الخيل ولا من الرجال، وهكذا العديد من النماذج المتعددة والتي نجد من خلالها أنه لم تكن المعجزة في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قوله وإنما كانت في ولي من أولياء الله عز وجل المصدقين به، فلما كانت هذه المعجزة في أحد الأولياء ممن صدق بنبوة النبي كان ذلك أيضاً معجزة له صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو لم يكن هذا الولي مصدقاً بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم لما أجرى الله عز وجل هذه الكرامة له.
وهذا ما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في النبوات وقد بينها ووضحها.
ومن جهة أخرى نجد أن المعجزات التي صار فيها تحدٍ للكفار لم تحصل للأولياء، فمثلاً: القرآن معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم لم يحصل لأحد من الأولياء، وهكذا النار التي ألقي فيها إبراهيم، فهي وإن ألقي أبو مسلم الخولاني في النار ولم يحترق إلا أنها ليست مثلها، فهي أقل منها حجماً وقوة، وأيضاً بقية المعجزات الأخرى وإن توافقت في الصورة إلا أن معجزة النبي أقوى، وهذا الفرق الأول.
الفرق الثاني: هو أن كرامة الولي ليست مصحوبة بادعاء النبوة، بينما معجزة النبي فيها دعوى النبوة وهي دعوى صادقة. ومن جهة ثانية: لو أن الولي ادعى النبوة لما صار ولياً، ولما صار العمل الذي جاء على يده كرامة خارقة، وإنما يكون سحراً أو كهانة أو أي أمر آخر.
الفرق بينهما: أولاً: هو أن الكرامة ليست علماً يتعلم مثل السحر والكهانة.
وثانياً: أحوال الأولياء تختلف عن أحوال السحرة والكهنة، فإن أحوال الأولياء هي الصدق والعمل الصالح والبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والإيمان الحق لله سبحانه وتعالى.. وما إلى ذلك من الأعمال الفاضلة الصالحة الكثيرة التي تدل على صلاح صاحبها، بينما الساحر معروف أنه كذاب وأنه أثيم وأنه دجال وأنه يكذب على الناس وأنه يتعامل بوسائل منحرفة.. إذاً حالة الساحر تختلف عن حالة الولي، فما يحصل عند الساحر من خوارق العادات يدل حاله على أنه ساحر، وأما الولي فإنه صادق، آمر بالمعروف وناه عن المنكر، تقي ويصلي لله عز وجل دائماً، مؤمن وصاحب عقيدة صحيحة، وإذا حصل لصاحب هذه الأعمال شيء خارق للعادة فإنه يكون كرامة ولا يصح أن يقال عنها سحراً.
والكرامة ليست أمراً يطلب، وإنما هي هبة من الله عز وجل، ولا تدل على أفضلية من أجراها الله عز وجل على يده، كما قال ابن تيمية رحمه الله: إن الكرامات في جيل التابعين ومن بعد جيل التابعين أكثر من جيل الصحابة؛ لأن الكرامة - في بعض الأحيان - يكون من مقاصدها تثبيت صاحبها، ومن هنا فإن الصحابة رضوان الله عليهم كان تعلقهم بالوحي ونظرهم إليه كافياً في تثبيتهم على الإيمان، بينما احتاج من جاء بعدهم إلى الكرامة، ومع هذا لا يقال: إن التابعين أفضل من الصحابة، فليس كل من يحصل منه كرامة يدل على أنه أفضل ممن لم يحصل منه الكرامة إذا اجتمعوا في الولاية.
وهكذا لو قال إنسان: إن من كرامات هذا الإنسان أنه يبارك لكل متزوج، بمعنى: أنه يجامع زوجته ويفتض بكارتها قبله حتى يباركها، وهذه من كراماته وخصوصياته، وهذا زنا، وليست من الكرامات، فإن الكرامات لا تكون مخالفة لأحكام الشرع.
وأيضاً من الكرامات الواردة في السنة ما ذكر في كتاب الأنبياء من صحيح البخاري في باب ما ذكر عن بني إسرائيل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر مجموعة أحاديث هي من الكرامات.
ومن الكرامات التي وردت في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: قصة جريج العابد وكان من الأمم السابقة والذي جاءته أمه وهو يصلي في صومعته، وقالت: يا جريج! أنا أمك، كلمني -وكان في صلاته- فقال في نفسه: رب! أمي أم صلاتي، فرجح صلاته، فنادته مرة أخرى وكان في صلاته أيضاً فرجح الصلاة على أن يكلم أمه، فدعت عليه، قالت: اللهم! إن هذا عبدك جريج جئت فطلبت منه أن يكلمني فلم يكلمن، اللهم! لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، فزنى راعٍ من الرعاة ببغية من القرية فحملت منه ثم ولدت، فقيل لها: ممن هذا؟ قالت: من الراهب الذي في الصومعة، فجاءوا ومعهم الفئوس وأرادوا تحطيم صومعته فنادوه وكان في صلاته فلم يخرج، فبدءوا يحطمون فيها فخرج إليهم، وسمع كلام البغية فتبسم ثم وضع يده على ناصية الطفل وقال: من أبوك يا غلام؟! فقال: أبي فلان الراعي!! والعادة أن الغلام لا ينطق، وهذه من كرامات الأولياء.
ومن كرامات الأولياء التي وردت في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار، فسقطت على باب الغار صخرة كبيرة سدت باب الغار، فدعوا الله عز وجل بأعمالهم الصالحة ثم فتحت هذه الصخرة.
وهناك نماذج كثيرة، منها: قصة الأبرص والأقرع والأعمى عندما جاءهم الملك وامتحنهم. ونماذج متعددة أخرى.
ومن الكرامات التي حدثت لجيل الصحابة: كرامة أسيد بن حضير عندما كان يقرأ القرآن، فجاءته السكينة ونزلت عليه وهو يقرأ القرآن كما في صحيح البخاري .
ومنها أيضاً: قصة العلاء بن الحضرمي عندما مشى على النهر.
ومنها: قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما علم أن ما في بطن زوجته أنثى، وسيأتي معنا الإشارة إلى هذا.
وأيضاً ممن ألف: ابن تيمية رحمه الله، فقد أشار إلى موضوع كرامات الأولياء في كتابين من كتبه، الكتاب الأول هو: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، والكتاب الثاني هو: كتاب النبوات، وكلامه في الكتاب الأول أكثر من كلامه في الكتاب الثاني، وغيرها من مصنفاته رحمه الله تعالى.
قوله: في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات يدل على أن الكرامات تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: في العلوم والمكاشفات.
والقسم الثاني: في القدرة والتأثيرات.
ويمكن أن نقسمها إلى قسمين: القسم الأول هو: القسم العلمي، والقسم الثاني هو: القسم العملي.
فأما قوله: في أنواع العلوم: فيمثلون لهذا بقصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه التي سبقت.
وأما قوله: المكاشفات: فيمثلون لها بقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنه كان على المنبر يوماً من الأيام، فصاح قائلاً: يا سارية ! الجبل، يا سارية ! الجبل، يا سارية ! الجبل، وكان سارية أحد قادة عمر في العراق، وتبعد المدينة عن العراق بمفازات كبيرة جداً، فكشف لـعمر أن سارية قد حوصر من العدو، وأن نجاته تكون بالجبل، فنادى عمر على منبره فانتقل الصوت إلى سارية فسمعه، يقول سارية : فسمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصيح قائلاً: يا سارية ! الجبل، فانحزت إلى الجبل، فانتصر بذلك على عدوه، وهذا حديث صحيح صححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في كتابه: سلسلة الأحاديث الصحيحة.
وأما القدرة والتأثيرات: فهو على نحو ما سبق أن أشرنا إليه في قصة العلاء بن الحضرمي ، وأيضاً في قصة سعد بن أبي وقاص ، فإنه سار على ماء دجلة حتى قطع النهر من دون أن يغرق.
وثانياً: أن الولي لا يكون ولياً إلا إذا صدق بالنبي، فكرامة الولي فرع عن معجزة النبي كما سبق أن أشرنا، فليس هناك تعارض بينهما. ثم إن حال الولي يختلف عن حال النبي، فالولي وإن كان صالحاً إلا أنه يعترف أنه ليس بنبي، ولو ادعى النبوة لما صار ولياً ولما جرت على يده الكرامة.
وفي كتاب: جامع كرامات الأولياء لـيوسف بن إسماعيل النبهاني ، وهو أحد الصوفية المتقدمين الذين كانوا في القرن الماضي وفي زمن الدولة العثمانية من الأشياء العجيبة، ومثاله كتاب طبقات الصوفية للشعراني ، ومثل هذه الكتب تحكي الكرامات الغريبة، فبعضهم يقع في الزنا ويسمي هذا كرامة! وبعضهم ينام مع الكلاب والدواب والخنازير في أماكنها ويسمي هذا كرامة! وبعضهم يأتي مبيته ومسراه ورجوعه إلى الأماكن القذرة والوسخة ويقولون: إن هؤلاء من كبار الأقطاب! وهذا ما يكون في الجانب العملي.
وأما في الجانب العلمي فإنهم يدعون من الكرامات ما لا يخطر على بال، فيدعون أنهم يعلمون الغيب، ويدعون أنهم يعلمون الظاهر والباطن، وأنهم يعلمون كل شيء دون العرش، وأنهم يشرعون للناس، وأن الشرائع التي يقولونها هي ملزمة لهم كما أن القرآن ملزم للناس! ونحو ذلك من الأكاذيب والدجل والكفر المبين.
(اتباع آثار الرسول صلى الله عليه وسلم) مثل: محبة الله، والخوف من الله والتوكل على الله.. ونحو ذلك من الأعمال القلبية الباطنة وهي من أعظم الإيمان.
وظاهراً أي: اتباع السنة الظاهرة، مثل: إطلاق اللحية، وتقصير الثياب، والدعوة إلى الله، والجهاد في سبيل الله، والصلاة مع المسلمين، وحضور الصف الأول، والزكاة، وكثرة قراءة القرآن، والتسبيح، والإتيان بالأوامر ونحو ذلك من أعمال الظاهر. فتجد أن أهل السنة من يلتزمون بهذا وذاك.
وقد انحرفت طوائف عن فهم السنة في هذا الموضوع، فنجد مثلاً أن طائفة تركز على أعمال القلوب، وتقول: أهم شيء هو محبة الله والخوف من الله وغيرها من الأعمال القلبية، وتسمي الأعمال الظاهرية قشوراً، وأنها ليست مهمة، فهي قشور ظاهرية. وهذا باطل، فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حريصين على التشبه به في صلاته مثلاً: كوضع اليدين على الصدر وغيرها.
فكانوا يتشبهون به طريقة الصلاة، إلى درجة أنهم حفظوا كل شيء في صلاته وفي صيامه وفي سكونه وفي حركته وفي حجه صلى الله عليه وسلم، والتزموا بما جاء عن الرسول الكريم في ظاهرهم وباطنهم، فالذين يقولون: إن الالتزام بأحكام الإسلام إنما هو من الاهتمام بالقشور أخطئوا خطأً كبيراً وعظيماً وخالفوا منهج أهل السنة في هذا الموضوع.
واعتقدت طائفة أخرى عكس اعتقاد الطائفة السابقة فأصبحوا يهتمون بالظاهر ويهملون الباطن، فتجد أنهم يهتمون بإطلاق اللحية وبتقصير الثياب، والصلاة بالنعال ونحو ذلك من الأعمال الظاهرة ويهملون الباطن إهمالاً كبيراً، وهذا أيضاً من الخطأ، فلا بد من التوازن والانضباط في شخصية المسلم والداعية إلى الله عز وجل، ولا بد أن يهتم بالأمرين جميعاً، وأصحاب الباطن الذين يتكلمون عن الاهتمام بالباطن لو اهتموا بالباطن حقيقة لنتج عن ذلك الاهتمام بالظاهر، لكن لوجود شبهة عندهم في عدم الاهتمام بالظاهر أصبحوا يقصرون فيه تقصيراً عظيماً، ولهذا كان من منهج أهل السنة اتباع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء .. في الظاهر وفي الباطن، فلا يصح أن يقال: إن الاهتمام بالظاهر من القشور، ويقال: إنكم أزعجتم الناس بالاهتمام بالظاهر وأشغلتم الناس باللحية وبتقصير الثياب، والناس أحوج ما تكون إلى الاهتمام الباطن، وهذا من الخطأ فإنه يجعل دين الله يعارض بعضه بعضاً، مع عدم وجود أي معارضة، فدين الله عز وجل دين واحد وليس هناك معارضة فيه، فليس الاهتمام بالباطن معارضاً للاهتمام بالظاهر، وليس الاهتمام بالظاهر معارضاً للاهتمام بالباطن، بل لا بد أن يكون الجميع على وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار]. ولهذا من خالف طريقة الصحابة ومن خالف منهجهم هو ليس منهم، وبالتالي لا يكون من أهل السنة والجماعة.
فلم يُحفظ أبداً ولم يدّعِ أحد ممن يوثق بدعواه أن الصحابة رضوان الله عليهم تورطوا في الفرق التي افترقت عن جماعة المسلمين كالخوارج.. والشيعة.. والقدرية.. والمرجئة.. والجهمية.. والأشاعرة.. والصوفية.. فلا يعرف أبداً أن أحداً الصحابة رضوان الله عليهم كان متورطاً في إحدى هذه الفرق، ولا ينسب إلى الصحابة ما نسبه إليهم ذلك الدكتور علي سامي النشار وغيره من الكتاب الذين يكتبون في العقائد.. وكل ما نسبوا إلى الصحابة من الإرجاء فكلامهم باطل وفاسد، فالصحابة كانوا أعظم الناس التزاماً بالعلم والعمل والجهاد.
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [واتباع وصية النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) والنواجذ هي: الأضراس، (وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة)].
ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد، ولهذا سموا: أهل السنة والجماعة، وقد سبق أن تحدثنا عن مفهوم أهل السنة والجماعة، وبينا أن طريقتهم هي الالتزام بالسنة والجماعة.
وقد يقول قائل: كيف تردون على الفرق الضالة وأنتم تدعون أنكم تسعون إلى وحدة جماعة المسلمين؟
فنقول: إن من السعي إلى وحدة جماعة المسلمين رد العدوان والباطل عنها، ومن الباطل: هدم الفرق الضالة، فليس المقصود عندما نقول: إنهم سموا الجماعة.. الحرص على الجماعة أياً كانت، وبأي طريقة، فلو قال إنسان: نريد أن نحرص على جماعة النوع الإنساني، فنجمع كل الناس بكل أديانهم، فهذا مجنون؛ لأن اليهود لن يتنازلوا عن يهوديتهم، ولا المسلمين عن إسلامهم، ولا النصارى عن نصرانيتهم، ودعواه هذا كفر جديد جاء به وهو جمع الأديان.
وكذلك الذي يقول: نريد أن نجمع الفرق الضالة مع جماعة أهل السنة والجماعة. فهذا يريد أن يجمع الحق مع الباطل، والله عز وجل يقول: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:42].
والجماعة التي ندعو إليها ونحرص عليها هي جماعة أهل السنة، فهذه الجماعة ليست جماعة عضوية، أي: مجتمعين في بلد واحد ولهم حزب واحد، فهي ليست كذلك، وإنما هي جماعة وصفية، بمعنى: أن جماعتهم جماعة أوصاف، من تحققت فيه هذه الأوصاف فإنه منهم، سواء تعرف عليهم أو لم يتعرف عليهم، وسواءً كان من بلاد العرب الأخرى، أو من بلاد المسلمين الأخرى، أو من أي مكان آخر في الأرض وسواء كان رجلاً أو امرأة، أو كان عالماً أو غير عالم، وسواءً كان متخصصاً في العقيدة والعلوم الشرعية أو كان متخصصاً في الحاسب الآلي أو الهندسة أو الطب أو في أي مجال من المجالات، فإذا وجدت فيه الصفات والمقاييس الأساسية التي عند أهل السنة فهو من أهل السنة، ولا يخرج الإنسان عن وصف أهل السنة والجماعة إلا بالابتداع.
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [وسموا أهل الجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع، وضده الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين ].
ولا يجوز أن يحصل هناك فرقة بين أهل السنة، وقد تحصل لكنها لا يجوز أن تكون، فقد يغضب بعض المسلمين على بعض، ويحصل بينهم اقتتال ومشكلات مثلاً، وكل هذا لا يجوز، فأهل السنة يجب أن يجتمعوا مع بعضهم ما دام أنهم من أهل السنة، ولا يصح أبداً أن يختلفوا من أجل اجتهاد سائغ شرعاً أو من أجل خلاف شخصي.
فالخلاف الشخصي لا يجوز أن يفرق جماعة أهل السنة، والاجتهاد الشرعي الذي استكمل شروطه الشرعية لا يجوز أن يفرق أهل السنة أبداً كذلك، وإذا ابتدع أحد خرج من أهل السنة ولا يهمنا الاجتماع معه، لكن أهل السنة أنفسهم لا يجوز أبداً أن يتفرقوا بسبب الخلافات الشخصية أو بسبب اجتهادات سائغة شرعاً، وأهل البدع الذين فارقوا السنة لا يجوز الاجتماع معهم وإقرارهم على الباطل، وإنما يجب توجيه الدعوة إليهم ونصيحتهم لعلهم ينتهون عما هم عليه من الباطل.
الإجماع موضوع متعلق بأصول الفقه ويمكن أن يراجع في كتب أصول الفقه، وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة.
فإذا أردتم أن تزنوا فكراً أو عقيدة أو منهجاً، فإن الميزان هو القرآن والسنة، وإجماع الصحابة. والدليل على أن إجماع الصحابة وسنتهم ومنهاجهم وطريقتهم معتبرة قول الله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115] وهذا يدل على أن سبيل المؤمنين معتبر.
وأما من السنة: فقوله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) وهذا الحديث حسنه الشيخ الألباني في تعليقه على كتاب السنة لـابن أبي عاصم رحمهم الله جميعاً.
ثم ضبط المصنف الإجماع؛ لأنه نقلت كلمة عن الإمام أحمد وهي قوله: من ادعى الإجماع فقد كذب، وما يدريه لعل الناس اختلفوا. وهذه الكلمة ليست على إطلاقها، بمعنى: أنه لا يوجد إجماع أبداً، وإنما المقصود: النهي عن التوسع فيه لعدم وجود المخالف عند الشخص نفسه، أي: أنك لا تجد مخالفاً فتقول: أجمع على ذلك المسلمون، فهذا خطأ.
ولهذا أراد ابن تيمية رحمه الله تعالى أن يضبط الإجماع، فقال: [والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح - يعني: الصحابة وأصحاب القرون الثلاثة الأولى المفضلة أي: التابعين وأتباعهم فقط- إذ بعدهم كثر الخلاف وانتشر في الأمة ] فما يدري الإنسان لعل عالماً يكون مخالفاً لما عليه الآخرون.
والإجماع ما زال سارياً في الأمور العصرية، فمثلاً: بناء الدور الثاني في المسعى، فقد أجمع أهل العلم على جواز السعي في الدور الثاني ولم يخالف في هذا إلا عالم واحد وهو الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى، وهكذا نجد نماذج معاصرة يمكن أن يصح فيها الإجماع خصوصاً مع وجود الاتصال والمواصلات في هذا الزمان، ولهذا تكونت المجامع الفقهية منها: المجمع الفقهي الإسلامي الموجود في منظمة المؤتمر الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي الموجود في رابطة العالم الإسلامي، وهذه المجامع أقل ما يقال فيها: إنها تحكي اجتهاداً جماعياً، والاجتهاد الجماعي لا شك أنه أفضل من الاجتهاد الفردي.
لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة جداً وهي: أنه مرت فترة على المشتغلين بالدعوة الإسلامية والعمل وبالبحوث الإسلامية، مرت فترة صوّر كثير من هؤلاء أن منهج أهل السنة والجماعة هو منهج خاص بالعقائد النظرية، فإذا قيل عند هؤلاء: منهج أهل السنة والجماعة، تبادر إلى ذهنهم مباشرة: عقيدتهم في الأسماء والصفات .. عقيدتهم في القدر .. عقيدتهم في الإيمان، وانتهى الموضوع عند هذا الحد، وانحرف بسبب هذا التصور طائفتان متقابلتان:
الطائفة الأولى انحرفت عندما ظنت أن منهج أهل السنة والجماعة هو منهج نظري محصور في أبواب نظرية معينة في العقيدة فذهبوا يطلبون بقية أمور الدين من غير منهج أهل السنة، وقالوا: إن أهل السنة ليس عندهم شيء من أعمال القلوب والإيمان والتقوى والإخلاص، فاتجهوا نحو التصوف، وأرادوا إشباع هذه الحاجة بالتصوف، ولهذا تجد هذه الطائفة تقول: نحن منهجنا أو دعوتنا دعوة سلفية وطريقتنا طريقة صوفية، فيجمعون بين دعوة سلفية أي: على طريقة أهل السنة والجماعة، وطريقة صوفية، وقالوا: دعوتنا دعوة السلف في مسائل نظرية، فأنا في الأسماء والصفات أوافق السلف، وفي القدر واليوم الآخر موافق للسلف، وهكذا.. لكن أعمال القلوب يتصور أن السلف ليس لديهم منهج في هذا الموضوع، فاتجه نحو التصوف لتكملة هذا الجانب، مثل موضوع الدعوة إلى الله عز وجل، حيث ظن أن السلف الصالح ليس عندهم منهجاً متكاملاً في الدعوة إلى الله سبحانه، فاتجه إلى اختراع مناهج جديدة في الدعوة إلى الله عز وجل، ولهذا ظهر من يطالب بجمع الطوائف جميعاً بحجة أننا في زمن انكسرت فيه شوكة المسلمين العامة، فنحتاج إلى جمع الطوائف جميعاً لا على عقيدة أهل السنة، بل نجمعهم جميعاً ونترك الخلافات فيما بين هذه الطوائف، ولهذا يطالبون دائماً أن نسكت عن الخوارج وعن الشيعة، وعن المرجئة، وعن الجهمية، وأن نسكت عن الأشاعرة، وأن نسكت عن الصوفية، ويقولون: لا تتكلموا في هذه الأمور، فإنكم بذلك فرقتم المسلمين وشققتم صفوفهم، وهذا باطل؛ لأن جمع الناس بهذه الطريقة غير ممكن شرعاً وعقلاً، أما من ناحية الشرع فلأن الله عز وجل نهى عن لبس الحق بالباطل، وهؤلاء على الباطل، فكيف نلبسهم بالحق ونجمعهم مع أهل الحق ونسكت عن تبيين الحق وعن الرد على الباطل؟! فهو مخالف لشرع الله وقد سبق أن أشرنا إلى نماذج من مخالفة هذا الرأي لشرع الله عز وجل.
ومن جهة أنه غير ممكن واقعاً، فهؤلاء لو استمروا وقد استمروا في الدعوة إلى هذه الفكرة مدة ستين سنة تقريباً وهم يشتغلون في جمع الطوائف فما توصلوا إلى نتيجة، ولم يجمعوا أحداً، وإنما كونوا رأياً جديداً وهو: إرادة جمع الطوائف، فلم يجمعوا أهل السنة مع الخوارج.. وإنما بقي الخوارج على معتقداتهم، وبقيت الشيعة والمرجئة على معتقداتهم وبقي أهل السنة على سنتهم، ولم يجمعوا أحداً، وهذا دليل على بطلان هذه الفكرة واقعاً عملياً.
وأنا أتوقع بل أؤكد أن السبب عند الذين دعوا إلى هذه الفكرة هو أنهم يتصورون أن منهج أهل السنة هو منهج نظري تجريدي، ولهذا دائماً تجد هؤلاء مثلاً يقولون: لماذا لا تتكلمون مع الناس في مسائل أعمال القلوب؟ فهم يتصورون دائماً أن أهل السنة والمشتغلين بالدعوة إلى العقيدة الصحيحة أنهم يدعون إلى عقائد نظرية فقط، وأما أعمال القلوب والدعوة إلى الله عز وجل فيتصورون أن أهل السنة ليس لديهم منهج متكامل، ولهذا وجد في واقع المسلمين في حياتنا وفي أماكننا التي نعيش فيها دعاة عندهم هذا الانفصام، فتجد أنه على عقيدة أهل السنة في الأسماء والصفات وفي القدر، لكنه في أعمال القلوب يتجه نحو التصوف، فتجد أنه يذهب إلى شيخ يدرس على يديه التصوف، ويبدأ يشتغل معه التصوف ويعتقد أن هذا هو المنهج الصحيح، بل إنهم يشجعون طلابهم ويشجعون من يعرفون لهذه الطريقة وهذا المنهج، وهذا لا شك أنه منهج منحرف في التربية، فليس هذا بصحيح، فأهل السنة أصحاب منهج كامل في العقائد النظرية، وفي الأخلاق، وفي أعمال القلوب وتزكية النفوس، وأصحاب منهج كامل في الدعوة إلى الله، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي السياسة الشرعية، وفي كل أمر من أمور الدين، ولهذا يعتبر منهج أهل السنة هو منهج الإسلام الصحيح وبهذه الطريقة سنفهم الإسلام بشكل صحيح، أما إذا ظن البعض أن منهج السلف هو عبارة عن قضايا نظرية حينئذ سيتجهون إلى الباطل في بقية الأمور، وهذه هي الطائفة الأولى التي انحرفت بسبب هذه الفكرة.
وانحرفت طائفة أخرى بسبب الفكرة ذاتها، لكنها ضد الأولى فأقروا ضمنياً - وإن لم يقروا حقيقة بشكل علني - أن عقيدة أهل السنة هي عقيدة لتصحيح العقائد النظرية الخاطئة التي وقعت فيها الفرق الضالة، ثم لما ظنوا أن هذا هو منهج أهل السنة اكتفوا به، ولهذا أهملوا أعمال القلوب وتزكية النفوس، وأهملوا حسن الأخلاق والآداب وكرائم الصفات، وأهملوا الدعوة إلى الله عز وجل بشكل متنوع وبشكل قوي بحيث أنهم يستطيعون إقناع الآخرين والتأثير فيهم بأساليب متنوعة وقوية، ولهذا حصروا أنفسهم في أساليب محددة وقالوا: إن وسائل الدعوة توقيفية، وأنها غير قابلة للتجدد، وهذا خطأ كبير، لوجود هذه الفكرة الخاطئة عند هؤلاء وجد شباب قد يتجرءون على أهل العلم ويستسهلون القذف بالبدعة والقذف بالخروج عن السنة مباشرة، فتجد الواحد منهم هجاماً على النصوص، وينتقد العلماء لأسهل ما يكون، ويقل أدبه كثيراً مع أهل العلم، وتجد أن بعضهم بهذا الخطأ التربوي الشنيع يقول مثلاً عن أهل العلم السابقين: إنهم لا يختلفون ولا يتفاوتون عنا، وهذا خطأ. فليس كونك رجل وهو رجل يقتضي أن تكون مثله، فالصحابة رجال ونحن رجال، وهم أفضل منا، وأبو بكر رجل وخالد بن الوليد رجل، لكن أبا بكر أفضل، والرسول صلى الله عليه وسلم رجل وأنت رجل، ورسول الله أفضل منك.
وبسبب هذه النظرة القاصرة وهي أنهم تصوروا أن الاعتقاد اعتقاد نظري فقط أفرز هذا عندهم إهمال هذه الأمور، فنتج عندهم كسل في الدعوة وقلة تأثير في الناس وعدم استكمال الوسائل المتاحة الممكنة في التأثير في الخلق، وأفرز عندهم سوء خلق في التعامل مع المسلمين وفي التعامل مع الآخرين، وصار بعضهم والعياذ بالله لا يجيز الترحم على شخص وقع في بدعة. ولا شك أن مسألة الترحم تقال بأكثر من وصف، وإذا جاء إنسان مثلاً وقال: عمرو بن عبيد رحمه الله تعالى.. فهذا لا يمدح ويثني عليه، وإنما يترحم عليه باعتبار أنه من المسلمين، وهذا ليس فيه شيء، فيجب أن ينتبه الإنسان لهذه القضايا وأن يتفهمها تفهماً صحيحاً.
لا يسكتون عن المنكرات، ويتميز أهل السنة دائماً بالصدق، فبعض الناس ينتسب إلى السنة وهو ينكر منكراً في مكان ويقر نفس المنكر في مكان آخر، وهذا خطأ، فتجد أنه ينكر على العامة مثلاً الزنا، لكن إذا وقع فيه شخص كبير شريف له مكانة في الناس لا ينكر عليه، مع أن العمل هو العمل نفسه، وهكذا في بقية الأمور الأخرى.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء].
يعني: الأمراء الذين يقيمون الشريعة في الناس، أبراراً كانوا أم فجاراً، وحتى لو كان الحاكم فاسقاً وفاجراً، كأن يكون يشرب الخمر ويزني، فما دام أنه لم يقع في الكفر المخرج عن الإسلام فإنه يطاع فيما أمر الله به، أما إذا أمر بمعصية فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال: [ويحافظون على الجماعات]، يعني: يحافظون على الجماعات في المساجد، وهناك بعض طوائف التكفير تهجر الجماعات وتشكك في الأئمة وتقول: إن بعض الأئمة قد يكون عنده عقيدة فاسدة، وهذه كلها ليست من طريقة أهل السنة.
قال: [ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه) ] ولهذا تجد أنهم يحرصون على الأخوة، ويجتهدون على لمّ صفوف أهل السنة، ويحافظون عليها، ويبتعدون عن الأخلاق التي تكون سبباً في سوء الصحبة أو العشرة ونحو ذلك.
قال: [ وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) ].
ولهذا لا يصح أن يكون الإنسان طالب علم وصاحب علم كثير وهو سيئ الأخلاق، وسيئ التعامل مع المسلمين، فهذا لا يصح أبداً، فلا بد من الخلق الحسن وهي من صفات أهل السنة.
قال: [ ويندبون إلى أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق، بحق وبغير حق، ويأمرون بمعالي الأمور وينهون عن سفسافها، وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة.
وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، لكن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، وفي حديث عنه أنه قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص من الشوب -يعني: من القدح مثلاً أو الخطأ والزلل- هم أهل السنة والجماعة، وفيهم -يعني في أهل السنة- الصديقون والشهداء والصالحون].
يعني: وفيهم أيضاً: العامي وفيهم المتعلم، وفيهم المتخصص في أحكام الشريعة، وفيهم غير المتخصص، وقد نقل النووي أن فيهم الفقهاء والنحويون واللغويون والمؤرخون.. وهكذا.
قال: [ ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى، وأولو المناقب المأثورة والفضائل المذكورة، وفيهم الأبدال].
والأبدال: جمع بدل، وقيل: أن المقصود بالأبدال هم الصالحون الذين يأتي بعضهم بدل بعض عندما يموتون، ويروى في الأبدال أحاديث كلها ضعيفة موضوعة لا تصح، والأبدال لهم اصطلاح خاص عند الصوفية، وهو اصطلاح باطل، وهو أن لهم تأثيراً في تحريك الأرض وتدبير شئون الخلق، لكن هذا ليس مقصود الشيخ، وإنما المقصود بالأبدال أي: الأولياء الذين يأتي بعضهم بدل بعض، وليس المقصود اصطلاح الصوفية.
قال: [وفيهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم، وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة)].
قد سبق الحديث عن هذه الأمور جميعاً.
قال رحمه الله: [نسأل الله أن يجعلنا منهم وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً].
وبهذا نكون قد انتهينا من شرح كتاب العقيدة الواسطية. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يعيذنا من شر الأقوال والأعمال إنه على كل شيء قدير.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر