فقد سبق الكلام عن الطائفة الثانية من طوائف الضلال في القضاء والقدر من الجبرية، وقلنا: إن الطائفة الثانية قسمت الناس إلى عامة وخاصة، وقالوا: إن الخاصة هم الذين تسقط عنهم التكاليف، وذلك أن الإنسان إذا اجتهد في العبادة -كما يظنون- وتعمق فيها وصل إلى التحقيق واليقين، ويفسرون اليقين بأنه العلم الذي يسقط عنهم به التكاليف العبادية، ويقولون: إن هذه العبادات العملية ليس المقصود منها الفعل في نفسه، وإنما المقصود منها الوصول إلى هذه الدرجة العظيمة، وهي سقوط الأعمال، فإذا قيل لهم: إن الرسل الكرام لم تسقط عنهم هذه الأعمال، أجاب بعضهم بأن الرسل لم يبلغوا درجة الولاية، والولاية درجة أعلى من درجة النبوة والرسالة، ويجيب بعضهم بأنهم كانوا يتعاملون مع الناس حسب إمكاناتهم وعقولهم، ولهذا قد يعملون العمل وهم غير مكلفين به أصلاً، وإنما يعملون هذا العمل من أجل توجيه العامة ونصيحتهم، ويقول: إنهم رسل أرسلوا للناس كافة، وأما أهل التحقيق ونحوهم فهؤلاء تسقط عنهم التكاليف.
وقد سبق أن قلنا: إن هذا القول كفر يخرج عن الإسلام، وإن من نواقض الإسلام التي أشار إليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب اعتقاد أن بعض الناس تسقط عنهم التكاليف، وقلنا أيضاً: إن بعض العلمانيين في هذا العصر يشبه هؤلاء، فإنهم قالوا: إن الشريعة لا تصلح لأن تطبق في هذا الزمان الذي تقدم كثيراً واختلف عن زمان الرسالة، وإنه ينبغي علينا أن نشرع قوانين تليق بالحياة، وأما هذه الشريعة فبعضهم قد يتجرأ عليها ويقول: البائدة القديمة. وبعضهم قد يستحي ويخشى الشناعة وغضبة الناس فيقول: هذه الشريعة تبقى تراثاً، وتبقى شيئاً جميلاً في تاريخنا، لكن العصر الحاضر لا يصلح أن تطبق فيه الشريعة، ولا بد من أن نأتي بتشريعات أخرى. ثم يأخذون تشريعات الغربيين وزبالة أفكارهم ليطبقوها في الواقع، ثم إذا حصلت لهم معاناة ومشكلات - سواءً كانت سياسية أم اقتصادية أم غير ذلك - قالوا: لماذا أنتم تغضبون من هذه المشكلات؟! انظروا إلى العالم المتحضر، فالعالم المتحضر اليوم فيه مشكلات، وفيه أخطاء! وحينئذ يظنون أن هذا يعذرهم، ويظنون أنهم مازالوا في طريق الخير والسعادة وهم في الحقيقة قد ضلوا ضلالاً بعيداً.
وطريقة شيخ الإسلام ابن تيمية هذه -وهي تشبيه هؤلاء وأعمال هؤلاء بالمشركين - طريقة كررها كثيراً، ومن الأماكن التي شرح فيها هذا التشبيه كتابه العظيم (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) فإنه في هذا الكتاب بين بعض خصال المشركين ومشابهة الفرق الضالة لها.
وخصال المشركين من أعظم من جمعها في كتاب واحد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فإن له رسالة اسمها: (مسائل الجاهلية) أو (المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الجاهلية) أو أهل الجاهلية، وهذا الكتاب جمع فيه مسائل كثيرة من صفات الجاهلية، وبين مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم لها جميعاً، وقد شرح هذه المسائل الشيخ محمود شكري الألوسي ، وشرحها كذلك في رسالة ماجستير الشيخ يوسف السعيد في مجلدين، ويعتبر هذا الشرح الأخير من أفضل الشروح التي شرحت بها هذه الرسالة، فإنه يأخذ المسألة من مسائل الجاهلية ثم يذكر وجودها عند المشركين إما من أخبار القرآن بذلك أو من إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، أو وجودها في أشعارهم أو في أقوالهم المأثورة، وأمثالهم المشهورة، ثم بعد أن يقرر وجود هذه الخصلة عندهم يبدأ يذكر من شابه المشركين في هذه الخصلة من الفرق المنتسبة إلى الإسلام، ثم بعد ذلك ينظر إلى الواقع المعاصر ويحاول أن يربط بين هذه الخصلة والواقع المعاصر الذي نعيش فيه، وقد بذل جهداً ممتازاً في شرحه لهذا الكتاب، وهو من أفضل الشروح.
فالشيخ هنا شبه هذه الطائفة بخصلتين من خصال الجاهلية، الخصلة الأولى: الابتداع. والخصلة الثانية: الاحتجاج بالقدر.
فأما الابتداع فإنه الإحداث، ونسبة هذا الإحداث إلى الله عز وجل أو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه واضحة في الآية، فالمشركون إذا فعلوا فاحشة قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا [الأعراف:28]، وهذه بدعة؛ لأنهم أحدثوا الفاحشة ثم نسبوها إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه النسبة هي الابتداع في أكمل صوره وأوضحها، فرد الله عز وجل عليهم فقال: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:28]، ولهذا فإن من وقع في البدعة فقد شابه المشركين في هذه الخصلة وهي خصلة الابتداع، فأول من ابتدع هم هؤلاء المشركون.
فاحتجوا بالقدر، يعني: كأنهم يقولون: إن هذا الشرك هو قدر الله فينا، وحينئذ فنحن ملزمون به. فالمشركون جبرية، وهذا الاحتجاج احتجاج فاسد، فإنهم - كما سبق أن أشرنا - لا يقولون بهذا الاحتجاج في أمورهم الدنيوية، فهم لا يجلسون في بيوتهم ويقولون: يرزقنا الله عز وجل، وهم - أيضاً - لا يصبرون على من يؤذيهم ويقولون: هذا قدر الله، وإنما يدفعون قدر الله عز وجل بقدر الله، فإذا هجمت قبيلة على أخرى دافعتها وهاجمتها ولم تستسلم، مع أن القبيلة التي هجمت على الأولى هجمت بقدر الله، فلماذا لا يستسلمون ويسلمون أنفسهم وأموالهم ونساءهم لهذه القبيلة التي هجمت بقدر الله؟!
إذاً: هؤلاء المحتجون بالقدر هم - في الحقيقة - يحتجون بأهوائهم وأغراضهم الشخصية كما ستأتي الإشارة إليه.
فأهل الجاهلية كانوا يخرجون بعض الأنعام من الغنم والبقر والإبل، ويجعلون هذه الأنعام لله سبحانه وتعالى مثل النذر، فينذرون هذه الإبل لأصنامهم، ويمنعون أحداً من الشرب منها أو الأكل منها البتة، ثم ينسبون ذلك إلى الله عز وجل، وكأنهم يقولون: إن الله عز وجل أمرنا بأن نخرج من أنعامنا ومن مواشينا وحرثنا هذا الشيء ونجعله حجراً على هذه الأصنام. وهي بدعة مثل نسبتهم الأمر بالفاحشة إلى لله سبحانه وتعالى، وحينئذ فالابتداع وتحليل الحرام وتحريم الحلال من صفات المشركين، فهؤلاء حرموا الانتفاع بهذه المواشي وبهذه الأنعام وبهذا الحرث، وجعلوها محجورة لا يستفيد منها أحد، وإنما هي لآلهتهم التي لا تأكل ولا تشرب ولا تستفيد منها شيئاً، واعتقدوا أنها حرام لا يجوز لأحد أن يستفيد منها، فهؤلاء حرموا ما أحل الله سبحانه وتعالى، ثم نسبوا هذا التحريم إلى الله عز وجل، وهذا هو حقيقة البدعة، فإن البدعة هي تشريع ما لم يشرعه الله عز وجل، وهي تحريم ما أحل الله عز وجل، وتحليل ما حرم الله سبحانه وتعالى، فالبدعة اختراع وإنشاء وتشريع ما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى، وقد تكون بدعة كبرى تخرج عن الإسلام، وقد تكون بدعة أقل من ذلك.
يقول: [وكذلك في سورة الأعراف في قوله: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف:27] إلى قوله: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ [الأعراف:28].
إلى قوله: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:29] إلى قوله: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:31-32] إلى قوله: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33] ].
فبين أن القول على الله عز وجل بغير علم من خصال المشركين، وهكذا هؤلاء الذين ابتدعوا هذه البدعة وهي أن الإنسان مجبور على فعله، وأن الناس ينقسمون إلى خاصة وعامة، وأن العامة ملزمون بأحكام الشرع، والخاصة تسقط عنهم التكاليف، هؤلاء ابتدعوا كما ابتدع هؤلاء المشركين، وفي نفس الوقت احتجوا بالقدر كما احتج به المشركون، وهي مشابهة للمشركين واضحة.
ثم يقول الشيخ: [وهؤلاء قد يسمون ما أحدثوه من البدع حقيقة].
وقد سبق أن بينا أن من بدع الصوفية ما يسمونه بالحقيقة والشريعة، فالشريعة عندهم عقيدة العامة ومنهج العامة، والحقيقة هي منهج الخاصة ممن سقط عنهم التكليف.
قال: [كما يسمون ما يشهدون من القدر حقيقة].
وقد سبق أن بينا أنها الحقيقة الكونية العامة.
قال: [وطريق الحقيقة عندهم هو الرياضة والسلوك الذي لا يتقيد صاحبه بأمر الشارع ونهيه].
وقد سبق أن بينت طريقتهم في الوصول إلى هذه الحقائق وإلى الكشوفات وإلى الأذواق التي يدعونها عن طريق الخلوات والأذكار البدعية، والجلسات غير المشروعة التي يقول الغزالي عن أهميتها: ولا ينبغي للمريد أن يشتغل في خلوته لا بقراءة القرآن، ولا بحفظ الحديث، ولا بالعلم، ولا بأي شيء، وإنما يشتغل بورده فقط: وورده - كما سبق - إما تكرير الاسم المفرد (الله الله الله) أو تكرير الاسم المضمر، مثل: (هو هو هو)، وهكذا.
يقول: [ولكن بما يراه هو ويذوقه ويجده في قلبه الضال الغافل عن الله ونحو ذلك].
وسيأتي -إن شاء الله- أنهم يجعلون أذواقهم وكشوفاتهم مقدمة على النصوص الشرعية.
يقول: [وهؤلاء لا يحتجون بالقدر مطلقاً].
يعني: لا يحتجون بالقدر على كل الناس، وإنما يجعلون القدر خاصاً لأهل الحقيقة الذين وصلوا إليها، لكن بقية المسلمين أصحاب الشريعة لا يحتج بالقدر عليهم، وإنما يرون أن القدر شرف يوصل إليه عن طريق الرياضة والأعمال البدعية التي سبق أن أشرنا إليها.
قال رحمه الله: [بل عمدتهم اتباع آرائهم وأهوائهم، وزعمهم ما يرونه وما يهوونه حقيقة، ويأمرون باتباعها دون اتباع أمر الله ورسوله، نظير بدع أهل الكلام من الجهمية وغيرهم الذين يجعلون ما ابتدعوه من الأقوال المخالفة للكتاب والسنة حقائق عقلية يجب اعتقادها دون ما دلت عليه السمعيات].
والمقصود بالسمعيات: القرآن والسنة.
هنا ربط الشيخ بين بدع الصوفية وبين بدع أهل الكلام في تعاملهم مع القرآن والسنة، فإن الصوفية عندما يعترض عليهم بالقرآن والسنة فيما يقومون به من أعمال وما يصلون إليه من كشوفات وأذواق يقولون: هذه الأذواق وهذه الكشوفات مقدمة على القرآن والسنة. وقد نص على ذلك الغزالي في إحياء علوم الدين، وقال: إذا عارض الكشف الكتاب أو السنة فإنه يؤول بما يوافق الكشف! وكأن الكشف عندهم أصدق من القرآن والسنة، ولو أنهم قالوا: إن الكشف يؤول بما يوافق الكتاب والسنة لقلنا: حتى هذا ففيه إضعاف لمقدار الكتاب والسنة.
ثم يقول في المقارنة: [ثم الكتاب والسنة إما أن يحرفوا القول فيهما عن مواضعه وهو ما يسمى بالتأويل، وإما أن يعرضوا عنه بالكلية فلا يتدبرونه ولا يعقلونه].
وهذا ما نص عليه الرازي في كتابه: (أساس التقديس)، فإنه لما افترض وجود التعارض بين العقل والنقل قال: يقدم العقل، والنقل إما أن يؤول. كما ذكره الشيخ: إما أن يحرف القول فيه عن مواضعه كما يقول الرازي ، أو يترك ويفوض أمره إلى الله عز وجل، ويرون أن أهم شيء هو أن نعتقد مقتضى العقل، ولا شك أن هذا من الضلال، والعياذ بالله.
مثل التركيب عندهم، فالتركيب شبهة من الشبه التي نفوا بها صفات الله عز وجل، فإنهم يقولون: إذا أثبتنا صفات الله عز وجل فإنه يلزم أن يكون الله مركباً من هذه الصفات، والتركيب دليل على النقص، وحينئذ ننفي الصفات! وهذه بدعة المعتزلة، ثم أخذها الأشاعرة والماتريدية عنهم.
وهذا كلام باطل، فإن الله عز وجل الذي بين عظمته ومقداره سبحانه وتعالى بين أن له صفات كثيرة، مثل اليدين، والوجه، والكلام، ونحو ذلك من الصفات، وكل صفة هي من صفات الله عز وجل، ولا يصح أن يقال: إن هذا تركيب يدل على النقص.
وإنه يقال لهم: هل تؤمنون بأن الله موجود؟! فيقولون: نعم. يقال لهم: وحي؟ فيقولون: نعم. فنقول: هذا تركيب، حيث كان حياً وموجوداً، فيقولون: هذا ليس بتركيب, فنقول أيضاً: كونه سبحانه وتعالى له كلام وعينان ليس تركيباً. فهؤلاء أهل اعتباط وأهل تقول فقط.
وهذا حاصل بالفعل، ويكفي أن تعلم أن الصوفية اليوم أوجدوا لرجل واحد ثلاثة قبور في العالم، وهو الحسين بن علي بن أبي طالب ، حيث يعبده طائفة من الصوفية والرافضة في كربلاء، ويعبده طائفة من الصوفية والرافضة أيضاً في دمشق، ويعبده كذلك طائفة من الصوفية في مصر.
بل إنك تجد من المسلمين اليوم -ممن كثرت علاقته بالتصوف- من قلبه مهيأ لأدنى خرافة، وأهم شيء أن ينسب هذا الأمر إلى الله، أو ينسبه إلى الرسول، أو ينسبه إلى الولاية، أو ينسبه إلى الدين بشكل عام، فعنده استعداد نفسي لأن يقبل الخرافة، والمنهج: لا تحقق، ولا تسأل، ولا تناقش، ولا تفهم.
ويحكى: أن رجلين أرادا أن يتاجرا، فلم يكن عندهما مال، فاتفقا على أن يدفنا حماراً، وأن يضعا له مزاراً، وأن يكون هناك صندوق للنذور، ويعظموا هذا في الناس، ويجعلوا له مواعيد للزيارة، فدعوا الناس إليه، فأقبل الناس من كل مكان، وقالوا: هذا قبر سيدي فلان.
ويكفي أن تقول: (قبر سيدي فلان) فيجتمع عليك الناس، ثم تذكر لهم من الكرامات أن امرأة عقيماً جاءت إليه فطافت به واستغاثت به فولدت، وأن رجلاً مرض ابنه حتى إذا كاد أن يهلك جاء إليه وقال: (يا سيدي فلان) فشفي، ثم اذكر من الخرافات ما يعجب الناس، وحينئذ سيجتمعون حولك، وبالفعل اجتمع الناس وبدءوا يطوفون ويبكون، وهم لا يدرون من هو الميت المدفون، واشتغلوا بالطواف عند قبره وبالنذور، والنذور التي يضعها مثل هؤلاء المغفلين لا يدرون عنها أين تذهب، فيضعون النذور قائلين: اللهم تقبل، أو: يا فلان! هذا نذري، وهذا ما أملك، فما عندي إلا مائة ريال. ثم يضعها ويمشي، وما يدري أن اللص سيأخذها من بعده.
والحقيقة هي أن الأمة محتاجة إلى العلم الصحيح المبني على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله.. العلم الذي ينظر إلى الجيل الأول وكيف كانت حياته، ثم يتعامل مع مشكلات الأمة بنفس المنهج الذي تعامل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإلا فإنه سيكثر التخبط في حياتنا وفي مجتمعاتنا، والعياذ بالله.
وهذه الصورة التي نتحدث عنها عند الصوفية وغيرهم هي من صور الأمراض الموجودة التي تحتاج إلى علاج، وهذه الأمراض لا يمكن أبداً أن نوافق القائلين في أنها بادت وانتهت وذهبت، فذلك ليس صحيحاً أبداً، فلم تبد ولم تذهب ولم تنته، وإنما هي موجودة اليوم في حياتنا عند طائفة كبيرة، وقد تكون في بعض البلدان مستخفية؛ لأن الرأي العام لا يوافقها، وتكون في بعض البلدان الأخرى ظاهرة؛ إذ يوافقها الرأي العام في تلك البلدان، لكنها موجودة في حياة المسلمين.
وإذا نظرت إلى جانب واحد فقط، كالقنوات الفضائية التي توجد عند أغلب المسلمين، فإن الدين في هذه القنوات يصور على أنه هو التصوف، فترى الابتهلات الدينية على الموسيقى، والاهتمام بالقبور، وعمل التقارير الإخبارية أو الإعلامية عن قبر السيدة زينب أو الست نفيسة ، أو القبر الفلاني، أو المولد الفلاني كمولد السيد البدوي مثلاً، أو نحو ذلك، والاهتمام بنقل أخباره، حتى تتوجه عواطف كثير من المسلمين الدينية نحو هذه الخرافات الضالة والمنحرفة، وهذه أمور لو كان إنسان لا يراها في مدينته التي يعيش فيها سيتأثر بها، وسيظن أن هذا هو الدين الصحيح، وحينئذ يكون مهيأ لقبول أي خرافة وأي فكرة غريبة لا توافق منهج الله سبحانه وتعالى، ولا توافق سنة الرسول الله صلى الله عليه وسلم.
الجواب: الرازي هو فخر الدين محمد بن عمر الرازي ، وهو من علماء الكلام المتقدمين، توفي في القرن السابع، وله كتب كثيرة، منها: كتاب (أساس التقديس)، وكتاب (المباحث المشرقية)، وكتاب (الأربعين في أصول الدين)، وهو يعتبر عمدة عند الدارسين فيما يسمونه بالفلسفة الإسلامية، ويعتبرونه من أكبر الفلاسفة المسلمين، ورد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواطن كثيرة من كتابه العظيم (درء تعارض العقل والنقل).
الجواب: لا يجوز ذلك، فبإمكانه أن يرفعه بيده، وينبغي أن نتعلم احترام كتب العلم، ولا نتساهل بها إلى هذه الدرجة، حتى ولو كان الركض يسيراً.
الجواب: يمكن أن يكون هذا جواباً.
الجواب: أولاً: الواجب عليهما التوبة إلى الله عز وجل، فإن الجماع في نهار رمضان من أعظم المفطرات، وهو أعظم من الفطر عن طريق الأكل والشرب، وذلك لترتب الكفارة المغلظة عليه، ثم الكفارة تحرير رقبة، وهذا غير متيسر الآن، فعليهما صيام شهرين متابعين، فإن لم يستطيعا فعليهما إطعام ستين مسكيناً، وعدم الاستطاعة ضابطه: هو أن يترتب على الصيام مرض، أو يترتب عليه أي نوع من أنواع الأذى.
الجواب: لا شك في أن من الخطأ عندنا نحن -طلاب العلم- أن يكون مصدرنا الأساسي والأخير هو كلام ابن تيمية فقط، وإنما ابن تيمية عالم من علماء المسلمين المحققين يؤخذ من كلامه ويترك، فيترك إذا كان مخالفاً للسنة ويؤخذ إذا كان موافقاً لها، وإذا كان كلام شيخ الإسلام رحمه الله موافقاً للسنة فإنه يكون مطلوباً وحسناً، ولا ينبغي علينا أن نكتفي دائماً -خاصة مع المخالف- بذكر كلام شيخ الإسلام أو نحوه، فإن المخالف إذا كان لا يقر بفضل شيخ الإسلام ولا يقر بفضل ابن القيم فينبغي ألا يقال له: قال شيخ الإسلام . لأنه يقول: ومن شيخ الإسلام هذا الذي تذكره؟! وربما يقول: هو عدو الإسلام؛ لأنه يوجد أشخاص يكفرون ابن تيمية ، فالصحيح في طريقة دعوة مثل هؤلاء ومناقشتهم وتوجيههم هو أنه لا يقال لهم: (قال شيخ الإسلام )، بل ينظر إلى كلام شيخ الإسلام ، فـشيخ الإسلام عالم يستدل بالنصوص، فينظر إلى الدليل الذي استدل به ووجه دلالته، فإن كان الدليل ووجه الدلالة قوياً في الاستدلال يحتج عليه بالدليل الذي هو قول الله أو قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستفاد من الوجه الذي ذكره شيخ الإسلام في بيان الحق لهذا الإنسان، لكن إذا كان استدلال شيخ الإسلام ليس قوياً فهناك أئمة عندهم استدلالات أخرى قوية، فينبغي فعلاً ألا يُتعصب لكلام شيخ الإسلام ، وألا يظن أن الحق دائماً معه في كل لحظة.
لكن مسائل العقيدة الإجماعية هي مسائل متفق عليها بين شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من العلماء السابقين، ونحن عندنا مصدر في الاستدلال.. هذا المصدر هو القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس الصحيح المعتبر، فهذه من مصادر الاستدلال التي اتفق عليها أهل الإسلام جميعاً، فأنت عندما تستدل لا تستدل بقول ابن تيمية ، بل تستدل بما استدل به ابن تيمية رحمه الله، وحينئذ تكون طريقك في التعلم صحيحة، وليس معنى هذا أن كلام ابن تيمية نفسه الذي تكلم به لا بد أن يكون دليلاً.
فالطريقة الصحيحة أن تقول: قال تعالى كذا، قال رسول الله كذا، وأجمع العلماء. وتثبت إجماعهم هذا.
فينبغي على طالب العلم أن يوسع قراءاته، فلا يكتفي بالتركيز على علم واحد يكون دائم الترديد حوله، لكن في حالة كون طلاب العلم متفقين على فضل هذا العالم لا بأس أن يقول أحدهم: قال شيخ الإسلام كذا أو كذا؛ لأن له منزلة وفضل.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر