إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه الكريم: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) ، والقائل صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) .
أما بعد:
أيها الإخوة الكرام، فإن موضوع التشبه بالكافرين من أهم وأخطر الموضوعات، وقد اهتم بها الإسلام.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الأمانة، وأدى الرسالة، ونصح للأمة، وحذرها في أحاديث كثيرة وفي مناسبات كثيرة من التشبه بالكافرين جملة وتفصيلاً، وقد وقعت طوائف من هذه الأمة في التشبه، لكن تختلف درجات وقوعها في هذا وخطورة هذا الأمر ما بين زمن وزمن، ولعلي لا أبالغ إذا قلت: إن التشبه بالكافرين الذي وقع فيه المسلمون في هذا العصر أخطر من أي تشبه وقع للأمة في أي عصر مضى، وهذا رغم خطورته أراه من أقل الموضوعات اهتماماً من قبل ذوي الشأن وذوي العلم، وأرى أن بيانه الآن للمسلمين من أهم الأمور ومن أهم الضرورات التي هي من واجبات طلاب العلم، وسأتناول موضوع التشبه بالكافرين من بعض الجوانب؛ لأن هذا الموضوع في الحقيقة متشعب وطويل، لكن يهمنا أن نفهم بعض الأصول والقواعد الضرورية التي ينبغي لكل مسلم أن يلم بها ليحذر من الوقوع في التشبه بالكافرين في عقيدة أو في عبادة أو في عادة أو في سلوك، ولعلي اقتصر على بعض الموضوعات التي يتسع لها الوقت، فأبدا بالموضوع الأول: وهو تعريف التشبه:
التشبه لغة: مأخوذ من المشابهة وهي المماثلة والمحاكاة والتقليد.
والتشبيه: هو التمثيل، والمتشابهات: هي المتماثلات، يقال: أشبه فلان فلاناً، أي: ماثله وحاكه وقلده.
أما التشبه شرعاً -أي: الوارد النهي عنه في القرآن والسنة-: فإنه مماثلة الكافرين بشتى أصنافهم في عقائدهم وعبادتهم وعادتهم وفي أنماط السلوك التي هي من خصائصهم، وكذلك التشبه بغير الصالحين وإن كانوا من المسلمين كالفساق، والجهلة والأعراب الذين لم يكمل دينهم كما سيأتي بيانه.
إذاً: نستطيع أن نقول على سبيل الإجمال: إن ما لم يكن من خصائص الكفار ولا من عاداتهم ولا من عباداتهم ولم يعارض نصاً أو أصلاً شرعياً ولم يترتب عليه مفسدة فإنه لا يكون من التشبه.
الموضوع الثاني: لماذا نهينا عن التشبه بالكافرين؟
أولاً: ينبغي أن نفهم قاعدة هي: أن الدين مبناه على التسليم لله تعالى، والتسليم لرسول صلى الله عليه وسلم، والتسليم معناه: تصديق خبر الله تعالى، وامتثال أمره واجتناب نهيه وتصديق خبر الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره، واجتناب نهيه، فإذا عرفنا هذه القاعدة فإنه ينبغي للمسلم أن يسلم بكل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يمتثله، وبكل ما جاء به النهي عن مشابهة الكافرين، وبعد أن يسلم ويطمئن ويثق بخبر الله وشرعه فإنه بعد ذلك لا مانع من أن يلتمس التعليلات والأسباب، فلذلك نستطيع أن نقول: إن أسباب النهي عن التشبه بالكافرين كثيرة، وأغلبها مما يدركه أصحاب العقول والفطر المستقيمة، ومن ذلك: أن أعمال الكفار مبناها على الظلال والفساد، هذا هو الأصل في أعمال الكفار، سوء كانت ظاهرة الفساد، أو كانت خفية الفساد فإن أعمال الكفار مبناها على الضلال والانحراف والفساد في عقائدهم وفي عاداتهم وفي عبادتهم وفي أعيادهم وفي سلوكهم، والصلاح استثناء، ثم إذا وجد بينهم من الأمور الصالحة شيئاً فإنما يكون مما لا يؤجر عليه أحد. هذا أمر.
الأمر الثاني: أن التشبه في الغالب يوقع شيئاً من المشاكلة بين المتشبه والمتشبه به وبين المقلِد والمقَلد، والمشاكلة بمعنى التناسب والميول والانصهار والموافقة في الأعمال والأقوال، وهذا أمر لا ينبغي لمسلم أن يقع فيه.
الأمر الثالث: أن التشبه بالكافرين يورث في الغالب ازدراء السنن وازدراء الحق والهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي عليه السلف الصالح؛ لأن من تشبه بقوم وافقهم ورضي بفعلهم وأعجبه ذلك، وبالعكس فإن المخالف لا يعجبه الفعل والقول المخالف.
الأمر الرابع: أن المشابهة تورث المودة والمحبة والمولاة، فإن المسلم إذا قلد الكافر فلابد أن يجد في نفسه إلفة له، وهذه الإلفة لابد أن تورث المحبة وتورث الرضا وتورث شيئاً من التناسب بين المتشابهين، وتورث المولاة، وهذا أمر فطري ضروري يدركه كل عاقل، خاصة إذا شعر المقلد بالغربة أو شعر المقلد بما يسمى بالانهزامية النفسية؛ فإنه بذلك إذا قلد غيره فإنه يشعر بعظمة المقلَد، وبالمودة له وبالإلفة والتناسب بينهم ولو لم يكن من ذلك إلا التناسب الظاهر لكفى، مع أن التناسب الظاهر في الشكل وفي العادة وفي السلوك لابد أن يورث التناسب الباطن، وهذا أمر يدركه كل من يتأمل مثل هذه الأمور في سلوك البشر.
وأضرب مثلاً في وجود التناسب والمحبة والإلفة بين المتماثلين: لو أن إنساناً ذهب إلى بلد آخر يكون فيه غريباً، فإنه لو رأى إنساناً مثله يمشي في السوق يلبس كلباسه ويتكلم بلغته فإنه لابد وأن يشعر نحوه بشيء من المودة أكثر مما لو كان في بلده؛ لأن الإنسان إذا شعر أنه مقلد لآخر فإن هذا التقليد لابد أن يقع في القلب له أثر، هذا في الحالات العادية، فكيف لو قلد المسلم الكافر عن إعجاب؟ وهذا هو الحاصل؛ فإنه لا يمكن أن يقع التقليد من المسلم للكافر إلا ويكون ذلك صادراً عن إعجاب وعن تقليد، وعن محاكاة تورث المحبة والمولاة.
والأمر الآخر الذي نهينا عنه التشبه؛ لأن مشابهة المسلم للكافر في الغالب لابد أيضاً أن تجعله في مقام الذليل والضعيف الذي يشعر بالصغار والانهزامية، وهذا هو الذي عليه كثير من الذين يقلدون الكفار الآن.
الموضوع الثالث: إشارة إلى بعض القواعد الضرورية التي بها نفهم المعيار في التشبه.
القاعدة الأولى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بخبر صادق لا يتخلف أن هذه الأمة لابد أن تتبع سنن من كان قبلها من الأمم الأخرى، وحديث اتباع سنن من كان قبلنا حديث صحيح، ورد في الصحاح والسنن، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع) ، وغيرها من الأحاديث الكثيرة التي تصل إلى حد الجزم بأن طوائف من هذه الأمة ستقع في تقليد الكافرين، والسنن هنا التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم قال أهل العلم: تشمل العقائد والعبادات والأحكام والعادات والسلوك والأعياد.
والمقصود بالذين من قبلنا فُسر في أحاديث أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم منها: أنه فسرهم صلى الله عليه وسلم بأنهم فارس والروم، وفسرهم بأنهم أهل الكتاب، وفسرهم بأنهم الكفار على وجه الإطلاق، وفسرهم بأنهم المشركون، وهذه النصوص أيضاً يوافق بعضها بعضاً، كما أن الذين سيقعون من هذه الأمة في مشابهة الكافرين إنما هم الفرق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه ستبقى طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين منصورين يصدعون بالحق ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم حتى تقوم الساعة، وهؤلاء هم الفرقة الناجية، ومن ضرورات نجاتها وكونها على الحق ألا تقع في مشابهة الكافرين، فعلى هذا يكون إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة أنها ستقع المراد بذلك طوائف من هذه الأمة، وهم أهل الافتراق الذين افترقوا عن السنة والجماعة.
القاعدة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أخبرنا بوقوع التشبه أو اتباع سنن الكافرين حذر من هذا الأمر أشد التحذير، فأولاً: إخباره بذلك يتضمن التحذير، وثانياً: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من مشابهة الكافرين جملة وتفصيلاً، أما الجملة فكقوله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)، وكهذا الحديث: (لتتبعن سنن من كان قبلكم..) ، فهذا على وجه التحذير، والإخبار عن وقوع المشابهة، وكذلك ورد في نصوص كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين)، (خالفوا اليهود)، (خالفوا المجوس)، فهذه نصوص عامة، أما على وجه التفصيل فسيأتي -إن شاء الله- في الموضوع الثامن نماذج لهذه الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم والتي سيقع التشبه من بعض المسلمين فيها بالكفار.
القاعدة الثالثة: إخباره صلى الله عليه وسلم بأن طائفة من أمته ستبقى مستمسكة بالحق لا يضرها من خذلها ولا من عاداها إلى أن تقوم الساعة.
هذه القواعد لا يمكن أن ينفصل بعضها عن بعض عند النظر في مسائل التشبه؛ لأنا لو فصلنا هذه النصوص بعضها عن بعض لتوهم بعض الناس أن المسلمين كلهم سيقعون في التشبه، وهذا لا يمكن أبداً؛ لأن هذا يناقض حفظ الدين، فالله تعالى تكفل بحفظه؛ ولأن هذا يناقض قوله صلى الله عليه وسلم بأن هناك طائفة ستبقى على الحق ظاهرة، أيضاً لو أخذنا بالحديث الآخر -وهو: (ستبقى طائفة..)- ولم نأخذ بالحديث الأول لتوهم بعض الناس أن هذه الأمة معصومة من الوقوع بالتشبه بالكافرين، والأمر ليس بهذا ولا بذاك إنما ستبقى الأمة الوسط أهل السنة والجماعة هم الذين على السنة لا يتشبهون، والفرق الأخرى التي افترقت عن أهل السنة والجماعة إنما صار افتراقها بوقوع في التشبه، كما سيأتي أيضاً نماذج لذلك.
الموضوع الرابع: في الأمور التي ورد النهي عن التشبه بالكفار وغيرهم فيها على وجه العموم، وهي أربعة أنواع:
النوع الأول: أمور العقائد، وهي أخطر أمور التشبه، والتشبه فيها كفر وشرك، مثل تقديس الصالحين، ومثل صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، ومثل ادعاء البنوة أو الأبوة لأحد من خلق الله سبحانه وتعالى لله كما قالت النصارى: المسيح ابن الله، وكما قالت اليهود: عزير ابن الله، وكذلك التفرق في الدين، والحكم بغير ما أنزل الله، وما يتفرع عن ذلك من أمور شركية، فإن هذا من الأمور العقدية.
والنوع الثاني: ما يتعلق بالأعياد، والأعياد وإن كانت قد تدخل في العبادات أحياناً وقد تكون من قبيل العادات أحياناً إلا أنها خصت في الشرع بنصوص كثيرة لأهميتها، خُصت بالنسبة للنهي عن التشبه بالكفار فيها، وخُصت أيضا بقصر المسلمين على عيدين في السنة، فأعياد الميلاد، والأعياد الوطنية، والاحتفالات المنتظمة التي تأخذ يوماً في السنة أو يوماً في الشهر أو يوماً دورياً يتكرر تلتزم به الأمة، كل ذل من أمور التشبه الصريحة التي وردت فيها النصوص.
النوع الثالث: العبادات، وقد وردت في الشرع عن النبي صلى الله عليه وسلم على جهة التفصيل أمور كثيرة في العبادات -ستأتي نماذج منها- نهينا عن التشبه بالكفار فيها، كتأخير صلاة المغرب، وكترك السحور وتأخير الفطور.. ونحو ذلك.
النوع الرابع: في العادات والأخلاق والسلوك، كاللباس، وهذا يسمى الهدي الظاهر والهدي الظاهر، هو الهيئة واللباس وأنماط السلوك والأخلاق، فقد ورد أيضاً النهي صريحاً عن هذه الأمور على جهة الإجمال والتفصيل، كالنهي عن حلق اللحى، وعن اتخاذ آنية الذهب، وعن لبس ما هو من شعار الكفار، وعن التبرج وعن الاختلاط وعن تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال.. ونحو ذلك من العادات.
الموضوع الخامس: في أحكام التشبه:
أحكام التشبه على جهة التفصيل لا يمكن استقراؤها؛ لأن كل حالة من أحوال التشبه تعرض على النصوص وعلى قواعد الشرع، لكن هناك بعض الأحكام العامة التي تنظم جميع أنواع التشبه في الجملة لا على جهة التفصيل.
فمن أنواع التشبه بالكافرين ما هو شرك أو كفر، كالتشبه في العقائد، والتشبه في بعض العبادات، وكالتشبه باليهود والنصارى والمجوس في الأمور المخلة بالتوحيد والعقيدة، كتقديس الأشخاص من الأنبياء والصالحين وعبادتهم ودعاؤهم من دون الله، وكتحكيم الشرائع والنظم البشرية، كل ذلك إما شرك وإما كفر، ومن التشبه ما هو معصية وفسق، كتقليد الكفار في بعض العادات، ومنه ما هو مكروه، وهو ما تردد الحكم فيه بين الإباحة والتحريم على سبيل عدم الوضوح في الحكم، يعني: قد تتردد بعض أنماط السلوك والعادات والأشياء الدنيوية بين الكراهة وبين الإباحة، فهذا دفعاً لوقوع المسلمين بالتشبه يكون حكمه مكروهاً، ويبقى سؤال: هل هناك من أفعال الكفار ما هو مباح؟ أقول: إن المباح هو ما ليس من خصائصهم من أمور الدنيا ولا أثر لهم فيه، بمعنى: لا أثر لهم عقدي أو أخلاقي، وهو من الأمور التي تحكم سلوك عامة البشر، أو من الإنتاج المادي البحت الذي لا يلحق المسلمين في تقليدهم فيه ضرر، وهذا يدخل في باب المباح، بل أحياناً يجب على المسلمين أن يستفيدوا مما عند الكفار في علوم الدنيا البحتة، والمقصود بالبحتة: ما لا يوجد له فيه توجيه أو أثر يصادم النصوص أو القواعد الشرعية أو يوقع المسلمين في الذلة والصغار، فما كان كذلك فإنه يدخل في باب المباحات.
إذاً: أمور العقائد والعبادات والأعياد تحريم التشبه بالكفار فيها قطعي، وما كان دون ذلك من قبيل العادات فإن كان من خصائصهم فهو حرام، وإن لم يكن من خصائصهم فالحكم فيه يتردد بين التحريم والكراهة والإباحة، وما كان من قبيل العلوم والأمور المادية البحتة كالصناعات والأسلحة وغيرها فهذا الأمر فيه مباح إذا قيد بالقيود السابقة.
الموضوع السادس: في أصناف الذين نهينا عن التشبه بهم:
باستقراء نصوص الشرع نستطيع أن نتعرف على أكثر هذه الأصناف لا على سبيل الحصر لكن على سبيل التقريب:
الصنف الأول: ورد النهي عن التشبه بالكفار عموماً دون تخصيص، وعلى هذا يدخل في ذلك المشركون، واليهود، والنصارى، والمجوس وغيرهم، فقد نهينا عن كل ما هو من خصائص الكفار في العبادات، والعادات، واللباس، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن عمرو حينما رأى عليه ثوبين معصفرين: (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها) ، وهذا فيه دليل على أن اللباس إذا كان من خصائص الكفار فلا يجوز للمسلم لبسه.
الصنف الثاني: المشركون، كذلك قد ورد النهي عن عبادتهم وأعيادهم وأفعالهم الشركية مثل المكاء والتصدية -وهو الصفير- والتصفيق، ومثل الاستشفاع بالمخلوقات إلى الله سبحانه وتعالى في الدنيا على وجه العبادة والتوسل ومثل النذر والذبح عند القبور.. ونحو ذلك.
كذلك أيضا مما ورد النهي فيه عن أفعال المشركين: الإفاضة من عرافات قبل الغروب.
وكان السلف رحمهم الله يكرهون كل ما هو من خصائص المشركين، وكل ما هو من أعمالهم، كما قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وغيره: من بنا ببلاد المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم حتى يموت حشر معهم يقوم القيامة.
وقد كره ابن عمر رضي الله عنهما وضع الشرفات على المساجد، ونهى عن ذلك في أكثر من مناسبة؛ لأنه كان يرى أنها تشبه أنصاب المشركين.
الصنف الثالث: أهل الكتاب، والمقصود بهم: اليهود والنصارى؛ فقد نهينا عن كل ما هو من خصائص اليهود والنصارى في عقائدهم وفي عباداتهم وفي عاداتهم وفي لباسهم وفي أعيادهم، مثل البناء على القبور واتخاذها مساجد، ورفع الصور، والافتتان بالنساء، وترك أكلة السحور، وعدم صبغ الشيب.. ونحو ذلك.
الصنف الرابع: المجوس.
والصنف الخامس: الفرس والروم، وهذا طبعاً يشمل أهل الكتاب وغير أهل الكتاب، فالفرس والروم قد نهينا أيضاً عما هو من خصائصهم من عبادات وعادات وطقوس، مثل تعظيم وتقديس الكبراء والسادة.
الصنف السادس: الأعاجم غير المسلمين، فقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه نهى عن زي العجم وزي المشركين أشد النهي، وقد أشار إلى مثل ذلك كثير من السلف؛ وذلك مبني على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريراً وقال: مثل الأعاجم، أو يجعل على منكبيه حريراً وقال: مثل الأعاجم، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أن يقوم الناس لرجل تعظيماً له، بل إنه نهى أن يقوم المأموم والإمام قاعد لعلة؛ خشية من أن يفهم أن ذلك على سبيل التعظيم، وكما علل في الحديث: بأنه يشبه فعل الأعاجم، فإنهم كانوا يقومون عند سادتهم وكبرائهم، وهذا منهي عنه، وهو تشبه بالكافرين.
الصنف السابع: الجاهلية وأهلها، فقد جاء النهي عن كل ما هو من أعمال الجاهلية ومن أخلاقها وعباداتها وعاداتها، مثل السفور وتبرج النساء، وبروز المحرم للشمس ولا يستظل كما يفعل الرافضة اليوم؛ فإن هذا من أعمال الجاهلية ومن أعمال المشركين، وكإظهار العورة أو شيء منها، والعصبية القومية، والفخر بالأحساب والطعن بالأنساب، والنياحة، والاستسقاء بالنجوم، فقد ألغى النبي صلى الله عليه وسلم كل أحوال الجاهلية وأعرافها، وعاداتها، وتقاليدها، وتشريعاتها، ومن ذلك التبرج والاختلاط والربا.
الصنف الثامن: الشيطان، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أفعال الشيطان ونهى عنها، كالأكل والشرب باليد اليسرى، فقد روى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يأكلن أحدكم بشماله ولا يشرب بها؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها)، وهذه الخصلة مع الأسف وقع فيها كثير من المسلمين تساهلاً أو استكباراً عن الحق.
الصنف التاسع: الأعراب الجهلة الذين لم يكمل دينهم، فإن الأعراب كثيراً ما يشرعون عادات وتقاليد ليست من الإسلام في شيء، وبعضها موروث من الجاهلية، فالأعراب الجفاة في عادتهم وتقاليدهم وأعرافهم واصطلاحاتهم ما يخالف الشرع، من ذلك العصبية الجاهلية، والفخر بالأنساب والطعن بالأحساب، وتسمية المغرب بالعشاء وتسمية العشاء العتمة.. ونحو ذلك مما هو من عادات الأعراب.
الموضوع السابع: في أسباب وقوع المسلمين في تقليد الكفار وفي التشبه بهم خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ووقوعاً فيما نهى عنه:
أولاً يجب أن نعرف أن هذا الأمر قد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أمر لابد واقع.
ثانياً: ينبغي أن نفهم بناءً على القواعد السابقة أن الذين وقعوا بالتشبه بالكافرين ليسوا أهل الحق، ولا أهل السنة والجماعة، إنما الذين وقعوا هم أهل الافتراق، وما من فرقة افترقت عن أهل السنة والجماعة إلا وفيها شبه بالكفار يقل أو يكثر، فما من فرقت خرجت عن منهج أهل السنة والجماعة من الفرق التي افترقت إلا ويكون فيها شيء من التشبه بالكفار قد يقل في بعضها وقد يكثر في البعض الآخر.
من أهم أسباب وقوع المسلمين في التشبه بالكافرين:
أولاً: مكائد الكفار للإسلام والمسلمين من أول ظهور الإسلام حتى اليوم، فالكفار بمختلف مللهم وعقائدهم وأديانهم وأهوائهم كادوا ولا يزلون يكيدون للإسلام، فكان من مكائدهم إيقاع المسلمين في كثير مما كانوا عليه من أمور العقائد والعادات والسلوك، ولذلك نجد أن أغلب أسباب الافتراق هي مكائد الكافرين، وما من فرقة افترقت عن الأمة إلا ونجد أن من أسباب افتراقها وجود طوائف من الكفار إما أن يكونوا رءوساً فيها أو من أتباعها من أجل إيقاع المسلمين في مثل هذه الأمور، فمكائد الكفار أصحاب الديانات والملل هي من أهم أسباب وقوع المسلمين في التشبه، والله سبحانه وتعالى أخبرنا بذلك في مثل قوله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، ومثل قوله تعالى: وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118]، ومثل قوله تعالى: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:105]، ومثل قوله تعالى: إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [آل عمران:149]، وفي آية أخرى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا [البقرة:109].
إذاً: فالكفار لا شك أنهم حرصوا ولا زالوا من أحرص الناس على حرف المسلمين عن دينهم، وهم أيضاً يبذلون جهوداً الآن أكثر من أي وقت مضى، وكل مسلم متأمل لواقع المسلمين الآن -بل واقع العالم كله- يدرك تكالب الكفار على الأمة المسلمة اليوم بمحاولة فرض كل أمور الكافرين عليهم من عقائد، ومن عادات، ومن أنظمة، ومن سياسات، ومن أخلاق.. وغيرها؛ فإن الكفار الآن نجدهم تألبوا على الأمة بإيقاع بالتشبه بهم أكثر من أي وقت مضى.
ثانياً: من أسباب وقوع المسلمين في التشبه بالكافرين جهل بعض المسلمين بالإسلام وعدم تفقههم بالدين، جهلهم بأحكام الدين، وبمنهج السلف الصالح.
ثالثاً: ضعف المسلمين مادياً ومعنوياً وعسكرياً، مما أدى إلى شعورهم بالضعف والانهزامية، وإلى غلبة الكفار عليهم في كثير من شئون الحياة.
رابعاً: كيد المنافقين الذين يعيشون بين ظهراني المسلمين، وهم الأداة الفعالة والقوية في خدمة الكفار قديماً وحديثاً، فالمنافقون الذين بين المسلمين لهم أثر كبير في إيقاع المسلمين في التشبه، والمقصود بالمنافقين: فئات كثيرة، أولها أولئك الذين أدعوا الإسلام من الأمم الكافرة ودخلوا فيه ظاهراً بقصد الكيد ضده، ومنهم من هو مسلم في الأصل، لكنه ارتد وانحرف، ومنهم من هو مسلم في الأصل، لكن فهمه للإسلام منحرف وخاطئ، ومنهم من يميل إلى الفسق والفجور وإن كان يدعي الإسلام، فكثير من الذين يجرون المسلمين الآن إلى التشبه بالكافرين هم من الذين في قلوبهم مرض، والذين يحبون أن تشيع الأهواء والفواحش في المسلمين من العلمانيين وغيرهم.
وعلى أي حال فإن أسباب وقع المسلمين في التشبه بالكافرين كثيرة.
الموضوع الثامن: سأذكر فيه نماذج مما ورد النهي فيه عن التشبه بالكافرين عن النبي صلى الله عليه وسلم:
الأمر الأول من الأمور التي ورد النهي عنها صراحة في الشرع عن التشبه بالكافرين فيها: الافتراق في الدين، وهذا كثير في الكتاب والسنة، يقول الله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:105]، ومنه إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بافتراق هذه الأمة بقوله: (افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة)، فهذا الافتراق جاء الإخبار به على سبيل النهي والتحذير.
الأمر الثاني: رفع القبور والبناء عليها واتخاذها مساجد، واتخاذ التماثيل ورفع الصور أيضاً، وهذه الأمور أيضاً وردت فيها نصوص كثيرة أجملها فيما يلي:
روى مسلم وغيره عن علي رضي الله عنه أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدع قبراً مشرفاً إلا سويته ولا تمثالاً إلا طمسته).
وروى ابن أبي عاصم بسند صحيح عن معاوية رضي الله عنه قال: (إن تسوية القبور من السنة وقد رفعت اليهود والنصارى فلا تتشبهوا بهم)، يعني: رفعت البناء على القبور، وهذه البلوى -أي: رفع البناء عن القبور أو رفع القبور بذاتها- من أعظم البلوى التي أصيب بها المسلمون في كثير من أقطارهم اليوم؛ وذلك مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم)، ومن ذلك اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، ومعنى اتخاذ قبورهم مساجد أي: البناء عليها بناء مساجد، والصلاة في هذه المساجد ويتبع ذلك البناء على قبور الصالحين أو دفن الصالحين في المساجد ولو بعد بنائها، كل ذلك يشمله النهي.
ومن ذلك أيضاً: ارتياد المقابر من أجل الدعاء عندها أو دعائها من دون الله أو التقرب إليها بسائر القربات، وكل ذلك إنما هو من فعل اليهود والنصارى وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير.
ومن ذلك ما رواه مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس -أي: بخمس ليال- قال: (إني أبرء إلى الله إن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذا إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت
وجاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قاتل لله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وفي لفظ مسلم (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
وفي الصحيحين عن عائشة وابن عباس قالا: (لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجه فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ يحذر ما صنعوا).
وهكذا في قصة أم سلمة وأم حبيبة وما رأتاه من كنيسة في الحبشة من حسنها ومن تصاوير فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما: (أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله)، وهذه الأمور من أعظم ما ابتلي به المسلمون اليوم.
الأمر الثالث: من أعظم وجوه التشبه وأخطرها على المسلمين الافتتان بالنساء، فإن هذه من خصال الكفار، والمقصود بالافتتان بالنساء: إخراجهن عن حشمتهن حتى يفتتن بهن الرجال، وخصت النساء بذلك لأمور:
أولاً: لأن النساء يرغبن بهارج الدنيا.
وثانياً: لأنهن ينزعن إلى التقليد والمحاكاة والمبالغة في ذلك.
وثالثاً: لأن المرأة جبلت على إغراء الرجل والتزين له، وكذلك الرجل جبل على الميل إلى المرأة وخاصة إذا سفرت ولم تنزع إلى الحشمة وإلى الستر.
ومشابهة أهل الكتاب والكفار في عاداتهم وأخلاقهم وأعيادهم كثير من ذلك إنما تدعو إليه النساء أولاً ثم الصبيان والسفهاء، وهذه الخصلة -خصلة الافتتان بالنساء- وقع فيها كثير من المسلمين خاصة في هذا العصر مع الأسف، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك وقال: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) ، فإذا أعطيت المرأة شيئاً من القوامة وإذا لان الرجال مع النساء فيما هو من حدود الله تعالى، وإذا تخلوا عن مبدأ الحشمة والستر فإن هذا هو الطريق والسبيل إلى الفتنة، وفي الغالب أن الأمة إذا وقعت في هذه الخصلة فإنها تخسر دينها ودنياها.
الأمر الرابع: من الأمور التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم لأنها تشبه بالكفار: ترك الشيب بلا صبغ تشبهاً باليهود، فأمر بصبغ الشيب مخالفة لليهود والنصارى، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) ، مع اجتناب السواد كما هو معلوم في نصوص أخرى.
الأمر الخامس: ورد النهي عن حلق اللحى، والأمر بقص الشوارب؛ لأن فعل ذلك تشبه بالمشركين والمجوس واليهود والنصارى، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحديث كثيرة الأمر بإعفاء اللحى، واحفاء الشوارب، وعلل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مخالفة للمشركين والمجوس، فقال عليه الصلاة والسلام: (خالفوا المشركين حفوا الشوارب وأوفوا اللحى)، وفي رواية: (جزوا الشوارب)، وأيضاً ورد عند مسلم : (جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى خالفوا المجوس).
الأمر السادس: ورد النهي عن التشبه بالكافرين وبالذات اليهود؛ لأنهم لا يصلون بالنعال على وجه الاستدامة، فورد النهي عن ترك الصلاة في النعال؛ مخالفة لليهود ما لم يترتب على ذلك أذى، كما رواه أبو داود والحاكم وصححه وتابعه الذهبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم) ، وهذه المخالفة يقع فيها كثير من الجهلة وأصحاب البدع، وكما تعلمون هذا مشروط بعدم وجود الأذى، فإذا كان المسجد مثلاً مفروشاً والأرض غير نظيفة وطاهرة كما هو في المدن فإنه لا يشرع الصلاة بالنعال على الفرش، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على التراب وفي أرض المسجد التي ليس فيها فرش، فلذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على السنة إذا خرج خارج المساجد المفروشة بأن يحاول أن يصلى في نعاله امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ويفعل ذلك أحياناً لا على سبيل الدوام؛ لأن ذلك لم يؤثر عن السلف.
الأمر السابع: التفريق في الحدود وفي الجزاءات والتعزير والأنظمة بين الشريف والوضيع، أو بين الشرفاء والضعفاء، كما يفعل اليهود، فقد جاء في الصحيحين في قصة شفاعة أسامة بن زيد رضي الله عنه في المخزومية التي سرقت، فقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا
الأمر الثامن: ورد النهي عن التشبه بالكفار في السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه، وهو ما يسمى بالتلثم؛ لأن ذلك من فعل اليهود، فقد أخرج أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم وقال: على شرط الصحيحين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه)، وقد علل ذلك بعض الصحابة بأن ذلك من فعل اليهود.
الأمر التاسع: من التشبه بالكافرين وأهل الجاهلية: التبرج والسفور وخروج المرأة لغير حاجة، قال الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، وقال ابن عباس : لا تبدي العورة ولا تستن بسنة المشركين.
الأمر العاشر: الاختصار في الصلاة، والمقصود بالاختصار في الصلاة: وضع اليد على الخاصرة؛ فإن من السنة أن يضع المصلي يديه على صدره اليمنى على اليسرى، فالاختصار في الصلاة منهي عنه؛ لأنه من فعل اليهود، كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها كرهت الاختصار في الصلاة وقالت: لا تشبهوا باليهود.
الحادي عشر: الأعياد والاحتفالات، والمهرجانات التي لم ترد في الشرع، ومعروف أنه لم يرد إلا عيد الأضحى وعيد الفطر؛ فإن كثرة الأعياد من دين أهل الكتاب والكفار والمشركين والمجوس، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد المسلمون بأكثر من عيدين، وقال الله تعالى في صفة عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72]، قال كثير من مفسري السلف: المقصود بالزور أعياد المشركين، والأعياد من الشرائع والتعبد، وهي عبادة توقيفية لا يجوز الزيادة فيها ولا النقص عما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
فلو أحب أحد من الناس -مثلاً- أن يضع للأمة عيداً ثالثاً مهما كانت مناسبته فإن هذا من تشريع غير ما شرعه الله، وكذلك لو أحب أحد من الناس أن يلغي عيداً من الأعياد التي شرعها الله فإن ذلك تشريع أيضاً ولا يجوز، بل إنه كفر؛ لذلك منع الرسول صلى الله عليه وسلم أهل المدينة من إحياء بعض أعيادهم وأيامهم القديمة، فقد أخرج أبو داود وأحمد والنسائي بإسناد صحيح على شرط مسلم عن أنس قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى والفطر) ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم.
فالعيد مهما كان مبرره لا يجوز الزيادة فيه ولا النقص، فكل مناسبة تأخذ اهتماماً من المسلمين في زمن دوري كأن يكون كل شهر أو كل سنة أو كل سنتين أو كل خمس أو كل عشر، وكل مناسبة تلتزم بها الأمة في زمن معين وعلى هيئة معينة فإنها تكون عيداً ولو لم تسم عيداً، ويدخل ذلك من باب الأولى ما يسمى بالأعياد الوطنية أو أعياد العروش، أو أعياد المناسبات أو أعياد الانتصار، أو أعياد الفصول .. أو غيرها من الأعياد، ومن ذلك ما يسمى أيضاً بالأسابيع إذا اتخذت شكلاً تلتزم به الأمة أسبوع كذا وأسبوع كذا ما لم يتغير هذا الأسبوع من وقت إلى وقت فإنه يدخل في باب التعييد، وهو بذور الابتداع، حتى ولو فطن الناس في وقت تشريع هذا الأمر إلى الأمور الشرعية والمحاذير فإنه ستأتي أجيال لا تفطن، وقد تأخذ هذه الأمور على أنها من اللوازم على الأمة، وكل ما ألزم الناس به أنفسهم مما لا يلزم شرعاً فإنه يكون تشريعاً، سواء سمي عيداً، أو سمي يوماً، أو أسبوعاً، أو شهراً، أو مناسبة، أو احتفالاً، أو مهرجاناً، أو غير ذلك، كل هذه الأمور لا شك عند أهل العلم أنها من المحذور وهي من التعييد الممنوع.
الثاني عشر: ترك أكلة السحور كما يفعل أهل الكتاب؛ لأنهم لا يتسحرون، فقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) ، ومع الأسف نرى الكثير من المسلمين في هذا الوقت يقع في هذا المحذور خاصة الذين يسهرون إلى قرب وقت السحور ثم ينامون وقد أكلوا نصف الليل أو قبل ذلك، فهؤلاء لا شك أنهم يتركون أكلة السحور عمداً وهذا لا يجوز بل هو من سنن الكافرين وسنن اليهود، ولو لم يأت في ذلك إلا نهي النبي صلى الله عليه وسلم لكفى.
الثالث عشر: تأخير الفطور، فإن تعجيل الفطور من السنن، وهو مخالفة لليهود والنصارى، فقد أخرج أبو داود والحاكم وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون) ، وهذه الخصلة طبعاً أيضاً وقع فيها بعض الناس وهي كثيرة في الرافضة الشيعة، فإن الشيعة يؤخرون صلاة المغرب ويؤخرون السحور إلى أن تشتبك النجوم، وكذلك يقع فيه بعض الناس من باب الحيطة والتنطع في الدين، فإن هؤلاء أحياناً لا يثقون بالمؤذنين، ولا يثقون أيضاً برؤيتهم لغروب الشمس، فيتأخرون عن وقت الإفطار زعماً منهم أن هذا من باب الاحتياط، وهذه عادة من الشيطان؛ لأنه وقوع في المحذور، فتأخير السحور وتعجيل الفطور من السنة.
الرابع عشر: تأخير صلاة المغرب، من الأمور التي هي من خصال الكفار تأخير صلاة المغرب عن وقتها، فإن اليهود يؤخرون المغرب حتى تشتبك النجوم، أي: تبدوا متشابكة وتظهر للأعيان، وقد أخرج أبو داود والحاكم وصححه وكذلك ابن ماجة وأحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم).
الخامس عشر: اعتزال الحائض من النساء في المؤاكلة والمؤانسة والجلوس في البيت، فإن من خصال اليهود أنهم إذا حاضت المرأة يفاصلونها ويعتزلونها عن المؤاكلة وعن المجالسة في البيت، وهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) وذلك حينما سأله بعض المسلمين الذين كانوا يرون أفعال اليهود في المدينة.
السادس عشر: النهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس وزوالها وغروبها؛ لأنه تطلع بين قرني شيطان ولأنها يسجد لها الكفار وقت الطلوع، ووقت الزوال، ووقت الغروب، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم عن عمرو بن عبسة في حديثه الطويل ومنه قال: (صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس؛ فإنها حين تطلع تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار)، وقال مثل ذلك في غروبها أيضاً.
السابع عشر: النهي عن الصلاة مختصراً، وهو وضع اليد على الخاصرة، وهذا قد مر.
الثامن عشر: النهي عن القيام لشخص؛ تعظيماً له، خاصة إذا كان الشخص له مقام أو كان من المعظمين، فقد ورد النهي عن ذلك في نصوص كثيرة، من ذلك ما ورد من النهي عن صلاة المأمومين قياماً والإمام قاعد خاصة إذا طرأ على الإمام طارئ فلم يستطع القيام، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ينبغي إذا قعد الإمام أن يقعد المأموم مثله؛ خوفاً من تقليد الأعاجم الذين يقومون لعظمائهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود وابن ماجة : (إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً، وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها)، وفي رواية: (ولا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضاً) ، وأخرج مسلم في حديث آخر: (إن كدتم أنفاً تفعلوا فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود) ، وذلك حينما قام الصحابة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بهم قاعداً موعوكاً.
التاسع عشر: ندب الميت بالنياحة، وإقامة المآتم الصاخبة، كما تفعل الجاهلية، فقد قال النبي صلى الله علية وسلم في الحديث المتفق عليه: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) ، وهذه الخصلة أيضاً وقع فيها كثير من المسلمين اليوم.
العشرون: الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم، وهذه من أفعال الجاهلية التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم، والنياحة).
الحادي والعشرون: العصبية إلى قوم، أو إلى مذهب، أو إلى بلد.. أو نحو ذلك، فأي عصبية أو انتماء لغير الإسلام على وجه الافتخار والتعصب كل ذلك من أفعال الجاهلية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية) ، أخرجه أبو داود ومسلم في معناه، وهذه العصبية التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الأمور التي وقع فيها المسلمون قديماً وحديثاً، فمن أعظم الأمور العصبية التي وقعت بين المسلمين الآن وافتتنوا بها وفرقتهم القوميات، والوطنيات الضيقة التي جعلت المسلمين شعوباً وفرقتهم، ولعل أحداث هذه الأيام تبين لنا مدى أثر القوميات والعصبيات التي هي جاهلية على المسلمين.
الثاني والعشرون: إفراد اليوم العاشر من المحرم وهو يوم عاشوراء بالصوم؛ لأن اليهود تفعل ذلك، فقد روى الإمام أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده).
الثالث والعشرون: وصل الشعر من قبل النساء، والمقصود بوصل الشعر: وضع شعر غير ما خلقه الله للمرأة كما تفعل اليهود، ومثله في نظري ما يسمى بالباروكة؛ لأنها من باب وصل الشعر، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث معاوية رضي الله عنه قال في القصة من الشعر التي يوصل بها: إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذتها نساؤهم، وقال معاوية : ما كنت أرى أن أحداً يفعله إلا اليهود.
الرابع والعشرون: قسوة القلوب وعدم الخشوع لآيات الله وذكره، وهذه من خصال اليهود التي نهى عنها الله تعالى في قوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الحديد:16].
الخامس والعشرون: الرهبانية والتشدد في الدين، فإن هذا من أعظم خصال النصارى، فالمبالغة بالدين مما لم يشرعه الله سواء في العبادة، أو في العقائد، أو في الأحكام، كالانقطاع للعبادة وترك السعي لطلب الرزق، وترك الجهاد، وترك الضرب في الأرض، وكتحريم المباحات، كالتنطع في الدين مما يخرج عن منهج الاعتدال الذي هو دين الإسلام، والرهبانية كما تعلمون من فعل النصارى، وقد نهى الله عن ذلك ونهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم).
والخلاصة: أن موضوع التشبه من أخطر وأهم الموضوعات التي ينبغي أن يعنى بها المسلمون؛ لأن المسلمين اليوم وقع كثير منهم في أشد أنواع التشبه وأعظمها على الدين، بل وقعوا فيما هو كفر وما هو ظلال وما هو شرك وما هو دون ذلك، وإن كان التشبه وقع فيه المسلمون قديماً لكنه لم يصل الأمر بالمسلمين كما وصل بهم الآن، فإنا نجد أن المسلمين الآن تبعاً لغيرهم في غالب الأمور إلا من عصمه الله.
فالمسلمون اليوم تبعاً للكفار في كثير من الأمور ليست تبعية جزئية في أمر من أمور العبادة أو خصلة من خصال العادات أو نحو ذلك، وإنما هي تبعية شاملة لأغلب مناحي الحياة في العقائد وفي التشريع، ومن ذلك القوانين الوضعية المستوردة، وفي الأحكام وفي التحاكم، ونجد أن كثيراً من المسلمين جماعات ودول يتحاكمون الآن إلى الدول والمنظمات الكافرة، كتحاكمهم بل أكثر من تحاكمهم إلى الله ورسوله.
وأيضاً ما هو من قبيل الأخلاق والسلوك والهدي الظاهر هذا مع الأسف وقع فيه كثير من المسلمين بل أصبحت بعض بلاد المسلمين السنة فيها هي الشاذة، وأخلاق الكافرين وعادتهم هي الأصل، وهذا أمر مدرك لدى الجميع، ونحن في هذه البلاد -بحمد الله- لا يزال ظاهر سلوك المسلمين على الإسلام، ولا تزال كثير من الأخلاق والعادات والأحكام والنظم على الإسلام ولا تزال كثير من الأخلاق والعادات والأحكام والنظم على الإسلام الظاهر، وهذه نعمة من الله تعالى يجب أن نحافظ عليها.
أخيراً: لا يسعني إلا أن أوصي نفسي وإخواني بتقوى الله سبحانه وتعالى والنصح للمسلمين، ومحاولة إخراجهم من هذا الوضع الذي هم فيه، والحفاظ على ما بقي عندنا في هذا البلد من أمور السنة الظاهرة، ومحاولة صد هذا التيار العارم الجارف من أحوال الكافرين وأعمالهم التي أصبحت تفد إلينا اختياراً أو إجباراً.
هذا وأسأل الله أن يحيينا مسلمين، وأن يميتنا مسلمين، وأن يحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، كما أسأله تعالى أن يجعلنا على الصراط المستقيم، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السؤال: الأمة في هذا الزمن وقعت في تيه فكري، وانهزمت أمام الكفار فضاعت في كثير من مناحي حياتها فكرياً وتاهت ثقافياً، ونراك أغفلت كثيراً من جوانب هذا الضياع والتيه، وركزت على أمور لا نعاني منها في زمننا، مثل بناء القباب، وصبغ الشيب، والصلاة في النعال، فهل من توجيه؟
الجواب: في الحقيقة كنت متردداً بين أمرين: إما أن آخذ النصوص الشرعية والقواعد وأكتفي بالأمثلة فيما عدا ذلك، أو العكس أشير إلى القواعد أشارة موجزة ثم أفصل فيما وقع فيه المسلمون من التشبه، فآثرت الأول؛ لأنه يتعلق بالأصول الشرعية التي هي الموازين، والمعيار والمقصود بهذا: أن نعطي الموازين من النصوص والقواعد التي بها يزن المسلم أعمال المسلمين على ضوئها، فلذلك ركزت على القواعد وعلى أصناف التشبه والمتشبه بهم والمتشبهين أكثر من تركيزي على وصف أحوال المسلمين إلا لماماً، فأرجو أن يكون لي في ذلك عذر، والوقت لا يتسع بأن نجمع بين الأمرين، ولعله إن شاء الله في مناسبة أخرى يكون لنا حديث فيما وقع فيه المسلمون من تشبه خالص بالكافرين.
السؤال: إن معظم الابتكارات المتعلقة بجمال المرأة كالابتكار في الأزياء وتسريحات الشعر وأدوات التجميل.. ونحوها يأتي من الكفار، فإذا حرمناها بدعوى مشابهة الكفار نشأ عن ذلك عدم التجديد في جمال المرأة وأصبحت مملولة، وتحول الرجال إلى نساء الكفار ذوات الجمال المتجدد؟
أضف إلى ذلك أن الغرب سبقونا إلى مجال الذوق بسنوات كثيرة ووضعوا قوانين وضوابط للجمال لا ندركه ومعروف أننا نتشبه بهم في هذا المجال؛ لأنهم أعرف منا في هذا المجال، وأذواقهم أحسن من أذواقنا؟
الجواب: على أية حال السؤال نقض نفسه بنفسه، فليس مبالغة المرأة في الجمال هدفاً مقصوداً لذاته، نعم المرأة تتجمل لزوجها، والجمال للزوج له طرق يستغنى بها عن وسائل الكفار وأساليبهم، هذا أمر، أمر آخر يبدو لي أن ما يتعلق بالألبسة والتسريحات التي تعملها النساء لا تعملها لأزواجهن، بل أغلب النساء -وأجزم بذلك- تتزين للشارع وللخروج للحفلات أكثر مما تتزين لزوجها.
إذاً: فهذا الأمر باطل من أصله، ثم أن تزين المرأة إذا كان لقصد التزين لزوجها ليس فيه ممنوع إلا أن تقع في محرم حرمه الشرع، أما التزين لغير الزوج فهو لا يجوز، وهو التي تعمله دور الأزياء وغيرها.
السؤال: من الملاحظ دخول بعض العادات الغربية من مظاهر الزواج لدينا، فما توجيهك فيما يقومون بهذه الأعمال؟
الجواب: في الحقيقة الاحتفالات الكبيرة خاصة الزواجات يبدو لي أنها أصبحت الآن أعظم وسائل إدخال العادات والتقاليد الفاسدة للمسلمين، وليس تقليد الكفار فقط؛ لأننا أيضاً نهينا عن أخلاق الفساق والفجرة الذين يحبون أن تشيع الفاحشة، فحفلات الزواج هي من أهم الوسائل أو من أخطرها في نشر هذه العادات والتقاليد، ولكن كيف ندفع هذا الشر؟ هذا أمر يبدو لي أنه واجب الجميع، يعني: المفروض أن نتعاون جميعاً مع ولاة الأمور، ومع أصحاب قصور الاحتفالات وغيرها بأن ندرأ الشر قدر الإمكان.
السؤال: ما توجيه فضيلتكم لمن يقوم بتقليد الكفار في العادات والتقاليد ويترك ما وصلوا إليه من تقدم صناعي؟
الجواب: هذا وصف جيد لواقع المسلمين، فالمسلمون الآن يأخذون كل رديء عن الكفار، ولا نراهم أخذوا الجيد، فمنذ أن بدأت التحولات الكبرى عند المسلمين ابتدءاً من دخول العلمانية في الحكم وإقامة الأنظمة، والقوانين الوضعية، وانتهاء بالتعليم، وما بينهما من الاقتصاد، والسياسة، والاجتماع.. وغيرها كل مظاهر الأخذ عن الكفار نجد أن المسلمين أخذوا كل ضار وتركوا النافع، ولا نسمع عن خصلة من خصال الكفار الرديئة تحدث في أوروبا وأمريكا إلا ونراها بعد يسير موجودة في بلاد المسلمين، بينما نجد أن الأمور الهامة من إعداد القوة ومن الصناعات ومن الأمور الدنيوية نجد أنا متخلفين فيها جداً، ولا نزال نعتمد على الكفار، وهذا طبعاً انتكاس، وسببه التخلي عن دين الله وشرعه، وهذا لا شك فيه.
ولو أخذنا بأوامر الشرع لما وقع هذا، ولكان العكس هو الصحيح، وهو أننا نأخذ بالنافع ونترك الفاسد، لكن الذي حصل والذي يريده -مع الأسف- المعجبون بالكفار من العلمانيين والحداثيين والمنافقين وأهل الفسق والذين يحبون الفجور والفواحش الذي يطمعون إليه الآن هو أن تتغير تقاليدنا وتكون كتقاليد الكفار، وأن نخرج عن عاداتنا التي هي أحكام الإسلام، وطبعاً هم يسمونها عادات وتقاليد وهي أحكام الشرع، يريدون أن نخرج عنها إلى ما عليه الكفار، ولا نراهم حريصين على التقدم المادي كما نراهم حريصين على التقليد في هذه الأمور، ولو حرصوا لكان الأمر غير ما هو عليه، وهناك من يعتقد بالغرب وبعاداتهم، فكلما تحدث عن شيء قال: وجدت ذلك في الغرب، ثم يبدأ يمتدحه ويمتدح ذلك الشيء سواء كان ذلك الشيء حسناً أو سيئاً.
وهذا من الانهزامية، وهذا ما نراه كثيراً بين كثير من المثقفين الذين يعجبون بالغرب، فنجدهم -كما تقرءون في كثير من المقالات في الصحف- إذا أردوا أن يستشهدوا على شيء أنه حسن أو أنه جيد مفيد قلوا: قال فلان الغربي أو قالت المؤسسة الفلانية الغربية أو قالت النظرية الغربية.. وهكذا، ولا يقولون: قال الله قال رسوله إلا إذا حلا لهم الدليل، فإذا كان الدليل يخدمهم أتوا به.
السؤال: في كلية البنات هناك مسابقة تقام بين الطالبات والطالبة تشترى قسيمة المسابقة، وقد أفتى المشايخ بأن ذلك قمار، ولم نعلم إلا بعد الفوز، فما حكم الجائزة؟ هل نتصدق بها أو نردها إلى أصحاب المسابقة؟
الجواب: أما ما حصل من جائزة فالأولى التصدق بها؛ لأن إرجاعها إلى أصحابه قد يعود إلى نفس العملية مرة أخرى فقد يعمل قماراً مرة أخرى، فالأولى التصدق بها، وصرفها في وجوه الخير، فهذا أجدى وأنفع.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر