وأشباه هذه الأحاديث، فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض لا تفسر شيئاً من هذه بهواك، فإن الإيمان بهذا واجب، فمن فسر شيئاً من هذا بهواه أو رده فهو جهمي ].
أولاً: أن كل ما جاء في القرآن أو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأخبار عن الله تعالى في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، يجب أن يسلم به المسلم، ويثبت لله عز وجل على الحقيقة كما يليق بجلال الله سبحانه.
ثانياً: لابد من التصديق والتسليم لهذه الأخبار؛ لأنها أخبار غيب ولأنها جاءت عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ولأنها جاءت بلسان عربي مبين، ولأننا خوطبنا بها ولا يمكن أن نخاطب بها إلا إذا كانت معانيها وحقائقها تحت مدارك البشر.
ثالثاً: لابد من الجزم بنفي المماثلة، أي عندما نثبت هذه الأمور لله عز وجل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله فإننا نعتقد أن الله ليس كمثله شيء، وأن المعنى معلوم لكن الكيفية غير معلومة، ولاشك أن هذه الأسماء والصفات والأفعال تشتمل على معاني الكمال لله عز وجل، والكمال يلزم منه نفي المماثلة ونفي توهم ما يرد في الخاطر أو ما يرد في القلب من تصور وتوهمات.
رابعاً: هذه الأمور كلها وغيرها مما ثبت عن الله تعالى فإن الله خاطبنا به؛ لأننا نعرف حقيقته على المعنى الذي يليق بالله عز وجل من وجه، وهو أنه حق وأن له معاني حقيقية، وأن هذه المعاني مدركة في الجملة، ولا نعرفه من وجه وهو الكيفيات، وهذا مما لم نطالب به أصلاً في مجرد التصور، فضلاً عن البحث والتنقيب والسؤال والشك والجدل والمراء والتقرير، فكل ذلك محرم علينا، بل من كبائر الذنوب أن نخوض فيما لا يدخل في مداركنا من كيفيات الأمور الغيبية، وأعلاها وأجلها ما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وقد ورد النهي الشديد عن الخوض في هذه الأمور.
والمثال الأول قوله: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن)، هذا ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولابد أن نؤمن به على الحقيقة، لأننا خوطبنا به وأمرنا بأن نتدبره وأن نثبت الكمال لله عز وجل وأن لا نخوض في أكثر مما ورد؛ لأن الخوض في أكثر مما ورد محاولة للاطلاع على الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولأنه إساءة أدب مع الله، لكن نؤمن به كما جاء وأنه على حقيقته على ما يليق بجلال الله، فإثبات الأصبعين والأصبع لله عز وجل ثابت لكن مع نفي الكيفية قطعاً؛ لأن الله ليس كمثله شيء.
والتكلم في لوازم صفة النزول التي يرى أهل التأويل أنها لوازم باطلة مثل قولهم يلزم من النزول الحركة، نقول: كلمة الحركة كلمة مجملة تشتمل على معنى حق يثبت به الكمال، وعلى معنى باطل لا يليق بالله عز وجل.
ثم يقولون: يلزم من النزول إخلاء مكان وشغور مكان آخر، أقول: إذا كان هذا يلزم في حق المخلوق فلأن المخلوق محدود محكوم ناقص والله عز وجل منزه عن هذه الأمور، فاللوازم التي قلتم بها وأولتم النزول لوازم باطلة.
قد يقولون: إننا نفهم من السياق أن الله عز وجل ينزل الرحمة، نقول: نعم، من لوازم نزول الله عز وجل الرحمة بالعباد، لكن لا يعني قصر الصفة على لازمها، فإنا نعرف أن كثيراً من الصفات لها لوازم إيجابية وهي كمال وأنها تثبت لله عز وجل من الكمالات؛ لكن لا يعدل إليها عن إثبات الصفة، فالصفة تثبت لله عز وجل كما جاءت في القرآن وكما ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن التشبيه والتمثيل منفي، وأن هذه الصفات تشتمل على معان صحيحة نثبتها، لكنا لا نحمل الصفة على بعض معانيها وبعض لوازمها.
وكذلك قوله: (ينزل يوم عرفة) و(ينزل يوم القيامة) و(جهنم لا يزال يطرح فيها حتى يضع عليها قدمه) هذا فيه إثبات القدم لله عز وجل على ما يليق بجلاله من غير معرفة للكيفية ولا تحكم بها.
فإثبات الهرولة لله عز وجل قد يكون من باب الصفة، وهي على ما يليق بجلال الله كما أثبتنا الأصبع وأثبتنا النزول على ما يليق بجلال الله، والهرولة المفهومة عند المخلوق ليست مثبتة لله عز وجل بل تثبت لله على وجه الكمال، هذا إن قلنا صفة، وإن قلنا إنه مجرد فعل من الأفعال فكذلك.
أفعال الله عز وجل لا حصر لها وتحمل على وجه الكمال مع الابتعاد عن تشبيهها بأفعال المخلوقين وكذلك إن كانت لمجرد الخبر فهي حق على ما يليق بجلال الله.
المهم أن الهرولة ليست محل اتفاق في إثباتها كصفة، إنما تثبت كخبر عن فعل من أفعال الله عز وجل.
وقوله: (إن الله ينزل يوم عرفة)، مكرر.
كذلك الصورة ثبتت لله عز وجل بنصوص أخرى، وهي كسائر الصفات ليس هناك ما يبرر التكلف في تأويلها أو نفيها، فهي كسائر الأخبار عن الله عز وجل وكسائر الصفات، كقوله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي في أحسن صورة). قال: (فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض).
ولا يقصد التفويض بمعنى عدم إثبات الحقيقة، أو الهروب من الإثبات، ولا يقصد بالتفويض أيضاً اعتقاد أن ليس لها معنى أو أن معناها غير مفهوم عند المخاطبين أو نحو ذلك، إنما يقصد بالتفويض تفويض الكيفية، يعني: أن ما نعلمه بإجمال نثبته، وما لا ندركه ولا نعلمه من الكيفيات نفوضه إلى الله عز وجل؛ لأننا ما أمرنا بالكلام فيه، بل نهينا.
والتفويض من الكلمات الحساسة التي ينبغي لطالب العلم أن يتفادى إطلاقها، وليست من الأمور الضرورية في تقرير العقيدة وإن أطلقها بعض السلف كما أطلقها الشيخ هنا، فإنما أطلقها على معنى صحيح لكنه غير شائع وغير مستعمل ويؤدي إلى حرج في إطلاق الصفات، فليس في الصفات ما يفوض على المعنى المفهوم عند المفوضة، إنما تفوض للكيفية؛ إطلاقها في الأمور الغيبية إلا مفسرة، بمعنى أن نقول: إن المفوض هو ما لا نعلمه وما لم نخاطب به، أما ما خوطبنا به فلا نفوضه وهو المعاني والحقائق.
وكذلك الحقائق تنقسم إلى قسمين حقائق بمعنى المعاني، هذه معلومة وحقائق بمعنى الكيفيات لا نفسر شيئاً منها بالرأي، بل إن تفسير هذه الأمور بالرأي يعتبر من كبائر الذنوب ومن البدع المغلظة، فإن الإيمان بها واجب، فمن فسر شيئاً منها بهواه أو رده فهو جهمي؛ لأن هذا هو منهج الجهمية الأوائل كانوا يردون النصوص ولا يبالون، فلما رأوا أن هذا المنهج فيه نوع مغالطة وأنه يصادم عقائد المسلمين وصار ينفر منه حتى العوام، سلكوا مسلكاً آخر وهو مسلك التأويل، وهو التفسير بالهوى.
والفكرة في الله تبارك وتعالى بدعة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الله، فإن الفكرة في الرب تقدح الشك في القلب) ].
المقصود بالفكرة هو أن يسرح الإنسان بفكره وخيالاته إلى التفكر في كيفيات الغيب، والفكرة في الله عز وجل هي التفكر أو إعمال الذهن والعقل والقلب في التفكير في كيفيات ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فإن هذا هو منهج المتكلمين والفلاسفة بمعناهم الاصطلاحي البحت أو الخاص، لا بالمعنى المتوسع فيه الآن.
الفلاسفة الذين يتكلمون في الإلهيات بآرائهم هم خصوم الأنبياء في كل عصر، ومنهجهم يقوم على التفكر في ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله بما لم يرد في النصوص؛ لأن التفكر قد يقصد به معنى سليم، وهو أن يتفكر الإنسان في حقوق الله عز وجل، وفي أسمائه وصفاته وإثبات الحقائق لله سبحانه، فهذا أمر مطلوب، ولا يتم فهم خطاب الله عز وجل وكلامه وخبره إلا بهذا التفكر.
لكن تفكر بما لا يتجاوز حدود العقل، وبما لا يتجاوز معاني النصوص المجملة التي تحت مدارك البشر، أما ما تجاوز مدارك البشر فهو ممنوع؛ لأنه خوض فيما لا يعلمه الناس، فمثلاً: إعمال الفكر في إثبات ما لم يثبت لله عز وجل الصفات التي ليس فيها كمال لاشك أنه من التفكر، ومن التفكر إمعان الفكر في محاولة التطلع إلى الكيفيات.
فالفكرة في الله -أي: التفكر في كيفية ذاته وأسمائه وصفاته- بدعة إلا ما يخطر على الإنسان رغماً عنه، فإن الخاطر إذا طرده الإنسان وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم زال عنه، لكن القصد اتخاذ التفكر في ذات الله عز وجل وأسمائه وصفاته وأفعاله منهجاً، وكذلك أمور الغيب الأخرى.
أما منهج الفلاسفة والمتكلمين فيقوم على تقرير العقيدة على هذا الأساس، فهم يسرحون في الخيالات والأوهام ثم يقررون أوهامهم وخيالاتهم، ثم يجعلونها قواعد عقلية، فإذا جاء في القرآن ما يعارضها ردوا القرآن أو أولوه وإذا صح في السنة ما يعارض هذه الأمور ردوه أو أولوه.
قوله: (لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الله ..) ) الحديث فيما أعلم ضعيف، لكن ربما يرقى بمجموع طرقه إلى درجة الحسن، وبعض أهل الحديث صححوا الحديث.
قصده بذلك أن هذه المخلوقات مسيرة بما قدره الله عز وجل لها، فالله خلقها وجعل فيها الغرائز وجعل فيها الحركة وأنها ليس لها استقلال عن تدبير الله عز وجل، وعما جعله الله في هذا الكون من السنن التي تسير فيها الحياة، فهي سائرة على سنن الله وبأقدار الله عز وجل فلا تسير نفسها ولا يسيرها أحد من الخلق وحركاتها كلها مبنية على تقدير الله لها وعلى ما جعله الله لها من السنن التي بها تتحرك وتعيش وتحيا وتموت كسائر المخلوقات، وهذه أمثلة لمجموع الخلق كله فإنه تحت تدبير الله عز وجل وتحت ربوبية الله وتصريفه: لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ [سبأ:3] سبحانه.
ولا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وصداق قل أو كثر، ومن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له، وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً فقد حرمت عليه ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
ولا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله إلا الله ويشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا بإحدى ثلاث: زان بعد إحصان، أو مرتد بعد إيمان، أو قتل نفس مؤمنة بغير حق فيقتل به، وما سوى ذلك فدم المسلم على المسلم حرام أبداً حتى تقوم الساعة ].
أدرج الشيخ هنا بعض الأحكام الفقهية كعادة السلف في الأمور التي يكون عند بعض الفرق المعاصرة لهم شيء من الخلاف والخروج عن مقتضى السنة، وكلما خرج الناس بأمر يكون فيه مخالفة صريحة للسنة نوه السلف عن الحق فيه وبينوا القاعدة فيه، كما تقدم في الدرس السابق أن السلف أدخلوا المسح على الخفين ووجوب غسل الرجلين.
في باب العقائد مع أنها في باب الأحكام، لأن هناك من خالف فيها وهي من الأحكام الظاهرة المعلومة، فهي إما أن تكون قطعية متواترة أو مجمعاً عليها، أو تكون من السنن الظاهرة أو الرأي الراجح، أو يكون المخالف فيها لم يقصد مجرد المخالفة إنما قصد الحكم تديناً، بمعنى أنه يبدّع غيره.. فقد تشتهر المخالفة في مثل هذه الأمور عند بعض الفرق وإن كانت من باب الأحكام، لكنها لم تجعلها خلافية، بل جعلتها من الحق الذي لا يمكن أن يُسمح فيه بالاجتهاد، ويبدّع من خالفها ويوالى ويعادى عليها، فمن هنا يذكر السلف مثل هذه الأمور من باب أنها من الأمور التي تقررت على هذا الوجه عند جمهور السلف أو عند أكثرهم، أو تكون هي الراجح أو نحو ذلك.
العطف يقتضي تشابك الفقرتين معنى ولفظاً، وجه الإشكال أن الظاهر أن الضمير في قوله: (فيها)، راجع إلى الأمة، في حين أن الصحيح أن الضمير راجع إلى الدنيا؟
الجواب: قوله: (وأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها) أي في الدنيا، (مؤمنون في أحكامهم) وهذا هو الصحيح.
الجواب: بعض الذين أثبتوا هذه الصفات قالوا: إننا لابد أن نعمم القاعدة بأن كل ما أخبر الله به عن نفسه فلا بد من إثباته وأنه صفة، ويدخل في ذلك الملل: (إن الله لا يمل حتى تملوا) كما ورد في حديث صحيح، والهرولة كما في هذا الحديث، والمشي، والاستهزاء والمكر ونحو ذلك..
وهذه النصوص لها ما يميزها عن باقي الصفات، وهي أنها كلها جاءت من باب مشاكلة أفعال العباد، ففيها مجانسة ومشاكلة وفيها مجازاة، وغالب النصوص التي تربط الخبر عن الله عز وجل بشيء من عالم الشهادة وأحوال المخلوقين تقيد بهذا التفسير، فمثلاً نحن نعلم أن الاستهزاء جاء ذكره مقابل وعيد المنافقين بأن الله عز وجل سيفعل لهم ما يجازيهم على استهزائهم في الآخرة، أي: بفعل حاصل من المخلوق، وقرن بمعنى معلوم لدى المخاطبين وهو أن هذه المجازاة ستكون من جنس العمل، فرُبط الحال بحال المخلوق.
كذلك الهرولة نحن نعلم أنها جاءت مقابل المشي إلى الله عز وجل، ونحن نعلم أن عبادة الله لا تكون بمشي فعلي إليه، إنما يكون المشي على منهجه والسير على الطريق الحق، فإذا كان المشي لا يقصد به المشي الفعلي من العبد فكذلك الهرولة لا يقصد بها الهرولة الفعلية من الله لوجود القرينة المعلومة.
أما بقية الصفات فليس عندنا قرينة معلومة، فلما وجدت القرينة المعلومة فسّرنا النص بمعناه الذي جاء به، أما الأمور التي هي غيبية بحتة فلا نفسرها إلا كما جاءت.
فمن هنا أثبت بعض السلف هذه الأمور على أنها صفات.
وبعضهم قال: إنها أفعال مطلقة وليست من باب الصفات الذاتية أو الفعلية.
وبعضهم قال: أفعال، وهي صفات فعلية.
وبعضهم قال: هذا مجرد خبر نمره كما جاء لأنه يُشكل، وأي أمر يُشكل نمره كما جاء، أما بقية الصفات الأخرى فلا تشكل؛ لأنها تثبت على قاعدة (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
فإذاً: ربط فعل الله بفعل العبد جعل بعض أهل العلم يقول: إن هذا الربط قصد به معنى معلوم عند المخاطب وهو المشاكلة أو المجازاة، ومع ذلك تبقى المسألة خلافية لا حرج فيها.
الجواب: اختلف فيه أهل العلم كثيراً، والراجح أن الله عز وجل خلق آدم على صورة الرحمن، يعني في الكمالات التي تليق بالعباد وليست كمالات مطلقة، بمعنى أنه يوجد اشتراك لفظي بين صفات الخالق وصفات المخلوق، هذا الاشتراك اللفظي يوجد فيه اشتراك في بعض المعاني وليس في كل المعاني، فهذه المعاني المشتركة عُبِّر عنها على أنها نوع من الصورة، ومع ذلك فإن بعض أهل العلم أرجع الضمير إلى غير الله عز وجل، لكن هذا فيه تكلف؛ لأنه ورد في نص آخر صحيح: (على صورة الرحمن)، فيفسّر هذا بذاك.
الجواب: هذا من باب ضرب المثل فقط.
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يحرك يده أو إصبعه في حكاية بعض الصفات، ولذلك كان بعض رواة الحديث يفعلون ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هذا هو المعهود عند السلف قبل أن تظهر الجهمية والمعتزلة وأهل الكلام، فلما ظهرت بدع الجهمية والمعتزلة وأهل الكلام أشكل على بعض الناس مثل هذه الأمور، وصار في الإشارة شيء من الفتنة، فلذا بعض السلف يشير إذا أمن الفتنة، وبعضهم لا يشير، وبعضهم يمنع..
فالقاعدة فيما أعرف أنه إذا كان راوي الحديث أو المتكلم عنه بين طلاب علم يفقهون الأمور وليس فيهم عوام أو أناس توجد عندهم إشكالات في الصفات، فلا مانع من فعل ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بشرط البيان دفعاً للإشكال، أما إذا كان المجلس ليس فيه من يدركون هذه الأمور فالأولى عدم الإشارة دفعاً للفتنة والتوهم؛ لأن الناس تحدثوا في هذه الأمور وصارت مما عمت به البلوى، وأصبح التأويل هو الأصل عند كثير من المسلمين، وفي مثل هذا الفعل فتنة على بعضهم.
الجواب: هذا جهل مركب، فالذين يثبتون لله اليد هم السلف، وهو القول الحق، فيثبتونها لأنها وردت في الكتاب والسنة ويثبتون ما ذكره من القدرة والهيمنة؛ ولأن اليد وردت كما تعلمون بسياقات كثيرة، منها أنها وردت مثناة ومفردة ووردت بدلالات كثيرة مختلفة.. فكلها تدل على إثبات الصفة وإثبات ما يلزم منها من القدرة والنعمة والكرم والسخاء إلى آخر ما يلزم من الكمالات، وأن إثبات اليد ليس من الأمور التي هي رأي أو وجهة نظر لبعض الناس، ولا يفسّرون الآية بظاهرها على المعنى الذي يريده هو إذا قصد بظاهرها التشبيه، إنما يفسّرونها بالمعنى الحق.
أما استدلاله بقول الله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] فإن هذا استدلال ناقص؛ لأن ثبوت الوجه لله عز وجل ثابت في عدة نصوص، وفي هذه الآية، ومعلوم عند العرب أنهم يعبّرون بالوجه عن الكل، فالله عز وجل لا يقال يفنى كله إلا الوجه؛ لأنه لا شك أن المقصود بذلك ذات الله عز وجل، وأن التعبير بالوجه عن الذات أمر معهود تقتضيه اللغة ويقتضيه السياق ومفهوم بالضرورة، فهذا دليل على جهل من قال بمثل هذا الكلام نسأل الله العافية.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر