وإذا رأيت الرجل يحب أيوباً وابن عون ويونس بن عبيد وعبد الله بن إدريس الأودي والشعبي ومالك بن مغول ويزيد بن زريع ومعاذ بن معاذ ووهب بن جرير وحماد بن سلمة وحماد بن زيد ومالك بن أنس والأوزاعي وزائدة بن قدامة فاعلم أنه صاحب سنة.
وإذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل والحجاج بن المنهال وأحمد بن نصر وذكرهم بخير وقال قولهم فاعلم أنه صاحب سنة ].
هذا من الأصول والسمات في أهل السنة والجماعة، فمن أبرز السمات بين أهل السنة حبهم لبعضهم، ذلك أنهم يعرفون بالسنة وتعرف السنة أيضاً بعملهم وتطبيقهم، فهم أئمة الهدى، والمرء مع من أحب، ومن أحب قوماً حُشر معهم، والمرء على دين خليله.
ومحبة أئمة السنة دليل على محبة السنة نفسها، فمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم فيجب أن يتبعه، ومن أحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتدى بهم فهو منهم، ومن أحب بعد ذلك أئمة الهدى من التابعين وتابعيهم فإن هذا دليل خير، ويقصد بذلك المحبة التي يعقبها الاتباع؛ لأن كل دعوى دليلها العمل، وإلا فكل يدّعي وصلاً بليلى، لكن العبرة بالعمل والتطبيق والاتباع، فإن من أحب أئمة السنة عمل بمقتضى ما هم عليه.
وعدد الشيخ هؤلاء الأئمة لأنهم عرفوا بالسنة، فهم أئمة الهدى علماً وقدوة، ولا يعني ذلك أنهم معصومون، لكن يعني بذلك أنهم شهدت لهم الأمة بالفضل والفقه في دين الله عز وجل، والعبادة والجهاد والزهد والحرص على مصالح المسلمين ونشر الخير والدعوة إليه، وتحقيق معاني الولاية والبراءة.. هؤلاء كلهم أئمة هدى، فمن أحبهم ومال إلى نهجهم فهو صاحب سنة، والعكس بالعكس كما سيذكر الشيخ.
أي إذا رأيت الرجل ليس على النهج السابق، بمعنى أنه يجالس أهل الأهواء فهو صاحب هوى، ولو جالس رجلاً واحداً كما ذكر الشيخ؛ لأن المرء مع خليله، والمرء مع جليسه، فإذا رأيت الرجل يجالس آخر من أهل الأهواء وينادمه فالغالب أنه صاحب هوى مثله.
لكن قد يرد في حالات نادرة أن يكون جاهلاً، فيبصّر ويبلّغ ويقال: هذا صاحب بدعة، صاحب هوى، دعه ولا خير لك في مجالسته، فلا تجالس إلا صاحب سنة، فإن أصر فهو -كما ذكر الشيخ- صاحب هوى، لأنه ما جالسه إلا لأنه يوافقه في هواه، أو له ميل ورغبة في الجلوس إليه، وهذه ذريعة إلى البدعة، والذريعة إلى الشيء تأخذ حكم الشيء.
هذا من مناهج أهل الأهواء، فإن أهل الأهواء يردون ما يخالف أصولهم من السنة والآثار، وهذه سمة في جميع أهل الأهواء سواء كانوا أفراداً أو فرقاً، فإن صاحب الهوى لا يريد الدليل الذي يخالف هواه، ونظراً لأن القرآن مجمل ولا يستطيع أحد أن ينكره، ولا أن يقدح فيه أو يتكلم لأنه كلام الله عز وجل، وأهل الأهواء يدّعون أنهم لا يأخذون إلا بالقرآن، فإذا جاءهم الحديث إن أعجبهم أخذوا به، وإن خالف هواهم ردوه، وكذلك آثار السلف، ويزعمون أنهم إنما يريدون القرآن، وهذا لا شك أنه خلاف منهج الحق؛ لأن الله عز وجل أمرنا في كتابه بالأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وباتباع سبيل المؤمنين، فهذا يعني أن من ادّعى أنه يأخذ بالقرآن ثم إذا جاءته السنة والأثر رده، لا شك أنه صاحب هوى وبدعة، سواء كانت هذه النزعة فردية شخصية أو كانت نزعة فرقية ترجع إلى أصل بدعة أو أصل فرقة، فالأمر سواء.
هذا أيضاً أصل من الأصول المهمة، وهو قاعدة لا خلاف عليها عند أهل الحق، وهو أن الأهواء كلها ردية، سواء الخفيف منها أو المغلّظ فلا خير فيها، مع أنه من المعلوم أنه ليس هناك بدعة غير مغلظة عند أهل الأهواء، اللهم إلا ما يقال عن بعض الفرق التي هي على منهج السنة في عموم الدين لكنها خالفت في أصل كمرجئة الفقهاء، ولا يوجد غيرها مثلها في قربها من السنة.
أما من عداهم من الجهمية والروافض والمعتزلة فهؤلاء أصحاب مناهج وأصول فاسدة، وغيرهم تبع لهم، فالقدرية صارت هي المعتزلة، ومتكلمة الأشاعرة والماتريدية والكلابية والسالمية ومن سلك سبيلهم على أصول المعتزلة والجهمية، فهؤلاء في مناهجهم لا في أفرادهم يريدون الناس على التعطيل، بمعنى أن مآل مناهجهم تعطيل صفات الله عز وجل وأسمائه وأفعاله، وتعطيل الغيبيات، أي إبقاؤها بلا حقيقة، بمعنى أنهم يعتقدون أن أصول الصفات ليست لها حقيقة، وكذلك بقية الغيبيات.
والزندقة تشمل إنكار أصول الدين، وتشمل الفجور في الأعمال الظاهرة، وهي تعني النفاق، وتعني الخروج من مقتضى الدين، وتعني الإعراض عن دين الله عز وجل.. فهؤلاء سواء قصدوا أو لم يقصدوا -أي الروافض والمعتزلة والجهمية- مآل مذاهبهم التعطيل والزندقة، وهذا الحاصل فعلاً.
أما قوله: (وتدعو كلها إلى السيف)، فهذه أيضاً سمة سبق الإشارة إليها، فمن العلامات الظاهرة الفارقة بين أهل السنة والجماعة وبين مخالفيهم من أهل الأهواء أن أهل الأهواء كلهم إلا القليل النادر الذي لا حكم له يرون السيف، حتى المرجئة كثير منهم يرون السيف، وهذا أمر عجيب، والمفترض في أهل الإرجاء التساهل، لكن نظراً لأنهم خالفوا أصول السنة صار كثير منهم يرون السيف، وهذا بسبب المخالفة للسنة.
ومعنى السيف الخروج على أئمة المسلمين وولاتهم، والخروج على جماعة المسلمين، وتدعو إلى السيف بمعنى أنها تراه وتعتقده سواء فعلته أو لم تفعل.
وهذه مسألة مهمة؛ لأن كثيراً من الفرق تجد في كتبها وأصولها ومناهجها وما أجمع عليه السلف عنها أنها ترى الخروج ولا تعتقد لأئمة المسلمين ولاية، لكن قد لا تخرج، فكم كانت الرافضة ترى السيف في فترات من التاريخ طويلة والغالب أنها لا تستطيع الخروج فلا تخرج، والمعتزلة كذلك ما خرجت بالسيف إلا في حالات نادرة جداً، والجهمية كذلك لكنهم يعتقدون السيف ويرون السيف ويدعون إليه ما أمكنهم ذلك.
إذاً: المسألة تدور على أنه اعتقاد عند جميع أهل الأهواء، لا يرون أئمة المسلمين وولاتهم طاعة ولا يرون لهم بيعة، هذا هو الأصل عند عموم أهل الأهواء.
المرجئة في الحقيقة لا نستطيع أن نثبّت عنهم موقفاً واحداً خلال تاريخ الإسلام، لكن من خلال حوادث التاريخ كان غالب أئمة المرجئة من الفقهاء وأهل العلم يميلون إلى الفتوى بجواز الخروج على الظلمة، أما أنه منهج يدعون إليه فلا.
ومرجئة الفقهاء يقررون غالباً منهج أهل السنة في العموم، لكن إذا تأملنا بعض أئمة الدين من الفقهاء الذين خالفوا عموم أهل السنة بجواز الخروج لتعللات معينة نجد أغلبهم من المرجئة، هذا هو قصدي، أما أنه مذهب يعلنونه فلا، فهم في عموم أصول الدين على السنة ما عدا مسألة الإيمان.
هذا حق، فإن الإنسان يقاس بأصحابه، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن من البر الذي يبقى من الابن لأبيه إذا مات صلة أحبابه، كأن تبر صديق أبيك وهو ميت، وهذا يعني بالضرورة أنك إذا لم تبر بأصدقاء أبيك فقد أسأت إلى أبيك وهو ميت، وهو نوع من العقوق.
فإذا كان عدم بر أصدقاء الأب عقوق بالأب وهو ميت، فمن باب أولى أن يكون الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدم البر بحقه، والرسول صلى الله عليه وسلم قد زكّى أصحابه ونهى عن سبهم، وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فالقدح فيهم قدح في حق النبي صلى الله عليه وسلم وانتقاص لحقه، وإساءة إليه بالضرورة، فمن تناول أحداً من الصحابة فإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم حتى ولو ادعى أنه يحبه، إذ كيف يدّعي أنه يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يطعن في أصدقائه وصحابته وإخوانه الذين زكّاهم، بل وأوصى وصية مؤكدة بحفظ ورعاية حقوقهم والترضي عنهم وعدم القدح فيهم، فهو مخالفة صريحة للسنة، ثم إنه عود على حق الرسول صلى الله عليه وسلم بالارتداد، بمعنى أن من طعن في أي من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنما طعن في حق الرسول صلى الله عليه وسلم وآذاه في قبره.
ومن هنا يكون التعامل مع صاحب البدعة أكثر حذراً وأشد ذنباً من التعامل مع صاحب الذنب والمعصية؛ لأن صاحب الذنب والمعصية إذا لم تظهر منه بدعة فالأصل بقاؤه على السنة والعقيدة السليمة، لكنه غالباً يدري أنه على معصية فيرجى له يوماً أن يتوب.
ثم إن أثر المعصية في انتقالها إلى الشخص الآخر أخف وأقل احتمالاً من أثر البدعة، لأن البدعة فيها تلبيس وتدخل على الإنسان من حيث لا يشعر، وفاعلها يفعلها وهو يظن أنه على حق، أما الفاجر الفاسق فإن فجوره ظاهر ينفر منه الطبع والعقل السليم وينهى عنه الشرع، وكل إنسان مهما كان ينبذ الفجور، فلذلك تكون عنده حصانة ذاتية من الفجور؛ لأنه ممقوت بالطبع عند أهله وعند الناس.
وتستطيع أن تميز بوضوح خطأ الفجور والفسق، لكن لا تميّز خطأ البدعة، فمن هنا كانت مصاحبة صاحب البدعة لا تجوز؛ لأنه ربما يحسنها لك حتى تظن أنها الحق والسنة، ومصاحبة صاحب الفجور إثم رغم أن فجوره واضح لكن ليس كإثم مصاحبة صاحب البدعة لهذه الاعتبارات..
فلعله قصد بالصحبة الصحبة عند الضرورة أو الحاجة التي تقتضي ذلك.
والجلوس معه أيضاً في غير فسقه، أي في غير مجال الفسق، كأن تصاحبه في الطريق إلى المسجد، أو تصاحبه في الوليمة، أو في الزيارة الشرعية، أو في جنازة، أو تتحدث معه في الأمور العامة وفيما يصلح حاله، وتجيب دعوته وهو في غير حال فجور وتدعوه.. هذه من الأمور التي تشرع لا سيما مع حسن النية والنصح، أما صاحب البدعة فهذه الأمور تتجنبها إطلاقاً.
فمن هنا لعل الفرق هو الذي جعل الشيخ يقول هذا الكلام، أما مصاحبة صاحب الفجور مصاحبة منادمة ورضا، ومصاحبة محبة لما هو عليه، بمعنى أن تعطيه نفسك في الصداقة والولاء والمودة.. فهذا غير صحيح، بل يجتمع فيه الولاء والبراء، فتبرأ من فسقه وفجوره، ومن مجالسته حالة فسقه وفجوره، وتواليه بما فيه من الخير وبقاء الفطرة وتناصحه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال: يا بني من أين جئت؟ قال: من عند فلان، قال: يا بني لأن أراك خرجت من بيت خنثى أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان وفلان؛ ولأن تلقى الله يا بني زانياً فاسقاً سارقاً خائناً أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان. ألا ترى أن يونس بن عبيد قد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفره ].
قصد الشيخ أيضاً ما ذكرنا في السابق فليس القصد من كلامه أن تصاحب الخائن والفاسق والزاني وتجلس معه في بيته وتنادمه وتجالسه، لكن يقول: إذا خير الإنسان بين مفسدتين في المصاحبة والمجالسة، فكونه يصاحب العاصي الذي يرجى له التوبة ومعصيته ظاهرة وخطره أقل على الدين، أسهل من الوقوع في مصاحبة صاحب البدعة. فهذه المقارنة كسابقتها.
وقوله: (خرجت من بيت خنثى)، يقصد البيوت المشبوهة، وإن كان الخنثى له مفهومان: مفهوم يقصد به من لديه آلة الذكر والأنثى، وقد يقصد به أيضاً من عنده شيء من الفساد الخلقي، وقد يقع فيه كثيراً هذا الصنف من الناس، فالمقصود المشبوه، يعني: لأن أراك خرجت من بيت مشبوه أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان وفلان، ممن هم من أهل البدع.
قد يكون الشيخ تساهل في التعبير فإنه لا هذا ولا ذاك مطلوب، فالمسلم عليه أن يجتنب مواطن الخنا والشبهة، وأهل الخنا والشبهة في المجالسة والمنادمة وفي دخول بيوتهم وغير ذلك، لكن كما قال عند المقارنة لا شك أن هذا أسهل وأقل خطراً من ذاك، أي من صاحب البدعة مهما كان.
الشيخ رحمه الله يتكلم عن أهل زمانه في القرن الرابع؛ لأنه لو قارناه بما قبله وجدنا الفارق كبيراً، فإن الناس كثرت فيهم الأهواء والبدع، وظهرت الباطنية بشكل سافر، وظهرت الرافضة وتمكنت من كثير من بلاد المسلمين، وضعفت الخلافة الإسلامية، ووجدت أمور كثرت فيها الأهواء وكثر إعراض الناس عن دين الله عز وجل وكثر الجهل، فهذا أمر نسبي مع أن زمانه أفضل من كثير الأزمنة التي تلت فيما بعد، لكن هذا من باب النصح والبيان للناس، ولا يعني أن الزمان فسد كله وأنه لا يوجد أهل الخير والسنة، لكن الحذر من أن يتساهل المسلم فيمن يجالس ومن يسمع ومن يصحب.
وقوله: (فإن الخلق كأنهم في ردة)، بمعنى أنه بدأت الغربة في السنة، فكأن الناس يعملون غير أعمال الإسلام، فلم يبق منهم إلا بعض الشعائر الظاهرة، قد استولى عليهم الجهل والبدع والهوى، نسأل الله السلامة.
هذه قاعدة أيضاً في الحكم والتعامل مع رءوس أهل الأهواء الذين اشتهروا ببدعة أو ببدع، فلا ينبغي للمسلم أن يتعلق بهم أو يثني عليهم في جانب الدين، ولا ينبغي أيضاً أن نتساهل في إظهار هؤلاء الرءوس عند ناشئة المسلمين؛ لأنه يوجد عندهم من الخصال البشرية ما يعتبر إما من باب الفضائل مثل الكرم والحلم وغيرهما، كما عند ابن أبي دؤاد ، وإما من باب العلم والذكاء كما عند ثمامة وبشر المريسي وأبي الهذيل وهشام الفوطي .. هؤلاء كلهم اشتهروا بخصال موجودة في عموم البشر بالذكاء والعبقرية والقدرة على النقاش، وقد تكون من باب رجاحة العقل والقدرة على الحجاج مع الفلاسفة أو مع الملاحدة، كل هذه موجودة عند بعضهم، لكن هذه خصال لا ينبغي أن تتخذ ذريعة للثناء عليهم فيتعلق بهم ناشئة المسلمين، ويفتنون بهم فإن من فتن بهم فتن بمذاهبهم، ولا شك أن الناشئ إذا أُعجب بإنسان تعلق بفكره وبعمله، وهو يشعر أو لا يشعر.
وأيضاً ربما يدافع عنه ويكون في قلبه ولاء له، ومن هنا صار التعلق برأس من رءوس البدعة قديماً وحديثاً من علامات الهوى والبدعة وأي إنسان تجده يثني على هؤلاء ويدافع عنهم أو أمثالهم قديماً وحديثاً، ويحاول إبراز فضائلهم دون أن يبين شرورهم، ويحاول أن يجعل منهم قدوة وأن يعتذر لهم، فهو رافع راية بدعة، كما يفعل كثير من الأدباء الآن وبعض الكُتّاب الإسلاميين والحداثيون وغيرهم..، فهؤلاء الآن يعتبرون رافعي راية البدع وأهلها وتنبيش القبور، ومحاولة رد الناس إلى الإعجاب بهذه المذاهب والمناهج والأشخاص، وهذا كله خلاف السنة مخالفة صريحة، فلا ينبغي للمسلم فضلاً عن طالب علم أن يجاري هذا الاتجاه.
قد يقول قائل: لماذا لا نثني عليهم بما هم فيه؟
فنقول: نعم نثني عليهم عند اقتضاء الحاجة؛ لأن الناس لا تتعلق نفوسهم بالشيء الذي يشارك فيه هؤلاء غيرهم من عموم الناس، إنما تتعلق نفوس البشر بالشيء الذي خالفوا فيه، وهذه طبيعة فطرية ونزعة يحركها الشيطان في بني آدم، هذا أمر.
الأمر الآخر: فرق بين أن نتكلم عن سيرهم في التراجم مثلاً وعندما نتكلم عنهم في أمور عارضة أو في دروس أو في مناهج، فإن الناس لا مصلحة لهم من ذكر خصال يشترك فيها عموم البشر، في حين أن عليهم ضرراً ومفسدة في ذكر خصال هؤلاء دون التحذير منهم.
وفرق أيضاً بين الكلام الذي يخرج عند عامة الناس وبين الكلام الذي يكون بين خاصة أهل العلم أو يكون في بطون الكتب، فإنه لا مانع عندما أتكلم بكلام في السير أن أقول: ابن أبي دؤاد مثلاً رأس البدعة، داعية القول بخلق القرآن، آذى الإمام أحمد وأئمة الدين وآذى السلف، ومع ذلك فإنه عُرف بالكرم وعُرف بالحلم وسعة الصدر.. هذا أمر آخر.
فعند ذكر ما على الإنسان من خير وشر لا مانع أن تذكر جانب الفضائل، ولكن بشرط أمن الفتنة على الناس وبكلام لا يطير في الآفاق عند أناس لا يميّزون بين الحق والباطل، كأن يكون في صحف أو في كتب شهيرة أو في مناهج أو نحوها فهذا لا يجوز، لكن عند اقتضاء الحال أو عندما تتكلم عند أهل العلم أو تكتب كتاباً تريد أن تسطر فيه أخلاق الرجال عموماً بما فيها من خير أو شر، فلا مانع من هذا بضوابطه وشروطه.
الجواب: هذا من باب الوعيد؛ لأنه ما جزم، فالمعنى: أنهم يخشى عليهم من النار، وهذا الكلام لا يعدو أن يكون مثل نصوص الوعيد، ما دام لم يجزم فيكون الأمر سهلاً، وإلا فأهل الأهواء الذين لم يخرجوا من الملة داخلون في الوعيد وهم من أهل الوعيد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر