إسلام ويب

شرح السنة [21]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأصل في المسلمين الإسلام والعقيدة الصحيحة؛ ولذلك فلا يجوز امتحانهم؛ لأن ذلك من سمات أهل البدع، كما أن من سماتهم الخوض في الكلام والمراء والجدال والمناظرة في الدين بغير علم ولا بصيرة، فيجب الحذر من هذه المسالك الخطيرة، واتباع الأثر وأصحاب الأثر، والوقوف عند المتشابه، وترك الرأي والقياس الفاسد، فبذلك تكون النجاة والفوز في الدارين.

    1.   

    الامتحان في الإسلام والسنة

    قال أبو محمد الحسن بن علي البربهاري رحمه الله تعالى: [ والمحنة في الإسلام بدعة، وأما اليوم فيمتحن بالسنة لقوله: إن هذا العلم دين فانظروا ممن تأخذون دينكم، ولا تقبلوا الحديث إلا ممن تقبلون شهادته، فتنظر فإن كان صاحب سنة له معرفة صدوق كتبت عنه وإلا تركته ].

    هذه القاعدة أصل في الدين، وهو أن الأصل في المسلمين السلامة، والأصل فيهم الإسلام ما لم يظهر قرائن بيّنة على خلاف ذلك، ولذلك فإن امتحان الناس بسؤالهم عن عقائدهم بدون مبرر ولا موجب شرعي يعتبر من البدع، سواء كان ذلك الامتحان يقصد به كشف ما عند الشخص من قول أو اعتقاد، أو يقصد به التثبت، فإن التثبت غير مطلوب ما دامت السنة في الناس هي الظاهرة، والناس على الأصل، فالمسلم الذي يظهر الإسلام يشهد له بذلك في الجملة، ولا يجوز التفتيش عما وراء ذلك.

    وسواء هذا في أمور جزئية أو كلية، بمعنى أنه لا يجوز أن نمتحن الناس أو نسألهم عن بعض قضايا العقيدة فضلاً عنها كلها، كما يفعل بعض الناس في سؤال بعض من يتعمقون عن بعض مسائل العقيدة كأن يقول: أين الله؟ أو يقول: ماذا تعتقد في الرؤية مثلاً، أو ماذا تعتقد في كلام الله عز وجل؟ فإن هذا فتنة للناس، وربما كان المسئول لا يعرف في ذلك شيئاً فيجيب بغير الحق وهو لا يدري، وهذا ما عليه غالب المسلمين أنهم لا يعرفون تفاصيل الاعتقاد، حتى في بعض الأصول القطعية المعلومة، وربما يعاند المسئول فيوقعه السائل في الإثم، فلذلك لا ينبغي أن يمتحن الناس في الأمور الباطنة أو الأمور غير الظاهرة.

    أما إذا كان لذلك موجب كأن ظهرت في الشخص قرائن تدل على أنه يقول بالبدعة أو يعتقدها أو يفعلها، فلا مانع من سؤاله، أو كان الإنسان سيتعامل مع شخص تعاملاً يتعلق بالعقود، كتعامل تجاري دائم، أو تعامل علمي مستمر كأن تلقي العلم عنه أو يدرّسه، أو فيما يتعلق مثلاً بتزويجه أو نحو ذلك، فإذا توافرت قرائن معينة فلا مانع من السؤال.

    أما قوله: (وأما اليوم فيمتحن بالسنة) فهو يقصد غلبة البدع في بعض البلاد وفي بعض الأزمان، فإذا كان الإنسان في بلد الغالب فيه البدعة فإنه يسأل؛ لأن القاعدة تنقلب وتنعكس سواء كانت بدعاً اعتقادية أو عملية أو هما معاً، والغالب أن البدع العملية والاعتقادية تتلازم خاصة في العصور المتأخرة، فما من أصحاب بدع اعتقادية إلا وعندهم بدع عملية، وما تنشأ البدع العملية أيضاً إلا عن بدع اعتقادية، فإذا كان الإنسان في موطن تكثر فيه البدع، أو هم الأصل فيه، فإنه يحتاج إلى السؤال؛ لأنه سيصلي خلف أئمتهم وسيتعامل معهم فيما يتعلق بدينه ويتلقى عنهم، وقد يضطر إلى أن يزكيهم أو يشهد لهم، فالسؤال مطلوب للتثبت من أهل السنة وتمييزهم عن أهل البدعة، لكن هذا ليس هو الغالب في المسلمين.

    ثم قال: (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم) هذا الحديث فيه ضعف كما تعلمون، ولكنها قاعدة سليمة صحيحة، بمعنى أن الإنسان إذا أراد أن يتلقى ويتعلم العقيدة والأحكام.. فينبغي أن يتأكد من سلامة من يتلقى عنهم.

    إذا دخل الشخص بلداً يغلب عليها البدع، وأراد أن يصلي مع الناس في مسجد معين فالأصل السلامة ما لم يظهر له أن الإمام مبتدع، فالبلاد تختلف بيئتها، فمثلاً البلد التي يكثر فيها البدع تجد فيها قرى ومواطن هم أهل سنة، بل مساجد الحي الواحد تجد فيه مسجد سنة ومسجد أهل بدع، وهم يعرفون هذا ويعرفون هذا، فأنت إن ظهرت لك قرائن تدل على أنه من موطن بدع فلا حرج أن تسأل، وإلا فيبقى الأصل السلامة، ولا مانع أن يسأل الإنسان لكن لا يسأل الشخص نفسه، فأكثر الذين يأتونا الآن من بلاد الإسلام الأخرى يعرف بعضهم بعضاً، ويوجد منهم من أهل السنة والصالحين من نعرفهم بيننا، فيسأل من خلال الاسم ومن خلال الوصف والبلد فإذا غلب على موطنه وبيئته أنهم أهل بدع فالأولى أن يسأل ويتبين من أمره، وإذا بقي على الجهالة أو عرفت أن موطنه موطن سنة فالأولى ألا تسأل.

    1.   

    التحذير من الكلام وأهله

    قال رحمه الله تعالى: [ وإذا أردت الاستقامة على الحق وطريق أهل السنة قبلك فاحذر الكلام، وأصحاب الكلام، والجدال، والمراء، والقياس، والمناظرة في الدين، فإن استماعك منهم وإن لم تقبل منهم يقدح الشك في القلب، وكفى به قبولاً فتهلك، وما كانت زندقة قط ولا بدعة ولا هوى ولا ضلالة إلا من الكلام، والجدال، والمراء، والقياس، وهي أبواب البدعة والشكوك والزندقة ].

    الأصل الذي تقتضيه نصوص الكتاب والسنة والذي عليه الصحابة والتابعون وأئمة الهدى إلى يومنا هذا التحذير من الكلام ومن أهل الكلام، والجدال، والمراء في الدين، والقياس في أمور العقيدة والمناظرة في أمر الدين، فإن الأصل هو المنع، لكن إن جاز فباستثناءات وضرورات، فأهل السنة اضطروا للمناقشات واضطروا لقراءة كتب علم الكلام للرد على أهلها، لكن هذه حالات ضرورة لا يقوم بها إلا من تتوافر فيه الشروط.

    وإذا وجد عالم اضطر لأن يستعمل هذه الأمور أو يلجأ إلى مناظرة أهل الكلام، أو أن يقرأ كتبهم ثم يرد عليهم.. فهذه من المحرمات التي جازت لضرورة الدفاع عن الحق؛ لأن هذه الأمور عمت بها البلوى، فلا يمكن أن تقام الحجة على الناس ويبين لهم الحق إلا من خلال هدم أصولها، ولا تهدم أصولها إلا بمعرفتها، لكن ليس هذا لكل إنسان.. بل وليس لكل طالب علم أن يستمع للمتكلمين، ولا أن يقرأ علم الكلام، ولا أن يوقع نفسه في المجادلات والمناظرات بغير استعداد.

    بعض الناس يقول: أنا أجد أحياناً الساحة خالية -كما يفعل بعض من يشاركون في الفضائيات- وأنا لا بد أن أقوم ولو بجهد المقل، وهو غير مؤهّل.. هذا في الحقيقة ما عرف قاعدة المصالح والمفاسد، لأن الإنسان إذا انبرى لأمر من الأمور كأن يجادل أحد عتاة الضلالة من العقلانيين أو العصرانيين أو العلمانيين أو المتكلمين وهو من العتاة الكبار والمتمرّسين في هذا الأصل، ثم وقف له إنسان عن ضعف، بدعوى أنه يريد أن يدافع عن الحق لأن الساحة خالية، فإن هذا ما أدرك أنه سيؤدي إلى خذلان الحق، لأنه بظهوره بمظهر الضعف سيؤدي إلى افتتان الناس بالرجل الآخر صاحب الباطل.

    وهذا الموقف ينبغي أن يسلك فيه المسلم مثل موقف جد النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاء إلى أبرهة يسأله إبله، قال: الآن بيتكم سيدك، ومقدّساتكم ستهدم وأنت تأتي تطلب الإبل؟ فقال: أنا رب إبلي وللبيت رب يحميه! فللدين رب يحميه فلا تدخل وأنت ضعيف، أو جاهل بأصول المناظرة وبمذهب الخصم، بل أنت جاهل بمذهبك نفسك.

    وأغلب الذين وقفوا مع أهل الأهواء في المجادلات عبر الفضائيات في الآونة المتأخرة لم يفقهوا السنة فضلاً عن أن يفقهوا عقائد الخصم، فدخلوا بغير استعداد إلا مجرد الغرور والتعالي والظن بأنهم يعرفون الحق، وهم لا يعرفون السنة، بل ينتسبون إليها وهم ضدها، فقد يكون عندهم شيء من البدع في أنفسهم فيتصدون لهذه المواقف على أنهم أهل السنة، فهذا يوقع أهل الحق في حرج، ويوقع الحق في حرج، فلا ينبغي للمسلم أن يسلك هذه المسالك إلا عن استعداد.

    ولذلك ينبغي لمن رأى مثل هذه الأمور أن يعرف أن الناس يبذلون وسعهم، وأن الدخول من غير مقدرة واستعداد خارج الوسع، والله عز وجل تكفّل بحفظ الدين فلا نخاف على دين الله عز وجل، لكن يجب أن نعد أنفسنا لأنا قصرنا.

    نعم، ينبغي أن تنبري طائفة من طلاب العلم الآن تعد نفسها للردود باستعداد جيد، وبفقه لدين الله عز وجل، وباستيعاب لعقيدة السلف ومناهج الدين، ثم بعد ذلك ندخل في هذه الحلبة ولو بعد سنين ولا يضر، أما الدخول من غير مقدرة فإنه يؤدي كما حصل إلى خذلان الحق والتباس الأمور على الناس.

    1.   

    الحث على اتباع الآثار وأصحابها

    قال رحمه الله تعالى: [ وقف عند المتشابه، فالله الله في نفسك، وعليك بالأثر وأصحاب الأثر والتقليد، فإن الدين إنما هو بالتقليد -يعني للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين- ومن قبلنا لم يدعونا في لبس فقلدهم واسترح ولا تجاوز الأثر وأهل الأثر ].

    يقصد بالتقليد هنا الاتباع، فبعض السلف يسمي الاتباع تقليداً، والتقليد الذي هو التبعية من غير بصيرة ولا تثبت لا يجوز.

    قوله: (عليك بالأثر وأصحاب الأثر والتقليد)، العبارات يفسّر بعضها بعضاً، فالأثر هو آثار السلف الذين استمدوا مناهجهم من الكتاب والسنة؛ لأنه ليس لكل إنسان استطاعة ومقدرة بأن يستنبط أحكام الدين من الكتاب والسنة، هذا لا يكون إلا للراسخين أو للمتخصصين الذين تمكنوا من آلة الاجتهاد واستنباط الدين ومناهج الدين.

    فإذاً: غالبية المسلمين في كل عصر حتى في العصور الأولى في عهد السلف الصالح لم يكونوا يستطيعون أن يستنبطوا أحكام الدين ويعرفوا أصول العقيدة بمجرد تلاوتهم لنصوص الكتاب والسنة، هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، ولذلك فلابد أن يكون للناس مرجع، والمرجع هو الكتاب والسنة، الكتاب والسنة لا بد للرجوع إليهما من أصول وضوابط، والذي يعرف هذه الأصول والضوابط هم أهل الذكر الذين سماهم الله عز وجل وأمر باتباعهم فقال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، وهم الذين يستنبطونه كما وصفهم الله عز وجل، وإلا فلو فتحنا الباب لكل قارئ أن يستنبط من الكتاب والسنة لوقع من الناس مثل ما وقع من الخوارج والرافضة وأهل الأهواء، يستدلون كما يشاءون بأهوائهم من غير معرفة مقاييس الاستدلال وأصوله.

    إذاً: الدين يؤخذ بالأثر الذي هو سبيل المؤمنين، وسبيل المؤمنين يتمثل بأقوالهم وأفعالهم وتقاريرهم وفهومهم وتطبيقاتهم للدين ومناهج التعامل، هذا هو الأثر، فإذاً غير المتخصص وغير العالم لا بد أن يتّبع، وهذا ما سماه الشيخ التقليد.

    1.   

    الوقوف عند المتشابه

    قال رحمه الله تعالى: [ وقف عند المتشابه ولا تقس شيئاً ].

    المقصود الذي يشتبه عليك، بمعنى لا تستوعبه أو لا تفهمه، فأول المتشابه هو كيفيات الغيب، فإنه متشابه على جميع الناس، فيجب أن تقف عنده ولا تخوض فيه.

    ثم دونه الأمر الذي يصعب فهمه، فإنه متشابه على عموم المسلمين لكن يعرفه الراسخون، فالمسلم ما دام لا يفهم يقف عنده ويسأل، فإذا سأل وعرف فبها ونعمت! وإن لم يعرف يصبح الأمر متشابه عند أهل العلم ويسلم، بمعنى أن يقول: صدق الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، آمنت بالله وبما جاء عن الله، وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذعن بقلبه وجوارحه ولسانه ويسلّم ويقف عند المتشابه.

    إذاً المتشابه نسبي، وهو ما لم يتضح لك بعد بذل الجهد، فقد يكون أغلب الدين عند بعض عوام الناس متشابهاً، وتقل نسبة المتشابه عند العالم الراسخ إلى أن قد يكون لا يخفى عليه إلا النادر من الأمور التي تقع تحت طائلة الاجتهاد من كيفيات الغيب التي لا يعلمها إلا الله عز وجل.

    قوله: (ولا تقس شيئاً) أي: في الدين، فالقياس في أصول الدين لا يجوز، أي: فلا تقس الغائب على الشاهد، ولا أسماء الله وصفاته وأفعاله على ما عند المخلوقين، ولا أصول الدين القطعية على ما دونها، بل الأصل في كل أصول الدين وأمور العقيدة عدم القياس لأنها ثوابت، أما في الأحكام فلا شك أن قياس حكم على حكم يرجع إلى دليل شرعي فهو من الأمور التي تقتضيها ضرورة الاجتهاد.

    1.   

    لا يرد على أهل البدع إلا من كان متمكناً وإلا فليسكت

    قال رحمه الله تعالى: [ ولا تطلب من عندك حيلة ترد بها على أهل البدع، فإنك أُمرت بالسكوت عنهم، ولا تمكنهم من نفسك، أما علمت أن محمد بن سيرين في فضله لم يُجب رجلاً من أهل البدع في مسألة واحدة ولا سمع منه آية من كتاب الله عز وجل، فقيل له فقال: أخاف أن يحرفها فيقع في قلبي شيء ].

    هذا هو الصحيح، والمعنى: لا تأخذك العاطفة إذا سمعت شبهات أو رأيت ما لا يليق من الكلام في الدين، فإذا رأيت عند المبطلين شيئاً مما يخالف الحق أو سمعت بشبهات أو نحوها فلا ترد بتكلف، وإذا لم يكن ردك عن يقين فيسعك أن تسكت ولا تقل على الله بغير علم، فينبغي ألا تدفعك العاطفة والغيرة على أن تتصدى لأمر لست من أهله، أو لم تستعد له، أو لم تتمكن منه، أو تتوقع من الخصم أن يحرجك فتخذل الحق وأنت لا تدري، وهذا مما يقع في كثير من الذين يجادلون أهل الأهواء الآن، تجده يرد بتكلف أو من غير تبصّر فيضربه الخصم بداهية لا يتخلص منها، فيظن السامعون أن هذا ضعف في الحق الذي معك.

    وكذلك لا تفرط بأن توقع نفسك في مواقع الشبهات أو في المجالس التي تثار فيها الفتن والشبهات، فإذا سمعت بمجلس تُطرح فيه بعض القضايا الخطيرة فعليك أن تعتزل هذا المجلس ولا تستهويك هذه الأمور أو يدفعك حب الاستطلاع إلى أن تجلس هذه المجالس فيقع في قلبك الأمر فيمرضك وأنت لا تدري، أو ربما تتشّرب بعض البدع وأنت تظن أنها هي الحق، ولذلك لا ينبغي أن يحضر مثل هذه المجالس التي تثار فيها قضايا شائكة إلا طالب علم مستعد ومتمكن.

    وبعض الشباب قد يحضر بعض المجالس التي اشتهر فيها ذكر مناهج الباطل وذكر الشبهات حول الحق وأهله بدافع أنه يريد أن ينقل هذه الشبهات إلى أهل الحق ليردوا عليها، أقول: ما دمت تشعر أن على نفسك فتنة فلا تحضر، ولا تأسف على الناس، لكن طالب العلم المتمكن قد يجب عليه أحياناً معرفة وجوه الباطل عند أهلها للرد عليها ونقلها إلى أهل العلم ليردوا عليها، لكن صغار الشباب المبتدئين منهم الذين لم يتمكن العلم في نفوسهم ولم يفقهوا الفقه الكافي لا ينبغي أن يعرّضوا أنفسهم لمثل هذه اللقاءات بدافع الغيرة؛ لأنهم قد يهلكون، بل إنه قد هلك عدد من الشباب في مثل هذه الأمور ووقعوا في الشبهات، وبعضهم صرّح بما يدل على تأثره، وبعضهم وقع في صراع نفسي كما عرفت في الآونة الأخيرة من بعض الذين تعرضوا لمثل هذه المجالس، فهو لا يستطيع أن يصرح بأن الشبهة أثّرت فيه، لكنه لم يتخلص منها.. وتأتينا أسئلة محررة من مثل هذا النوع الآن بشكل ملفت للنظر.

    1.   

    من سمات المبتدعة التعطيل بذريعة التنزيه

    قال رحمه الله تعالى: [ وإذا سمعت الرجل يقول: إنا نحن نعظّم الله إذا سمع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه جهمي يريد أن يرد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدفعه بهذه الكلمة، وهو يزعم أنه يعظّم الله وينزهه، إذا سمع حديث الرؤية وحديث النزول وغيره، أفليس قد يرد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإذا قال: إنا نحن نعظّم الله أن يزول من موضع إلى موضع فقد زعم أنه أعلم بالله من غيره، فاحذر هؤلاء، فإن جمهور الناس من السوقة وغيرهم على هذا الحال، وحذّر الناس منهم ].

    يشير هنا إلى علامة من علامات الجهمية والمعتزلة وأهل الكلام عموماً، خاصة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته وبعض السمعيات التوقيفية، فإن من شبهاتهم أنهم إذا وردت النصوص التي فيها إثبات لأسماء الله وصفاته وأفعاله أو بعض السمعيات قالوا: إن هذا يُشعر بالتشبيه، أو يشعر بالأمور المعروفة المعهودة في عالم الشهادة، وقالوا: إنه يجب إذا شعرنا بهذا الأمر أن نعظّم الله عز وجل، يقصدون بذلك ألا يثبتوا له شيئاً، فجعلوا تعظيم الله عز وجل ذريعة للتعطيل.

    وهذه الشبهة موجودة في أذهان أكثرهم، بمعنى أنهم لم ينكروا أسماء الله وصفاته والسمعيات إلا حينما انقدح في أذهانهم المشابهة والمماثلة، فلما انقدحت في أذهانهم المماثلة فروا منها لكن لا إلى الإثبات اللائق أو إلى إثبات المعاني اللائقة، إنما فروا منها إلى التعطيل فصارت سمة لهم، بمعنى أنهم إذا سمعوا بآيات الله عز وجل التي فيها أسماء الله وصفاته وأفعاله، أو سمعوها في الأحاديث استشعروا أن هذا يوهم التشبيه، فانتقلوا من التشبيه إلى التعطيل وقالوا: إنما فعلنا ذلك لنعظّم الله عز وجل.

    فإذا سمع المعطّل قول الله عز وجل: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] قال: أنا أعظّم الله، يقصد بذلك نفي صفته، زعماً منه أن إثبات اليد يقتضي المشابهة، وهكذا بقية الأمور، ولذلك ضرب الشيخ مثلاً لهذا بحديث الرؤية وحديث النزول، وأتى بنموذج لكلامهم فقال: (وإذا قال) أي: هذا المؤول المعطّل (إنا نحن نعظّم الله أن يزول من موضع إلى موضع، فإنه يقصد بذلك نفي النزول ونفي الاستواء)، فأشار إلى الشبهة وبنى عليها التعطيل فزعم أن إثبات النزول يعني إثبات الانتقال من موضع إلى موضع، أو زوال الله عز وجل من موضع إلى موضع على الوضع المعهود في المخلوقات، وإلا فهذا الكلام مجمل -أعني زواله من موضع إلى موضع- فهو مجمل لا ننفيه ولا نثبته، لكنا نثبت النزول؛ لأنه صريح كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم والنزول في حق الله لا يلزم منه ما يلزم في نزول الخلق.

    فالمهم أن هذا منهج لأهل الكلام، يدخلون به على العوام وأشباه العوام، فيثيرون الشبهات حول النصوص ويزعمون أن من مقتضى تعظيم الله عز وجل إثارة هذه الشبهات، فيبنون عليه التعطيل والنفي، ويسمون النفي تعظيماً لله عز وجل، ويسمون التأويل تعظيماً لله عز وجل لأنه ناتج عن شبهات في أذهانهم، وهذه الشبهات لو التزمت قد تكون باطلاً، لكن ليست هي معاني النصوص، وهم فسّروا النصوص بتفسير خاطئ وجعلوا هذا التفسير الخاطئ ذريعة إلى الإنكار وإلى التحريف والتعطيل في أسماء الله وصفاته.

    1.   

    الأسئلة

    الاستعداد لمناظرة المبتدعة عبر الفضائيات

    السؤال: ما مدى الاستعداد للوقوف في المناظرات عبر الفضائيات حتى لو بعد عشر سنوات، أم أن نقول السائد هو أن للبيت رباً يحميه؟

    الجواب: هذا القول ليس هو الأصل، الأصل أن نستعد لا شك، ويجب على الأمة أن تستعد وبخاصة طلاب العلم الشرعي يجب أن يستعدوا للدفاع عن الحق وللتصدي للشبهات والردود عليها، ولا يلزم أن تكون هناك سنوات للانتظار، لكن أنا ضربت مثلاً، وواقعنا ليس حجة لنا بل هو حجة علينا، نعم التقصير موجود فيجب أن نسعى لأن نؤهّل أنفسنا أو تتأهل طائفة من طلاب العلم لمثل هذه الأمور، لكن مع ذلك يبقى ما قلته في رأيي هو المنهج، أنه ما دمنا لم نستعد فعلينا أن نتحمل مسئولية عملنا، ولا يعني ذلك أنا معذورون أمام الله عز وجل، لكن أيضاً لا نخذل الحق بأن نقف موقف المنهزم، وأن نتصدى لأمر لم نستعد له.

    إذاً الواجب علينا الاستعداد، ومتى يكون ذلك؟ قد يكون بعض طلاب العلم الآن مؤهّلاً ويحتاج فقط إلى أن يستكمل بعض الجوانب في الاستعداد لذلك، وبعضهم يحتاج إلى سنوات.. هذه الأمور في نظري لا يلزم أن نخطط لها في برامج مرسومة، وإن حدث في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية فلا بأس.

    والجامعات ومراكز العلم عليها أن تخطط لهذا تخطيطاً جيداً وتؤهّل، لكن لا يلزم أن نقف حتى ندرس ما دام الأمر واجباً، وعندنا من طلاب العلم من عندهم المقدرة إذا استعدوا، فيجب أن يستعدوا.

    الكلام على ما كان من سؤال العلماء للناس عن الأصول الثلاثة

    السؤال: ما قولكم في عمل علماء نجد السابقين رحمهم الله حينما كانوا يسألون الناس عن الأصول الثلاثة؟

    الجواب: ذاك سؤال تعليم وليس سؤال امتحان، ومن أحسن طرق التعليم السؤال، فهو أحسن وسيلة لتثبت المعلومة، والسؤال يفيد المسئول ويفيد السامعين، وكنت أتمنى لو يرجع لها أئمة المساجد بأسلوب يناسب الناس اليوم، حتى يذكروا الناس بأصول دينهم، فمثلاً يحدد إمام المسجد وقتاً معيّناً وليكن بين الأذان والإقامة فيعرض قضايا الدين الأساسية بأساليب متعددة، وليكن منها الأسلوب القديم، حيث يأتي بطالب علم متمكن فيحاوره: ما رأيك بكذا؟ وهو يجيب.. ومن هنا يتعلم الناس ويسمعون.

    فهذا أسلوب جيد يثبت المعلومة في عقول الناس، فليتنا استعملنا هذا الأسلوب الذي أصبحنا الآن نظن أنه عيب، والعكس هو الصحيح، فهم يستعملون هذه الطريقة بما يناسب وقتهم ويناسب الناس، ونحن يجب أن نستعملها الآن أيضاً بما يناسب.

    نعم، الناس الآن عندهم من الكبر والتعالي والغرور بحيث يأنف الواحد أن تسأله أمام الناس، فنحن نشكو إلى الله من ذلك، أما المجتمع من قبل فقد كان يتقبّل وكان عنده استعداد، وكان العامي يفرح أنه يسأل عن دينه؛ لأنه يعرف أن هذا من مصلحته، لكن ما دام قد وجد هذا الشعور بالتعالي والغرور فلا مانع من أن نغير الأساليب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768032355