قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فصل: ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وسيد المرسلين، لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته، ولا يقضى بين الناس في يوم القيامة إلا بشفاعته، ولا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته.
صاحب لواء الحمد، والمقام المحمود، والحوض المورود، وهو إمام النبيين وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم، أمته خير الأمم ].
في هذا المقطع ذكر شيئاً من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وخصائص أمته.
أولاً: أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، يعني: آخرهم، فلا نبي بعده في كل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة، وبين جميع الأمم، فلا نبي بعده في العرب ولا في غير العرب، ولا نبي بعده في أرض العرب ولا في أرض غيرهم، ولا نبي بعده في بلاد المسلمين ولا غيرها، بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم ختمت برسالته وبه جميع الرسالات والنبوات، فلا نبي بعده على الإطلاق، وعلى هذا فأي مدع للنبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر كاذب ملحد.
وهذا أمر بدهي من ضرورات الدين، أي معلوم من الدين بالضرورة؛ لأنه متواتر في النصوص وأجمعت عليه الأمة، ومعلوم من الدين بالضرورة من حيث إن الله عز وجل أقام الحجة برسالته، وبما أنزل إليه من القرآن والسنة، وبإقامة الحجة بالطائفة الظاهرة المنصورة على الأمم إلى قيام الساعة، فلا حاجة إلى النبوة بعده، وهو نبي لجميع الأمم عربها وعجمها.
ثانياً: (أنه سيد المرسلين) والسيد هو المقدم، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل المرسلين وهو مقدمهم، وعلى هذا فهو أفضل البشر على الإطلاق، بل هو أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام على الإطلاق.
وسيادة النبي صلى الله عليه وسلم تعني تقدمه المطلق على جميع الناس؛ لأن المرسلين هم أفضل الناس وإذا كان هو سيدهم في الدنيا والآخرة، فإذاً هو سيد الناس جميعاً بما فضله به الله عز وجل.
ثالثاً: (لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته) هذا على الإطلاق، بل الراجح أن جميع الأمم مطالبة بالإيمان به من لدن آدم إلى قيام الساعة، فهذا لا يختص بالأمة التي بعث فيها وما بعدها، بل يعم جميع الخلق، فكلهم لا بد أن يؤمنوا برسالته، لكن الذين بعث فيهم يجب أن يأخذوا بدينه جملة وتفصيلاً، أما الذين قبله فقد أخذ عليهم العهد بالإيمان به على وجه الإجمال، وهم أخذ عليهم العهد بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، وهم أخذوا العهد على أممهم بالإيمان به صلى الله عليه وسلم كأخذهم العهد في مسألة النبوات عموماً، لكنه خص عليه الصلاة والسلام بالذكر والتخصيص.
والإيمان برسالته يشمل الجن والإنس الذين بعث فيهم والذين قبلهم.
وقوله: (ويشهد بنبوته) تابع لما قبله.
رابعاً: (ولا يقضى بين الناس يوم القيامة إلا بشفاعته) وهي الشفاعة العظمى، وهي من المقام المحمود الذي سيأتي ذكره، بمعنى أن الناس يوم القيامة يبقون في الحشر يموج بعضهم في بعض، ولا يجدون من يشفع لهم، حتى يتصدى للشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيشفع عند ربه بذلك المقام العظيم.
خامساً: (أنه لا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته) يعني أن هذه الأمة أمة النبي صلى الله عليه وسلم هي أول الأمم دخولاً للجنة.
سادساً: (أنه صلى الله عليه وسلم صاحب لواء الحمد) ولواء الحمد ورد ذكره في السنة، والمقصود به أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة يتقدم بأمته جميع الأمم وجميع المرسلين، للواء يرفعه وتكون اللواءات كلها بعده، واللواء هو علم كما هو معروف يرفعه النبي صلى الله عليه وسلم وتكون وراءه أمته، ويكون هو المقدم أو صاحب اللواء في هذا المقام.
سابعاً: (أنه صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود) وهو بمعنى الشفاعة التي مر ذكرها، لكن المقام المحمود قد يتفرع إلى مقامات، من ضمنها الشفاعة العظمى، وبعضهم يدخل في ذلك شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة أن تفتح لهم أبوابها.
ثامناً: (أنه صلى الله عليه وسلم صاحب الحوض المورود) الحوض هو الذي مر ذكره، ويرده المؤمنون من أمته، وقيل: إن الحوض يكون قبل الصراط أو بعده، والله أعلم.
وعلى أي حال فالنبي صلى الله عليه وسلم ورد في حوضه صفات مميزة في طوله وعرضه، وفي آنيته وفيمن يرد إلى آخره، كما أنه ورد أن لكل نبي حوضاً، لكن حوض النبي صلى الله عليه وسلم هو أعظمها.
تاسعاً: (أنه إمام النبيين) والإمامة أخص من السيادة من جانب؛ لأن الإمامة تعني الإمامة في الدين، والسيادة تعني السيادة في الدين والدنيا، فهو صلى الله عليه وسلم إمام النبيين من كل وجه، حتى في الصلاة فقد صلى بهم صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس في أثناء الإسراء كما هو معلوم، كما أنه إمامهم ومقدمهم أيضاً في الدنيا والآخرة.
العاشر: (وخطيبهم) كما ورد في السنة أيضاً وذلك يوم القيامة.
الحادي عشر: (وصاحب شفاعتهم) أي المقدم في جميع الشفاعات، فشفاعته المقدمة على كل شفاعة، سواء في ذلك المقام المحمود أو ما دونه من الشفاعات الأخرى كالشفاعة لأهل الكبائر وغير ذلك من الشفاعات، فشفاعته صلى الله عليه وسلم هي المقدمة ابتداء واعتباراً.
هي المقدمة ابتداء بمعنى أنه هو الذي يبدأ الشفاعات صلى الله عليه وسلم، كما أنه شفاعته مقدمة على غيرها، ويستجاب له في شفاعته قبل أن يستجاب لغيره.
الثاني عشر: (أن أمته خير الأمم إطلاقاً) خيرها من حيث الفضل، وخيرها من حيث الصفات العامة، وخيرها من حيث النبي، وخيرها من حيث الشريعة، وخيرها من حيث العدد، وخيرها من حيث أفضلية أفرادها، أو بعض أفرادها كالصحابة، فصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أفضل أصحاب النبيين من بعده ومن قبله.
كما أن أمته ميزت بخصائص تشريعية كثيرة، كأن جعلت لهم الأرض مسجداً وطهوراً وغير ذلك مما هو معلوم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام.
وأفضل أمته أبو بكر الصديق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضى رضي الله عنهم؛ لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي:
وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ، ولو شئت سميت الثالث.
وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من
وهو أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لفضله وسابقته، وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة على جميع الصحابة رضوان الله عنهم، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم على تقديمه ومبايعته، ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة.
ثم من بعده عمر رضي الله عنه لفضله وعهد أبي بكر إليه، ثم عثمان رضي الله عنه لتقديم أهل الشورى له، ثم علي رضي الله عنه لفضله وإجماع أهل عصره عليه.
وهؤلاء الخلفاء الراشدون، والأئمة المهديون الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ).
وقال صلى الله عليه وسلم: (الخلافة من بعدي ثلاثون سنة) فكان آخرها خلافة علي رضي الله عنه.
ونشهد للعشرة بالجنة كما شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (
وكل من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة شهدنا له بها، كقوله: (
هذا المقطع يتعلق بحقوق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إجمالاً، وبحقوق بعضهم على وجه التخصيص، وهذه الفقرة تعد الثالثة عشرة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، فبعد قوله: (أمته خير الأمم)
يأتي: (وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام) لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في أبي بكر : (ما طلعت الشمس بعد النبيين على أفضل من
وهذا نستنتج منه عقيدة من عقائد السلف التي تميزوا بها عن غيرهم، في أنه يجب أن يحفظ لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حقهم في الأفضلية، وفي العدالة، وفي وجوب حبهم وعدم جواز القدح واللمز فضلاً عن القول بما هو أعظم من ذلك فيهم.
ثم ذكر مسألة التفضيل، قال: (وأفضل أمته أبو بكر الصديق ) يعني: أفضل أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ، ثم عمر ثم عثمان ثم علي المرتضى.
وهذا الترتيب يعد اتفاقاً عند السلف، وإن كان أول الأمر قد جرى بينهم خلاف في عثمان وعلي أيهما أفضل، وهذا يعني أنهم أجمعوا على تفضيل أبي بكر أولاً ثم عمر ، ثم اختلفوا بعض الوقت في أيهما يقدم: عثمان أو علي ؟ وسبب ذلك قرابة علي رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما خص الله به هذه القرابة من الفضل والحق، فحدث أول الأمر شيء من الخلاف وإن كان جمهور السلف وعامتهم في عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين على تفضيل عثمان ثم علي ، لكن هناك من نازع أول الأمر، وفي آخر الأمر بلغت النصوص العلماء واجتمعت لديهم تبين بالنص، أي: بالأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ترتيب الأفضلية على نحو ترتيب الخلافة، وأن عثمان رضي الله عنه أفضل من علي ، وصار هذا يشبه الاتفاق فيما بعد.
وتعليل ذلك أن كثيراً من النصوص الواردة في عثمان ما كانت تبلغ بعض الصحابة وبعض التابعين قبل أن تنتشر وتشتهر، فلما انتشرت واشتهرت علموا بهذا الترتيب من خلال النصوص، ونحن إذا استقرأنا النصوص الواردة في الأفضلية، نجد أن أكثرها يرد في أبي بكر ، ثم يليه عمر ، ثم يليه عثمان ، ثم يليه علي .
فبعد اجتماع النصوص وجمعها صار هذا اتفاقاً بين السلف، وعلى هذا فإن الذين قدموا علياً على عثمان في أول الوقت قبل أن تبلغهم النصوص يعذرون بذلك، وهذا اجتهاد سائغ؛ لأنها لم تبلغهم النصوص بمجموعها فيعرفوا ذلك الحق، أما بعد بلوغ النصوص فإن الأمر لم يعد محل خلاف، ولذلك السلف يرمون من فضَّل علياً على عثمان بالتشيع، ويعتبرونه صاحب بدعة، وذلك بعد بيان النصوص وظهورها.
وكل من الخلفاء الراشدين صار له وصف، فـأبو بكر سمي بـالصديق وهذا علم عليه؛ لأنه صدق النبي صلى الله عليه وسلم بالغيب والشهادة، وهو أول من صدقه من الرجال.
و عمر وصف بـالفاروق لأن الله فرق بإسلامه بين الحق والباطل، وفرق الله بقوته وجرأته في الحق بين الحق والباطل، فكان رضي الله عنه قوياً في الحق، درأ عن الإسلام شروراً عظيمة، وبدعاً لو لم يكن منه ذلك الحزم لحصل شر عظيم، فهو الفاروق بين الحق والباطل.
و عثمان ذو النورين ؛ لأنه تزوج باثنتين من بنات النبي صلى الله عليه وسلم.
وأنا أعجب من الرافضة الحمقى كيف يطعنون في عثمان رضي الله عنه مع أنهم يدعون أنهم ينتصرون لآل البيت، وعثمان رضي الله عنه قد تزوج بنتين من بنات النبي صلى الله عليه وسلم، زوجه النبي صلى الله عليه وسلم لفضله ولحقه، وكأنهم بذلك يقدحون في النبي صلى الله عليه وسلم حيث زوجه بابنتيه، ثم يقدحون ببنات النبي صلى الله عليه وسلم اللتين تزوجهما عثمان ، ثم يقدحون في هذا الإمام العظيم الذي جعل الله له ذلك الفضل.
ثم علي المرتضى ، ولا أدري ما وجه تسميته بالمرتضى، فمن عرف في هذا قولاً فلا مانع أن يأتينا به ولو في الدرس القادم.
ثم ذكر شيئاً من النصوص التي وردت في تفضيل هؤلاء، وهي كثيرة جداً لا تكاد تحصى وقد أفردها كثير من أهل العلم بكتب، وربما يكون الشيخ المؤلف له كتاب في فضل الخلفاء الأربعة يقع في مجلدين كبيرين.
وحديث عبد الله بن عمر : (كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي:
وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ولو شئت سميت الثالث، وفي بعض الروايات سمى الثالث وهو عثمان ، بل الروايات الواردة عن علي رضي الله عنه في ترتيب الخلفاء الثلاثة قبله كثيرة جداً بما فيها التصريح بـعثمان ، وكان يقف عند الرابع فقط؛ لأنه يعني نفسه، وقد تحمل بعض الروايات على أنه يقصد نفسه بالثالث، لكن هذا أمر يحتاج إلى مزيد بحث.
وعلى أي حال فإن النصوص الواردة في تفضيل عثمان على علي كثيرة وكافية في الرد على الرافضة ومن شايعهم.
ثم ذكر أفضلية أبي بكر رضي الله عنه على وجه الخصوص، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من
وأبو بكر أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي؛ لأن هناك من أصحاب الأهواء من سلم بأفضلية أبي بكر رضي الله عنه، لكنه لم يسلم بأحقيته بالخلافة، وعلى هذا أكثر فرق الشيعة والرافضة، وبعض الزيدية، وبعض الخوارج، فإنهم نازعوا في تقديم أبي بكر في الخلافة، وإن اعترفوا بأفضليته الأفضلية المطلقة، لأنهم يرون أن الخلافة لا ينبغي أن تكون إلا لآل البيت، وهذه النزعة نزعة موروثة عن الفرس المجوس، الذين يرون أن الملك حكر على أسر معلومة.
والفرس كانوا يقدسون الساسانيين ملوك فارس، ويرون أن الملك فيهم ولا يخرج عنهم، حتى لو انقطع نسلهم من الرجال يبقى الملك في النساء وأبناء النساء، وهذه النزعة موجودة عند كثير من الأمم الضالة، وتوجد الآن عند بعض الأمم الأوروبية كالبريطانيين، وكانت في الفرس قديماً، وانتقلت إلى الشيعة الرافضة، فهم يزعمون أن الإمامة وراثة تتفرع عن النبوة، وأنه ينبغي أن يلي الإمامة أحد الأئمة من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك حتى الذين ما طعنوا في أفضلية أبي بكر منهم كأوائل الشيعة والزيدية وبعض أهل الهوى شكوا في أفضليته أو تقديمه للإمامة، وقالوا إن الإمامة يجب أن تكون كذا وكذا، كل له شروطه.
واعتقاد أفضلية أبي بكر لم تعد في الرافضة الآن، بل انقلبوا اليوم إلى خصوم لـأبي بكر وعمر يسبونهما، ويعتقدون ذلك ديناً يلقنونه أطفالهم وأعوانهم.
وأنا أعجب من الذين يشكون في كفر من يسبهما، أعني: أنهم قد طعنوا في أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعنوا في زوجاته وتكلموا في عرضه، فطعنوا في عائشة رضي الله عنها، بل طعنوا فيما جاء عن الصحابة من دين وروايات إلا نفراً معدودين لا يزيدون عن سبعة، وبعضهم يجعلهم خمسة أو ثلاثة.
المهم أن هؤلاء المبتدعة الضلال لم يعودوا يعترفون بـأبي بكر ولا عمر ، بل يرون أنهما ارتدا، نسأل الله السلامة.
ثم ذكر إجماع الصحابة على تقديم أبي بكر مطلقاً، ثم على مبايعته بالخلافة على وجه الخصوص، وبين أن الله عز وجل لم يكن ليجمعهم على ضلالة، ولا يزال الإجماع بين أهل الحق على إمامة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي .
قوله: (ثم من بعده عمر رضي الله عنه بفضله وعهد أبي بكر إليه، ثم عثمان رضي الله عنه لتقديم أهل الشورى له).
هذا فيما يتعلق بخلافة عمر رضي الله عنه، فإنه استحق الخلافة بأمور كثيرة، منها أنه الرجل الثاني في الأفضلية، ومنها أن أبا بكر رضي الله عنه عهد إليه بالخلافة، ومنها أن أهل الشورى وهم الصحابة رضوا بخلافته وبايعوه، وهذا إجماع.
ثم عثمان رضي الله عنه كذلك حقه في الخلافة حق مشروع؛ لأنه تمت له البيعة لاصطفائه من قبل عمر رضي الله عنه من خلال الستة الذين اختارهم، ثم إن أهل الشورى الذين قدمهم عمر ثم قدمهم المسلمون وهم أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، اتفقوا على عثمان ، ثم أجمع الصحابة على خلافته بمبايعتهم له، حتى الذين تخلفوا عن مبايعته أول الأمر لحقوا فيما بعد بالجميع وتمت الخلافة له بالإجماع.
ثم علي رضي الله عنه انعقدت خلافته بالإجماع، وقد أورد بعض الجهلة إشكالاً حول خلافة علي رضي الله عنه، وهو ما حصل من منازعة له من قبل معاوية رضي الله عنه وأهل الشام وبعض الناس، وظنوا أن ذلك يعد اختلافاً على إمامته، وليس الأمر كذلك، بل كانت البيعة عندهم مشروطة فقط، بمعنى أنهم قالوا: نبايع وعلى العين والرأس والسمع والطاعة لكن بشرط أن يقتص من قتلة عثمان قبل البيعة.
إذاً: لم يكن أحد ينازع في بيعة علي رضي الله عنه، إنما كانت المنازعة في إجراء البيعة كيف تكون ومتى تكون فقط، ومع ذلك فقد انعقدت البيعة من أهل الشورى وأهل الحل والعقل القريبين منه في المدينة.
ثم قال: (وهؤلاء الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) ).
وهذا أصل من الأصول الكبرى والعظمى في تقرير الدين وبيان مصادره، فإن الأمور التي سنها الخلفاء الراشدون في أحوال الأمة تعد سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها كذلك، فقال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) فلذلك تميز عهد الخلفاء بأن كثيراً مما وقع فيه باجتهاد هؤلاء الخلفاء الراشدين وأهل الشورى معهم، سواء ما كان حول التشريع والعمل به، أو حول الجهاد، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الولايات والخلافة والإمامة، أو غير ذلك من مصالح الأمة ومناهجها في الدين، كل ذلك يعد من السنن ومن مناهج الدين ومن قواعده ومن أصوله.
ثم ذكر العشرة المبشرين بالجنة، وأنهم يشهد لهم بذلك جزماً، وهم الخلفاء الأربعة الذين مر ذكرهم، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وذكر طلحة والزبير فيه رد على الذين طعنوا في أصحاب الجمل وصفين، أو الذين شاركوا أو ابتلوا بالفتنة التي حدثت بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، فإن الذين طعنوا يرد عليهم بمثل هذا الحديث الذي يشهد لهؤلاء بأنهم من أهل الجنة.
وتعرفون أن أول من طعن فيهم الخوارج، فقد كفروا طلحة والزبير ثم كفروا عدداً كبيراً من الصحابة، وكذلك لحق بهم طوائف من القدرية والمعتزلة والجهمية والروافض فيما بعد، وصار هذا من دينهم الذي يجعلونه ضمن العقائد الأساسية.
و سعد هو سعد بن أبي وقاص ، وسعيد هو سعيد بن زيد رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة.
ثم قال: (وكل من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم شهدنا له بها) يعني: من ثبت في حديث من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له، فإنا نشهد له إذا صح الحديث، سواء كانت شهادة بالجملة كفئات من الصحابة مثل أهل بيعة الرضوان، أو بالتخصيص ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم سوى العشرة، كـثابت بن قيس وعكاشة بن محصن وغيرهم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء، ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل، ونرى الحج والجهاد ماضيين مع كل إمام، براً كان أو فاجراً، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة، قال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، ولا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله عز وجل حتى يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار) رواه أبو داود .
ومن السنة: تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبتهم وذكر محاسنهم، والترحم عليهم والاستغفار لهم، والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم، واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10].
وقال الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أحداً من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
ومن السنة: الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء، أفضلهن خديجة بنت خويلد ، وعائشة الصديقة بنت الصديق، التي برأها الله في كتابه، زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم.
و معاوية خال المؤمنين، وكاتب وحي الله، أحد خلفاء المسلمين رضي الله عنهم ].
في أول هذا المقطع ذكر قاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة، وهي عدم الجزم لأحد من أهل القبلة بجنة أو نار، وهذه جاءت بمناسبة الشهادة لمن شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، فلما ذكر ذلك بين أن الشهادة للمعين بالجنة أو بالنار لا تجوز إلا بنص.
ثم ذكر القاعدة العامة في من لم يرد فيه النص وهم عموم المسلمين أهل القبلة، ويقصد بأهل القبلة المصلين، وبذلك يعلم الذي لا يصلي أنه لا يعد من أهل القبلة، وليس له هذه الحقوق التي يذكرها.
المهم أن أهل القبلة وهم المسلمون الذين يصلون لا نجزم لأحد منهم بجنة ولا نار، بمعنى أنا لا نجزم أن هذا الشخص بعينه سيموت على ما هو عليه من ظاهر صلاحه، وأنه سيكون مآله الجنة، الحكم يكون على الموت وعلى ما بعد الموت، كذلك لا نجزم بأن فلاناً العاصي أو مرتكب الكبيرة سيموت على معصيته، لأنا لا ندري ماذا سيحدث بينه وبين ربه، ثم بعد ذلك لا نجزم أن مصيره إلى النار، فحينئذ يبقى مجرد الرجاء والخوف.
ثم نرجو للمحسن الجنة؛ لأن الله عز وجل وعده بذلك، ووعد الله إن شاء الله متحقق وصادق، ما لم يعترض هذا الوعد أمور لا نعلمها، ونخاف كذلك على المسيء؛ لأن الله عز وجل توعد المسيئين.
والمقصود بالمسيء هنا العاصي لا الكافر، كذلك المحسن المقصود به المسلم لا الكافر؛ لأن الكافر قد يحسن في بعض أعماله، لكن نجزم أن ذلك لا ينفعه.
إذاً: القاعدة الأولى: لا نجزم لأحد من أ÷ل القبلة بجنة ولا نار، إلا من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم.
القاعدة الثانية: أنا نرجو للمحسن أن يثيبه الله عز وجل على إحسانه، ونخاف على المسيء أن يقع عليه الوعيد.
والقاعدة الثالثة: ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل.
قصده أن من وقع في ذنب مما توعد الله عليه لا نكفره بذنبه، وقد يرد على هذا إشكال وهو ماذا نقول في المسلم الذي وقع في مكفر مما ذكره الله عز وجل كقتال المسلم أو قتله، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن قتال المسلم كفر، كذلك الذي يأتي السحرة والكهنة ويصدقهم، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن فعله كفر، وهناك أحاديث وعيد عامة مثل: (من غشنا فليس منا) قد يفهم منها البعض يعني الكفر، وهذا أيضاً فهم بعيد، لكن قد يفهم منه.
على أي حال هناك نصوص ورد ذكر الكفر فيها بالنسبة لمن فعل أو قال أو اعتقد، وهو من أهل القبلة، فهذا النوع من الكفر يعد غير مخرج من الملة، وهو الكفر الذي يعد من الكبائر، ومن فعله يبقى من أهل القبلة ولا يكفر مطلقاً، وقد يطلق عليه أحياناً الكفر دون المخرج من الملة، كما يسميه بعض السلف كفر دون كفر، لكن لا يسمى كافراً بإطلاق، يقال فعلت كفراً، أو فعلك هذا كفر، أو من فعل ذلك فقد كفر، لكن لا نخرجه عن الإسلام بمجرد الذنب وإن كان كبيرة من الكبائر، ما لم يكن الذنب هو الشرك أو الذنب الذي يخرج من الملة بنص آخر قطعي يدل على إخراجه من الملة.
ثم كذلك ذكر العمل فقال: (ولا نخرجه من الإسلام بعمل)، يقصد بذلك ما هو أعم من مجرد الذنب، العمل عمل القلب وعمل اللسان والجوارح، أي إذا عمل عملاً من الأعمال التي تقتضي كفره ظاهراً فإنه لا يكفر، فضلاً عما هو دون ذلك من الكبائر، كالربا والسرقة والظلم وغير ذلك، فإن هذه الأمور كبائر لكن لا يخرج من الإسلام بمجرد عملها، وهذا ينسحب على حكمه في الدنيا وحكمه في الآخرة.
كذلك في مماته لا يحكم عليه إذا مات على هذه الكبيرة بأنه كافر، وبعد مماته كذلك لا نقول إنه في الآخرة حكمه حكم الكفار، ولا نقول بأنه من المخلدين في النار، بل نقول إنه تحت مشيئة الله إذا مات على كبيرته وذنبه، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، ثم يجزم بأنه من عذب فيخرج بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمة الإسلام.
(ونرى الحج والجهاد ماضيين مع طاعة كل إمام) هذا تفريع عن قاعدة سيأتي الكلام عنها ربما في الدرس القادم؛ لأننا ربما لا نصلها اليوم وهي مسألة طاعة أئمة المسلمين.
مسألة الحج والجهاد تتفرع عن طاعة ولاة الأمر، وأشار إلى الجهاد والحج لأنها أعظم شعائر الإسلام الجماعية الظاهرة، والصلاة لا شك أنها داخلة في ذلك دخولاً أولياً ولذلك ذكرها، لكن بدأ بالحج لأن الحج جمع للمسلمين جميعاً من أكثر من بلاد، بل من آفاق الأرض كلها، والحج في الغالب تكثر فيه أنواع الناس وأصنافهم بمذاهبهم وفرقهم وأقاليمهم ولغاتهم، فيكون مظنة النزاعات والخلافات، فكان اجتماعهم على إمام واحد مهما كان من الفجور والظلم أمراً تقتضيه المصلحة العظمى للأمة، ثم إن الحج من شعائر الدين التي لا بد من ترتبيها وتوقيتها، فلا بد من الخضوع فيه للإمام حتى وإن كان على رأي مرجوح، وإن كان على أمر لا يحمد من حيث المعاصي أو الفجور أو الظلم، فلا بد من الحج معه، ولا بد أن يعتقد المسلم صحة الحج مع هؤلاء الأئمة وإن لم تتوافر فيهم الشروط، لئلا يظن أن الحج لا يكون إلا مع المتقين أو أنه لا يصح إلا مع المتقين، فالحج كالصلاة، وهذا أمر مجمع عليه عند السلف.
والجهاد كذلك مثل الحج يتعلق بالمصالح العظمى، ولو أن الناس فتح لهم المجال بأن يطيعوا من يشاءون لحصلت الفوضى وحصل الضعف والهوان للمسلمين، فالجهاد مع الإمام مهما بلغ من الفجور والظلم أمر واجب إلى قيام الساعة.
(مع كل إمام براً كان أو فاجراً) وهذه ستأتي فيما بعد.
(وصلاة الجمعة خلفهم جائزة) هنا يشير إلى الذين لا تتوفر فيهم شروط العدالة، كأن يكونوا فسقة أو فجرة، وإلا فمن باب أولى أن الإمام ما دام مطاعاً في الأمور الأخرى، فتكون الصلاة خلفه جائزة؛ لأن الأصل فيه العدالة، لكن إذا تخلفت العدالة ووجد فيه شيء من الفسق والفجور وهو إمام معين له حق الإمامة الشرعية، فيجب الصلاة خلفه، والصلاة خلفه جائزة.
وذكر الجمعة؛ لأنها هي التي يجتمع عليها الناس، وإلا فالأمر أرجح حتى في صلاة غير الجمعة كما حدث من الصحابة رضي الله عنهم، فكانوا يصلون وراء بعض الأمراء الفجرة وإن لم تكن الصلاة جمعة، لكن الجمعة الأمر فيها أشد، والمصلحة فيها أكبر، والمفسدة في خلافها أعظم.
ثم ذكر الحديث، والحديث هنا ضعيف، لكن تعضده نصوص أخرى صحيحة.
قوله: (ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله..) هذا فيه أحاديث صحيحة.
وكذلك: (لا نكفره بذنب) هذا أيضاً فيه أحاديث صحيحة.
(ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله عز وجل حتى يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار)، كل هذه وردت مستقلة في أحاديث أخرى، وإن كان هذا السياق ضعيف وسياق متنه يدل على ضعفه.
ثم رجع إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعدما ذكر خصوصهم ذكر عمومهم.
السؤال: بالنسبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم الخلافة بعدي ثلاثون سنة، نلاحظ أن الدولة الأموية بدأت عام أربعين، فهل هذا يعني أن الحسن بن علي من الخلفاء الراشدين على أنه حكم سبعة شهور؟
الجواب: كثير من أهل العلم يعدون خلافة الحسن رضي الله عنه ضمن خلافة أبيه، وبعضهم لا يرى لها اعتباراً؛ لأنها لم تجتمع فيها الكلمة، وتنازل فيها لـمعاوية رضي الله عنه، وبعضهم يعدها من الخلافة الراشدة؛ لأن الخلافة الراشدة ما ذكر فيها عدد الخلفاء، فكل واحد له دليل، منهم من قال إنها امتداد لخلافة أبيه، ومنهم من قال بأنه خليفة مستقل، ويكون ضمن الثلاثين سنة التي هي خلافة راشدة، ومنهم من قال إن خلافته ليس لها اعتبار من حيث العد الزمني؛ لأنها لم تطل، وعلى أي حال فخلافة الثلاثين سنة تدخل فيها خلافة الحسن .
السؤال: هل تارك الصلاة خارج عن ملة الإسلام أم هو من الكفر غير المخرج؟
الجواب: ترك الصلاة درجات، فإن كان الترك ترك اعتقاد بمعنى أنه لا يعتقد وجوب الصلاة، فهذا يكفر كفراً مخرجاً عن الملة بإجماع المسلمين، وإن كان تركها ترك عمل مع اعتقاد وجوبها أو ترك كسل فهذا فيه خلاف، بعض أهل العلم يقول: إذا داوم على تركها وإن كان يعتقد وجوبها، فإنه يخرج من الملة، واستدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر)، وهذا الذي عليه جمهور المحققين من أهل العلم.
أما من تركها كسلاً وتهاوناً مع اعتقاده بوجوبها، فهو يصليها أحياناً ويتركها أحياناً، فهذا والله أعلم أن كفره كفر غير مخرج من الملة، لكن تجرى عليه الأحكام الأخرى.
السؤال: هل صحيح أنه لا يصح عند كتابة آية قرآنية وضع نقط عند عدم إرادة تكملة الآية، ذكر مثالاً: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].. الآية؟
الجواب: والله لا أدري، هل يجوز بعد ذكر بعض الآية أو آية من الآيات وضع نقط على أنه تليها الآية الأخرى، فهذا يحتاج إلى مراجعة.
السؤال: ما الدليل على أن الخلفاء الراشدين هم الأربعة فقط؟
الجواب: ليس هناك دليل جازم، لذلك قال بعض أهل العلم: يدخل فيهم عمر بن عبد العزيز ، لكن هناك ما يمكن أن يستدل به وهو حديث: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة). فكأنهم قالوا: هذه الثلاثون السنة دخل فيها الأربعة فقط، وهذا دليل على أن ما بعدهم ليس بخلافة راشدة، ومع ذلك ورد أحاديث بعضها حسن من أن الخلافة ستعود مرة أخرى، وصححه بعض أهل العلم.
فعلى أي حال المسألة خلافية ليس فيها قطع.
السؤال: هل يجوز أن يقال لشخص كافر قد مات بأنه كافر؟
الجواب: نعم، إذا مات الإنسان على الكفر يقال إنه كافر بناء على أصل حاله في الدنيا، كمن مات يهودياً أو نصرانياً، أما إذا كان مسلماً ووقع في المكفرات من الكبائر، فإنا لا نحكم بأنه مات على الكفر.
واليهودي والنصراني كافر قطعاً وليس عندنا في هذا شك، والحكم لهم بالنار هذا في العموم، نقول اليهود والنصارى من أهل النار جزماً، لكن لا نستطيع أن نقول بذلك لشخص بعينه فنحن نحكم على الكافر أنه من أهل النار، لكن لا نجزم بذلك في عينه.
السؤال: ما حكم التوقف في حال من لم يصلهم الإسلام، فلم نجزم لهم بنار ولا بجنة؟
الجواب: المهم أن هؤلاء الذين يموتون لا ندري عن حالهم، بلغتهم الحجة أو ما بلغتهم، وإذا كان يظهر من القرائن أنه لم تبلغهم الحجة وهذا نادر جداً، فنقول: إن الأصل فيهم أنهم كفار لكن مآلهم في القيامة إلى الله عز وجل.
والذي يموت على غير ملة نقول: مات على غير الإسلام، مات على الكفر، حتى لو لم تبلغه الحجة مثل أهل الفترة، لكن الكلام في مصيرهم في القيامة هو الذي لا نحكم به.
السؤال: قرأت في فتاوى اللجنة الدائمة أنه لا يجوز أن يقال للرسول صلى الله عليه وسلم (سيدنا)، لكن نجد في مقدمة بعض الكتب هذه الكلمة، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فما رأيكم؟
الجواب: على أي حال هذه مسألة خلافية، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقال له سيد، فالأولى هو الأدب مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا ورد في كلام أهل العلم في الكتاب نقرؤها على ما وردت، على أساس أننا نقول بأن هذا العالم اجتهد ورجح جواز إطلاق كلمة (سيد) وقال بها.
والذي يترجح فيما يظهر لي أنه ينبغي أن لا يقال (سيد)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها أدباً معه، وإلا فهو (سيد) مستحق للسيادة بين البشر، بل هو أفضل الخلق وسيد الخلق من حيث المعنى.
لكن نظراً لأنه نهى فنحن نتأدب مع نهيه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك حمل النهي بعض أهل العلم على محمل آخر، قال: إنه من باب تواضعه صلى الله عليه وسلم، كما نهى أن يفضل على بعض النبيين، مع أنه أفضلهم جزماً، لكن من باب تواضعه عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك، ثم إنه قد يفهم أحياناً من السيد التعظيم الذي لا يجوز للبشر.
أما حديث: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، فليس عندنا شك في أفضليته على الأنبياء، وأفضليته على الخلق جميعاً بما فيهم الملائكة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الخلق، لكن الكلام كان على إطلاق كلمة سيد هل تجوز أو لا، وهذه مسألة خلافية، وكل من ذهب إلى قول فإن معه دليلاً، حتى الذين قالوا بأنه يقال له سيد معهم دليل.
فمن هنا تبقى المسألة خلافية، والراجح عدم إطلاق هذه الكلمة امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
السؤال: إذا ثبت عندي أن فلاناً لا يصلي ومات على ذلك، فهل يجوز لي أن أقول هذا كافر؟
الجواب: هذه كلمة مجملة، فكثيراً ما يظن بعض الناس أن الحكم يأتي بسهولة من خلال الأسئلة، بعضهم يقول: عندي جار أو أخ لا يصلي، فنسأله كيف عرفت أنه لا يصلي، قال: ما رأيته مرة يصلي، فرق بين كونك ما رأيته وكونك تحققت بأنه لا يصلي، فقد يصلي في قعر بيته، قد يصلي إذا خلا بربه، قد يصلي إذا انفرد عن الناس في أي مكان في البيت أو في غير البيت، هذه مسألة تحتاج إلى نوع من التفصيل، أما إذا ثبت أنه لا يصلي على الإطلاق، فالراجح كفره، وتجرى عليه أحكام الكفر في التعامل والدفن والإرث وغير ذلك.
السؤال: قرأت في قصص الأنبياء لـابن كثير قصة يونس، وفيها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تفضلوني على الرسل ولا يونس بن متى)؟
الجواب: ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تفضلوني على يونس بن متى) لكن هذا محمول على التواضع منه صلى الله عليه وسلم، أما كونه أفضل الأنبياء فقد صرح به في نصوص أخرى، كقوله صلى الله عليه وسلم: (فضلت على النبيين بست.) وفي رواية: (بخمس).
السؤال: ما حكم الخوض فيما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من خلاف، وخصوصاً ما وقع بين علي ومعاوية ، وتخطئة أحدهما وتصويب الآخر؟
الجواب: سبق الكلام على هذا، أما بالنسبة لتخطئة أحدهما وتصويب الآخر، فهذه مسألة أكبر منا حقيقة، فنحن لا نخطئ ولا نصوب، والسلف رضي الله عنهم صار عندهم توجه أن هناك فئة أقرب إلى الصواب من الفئة الأخرى، توجه على ضوء نصوص معينة كالنص الوارد في عمار رضي الله عنه وأنه تقتله الفئة الباغية، ونحو ذلك، فهذا فيه أن فئة معينة بجملتها أقرب إلى الخطأ، وفئة معينة بجملتها أقرب إلى الصواب، لكن كما قال السلف: لا يعني ذلك أن هؤلاء كلهم على خطأ وهؤلاء كلهم على صواب، أو أنهم كلهم أفضل، حتى قال أئمة السلف: إنه قد يكون مع الفئة الباغية من هو أفضل ممن في الفئة الأخرى.
هذه مسألة لا نخوض فيها، ونعلم أن الذين أخطئوا أخطئوا عن اجتهاد ولهم أجر، فلا يقدح ذلك في ذممهم؛ لأنهم يريدون الخير، وإلا فالأقرب أن الفئة التي مع علي رضي الله عنه كانت هي الفئة المحقة، والفئة التي مع معاوية رضي الله عنه هي الفئة المخطئة، لكنهم لم يعرفوا أنهم على خطأ إلا فيما بعد، حتى أن بعضهم صرح، بل بعضهم أدرك أنه على خطأ أثناء الفتنة، كما حصل من طلحة والزبير ، فكل منهما لما ذكره بعض الصحابة بأحاديث نسيها عن النبي صلى الله عليه وسلم عرف أنه على خطأ، فهربوا من المعركة، ولحقهم أهل البدع وقتلوهم، وهذه من سمات الفتن.
السؤال: هل يكفر من يوالي اليهود والنصارى، ويأخذ تشريعاتهم، ويهنئهم على كل شيء؟
الجواب: الولاء للكفار قد يكون كفراً وقد يكون معصية، وهذه مسألة لا بد من التفصيل فيها، فليس كل ولاء للكفار كفراً، بل الموالاة القلبية العامة بجملتها كفر، لكن صور الولاء ومفردات الولاء وجزئيات الولاء ليست كلها كفراً، بدليل ما حدث في عهد الصحابة أنفسهم وما بعده، كما حصل في قصة الصحابي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه الذي كتب للمشركين يخبرهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قادمون إليهم، وكما حدث من بعض الخلفاء وغير الخلفاء في عهد بني أمية، وعهد بني العباس، بل حدث من بعض الذين يعدون من أهل التقوى والصلاح، أنه اضطر يوماً من الأيام بأن يفعل ما يظنه بعض الناس ولاء للكفار، وحدث من أناس قاتل معهم المسلمون في عهد الدويلات، فالمسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل.
السؤال: هل يصح قول: (الشهيد فلان) من باب الرجاء والتمني؟
الجواب: لا تطلق كلمة شهيد إلا على من مات في معركة شرعية أو بإحدى طرق الشهادة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما عدا ذلك فلا يجوز الحكم على فلان بمجرد أنه مات أو قتل أي قتلة أنه شهيد، فالتجوز في هذا فيه نظر.
السؤال: ما الحكم في رجل يدعي أنه نبي في الوقت الحاضر مع أنه يقال أنه مصاب بمرض انفصام الشخصية؟
الجواب: على أي حال، هذا إن كان مريضاً فهو مجنون ويعامل معاملة المجانين، لكن قد لا يكون مريضاً، فيترك الإجراء في حقه إلى المحاكم الشرعية.
السؤال: الخلفاء الراشدون المهديون، هل هذه خلافة نبوة أم خلافة ملك؟
الجواب: الخلفاء الراشدون خلفاء نبوة، كانوا يسمون أبا بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسموا عمر خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لما طالت الإضافات تركوها، وإلا فالمقصود خلافة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بحق وعدل ورشد.
فالخلفاء الراشدون هم خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم بأمته بحق وعدل، وليست خلافة ملك.
السؤال: ما معنى قولك: (وأصحابه خير أصحاب الأنبياء من قبله ومن بعده)؟!
الجواب: إذا كنت قلت: (من بعده)، فهو سهو مني، نعم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خير أصحاب الأنبياء جميعاً بدون كلمة (من قبله ومن بعده)، فالأنبياء كلهم من قبله وهو آخر الأنبياء، فهذا سهو مني أرجو أن لا تأخذوا به.
أما إذا كان بمعنى أنه لا يأتي من هذه الأمة أفضل من أصحابه فنعم، بمعنى أن الذين ورد التصريح بفضلهم كالخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة، لا يمكن أن يأتي بعدهم من هو أفضل منهم.
لكن ذكر بعض أهل العلم أنه قد يكون من أفراد الأمة بعد الصحابة رضي الله عنهم من هو أفضل من بعض الصحابة الذين لم يرد التنصيص على فضل معين لهم، وهذه مسألة خلافية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في بعض الأحاديث: أن من المؤمنين آخر الزمان من يكون أجره أجر خمسين من الصحابة، فهذا فيه إشارة إلى أنه قد يوجد من أفراد الأمة من هو أفضل من بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا أفاضلهم، هذه مسألة يجوز الكلام فيها، لكن لا يكون على سبيل الجزم والاعتقاد.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر