وقول الله تعالى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ [آل عمران:20] الآية.
وفي الصحيح عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً). وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام؟ فقال: أن تسلم قلبك لله، وأن تولي وجهك إلى الله، وأن تصلي الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة) رواه أحمد .
وعن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله، ويسلم المسلمون من لسانك ويدك، قال: أي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت) ].
تحت هذا العنوان بيّن الشيخ المعنى الشامل للإسلام والمعاني الأخرى المرادفة والتي تتفرع عنه، فمن خلال سياق الآية بيّن التفسير الشامل للإسلام الذي يُفهم من سياق الآية في قوله عز وجل:فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ [آل عمران:20] فإنه في الآية أشار إلى المعنى الشامل وهو أن الإسلام هنا يعني التسليم لله عز وجل بالقلب والأعمال، وتسليم الظاهر والباطن بالتوحيد والطاعة، وهو التسليم المطلق.. فهذا المعنى الشامل للإسلام، وهو ما عرّفه بعض السلف: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك.
وبعض الناس يظن أن هذا التعريف خاص بشيخ الإسلام ابن تيمية ، وهذا ليس بعيب، كما أن هذا التعريف قال به بعض السلف في القرون الفاضلة قبل شيخ الإسلام ابن تيمية ، فهذا تعريف اصطلاحي أُخذ من معنى اللغة ومن المعنى الشرعي، الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلاص من الشرك..
كما أن هذا التعريف عرّف به شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وغيره من أئمة سلف الإسلام، لأن أول ما يُفسّر به هو هذا المعنى العام، وهو الذي تدل عليه الآية.
ثم جاء بالمعاني الأخرى التي دلّت عليها الأحاديث، ومنها حديث عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسّر الإسلام بأركان الإسلام الخمسة، وهذا يعني القيام بفرائض الدين.. فالإسلام بمعناه الظاهر هو القيام بفرائض الدين، وهذا هو الإسلام فيما يظهر للناس، ومع أننا نقول: إن من شرط صحة الإسلام إذعان القلب، لكنه خفي، إذاً: يبقى المعنى الآخر للإسلام وهو تفسير الإسلام بالأعمال الظاهرة، وهذا هو الجانب العملي في الإسلام.
ثم ذكر الشيخ ما هو أخص من ذلك في حديث أبي هريرة ، وهو أن الإسلام لا بد أن يتمثل بثمرته في التعامل مع الناس، وأعظم ثمار الإسلام في سلوك المسلم بعد الفرائض هو منهج التعامل مع الآخرين، وقد رسم النبي صلى الله عليه وسلم التعامل بمثال، وهو أن الإسلام لا يتحقق ولا يؤتي ثماره ولا يكون كاملاً صحيحاً مثمراً ينفع في الدنيا والآخرة إلا عندما يتمثّل المسلم بأخلاق الإسلام، ولذلك قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، والنبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن، فمقتضى القرآن ومقتضى السنة سلامة منهج التعامل عند المسلم المتمثّل بالأخلاق.
ثم ذكر حديث بهز بن حكيم وهو أن الإسلام يعني تسليم القلب والجوارح وأداء الفرائض جميعاً، استسلام القلب والإذعان لله عز وجل، والاستعداد لقبول شرع الله، وتولي الوجهة إلى الله عز وجل بالعبادة فلا تعبد إلا الله ولا تدعو إلا الله، وتخلص دينك وعبادتك لله، فهذا يعبّر عنه بتولية الوجه إلى الله، ثم يظهر ذلك بإقامة الفرائض وأن تصلي الصلاة، ثم يظهر ذلك بإقامة الفرائض التي فيها حقوق العباد، وهي: أن تؤدي الزكاة، وهذا رمز للتعامل، فإن من الحقوق المفروضة للمسلم على المسلم تأدية الزكاة من الغني للفقير، أو لمن يحتاج.
ثم ذكر ما أورده أبو قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله، ويسلم المسلمون من لسانك ويدك) وهذا يعني إذعان القلب وتسليم القلب وتوجه القلب إلى الله عز وجل، كما يعني سلامة المنهج في التعامل وسلامة الأخلاق، وهذا هو ثمرة الإسلام؛ ولذلك نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان ونفى الإسلام عن بعض من يعمل بعظائم الذنوب مثل الغش والزنا والسرقة ونحو ذلك.
(ثم قال: أي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث)، وهذا هو الجانب العلمي الاعتقادي من الإسلام.
والخلاصة: أن الشيخ أراد أن يقرر في تفسير الإسلام أن الإسلام هو بمعناه الشامل: تسليم القلب والجوارح، وما يتبع ذلك من ضرورة إقامة الفرائض وإقامة حدود الله عز وجل وأركان الإسلام وأركان الإيمان، وأيضاً الثمرة التي لا بد أن تنتج عن ذلك كله وهي الأخلاق، ولذلك ينبغي التنبيه على أهمية تخلق المسلم بالأخلاق الفاضلة؛ لأنه بذلك يحقق الإسلام، وبضده يسيء إلى دينه وينقص إيمانه وإسلامه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة، فتقول: يا رب! أنا الصلاة، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الصدقة، فتقول: يا رب! أنا الصدقة، فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الصيام، فيقول: يا رب! أنا الصيام، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال على ذلك، فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام، فيقول: يا رب! أنت السلام، وأنا الإسلام، فيقول: إنك على خير، بك اليوم آخذ وبك أُعطي، قال الله تعالى في كتابه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]) رواه أحمد .
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ورواه أحمد ].
هنا قرر الشيخ نتيجة أخرى وهي من لوازم ما سبق، وهذه النتيجة هي أنه لا يصح قبول أعمال العباد ولا رضا الله عز وجل عن أعمال العباد إلا بشرط صحة الإسلام، وليس دعوى الإسلام، وإنما بشرط أن يكون الإسلام صحيحاً، ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق صحة الإسلام شرطاً لصحة جميع الأعمال، فلذلك حينما جاءت الصلاة تريد أن تكون هي المعوّل في القبول عند الله عز وجل والرضا، وكذلك جاء الصيام، وجاءت الصدقة، وجاءت أعمال البر، فجعل الله عز وجل قبول هذه الأعمال وكونها هي الرأس في أعمال الجوارح أو أعمال القلوب أن ذلك راجع كله إلى صحة الإسلام، فهذه الأعمال من أعمال الإسلام، فلا تصح إلا إذا صح أصلها.
وأيضاً فإن المقصود بالإسلام هو المعنى الشرعي لا الإسلام العام بمعناه اللغوي، والمقصود به أيضاً الدين الذي أرسله الله لجميع الرسل، ثم بعد ختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم صار الدين الذي لا يبتغي الله من العباد غيره هو هذا الإسلام الخاص، فلذلك لا يصح عمل إنسان إلا بصحة إسلامه، ولا يصح دين من الأديان بعد ظهور الإسلام، فالإسلام هو المهيمن، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يرجع إلى أن كل الأعمال مردها إلى أمر الله عز وجل الذي هو شرعه، فما لم تكن الأعمال مرتبطة بما شرعه الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم فهي مردودة، وهذا يشمل الدين كله من باب الضرورة، فلا بد أن يكون الدين كله بناء على ما أمر الله به وأخبر وشرع، سواء أصول الإيمان أو أصول الإسلام، أو ما يتفرع عنهما من بقية فرائض الدين في العقيدة والأحكام.. كل ذلك الأصل فيه أن الله عز وجل لا يقبل من أعمال العباد ولا من أفعالهم القلبية ولا أعمال الجوارح إلا ما تدينوا به لله عز وجل على شرع الله الذي هو هذا الدين؛ ولذلك لا بد من استحضار عدة معانٍ في هذا المجال وهي:
المعنى الأول: كمال الدين، وعلى هذا فلا يجوز لأحد أن يدّعي أن الناس بحاجة إلى أي أمر يقررونه في العقيدة أو الأحكام دون مصادر الدين الأصلية.
المعنى الثاني: أن هذا الدين باقٍ وظاهر إلى قيام الساعة، فلا يجوز لأحد أن يدّعي أن هناك من أمور الدين وأصوله ما اندثر أو يحتاج إلى أن يبدّل، وقد تخفى بعض السنن لكن لا تخفى على عموم الأمة؛ لأنه لا تزال طائفة من الأمة على الحق جملة وتفصيلاً.
المعنى الثالث: أنه لا يسوغ لأحد أن يدّعي أن الدين هو نصوص الكتاب والسنة؛ لأن النصوص لا تصح بدون تفسيرها، وتفسيرها هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل الصحابة وعمل التابعين وأئمة الهدى.. وذلك سبيل المؤمنين الذي توعد الله من خالفه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر